"فلاتطلبوا أنتم ماتأكلون وما تشربون ولا تقلقوا، فإن هذه كلها تتطلبها أمم العالم بل اطلبوا ملكوت الله، وهذه كلها تزاد لكم"(لو12 -29 : 31)
تعيد كنيستنا القبطية للقديس العظيم الأنبا بولا أول السواح في اليوم الثاني من شهر أمشير من كل عام ، وتحكي سيرة هذا القديس أنه لما توفى والده قسم أخوه الأكبر ميراث أبيهما تاركاً له القليل. فأراد قديسنا الاحتكام إلى القاضي، وفيما هو ذاهب إلى القاضي وجد جنازة سائرة في الطريق فسأل أحد المشيعين عن المتوفي، فقيل له أنه من عظماء المدينة وأغنيائها، وهوذا قد ترك غناه وماله الكثير، وهاهم يمضون به إلى القبر بثوبه فقط. فتنهد القديس وقال:" ما لي إذن وأموال هذا العالم الفاني الذي سأتركه وأنا عريان"؟!. ثم التفت إلى أخيه وقال له:" ارجع بنا يا أخي، فلست مطالباً إياك بشيء مما لي" . وخرج القديس يطلب أن يرشده السيد المسيح إلى ما يرضيه؛. فأرسل الله لقديسنا ملاكاً سار به إلى البرية الشرقية ، وهناك قضى في رعاية الله أكثر من سبعين سنة لم ير فيها وجه إنسان .
تأمل الأنبا بولا كم بذل الغني من أجل حياة أرضية انتهت بموته؟!، ولكنه رحل عرياناً كما خرج من بطن أمه ، تاركاً ما جمعه من ثروة. واشتهى القديس ألا يضيع عمره وسط اهتمامات العالم الزائل. فخرج من وسط تأملاته بقراره المصيري بترك كل اهتمام عالمي، وتكريس كل حياته للاهتمام بخلاص نفسه، وقبل الله شهوة نفسه فقاده ملاك الرب إلى البرية الجوانية، وهناك عاش القديس يهتم فيما لله فقط، وبإيمان بطولي لم يفكر كيف سيحيا وحيداً دون مأوى في وسط هذه البرية الموحشة، وهكذا عاش في مغارة بسيطة تاركاًً لله تدبير كل احتياجاته الضرورية، ولم يتركه الله، بل دبر له عين ماء ليشرب منها، وأمر الله غراباً ليأتيه بنصف خبزة كل يوم ليأكل شاكراً مكتفياً، و هكذا عاش قديسنا في نسك وزهد شديد مكرساً حياته كلها من أجل الله ، و تمتع الأنبا بولا بحب الله، وتدبيره له حتى بلغ شيخوخة صالحة، ولما قرب وقت انتقاله من أرض الشقاء أرسل له الله الأنبا أنطونيوس بالأسرار المقدسة ، وفي انتقاله سخر الله الوحوش لتحفر قبرا لدفن جسده الطاهر، أما روحه الطاهرة فذهبت لتكون مع عريسها الرب يسوع، ولتسعد بما ادخره هذا القديس العظيم من كنوز في السماء حفظها له الله .
أخي ... أختي :
يهتم الناس بحياتهم الأرضية من مأكل ومشرب وملبس، ويبالغ الكثيرين في هذا الاهتمام، حتى يصبح اهتمامهم هما ، ينسيهم الاهتمام بخلاصهم وبحياتهم الأبدية. أما قديسنا العظيم الأنبا بولا فضرب للعالم أعظم مثال في الاهتمام بالأمور السماوية قبل أي اهتمام آخر . فياليتك تدرب ذاتك -خصوصا- في فترات الأصوام على الزهد في متطلبات الجسد، و بذل جهد أكثر في الجهاد الروحي، وتكريس متسع من الوقت لقضاء فترات أطول مع الله، وثق أنك ستسعد في السماء بما ادخرته من كنوز محفوظة لك هناك .