يحتاج الإنسان طوال حياته لمن يعين ضعفه، ومن يسدد احتياجاته التي لا تنتهي. إن الإنسان الحكيم هو الذي يؤمن، ويثق في حب الله وكثرة صلاحه، لذلك يتكل على الله، الذي يعطي دائمًا بسخاء، كقول الكتاب: "وَإِنَّمَا إِنْ كَانَ أَحَدُكُمْ تُعْوِزُهُ حِكْمَةٌ، فَلْيَطْلُبْ مِنَ اللهِ الَّذِي يُعْطِي الْجَمِيعَ بِسَخَاءٍ وَلاَ يُعَيِّرُ، فَسَيُعْطَى لَهُ" (يع١: ٥). ولكن استجابة الله صلوات وطلبات البشر تعتمد على عوامل بشرية، وأيضًا على حكمة الله وصلاحه، فيما يلي نشرح ذلك تفصيلًا:
أولًا: عوامل بشرية تؤثر على مدى استجابة طلبات وصلوات البشر
- الثقة والإيمان بالله
إن الثقة بالله شرط أساسي لاستجابة الصلاة، وذلك كقول ربنا يسوع المسيح: "إِنْ كُنْتَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُؤْمِنَ. كُلُّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ لِلْمُؤْمِنِ" (مر٩: ٢٣). لقد آمن إشعياء النبي بقدرة الله العظيمة، وشهد بذلك قائلًا: "ارْفَعُوا إِلَى الْعَلاَءِ عُيُونَكُمْ وَانْظُرُوا، مَنْ خَلَقَ هذِهِ؟ مَنِ الَّذِي يُخْرِجُ بِعَدَدٍ جُنْدَهَا، يَدْعُو كُلَّهَا بِأَسْمَاءٍ؟ لِكَثْرَةِ الْقُوَّةِ وَكَوْنِهِ شَدِيدَ الْقُدْرَةِ لاَ يُفْقَدُ أَحَدٌ."(إش٤٠: ٢٦).
- الاتضاع شرط إستجابة الصلاة
يستجيب الله طلبات وصلوات المتضعين، ويقيمهم من ضعفهم، بل يصنع بهم عظائم كقول كُلية الطهر العذراء مريم والدة الإله: "لأَنَّ الْقَدِيرَ صَنَعَ بِي عَظَائِمَ، وَاسْمُهُ قُدُّوسٌ" (لو١: ٤٩).
أما المستكبرين فيقاومهم الله، وبالطبع لا يستجيب طلباتهم كقوله: "... يُقَاوِمُ اللهُ الْمُسْتَكْبِرِينَ، وَأَمَّا الْمُتَوَاضِعُونَ فَيُعْطِيهِمْ نِعْمَةً" (يع٤: ٦).
إن الإنسان الحكيم يعرف ضعفه، ويثق في الله وفي حكمته وصلاحه أكثر مما يثق في قدرته وحكمته الشخصية كقول الكتاب: "وَالْقَادِرُ أَنْ يَفْعَلَ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ، أَكْثَرَ جِدًّا مِمَّا نَطْلُبُ أَوْ نَفْتَكِرُ..." (أف٣: ٢٠).
- الله لا يستجيب طلبات الأشرار
إن صلاة الأشرار مكرهة الرب. لقد أكد الوحي الإلهي أن ذبائح الأشرار وصلواتهم مكروهة لدى الرب، وطلباتهم أيضًا مرفوضة قائلًا: "ذَبِيحَةُ الأَشْرَارِ مَكْرَهَةُ الرَّبِّ، وَصَلاَةُ الْمُسْتَقِيمِينَ مَرْضَاتُهُ. مَكْرَهَةُ الرَّبِّ طَرِيقُ الشِّرِّيرِ، وَتَابعُ الْبِرِّ يُحِبُّهُ" (أم١٥: ٨- ٩).
حقًا إنه لا يوجد من يقدر أن يدعي أنه بلا خطية، وحقًا أيضًا أن الله يُقَدَّر ضعفنا، وأنه يستجيب للتائبين للمعترفين بخطاياهم السالكين في طريق الاستقامة والبر كقول الكتاب: "اِعْتَرِفُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ بِالزَّلاَتِ، وَصَلُّوا بَعْضُكُمْ لأَجْلِ بَعْضٍ، لِكَيْ تُشْفَوْا. طَلِبَةُ الْبَارِّ تَقْتَدِرُ كَثِيرًا فِي فِعْلِهَا" (يع٥: ١٦).
أما إن أصر الإنسان على فعل الشر فلن يُستجاب له كقول المرنم في المزمور: "إِنْ رَاعَيْتُ إِثْمًا فِي قَلْبِي لاَ يَسْتَمِعُ لِيَ الرب" (مز٦٦: ١٨). ومعنى كلمة راعيت هنا هي: أنه أحب الشر، ولم يتب عنه، بل تركه ينمو في قلبه.
- أعمال المحبة والرحمة تحنن قلب الله
لقد استجاب الله لصلوات كرنيليوس قائد المئة الأممي، الذي اشتهر بالعطاء وصنع الرحمة، فأرسل له ملاكًا يبشره قائلًا:"فَرَأَى... مَلاَكًا مِنَ اللهِ دَاخِلًا إِلَيْهِ وَقَائِلًا لَهُ: يَا كَرْنِيلِيُوسُ! فَلَمَّا شَخَصَ إِلَيْه وَدَخَلَهُ الْخَوْفُ، قَالَ: مَاذَا يَا سَيِّدُ؟ فَقَالَ لَهُ: صَلَوَاتُكَ وَصَدَقَاتُكَ صَعِدَتْ تَذْكَارًا أَمَامَ الله" (أع١٠: ٣- ٤).
وأيضًا أقام بطرس الرسول من الأموات امرأة اسمها غزالة، لأنها كانت تعمل إحسانات كثيرة للفقراء، وقد وصفها الوحي الإلهي بقوله: "وَكَانَ فِي يَافَا تِلْمِيذَةٌ اسْمُهَا طَابِيثَا، الَّذِي تَرْجَمَتُهُ غَزَالَةُ. هذِهِ كَانَتْ مُمْتَلِئَةً أَعْمَالًا صَالِحَةً وَإِحْسَانَاتٍ كَانَتْ تَعْمَلُهَا" (أع٩: ٣٦).
- الإخلاص والأمانة شرط استجابة الصلوات
لقد أوصى معلمنا القديس بطرس الرسول الرجال بمعاملة زوجاتهم معاملة حسنة، مبينًا سبب عدم استجابة الله لصلوات غير الأمناء منهم قائلًا: "كَذلِكُمْ أَيُّهَا الرِّجَالُ، كُونُوا سَاكِنِينَ بِحَسَبِ الْفِطْنَةِ مَعَ الإِنَاءِ النِّسَائِيِّ كَالأَضْعَفِ، مُعْطِينَ إِيَّاهُنَّ كَرَامَةً، كَالْوَارِثَاتِ أَيْضًا مَعَكُمْ نِعْمَةَ الْحَيَاةِ، لِكَيْ لاَ تُعَاقَ صَلَوَاتُكُمْ" (١بط٣: ٧).
ثانيًا: استجابة الله لطلباتنا تعتمد على طبيعة الله الصالحة
تعتمد استجابة الله لصلواتنا على طبيعته الصالحة التي تتسم بالقداسة والحكمة والصلاح والمحبة..، في النقاط التالية نعرض كيف تتحكم طبيعة الله الصالحة في استجابته لطلبات وصلوات البشر:
- يستجيب الله طلبات البشر، لأنه صالح وكثير الرأفة
إن مشيئة الله وإرادته هي الصلاح على الدوام، وذلك لأن الله صالح، ولا معرفة له بالشرور إطلاقًا. لقد شهد الرب يسوع عن هذا الصلاح قائلًا: "... لِمَاذَا تَدْعُونِي صَالِحًا؟ لَيْسَ أَحَدٌ صَالِحًا إِلاَّ وَاحِدٌ وَهُوَ اللهُ" (لو١٨: ١٩). وشهد الوحي الإلهي أيضًا قائلًا: "الرَّبُّ صَالِحٌ لِلْكُلِّ، وَمَرَاحِمُهُ عَلَى كُلِّ أَعْمَالِهِ" (مز١٤٥: ٩).
إن الله ليس صالحًا فقط، لكن إرادته الصالحة من نحو الإنسان لا يمكن أن تتغير أبدًا بحسب قول الكتاب: "كُلُّ عَطِيَّةٍ صَالِحَةٍ وَكُلُّ مَوْهِبَةٍ تَامَّةٍ هِيَ مِنْ فَوْقُ، نَازِلَةٌ مِنْ عِنْدِ أَبِي الأَنْوَارِ، الَّذِي لَيْسَ عِنْدَهُ تَغْيِيرٌ وَلاَ ظِلُّ دَوَرَانٍ" (يع١: ١٧). إنه هو الأمين الذي يعطي أبناءه على الدوام وباستمرار.
- الله الأب الحنون يسر بطلبات أبنائه
الصلاة هي علاقة وصلّة بالله، وهي موضع سرور الله، وتشتمل صلوات البشر أيضًا على الطلبات التي يحتاجها الإنسان من الله. إن الإنسان محدود في إمكانياته، ولا يكتفي بما هو فيه، وهو دائم التطلع لأمور كثيرة سواء مادية، أو معنوية، أو روحية.
ولكن الله كأب لا يريد أن يفرض على ابنه عطاياه؛ لأنه يريده أن يتمتع بمساحة من الحرية في اختيار ما يرغب فيه (من الأمور التي تناسب إدراكه)، وبالطبع لن يستجيب الأب إلاًّ لما هو نافع لابنه، وبهذا يتحقق للابن نوع من التواصل مع أبيه والاختبار والمعرفة الذاتية، وتتحقق سعادته بنوال ما يرغب فيه هو شخصيًا.
لقد حث الرب يسوع تلاميذه المؤمنين به على طلب ما يحتاجونه كأبناء قائلًا: "إِلَى الآنَ لَمْ تَطْلُبُوا شَيْئًا بِاسْمِي. اُطْلُبُوا تَأْخُذُوا، لِيَكُونَ فَرَحُكُمْ كَامِلًا" (يو١٦: ٢٤). إن الله يُسرّ ببنوتنا له، ويشتاق أن يعطينا ما نريده لأننا أبناؤه، ولكن هل يقبل البشر نعمة البنوة ليتمتعوا بسلطان وامتيازات أبناء الله؟!
- الله يستجيب بحسب مشيئته الصالحة
عندما يستجيب الله لطلبات البشر تتم الاستجابة في زمان مناسب يحدده هو، وبالأسلوب الذي يشاؤه هو، ولا يقدر أن يجبره أحد على ما لا يريده. لقد أكد معلمنا يوحنا الرسول هذه الحقيقة قائلًا: "وَهذِهِ هِيَ الثِّقَةُ الَّتِي لَنَا عِنْدَهُ: أَنَّهُ إِنْ طَلَبْنَا شَيْئًا حَسَبَ مَشِيئَتِهِ يَسْمَعُ لَنَا. وَإِنْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ مَهْمَا طَلَبْنَا يَسْمَعُ لَنَا، نَعْلَمُ أَنَّ لَنَا الطِّلِبَاتِ الَّتِي طَلَبْنَاهَا مِنْهُ" (١يو٥: ١٤- ١٥). إن الله هو صاحب السلطان في مملكة الناس، ولا يمكن أن يعطي كل مَن يشاء ما يطلبه؛ لأن حينئذ لابد أن يتخبط، ويفنى هذا الكون نتيجة استجابة الله لطلبات ليست صالحة وبحسب هوى الناس، وأيضًا نتيجة للتخبط الذي سيقع فيه الكون من تضارب، وعدم انسجام. إن الله له سلطان ومشيئة مقدسة في مملكة الناس كقول الله لنبوخذ نصر ملك بابل: "... حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّ الْعَلِيَّ مُتَسَلِّطٌ فِي مَمْلَكَةِ النَّاسِ وَيُعْطِيهَا مَنْ يَشَاءُ" (دا٤: ٢٥).
- الله يستجيب بحسب حكمته
الله حكيم عظيم الفهم وكل أعماله يصنعها بحسب حكمته اللامتناهية كقول الكتاب: "مَا أَعْظَمَ أَعْمَالَكَ يَا رَبُّ! كُلَّهَا بِحِكْمَةٍ صَنَعْتَ. مَلآنةٌ الأَرْضُ مِنْ غِنَاكَ" (مز١٠٤: ٢٤). وبالطبع يستجيب الله بحسب حكمته في التوقيت المناسب وبالطريقة المناسبة، ولذلك لا بد أن نسلم كل أمورنا بين يديه، لأنه هو الحكيم الذي يعلم ما يحتاجه الإنسان أكثر مما يعرف هو عن نفسه كقول الكتاب: "وَالْقَادِرُ أَنْ يَفْعَلَ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ، أَكْثَرَ جِدًّا مِمَّا نَطْلُبُ أَوْ نَفْتَكِرُ..." (أف٣: ٢٠).
- استجابة الله (المدبر الكل) تهدف لخلاص الإنسان
الله يريد خلاص البشر من الهلاك الأبدي، ويريد لكل نفس الحياة الأبدية كقول الكتاب: "الَّذِي يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ، وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ" (١تي٢: ٤). لذلك فكل استجابة لطلبة ما يطلبها الإنسان تصب في خطط وتدبيرات الله العجيبة لأجل خلاص البشر وخيرهم، وبالطبع يرفض الله الطلبات التي تتعارض مع تدابيره المقدسة لخلاص الإنسان.
ثالثًا: الطلبات المستجابة والطلبات الغير مستجابة
يمكننا تقسيم طلبات البشر إلى ثلاثة أقسام، وذلك من حيث استجابة الله لها:
- أولًا: طلبات يستجيبها الله دون وقبل أن نطلب.
الله هو الخالق الذي يتعهد خليقته بالرعاية لذلك فهو يهتم بخليقته، ويوفر ما يلزم لاستمرارها، وبقائها (ما دامت مشيئته لها الاستمرار والحياة)، وذلك كقوله: "وَقَالَ لِتَلاَمِيذِهِ: مِنْ أَجْلِ هذَا أَقُولُ لَكُمْ: لاَ تَهْتَمُّوا لِحَيَاتِكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ، وَلاَ لِلْجَسَدِ بِمَا تَلْبَسُونَ. اَلْحَيَاةُ أَفْضَلُ مِنَ الطَّعَامِ، وَالْجَسَدُ أَفْضَلُ مِنَ اللِّبَاسِ. تَأَمَّلُوا الْغِرْبَانَ: أَنَّهَا لاَ تَزْرَعُ وَلاَ تَحْصُدُ، وَلَيْسَ لَهَا مَخْدَعٌ وَلاَ مَخْزَنٌ، وَاللهُ يُقِيتُهَا كَمْ أَنْتُمْ بِالْحَرِيِّ أَفْضَلُ مِنَ الطُّيُورِ!" (لو ١٢: ٢٢- ٢٤).
إنه يهتم، ويعول الخليقة كلها، ويعطي الكل احتياجه المادي حتى الأشرار من البشر كقوله: "... فَإِنَّهُ يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى الأَشْرَارِ وَالصَّالِحِينَ، وَيُمْطِرُ عَلَى الأَبْرَار وَالظَّالِمِينَ" (مت ٥: ٤٥). لذلك يعلمنا الرب ألاَّ نهتم كثيرًا بتلك الأمور المادية قائلًا: "وَحِينَمَا تُصَلُّونَ لاَ تُكَرِّرُوا الْكَلاَمَ بَاطِلًا كَالأُمَمِ، فَإِنَّهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُ بِكَثْرَةِ كَلاَمِهِمْ يُسْتَجَابُ لَهُمْ. فَلاَ تَتَشَبَّهُوا بِهِمْ. لأَنَّ أَبَاكُمْ يَعْلَمُ مَا تَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ قَبْلَ أَنْ تَسْأَلُوهُ" (مت٦: ٧- ٨). أما ما يجب أن نطلبه، ونهتم به كثيرًا فهو الأمور الروحية، وكل ما يتعلق بحياتنا الأبدية.
- طلبات لا يستجيبها الله دون أن نطلبها بلجاجة:
يَسوس الله خليقته المادية بالقوانين الطبيعية (قانون الجاذبية الأرضية مثلًا أو غيره..). وهكذا وضع الله أنظمة وقوانين روحية لملكوته السماوي فعلى سبيل المثال فوز بني البشر بعطايا الله الروحية يتم وفق نظام روحي وضعه الله، يمكننا التعرف على بعض هذه القوانين الروحية من خلال أقوال الرب في الأناجيل، والتي نذكر منها ما يلي:
- لا نعّم ولا بركات سمائية تعطى لبني البشر دون سؤال أو طلب، وذلك كقول الرب: "اِسْأَلُوا تُعْطَوْا. اُطْلُبُوا تَجِدُوا. اِقْرَعُوا يُفْتَحْ لَكُمْ. لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَسْأَلُ يَأْخُذُ، وَمَنْ يَطْلُبُ يَجِدُ، وَمَنْ يَقْرَعُ يُفْتَحُ لَهُ" (مت ٧: ٧- ٨).
- لا فوز بالملكوت إلاَّ لمن يطلبه بلجاجة، وذلك بحسب تعليم الرب لنا أن نطلب في كل صلاة قائلين: "ليأت ملكوتك".
- الفوز بالملكوت هو الهدف الأسمى، وله الأولوية في الاهتمام عن جميع أمور هذه الحياة الأرضية، كقول الرب: "فَلاَ تَهْتَمُّوا قَائِلِينَ: مَاذَا نَأْكُلُ؟ أَوْ مَاذَا نَشْرَبُ؟ أَوْ مَاذَا نَلْبَسُ؟ فَإِنَّ هذِهِ كُلَّهَا تَطْلُبُهَا الأُمَمُ. لأَنَّ أَبَاكُمُ السَّمَاوِيَّ يَعْلَمُ أَنَّكُمْ تَحْتَاجُونَ إِلَى هذِهِ كُلِّهَا. لكِنِ اطْلُبُوا أَوَّلًا مَلَكُوتَ اللهِ وَبِرَّهُ، وَهذِهِ كُلُّهَا تُزَادُ لَكُمْ" (مت٦: ٣١- ٣٣).
- طلبات قد يستجيبها الله، أو لا يستجيبها
يتخيل البعض أن طلبات المؤمن لا بد أن يستجبها الله، لأنها صادرة من شخص مؤمن، ولكن الله هو الذي يحدد ما يستجيبه من طلبات. فقد لا يستجيب الله طلبات البشر التي تتعارض مع ما ذكرناه سابقًا. فيما يلي بعض الأمثلة على صلوات رفض الله استجابتها:
1"وَلِئَلاَّ أَرْتَفِعَ بِفَرْطِ الإِعْلاَنَاتِ، أُعْطِيتُ شَوْكَةً فِي الْجَسَدِ، مَلاَكَ الشَّيْطَانِ لِيَلْطِمَنِي، لِئَلاَّ أَرْتَفِعَ. مِنْ جِهَةِ هذَا تَضَرَّعْتُ إِلَى الرَّبِّ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ أَنْ يُفَارِقَنِي. فَقَالَ لِي: تَكْفِيكَ نِعْمَتِي، لأَنَّ قُوَّتِي فِي الضَّعْفِ تُكْمَلُ. فَبِكُلِّ سُرُورٍ أَفْتَخِرُ بِالْحَرِيِّ فِي ضَعَفَاتِي، لِكَيْ تَحِلَّ عَلَيَّ قُوَّةُ الْمَسِيحِ" (٢كو١٢: ٧- ٩).
2"هكَذَا قَالَ الرَّبُّ لِهذَا الشَّعْبِ: هكَذَا أَحَبُّوا أَنْ يَجُولُوا. لَمْ يَمْنَعُوا أَرْجُلَهُمْ، فَالرَّبُّ لَمْ يَقْبَلْهُمْ. اَلآنَ يَذْكُرُ إِثْمَهُمْ وَيُعَاقِبُ خَطَايَاهُمْ. وَقَالَ الرَّبُّ لِي: لاَ تُصَلِّ لأَجْلِ هذَا الشَّعْبِ لِلْخَيْرِ" (إر١٤: ١٠- ١١).
الاستنتاج
- الصلاة باب الأفراح
يسر الله أن نلجأ إليه بالطلبة والصلاة في كل حين (مع إننا لا نعلم مدى نفع ما نصلي لأجله).
إننا كأبناء نثق أنَّنا حينما نصلي ننال بركة سواء استجاب الله طلباتنا أم لا. والله يريد أن يسعد كل ابن له بإعطائه ما يشاؤه، وهو يعطي، وسيعطي، وقد أعطانا الكثير. أما حينما لا يستجيب الله بعض الطلبات، فذلك لأنه لا يريد أن يعطي إلاَّ ما هو نافع أو صالح (ما يتفق مع مشيئته).
إن الصلاة والطلبة لله العظيم الخالق أمر يتفق مع طبيعة الإنسان الضعيف الذي يحتاج لخالق أعظم يظلل عليه، ويرعاه، ويسدد احتياجاته. إننا نشك في إمكانية امتناع الإنسان المؤمن عن الطلبة أثناء الصلاة (كما يفترض السائل العزيز)؛ لأن الإنسان لا يمكنه أن يتنازل عن تطلعاته ورغباته. إنه شيء مستحيل أن يكون الإنسان بلا رغبات وتطلعات يتمنى تحقيقها؟ وأيضًا لا يمكن لإنسان كبح رغباته وتطلعاته، وهل إن أمكنه ذلك سيكون سعيدًا؟!! بالطبع لا.
إن أعظم فرح يتحقق للإنسان هو ذلك الذي يتحقق له من خلال علاقته بالله خصوصًا عندما يطلب من الله فيأخذ ما شاءه، وحينئذ يفرح لأنه سيشعر أن الله يغمره بحبه، كقول الرب يسوع الصادق: "وَفِي ذلِكَ الْيَوْمِ لاَ تَسْأَلُونَنِي شَيْئًا. اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَا طَلَبْتُمْ مِنَ الآبِ بِاسْمِي يُعْطِيكُمْ. إِلَى الآنَ لَمْ تَطْلُبُوا شَيْئًا بِاسْمِي. اُطْلُبُوا تَأْخُذُوا، لِيَكُونَ فَرَحُكُمْ كَامِلًا" ( يو١٦: ٢٣- ٢٤).
- افتراض خاطئ
قول البعض بأن البشر يستطيعون أن يغيروا إرادة الله بصلواتهم، وهم. إنهم يتخيلون أن إرادة الله غير محددة وفضفاضة، وتعتمد على هوىّ البشر، إن الله يعلم مسبقًا بالضبط ما سيطلبه البشر، وما يستجيبه من تلك الطلبات قبل أن يطلبوه، لأن الماضي والمستقبل حاضر على الدوام أمام الله، كقول الكتاب: "مَعْلُومَةٌ عِنْدَ الرَّبِّ مُنْذُ الأَزَلِ جَمِيعُ أَعْمَالِهِ" (أع١٥: ١٨).