نشأة القديس
ولد القديس حوالى سنة 1334 ميلادية فى قرية صغيرة إسمها "منيه يمين" بمحافظة الغربية من عائلة فقيرة، وكان إسم أبيه إسحق وأمه إسمها سارة. فلما رزقهما الله به أسمياه "فريج" ونظراً لظروف الحياة الصعبة تربى تربية خشنة كفلاح فقير كان يساعد والده فى الفلاحة، وأحياناً أخرى كان يبيع الملح على جمله الصغير. وقد أحبه معظم أهل قريته والقرى المجاورة فكانوا لا يشترون الملح الا منه لأنهم رأوه أميناً فى تجارته، مريحاً فى سلوكه معهم. فتقواه وقداسته ظهرت من خلال تعاملاته معهم فى طريقة بيعه وشرائه. منذ الطفوله كان القديس يبحث عن خلاص نفسه ولم يكن عمله أو ظروف الفقر أو تدهور حالة الكنيسة فى ذلك العصر عائقان له أن يهمل عبادته. فمنذ صغره كان مواظباً على الصلاة والتأمل وكان ينمو تدريجياً فى التقوى والقداسة
وظهرت علامات مبكرة على نبوغه الروحى وإبتدأ أهل قريته يلاحظون ذلك ويودون التقرب منه والحديث معه . وكان الجميع يتعجب من وداعته وذاع صيته فى جميع أنحاء قريته والمناطق المجاورة
حالة الكنيسة فى زمن القديس
يعتبر القرن الرابع عشرالميلادى (وهى الفترة التى عاش فيها القديس) من أسواء العصور التى مرت بها الكنيسه . فنار الأضطهاد كانت شديدة، ففى ذلك الوقت هدم عدد كبير من الكنائس ومعظم الأديرة ونهبت أوقاف الكنائس فقد كانت للكنائس أوقاف تبلغ 25 ألف من الأفدنه أخذها الملك الصالح بن محمد قلاوون وأنعم بها على المماليك. وصودرت ممتلكات عدد كبير من الأقباط وضوعفت الجزية وقتل عدد كبير منهم،وحكم عليهم بلبس عمائم زرقاء وبتعليق أجراس فى أعناقهم وحرموا من التوظيف بدوائر الحكومه والأمراء.
وكان من الجائز ذبح أى قبطى يرى لابساً عمامه بيضاء أو راكباً فرساً أو بغلاً ، وسمح لهم فقط بركوب الحمير وأن يركبه مقلوباً واستمر القتل والنهب فترة ، أما هذا الاضطهاد الشديد إرتد عدد كبير من المسيحيين عن دينهم ولم يأت آخر القرن الرابع عشر حتى كانت إبروشيات كثيرة فى الوجه البحرى قد تلاشت لهروب الأقباط منها من جراء تعسف حكامها . وذكر المقريزى المؤرخ فى كتابه عن المتاعب التى عانها الأقباط فى هذه الفترة " وكانت هذه الخطوب فى مدة يسيرة قلما يقع مثلها فى الأزمان المتطاولة. هلك فيها من الأنفس وتلف فيها من الأموال وخرب من الأماكن ما لا يمكن وصفه ولله عاقبة الأمور ". هذا بالاضافة فقد حل بالبلاد فى ذلك الوقت وباءاً شديداً فتك بالبلاد وصارت مجاعة وموجة غلاء حلت بالمسكونة . وبسبب الأحوال السابقة كانت الكنيسة فى ذلك العصر تعيش وسط ظلام دامس إذ لم يكن فى ذلك الوقت معلمون وكانت كلمة الرب عزيزة فى تلك الأيام
عاصر الأنبا رويس من باباوات الأسكندرية
البابا مرقس الرابع ( 84 ) 1349 – 1363م
البابا يوحنا العشر ( 85 ) 1363 – 1370م
البابا مرقس الرابع ( 86 ) 1370 – 1378م
البابا مرقس الرابع ( 87 ) 1378 – 1349م
وعاصر الأنبا رويس القديس مرقس الأنطونى الذى أشتهر بالهدوء والقداسة من أباء الكنيسة فى ذلك العصر . أما بالنسبة للحكام فقد عاش الأنبا رويس فى فترة حكم المماليك لمصر وعاصر منهم الملك الصالح والمعتصم والناصر حسن والمنصور والملك برقوق
رؤيا القديس
أقام فريج فى منزل أبيه حتى بلغ العشرين من عمره . وحدث فى ذلك الحين أن أشتدت نيران الاضطهاد وحمى وطيسها الى حد جعل عدد كبير من القبط أن يجحدوا ايمانهم ومن بينهم والد القديس ، ولكن القديس صلى من أجلهم بدموع فإستجاب له الأب السماوى وأيقظ ضمائر الجاحدين فعاد بعضهم الى فاديهم الحبيب ومن بين العائدين والده . ومن فرط حزن القديس على حالة الكنيسه والأقباط قدر أن يترك بلدته ويجول فى محافظات مصر . ذهب القديس الى برية الشيخ المجاورة لبلدته وحبس نفسه فيها أياماً لا يأكل ولا يشرب حتى شعر بالتعب والاجهاد ومن برية الشيخ سافر القديس الى القاهرة سائراً على قدمية وهو فى أشد حالات الجوع والضعف ، ومن شدة التعب نام تحت شجرة فى الطريق ، وفى نومه رأى رؤيا ساطعه فرأى رجلين يلمعان كالبرق بثياب بيضاء أختطفاه وحملاه الى السماء ثم ادخلاه كنيسة بها جمهور من السمائيين يصلون القداس ، ثم سمع صوتاً من داخل البيعة يدعوة قائلاً " انت جائع . . تقدم وكلّ من خبز الحياة " وقاده الرجلان المضيئان الى المائدة فتناول من الأسرار المقدسة وأنتعشت روحه ثم عاد به صاحباه الى المكان الذى أخذاه منه تحت الشجرة
جولة القديس من القاهرة الى الصعيد
استيقظ القديس فرحاً منتعشاً فواصل سيره على الأقدام الى القاهرة ومنها اتجه جنوباً من بلد الى أخرى حتى وصل الى قوص بمحافظة قنا وأخذ ينتقل بين محافظات مصر يدعو الناس الى التمسك بالايمان من خلاال تعاليمه ومن خلال قداسته التى ظهرت فى معاملاته معهم
وعلى الرغم من تجوله المستمر فانه حرص على أن ياكل من عمل يديه مع أن كثير من الأغنياء كانوا يقدمون له نقود وهدايا وملابس ويتمنون الأقامه عندهم الا انه كان يرفض مفضلاً أن يأكل من عمل يديه ، فأحياناً كان يعمل مدراوى ( أى مغربل حنطة ) وأخرى كان يعمل جمالاً وغير ذلك ، وكان لا يصرف من أجره على نفسه الا بقدر ما يسد به رمقه ويتصدق بالبعض منه ويرسل الباقى الى أبيه لكى يساعده
هرب الأنبا رويس من الكرامة فتبعتة " من عدا وراء الكرامة هربت منه ، ومن هرب منها تبعته وأرشدت الناس اليه " . ولما بدأت عجائبه ومعجزاته تنتشر فىكل مكان كان يهرب منه الى أخر وكان ينكر نفسه وتخلى عن كل شىء حتى إسمه وسمى نفسه باسم جمله " رويس " . ومع استمرار اجتماع شعب السيد المسيح ومع عمله لكسب قوته ، كان القديس يقضى معظم الليل ساهراًو مصلياً " أسهروا وصلوا" وفى سهره نفسه تقول مع المرتل " ويل لى لأن غربتى قد طالت علىّ وسكنت فى مساكن قيدار "
طاف القديس معظم بلاد مصر من قنا الى دمياط ومنها الى الاسكندرية يعمل بيديه ليحصل على كفافه ، ويجول يصنع خيراً متمثلاً القديس برب المجدفلميكن له بيت ولا مأوى بل كان ينام على الأرض ويلتفح بالسماء.
ألقاب القديس
القديس إسمه الأصلى فريج ولكن إشتهر بالالقاب التالية:
رويس
" رويس " هو إسم جمل القديس الذى كان يبيع عليه الملح ويربيه فى بيته وكلمة رويس تصغير لكلمة رأس لأن رأس جمله كانت صغيرة وعندما كان يعود القديس من عمله الى البيت كان جمله يفرح بعودته ويداعب القديس برأسه الصغير كمن يقبله فدعى القديس جمله بهذا الأسم
وعندما ذاع صيت القديس عندما بدأ جولته فى محافظات مصر المختلفه وإبتدأ الناس يبحثون عنه تنكر القديس وأطلق على نفسه إسم جمله " رويس " وأخفى إسمه الأصلى
وكان القديس يتعجب لطاعة جمله الصغير له كطاعة العبد لسيده فكان إذا دعاه بأسمه يقف لوقوفه ويسير لسيره وعندما كان القديس يبكت تلاميذه على عدم طاعتهم كان يقدم لهم الجمل الصغير كنموذج فيقول " ليتكم يا أولادى تطيعونى كطاعة قعودى رويس لىّ " ، وكان القديس يتندر بطباع جمله " رويس " فكان يروى أنه صنع لنفسه غطاءاً من وبر هذا الجمل الصغير فإذا غلب القديس النعاس كان الجمل يأخذ الغطاء بفمه ويطرحه على جسد القديس ليدفئه ، وإذا تأخر عن ميعاد أستيقاظه كان يطرح رأسه بين قدميه ويظل يحركهما بفمه حتى يستيقظ ، من أجل هذا كان القديس فريج يتعجب من فهم ذلك الجمل ويتندر بطباعه ويسميه " قعودى رويس " ولهذا نجد أن فى أغلب إيقونات أن الجمل غالباً يظهر بجواره
تيجى
إمتدت رغبة القديس فى إنكار ذاته فعندما دخل ذات يوم وهو فى الصعيد ليفتقد إحدى العائلات ، ففرحوا فرحاً لكثرة ما سمعوا عنه قبل أن يروه ، وحين سألوه عن إسمه أجاب ببساطه وعلى الفور إسمى ( تيجى افيلو ) ومعناها الكاذب أو المجنون وهى باللغة القبطية . وتذكر الكنيسه القديس بهذا الأسم " تيجى " فى صلواتها .
ناظر الاله ثيؤفانيوس
نال الأنبا رويس بركة الاستعلانات الالهيه إذ عاين السيد المسيح أكثر من مرة ولهذا لقبته الكنيسه " ناظر الاله " أو ثيؤفانيوس ، وهى كلمة يونانيه الأصل مشتقه من كلمة ثيؤفانيا أى الظهور الالهى فمنحة رب المجد الاستعلانات الالهيه خلال التناول وكشف له رب المجد عن عظمة سر المعمودية
كذلك يروى تلاميذه إن القديس كان كثيراً ما يختلى بالرب فى أماكن بعيده . فبينما هو فى أحد خلواته أثار عليه عدو الخير أشراراً فضربوه وهم يقذفونه بالحجارة حتى ترضض جسده لكن الله الرحوم دبر له تلاميذه الذى حملوه من تحت الرجم وأدخلوه الى مخزن للخشب . وفى الليله التى دخل فيها هذا المخزن وبينما هو يتحدث الى تلاميذه إذ بنار تشتعل فى ركن منه فاضطرب التلاميذ فطمأنهم القديس بقوله " لا تخافوا إنها ليست نار ، إنها نور سيدنا يسوع المسيح الذى تعطف وظهر لنا تحقيقاً لكلمة المزمور القائله " إنه يعينه على سرير وجعه " مز 40 ولم يكن ظهور السيدد المسيح له المجد فى مخزن الخشب هى المرة الوحيدة التى ظهر له فيها ، فلقد تراءى له فى خلواته المختلفه خمس مرات بمجد لا ينطق به وذات مرة خاطبه فماً لأذن.
ورب الكنيسة منحة نعمة التلاقى والتحدث اليه قد أعطاه أيضاً أن يتمتع برؤيه القديسين وتناول الحديث معهم ، وفى إحدى هذه اللقاءات أن كان مريضاً مستلقياً فى خلوة هادئه وحدث أن قصدت سيدة الى مقابلته فلم تستطيع الدخول اليه كى لا تقطع عليه هذه الخلوة واكتفت بالوقوف خارجاً . فسمعته يتكلم مع شخص مودعاً إياه الوداع الأخير بهذه الكلمات " بالحسرة أولادك من بعدك يا مرقص ، ويا للخسارة لأن الذين سيعيشون بعد مغادرتك إياهم سيحرمون من نور تعاليمك من فمك الطاهر . وقد تبين بعد ذلك انه كان يوجه الحديث الى القديس الأب مرقص الروحانى الذى كان مترهباً بدير الأنبا أنطونيوس . وقد عاش ما يزيد على تسعين عاماً فتراءى للأنبا رويس ساعة إنطلاقه مما جعله يتفوه بهذا الحديث
أيوب الجديد
تحمل القديس كثير من الاهانات والتعذيب والسجن وأيضاً آلام المرض ولعظم صبره وإحتماله لقبه البعض بـ أيوب الجديد