"لماذا صمنا ولم تنظر ذللنا أنفسنا ولم تلاحظ" (أش 3:58).
مبارك هو الصوم المقدس الذى تعيشه كنيستنا الآن مشتركة مع مسيحها القدوس فى صومه إذ سبق فقدم عنا صوماً مقبولاً لندخل به كل حين باسمه ننال قبولا أمام الله أبيه.
وحتى لا تنقضى فترة الصوم المقدس ويجد الإنسان منا نفسه يسأل النبى فى العهد القديم مخاطباً الله قائلاً: لماذا صمنا ولم تنظر ذللنا أنفسنا ولم تلاحظ (أش 3:58) رغم أن الشعب كان قد قدم صوماً كاملاً من حيث شكله وترتيبه إذ يقول أشعياء النبى: "أمثل هذا يكون صوماً اختاره يوماً يذلل الإنسان فيه نفسه، لحين كالأسئلة رأسه، ويفرش تحته مسحاً ورماداً هل تسمى هذا صوماً ويوماً مقبولا للرب" (أش 58).
وهكذا رفض الرب صومهم رغم وجود التذلل والمسوح والرماد إذ كان القلب بعيداً لم يمسه التغيير الحقيقى من قبل الله ليتحول إلى قلب لحمى جديد.
ثم يعود النبى فيوضح لنا كيف نقدم الصوم المقبول الذى يؤثر فى قلب الإنسان ويرتبط مع تغيير حقيقى فيه إذ يقول: "أليس هذا صوماً أختاره. حل قيود الشر، فك عقد النير، إطلاق المسحوقين أحراراً وقطع كل نير، أليس ان تكسر للجائع خبزك وإن تدخل المساكين التائهين إلى بيتك، إذا رأيت عرياناً أن تكسوه والا تتغاضى عن لحمك" (أش 3:58-9).
1- صومنا فى المسيح :
نحن الآن نصوم فى صوم المسيح الذى صامه عنا، إذ سبق فقدم عنا هذا الصوم المقبول الذى ارتبط فى حياة رب المجد بالجسد بالنصرة الحقيقة، كان يحمل اجسادنا فيه، صام بنا ولأجلنا ثم تقدم منه الشيطان ليجربه فأنتصر لحسابنا وهكذا إن غلبنا فى آدم بالشهوة وغلبنا فى المسيح بالصوم، فمن يصوم مع المسيح حتماً يجتاز معه نفس النصرة التى حققها لنا على عدو الخير فوق جبل التجربة، كسر القيود واعطانا حرية حقيقية.
كسر قيود الجسد حينما أجاب ابليس "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله".
كسر قيود المادة حينما رفض ممالك العالم كله ومجدها حينما أظهر أن هذه كلها مرتبطة بالسجود للشيطان وقهره قائلاً: "للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد".
كسر قيود الذات حينما رفض المجد الباطل ومديح الناس والسعى وراء العجائب إذا اجابه "لا تجرب الرب إلهك".
الصوم مع المسيح إذا حرية، الصوم الحقيقى يحررنا من رباطات كثيرة.
2- حرية من الجسد :
"إن كنت ابن الله فقل أن تصير الحجارة خبزاً" وليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بكل كلمة تخرج من فم الله.. (مت 1-5) الجسد ليس شراً فى ذاته إنما هو إناء مقدس وهيكل لحلول الروح القدس وسكناه، إنه مسكن النفس الطاهرة التى خلقت على صورة الله، قد تدشن بالميرون المقدس بكل عضو من أعضائه أو حاسة من حواسه.
الجسد هو المكان اذى تقابلنا فيه مع الله واتحد اللاهوت بطبيعتنا فى شخص يسوع المسيح فهو مقدس وطاهر ولكنها الشهوة، نعم شهوات الجسد، فالخطية حينما تملك، تسيطر خلال ميول الجسد الطبيعية والضرورية للحياة لتنحرف بها فتصير شهوات مدمرة للإنسان. لذلك يوصينا الرسول بولس قائلاً: "إذا لا تملكن الخطية فى جسدكم المائت لكى تطيعونها فى شهواته ولا تقدموا أعضاءكم آلات اثم للخطية، بل قدموا ذواتكم لله كأحياء من الأموات وأعضاءكم آلات بر لله" (رو 12:6،13).
هكذا تملك الخطية فى (شهوات الجسد) فتتحول إلى لهيب يحرق الإنسان، ويدخل الإنسان فى صراع لإشباع شهواته الأكل، الشرب، الجنس، الزينة، الراحة، الكسل... الخ. يصير الجسد طاغياً يستعبد الإنسان وكل إمكانياته وطاقاته ليسخرها لتحقيق رغائبه وتصبح حياة الإنسان هى مجال تمتع وقتى باللذة الحسية والشهوة مردداً مع أبيفور لنأكل ونشرب لأننا غدا نموت.
هناك يأتى الصوم ليقع الجسد فى مجل عمل وسيطرة الروح القدس ليقدسه ويجعله خادماً لخلاص الإنسان "أطلب إليكم أيها الأخوة برأفة الله أن تقدموا أجسادكم ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله عبادتكم العقلية ولا تشاكلوا هذا الدهر" (رو 1:12،2).
فنحن بالصوم لا ننقطع تماماً عن الطعام وإنما بالعبادة، بالصلاة مع الانقطاع لفترة عن الطعام والابتعاد عن الأطعمة الحارة نضع الجسد خادماً لأقداس الإنسان وخلاصه.