1- الذى يحكم على التوبة، هو الله فاحص القلوب. فالله – وليس نحن – هو الذى يعرف هل توبة المريض توبة حقيقية من قلبه، أم توبة ظاهرية مؤقتة ؟ وهل سيبقى المريض فى توبته بعد شفائه أم يتغير؟ أما أن نحكم نحن حكماً عاماً على جميع المرضى بأن توبتهم مريضة، فهذا حكم ظالم، وعن غير علم بما يدور فى قلوبهم من مشاعر، وفيه أيضاً خلط بين التائب الحقيقى وغير الحقيقى..!! 2- قد يسمح الله بالمرض، كوسيلة تقرّب الناس إليه. إن إصابة إنسان بمرض شديد، أو إحتياجه إلى إجراء عملية خطيرة، قد يؤثر فيه أكثر من عشرات العظات، وأكثر من قراءة كتب روحية عديدة، إذ قد يذكرّه باحتمال الموت ووجوب الإستعداد له، فيلجأ إلى التوبة، طالباً منه الرحمة والمغفرة والشفاء. وكل ذلك بقلب صادق جداً وبمشاعر حقيقية. 3- وإن قيل إنها توبة فى حالة ضيقة، فالله نفسه يقول: "ادعنى وقت الضيق، أنقذك فتمجدنى" (مز50 : 15). إذن الله يقبل الصلاة فى وقت الضيق، بل يدعو إليها. ولا يقول إنها صلاة مريضة، أو صلاة مرفوضة أو مضطرة!! كلا.. بل إن الله يسمح بالضيقات – ومنها الأمراض – ليجذبنا بها الله. وما أكثر الذين صلوا إلى الله فى ضيقاتهم. واستجاب الله تلك الصلوات، ولم يقل إنها بدافع من الضيق، وليست بدافع من الحب. والأمثلة على ذلك لا تدخل تحت حصر، ويكفى فيها أن نذكر قول المرتل فى المزمور: "فى ضيقى صرخت إلى الرب، فاستجاب لى" (مز120 : 1). وأيضاً قوله "فى ضيقى دعوت الرب، وإلى الهى صرخت. فسمع من هيكله صوتى. وصراخى قدامه دخل أذنيه" (مز18 : 6). أنظر أيضاً (مز77 : 2) (مز86 : 7). 4- ولا ننسى صلاة يونان النبى فى بطن الحوت. إنها ليست مجرد صلاة إنسان فى مرض محتمل الشفاء. إنما صلاة إنسان فى حكم الموت. ومع ذلك قال "دعوت من ضيقى الرب فاستجابنى. صرخت من جوف الهاوية، فسمعت صوتى" (يون2 :2). ولم يقل الرب إنها صلاة مريضة، أو إنها توبة مريضة فى قول يونان "حين أعيت فىّ نفسى، ذكرت الرب. فجاءت إليك صلاتى" (يون2 : 7). بل استجاب له الرب ونجاه، وأخرجه من جوف الحوت، على الرغم من أن الرب كان يعلم إنه بعد هذه النجاة، سوف يغتم يونان ويغتاظ، لما قبل الرب توبة نينوى (يون3 : 10 ،4 :1). وقد قبل الرب توبة اللص على الصليب. ولم تكن مجرد كتوبة أحد المرضى الذين بينهم وبين الموت شهور أو سنوات أو حتى أيام، أو كتوبة مرضى يمكن أن يشفوا.. بل كانت توبة اللص هى توبة إنسان بينه وبين الموت ثلاث أو أربع ساعات .. ومع ذلك لما قال فى توبته "اذكرنى يارب متى جئت فى ملكوتك" قبل الرب توبته واستجاب له قائلاً "اليوم تكون معى فى الفردوس" (لو23 : 43). ولم يقل له مطلقاً إنها توبة مريضة!! 5- حقاً إن الناس ليسوا مثل الله فى طيبته ولطفه وقبوله لتوبة الخطاة !! ولذلك حسناً قال داود النبى "أقع فى يد الله – لأن مراحمه كثيرة – ولا أقع فى يد إنسان" (2صم24 : 14). إن وقع مريض تائب فى يد إنسان قاس، يقول إن توبة هذا المريض هى توبة مريضة! أما عند الله، فتوبة هذا المريض مقبولة. 6- يكفى فى ذلك قول الرب: "من يقبل إلىّ ، لا أخرجه خارجاً" (يو6 : 37). من يقبل إليه فى أى وقت، وتحت أية ظروف، حتى أصحاب الساعة الحادية عشرة، حتى الإبن الضال الذى رجع إلى أبيه، حينما قرصه الفقر والعوز والإحتياج فجاع واشتهى خرنوب الخنازير ولم يعطه أحد (لو15 : 16).. ولم يقل له أبوه إن توبته مريضة، لأن الدافع إليها هو الجوع!! بل قبله إليه، وذبح له العجل المسمن، وفرح بتوبته.. 7- لذلك لا يجوز لنا أن نحتقر توبة أحد !! ولا نقلل من شأن توبته، بحكم قاس ظالم. وإن كان الله يفرح بتوبة التائبين، وتفرح معه ملائكة السماء (لو15 : 7، 10). فهل نجرؤ نحن إلى هذا الحد الذى فيه ندين توبة المرضى، بغير معرفة بحالة قلوبهم، وبحكم عام يشمل الكل ؟! 8- وإلا لماذا نناول المريض من الأسرار المقدسة؟! ليس فقط حينما يأتى إلى الكنيسة ويحضر القداس. بل الأكثر من هذا، يذهب إليه الأب الكاهن فى البيت أو المستشفى، ويقدم له الأسرار المقدسة، والمعروف أنها لا تقدم إلا للتائبين. معنى هذا إذن: قبول توبته، وليس إدانتها بأنها توبة مريضة!! 9- ونحن نقدم للمرض سراً كنسياً آخر، هو سرّ مسحة المرضى وندهنه بالزيت المقدس، ونصلى من أجله سبع صلوات. ولا نسأله عن صحة توبته، وإنما يكفى أنه تائب...