بعد
أن سقط آدم وحواء حمل نسلهما ميكروب الخطية. وظهر هذا بقوة في الجريمة الأولي التي
شهدت قتل قايين لأخيه هابيل. ورأينا نتائج الخطية حسد وبغضة وقتل …ألخ.
أية (1):- " 1وَعَرَفَ
آدَمُ حَوَّاءَ امْرَأَتَهُ فَحَبِلَتْ وَوَلَدَتْ قَايِينَ. وَقَالَتِ:
«اقْتَنَيْتُ رَجُلاً مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ». "
هذا
هو التعبير المهذب الإنجيلي للمعاشرة الزوجية. وكان آدم من المفروض ان يعاشر زوجته
قبل السقوط لإنجاب بنين لكن دون شهوة.
اقْتَنَيْتُ رَجُلاً مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ: يمكن ترجمتها
(إقتنيت رجلاً هو الرب) أو (بمعونة الرب) وهذا معناه أن حواء تصورت أن ابنها هو
المخلص أو هي تنسب لله الخلق فهو الموجد الخالق. وهكذا علينا ان ننسب كل نجاح لله.
أية
(2):- " 2ثُمَّ
عَادَتْ فَوَلَدَتْ أَخَاهُ هَابِيلَ. وَكَانَ هَابِيلُ رَاعِيًا لِلْغَنَمِ،
وَكَانَ قَايِينُ عَامِلاً فِي الأَرْضِ. "
هَابِيلَ:
معني إسمه غير ثابت أو زائل كالبخار
وهذا الإسم قد تكون حواء أطلقته علي إبنها بعد أن قتله قايين أخوه فقالت أنه زال
كما يزال البخار. أو تكون أسمته هذا الأسم لأنها تيقنت أن كل إنسان مصيره الزوال
حسب قضاء الرب. ونلاحظ أن الأسماء غالباً كانت تطلق علي الإنسان ليس وهو صغيراً
فالعدد كان قليل لا يحتاج لأسماء للتمييز (وهذا سوف نلاحظه في أسماء أولاد قايين).
أو لأن حواء تصورت أن قايين هو المخلص الذي أرسله الله وكل ما سواه هو هباء
"في 8:3" وكان هابيل راعياً للغنم وهكذا كان داود، وكان المسيح هو
الراعي الصالح. ونلاحظ هنا ورود اسم هابيل قبل قايين.
وَكَانَ هَابِيلُ... وَكَانَ
قَايِينُ...: هنا يظهر مفهوم البكورية الروحية
والجسدية فقايين هو البكر جسدياً لكنه لشره فقد البكورية فتقدم عليه هابيل (مثل
رأوبين وعيسو وغيرهما).
وهكذا
كان المسيح هو بكر بين إخوة كثيرين. بكر البشرية جسدياً. وكان قايين رمزاً لآدم
الأول، بكر البشرية جسدياً، وقد فقد بكوريته ليظهر هابيل الحقيقي السيد المسيح،
آدم الثاني والبكر الحقيقي للبشرية. وقايين يرمز لجماعة اليهود الذين حملوا بكورية
معرفة الله لكنهم جحدوا الإيمان بالمخلص وتلطخ مجمعهم بسفك دم البرئ، ليأتي هابيل
ممثلاً لكنيسة العهد الجديد تضم أعضاء من الأمم، فتحتل البكورية الروحية وتحسب
كنيسة أبكار عب 23:12 خلال إلتصاقها أو اتحادها بالرب البكر. ونلاحظ أن عمل هابيل
الرعاية وهذه تشير لمن يدير ويقود طاقات جسده (الغنم) أما عمل قايين الزراعة في
الأرض ربما تشير لمن وجه عنايته للزمنيات. لنأكل ونشرب لأننا غداً نموت أش 13:22 +
1كو 32:15.
الأيات
(3-5):- " 3 وَحَدَثَ
مِنْ بَعْدِ أَيَّامٍ أَنَّ قَايِينَ قَدَّمَ مِنْ أَثْمَارِ الأَرْضِ قُرْبَانًا
لِلرَّبِّ، 4وَقَدَّمَ هَابِيلُ أَيْضًا مِنْ أَبْكَارِ غَنَمِهِ
وَمِنْ سِمَانِهَا. فَنَظَرَ الرَّبُّ إِلَى هَابِيلَ وَقُرْبَانِهِ، 5وَلكِنْ
إِلَى قَايِينَ وَقُرْبَانِهِ لَمْ يَنْظُرْ. فَاغْتَاظَ قَايِينُ جِدًّا وَسَقَطَ
وَجْهُهُ.
"
لماذا
قبل الله قربان هابيل دون قايين؟
1.
ربما أشارت عبارة
وحدث بعد أيام: إلي تراخي قايين في تقدمته أو ممارستها بلا حب. وبالرجوع لسفر
اللاويين نفهم أن قرباناً للرب: عطية دقيق.
2.
ربما أن قايين
حين قدم لم يقدم أفخر ما عنده بل من أثمار الأرض وليس مثل هابيل الذي قدم من أبكار
غنمه ومن سمانها. فهو قدم أفضل ما لديه.
3.
كانت تقدمة قايين
من ثمار الأرض وهذه غير قادرة علي المصالحة بين الله والأنسان أما تقدمة هابيل
فكانت ذبيحة دموية تحمل رمزاً للسيد المسيح الذبيحة الحقيقية الذي صالحنا مع الآب.
وهنا نسأل كيف عرف هابيل التقدمة التي ترضي الآب؟ بالتقليد والتسليم فآدم عرف فكرة
الذبيحة التي سترته وعلم أولاده.
4.
قايين قدم من
ثمار الأرض والأرض ملعونة. وعموماً فالأرض تشير للجسد (راجع مثل الزارع) وثمار
الجسد أو أعمال الجسد.. زني عهارة.. غل 19:5-21. وهنا ثمار جسد قايين أي نتيجة
عرقه وتعبه في أرض ملعونة. وتشير لأعمال البر الذاتي مثل ورق التين. بينما هابيل
قدم ذبيحة ليعلن أنه خاطئ ولا سبيل للصلح مع الله سوي بوساطة ذبيحة (شخص ثالث).
وهذا هو إيمان هابيل. بالإيمان قدم هابيل ذبيحة لله أفضل من قايين عب 4:11.
الإيمان بالمسيح الذبيحة الحقيقية. وكل أعمال الجسد بدون المسيح لا قيمة لها وتصبح
غير مقبولة.
5.
أعمال قايين كانت
شريرة وأعمال هابيل بارة. عب 4:11 أيو 12:3 فالمسيح قال هابيل الصديق.
6.
وكيف عرف قايين
ان تقدمة هابيل قد قبلت؟
غالباً
بنزول نار من السماء كما حدث في لا 24:10 + 1مل 38:18-40.
وَسَقَطَ وَجْهُهُ: أي نكس وجهه
وعبسه من الخجل والغيظ. فالخطية تفقد الإنسان سلامه وتحطمه ليعيش في غيظ. وضيق.
ويسقط وجهه للتراب عوضا عن أن يرتفع للسماء.
أية
(6):- " 6فَقَالَ
الرَّبُّ لِقَايِينَ: «لِمَاذَا اغْتَظْتَ؟ وَلِمَاذَا سَقَطَ وَجْهُكَ؟ "
الله
لم يترك قايين مغتاظا منهاراً بل تقدم إليه بالحب يحدثه ويحاوره قائلاً.
لِمَاذَا اغْتَظْتَ؟ = أي لا سبب لغيظك سوي شر فعلك. ثم يبدأ يضع له أول قانون
للتوبة "إرجعوا إلي إرجع إليكم" في الآية القادمة.
أية
(7):- " 7إِنْ
أَحْسَنْتَ أَفَلاَ رَفْعٌ؟ وَإِنْ لَمْ تُحْسِنْ فَعِنْدَ الْبَابِ خَطِيَّةٌ
رَابِضَةٌ، وَإِلَيْكَ اشْتِيَاقُهَا وَأَنْتَ تَسُودُ عَلَيْهَا». "
إِنْ أَحْسَنْتَ أَفَلاَ رَفْعٌ: إن أحسنت أفلا
أرفع وجهك من جديد فلماذا تستسلم للغيط.
وَإِنْ لَمْ تُحْسِنْ فَعِنْدَ الْبَابِ خَطِيَّةٌ رَابِضَةٌ،
وَإِلَيْكَ اشْتِيَاقُهَا وَأَنْتَ تَسُودُ عَلَيْهَا =
إذا لم ترجع عن طريقك الخاطئة (أي الحسد والغيظ. والحقد) فهناك خطية أعظم وهي
القتل وهي رابضة عند الباب (ورابضة تستخدم مع الوحوش فكانت الخطية هي وحش وهذه
تشبه خصكم إبليس … كأسد) ونتيجة ضعف الإنسان صار هناك شهوة وإشتياق للخطية لكن
هناك سيادة عليها. فالإنسان هو صاحب السيادة والإرادة فإن قبلها تسود هي عليه. إن
تسللت الخطية للإنسان تستعبده وينحني أمامها بروح العبودية وينحدر من سئ إلي أسوأ.
كأنه ينحدر علي تل ودائما الخطية الأسوأ تنتظر عند الباب. وهنا كان الحسد عند
الباب وحينما دخل لداخل قلب قايين ظهر الغضب والحقد عند الباب، وحينما دخل الغضب
والحقد ظهر القتل عند الباب. ولذلك فالله يحذر حتي لا يستسلم فيظهر الأسوأ.
ونلاحظ
أن كلمة خطية وكلمة ذبيحة خطية هي كلمة واحدة. ونلاحظ أيضأ ان الضمير
"ها" في هذه الأية يمكن ترجمته "ـه" وبذلك تصبح الآية "
عند الباب ذبيحة خطية رابضة وإليك إشتياقه وأنت تسود عليه" هذه رحمة الله
والمنقذ لكل خاطىء فلا داعي لليأس حتي لو سقط في الخطية فهناك ذبيحة خطية يمكن
الأستفادة منها. وقوله عند الباب يذكرنا بقول السيد المسيح "أنا واقف علي
الباب أقرع…" ويذكرنا بأن الخاطئ كان يأتي بذبيحة لخطيته عند باب خيمة
الإجتماع (لا 4:4). فالمسيح واقف عند باب قلبي يقرع ويدعو للتوبة وما عليَ سوي أن
أقبل هذه الدعوة وأذهب للكنيسة (خيمة الإجتماع) معترفاً بالخطية فتنقل خطيتي إلي
المسيح الذبيحة الحقيقية. وإذا كان قايين قد قبل أن يقدم توبة كانت قد عادت له
بكوريته الروحية ورجعت له السيادة علي أخيه الأصغر ولإشتاق إليه هابيل كأخ أكبر
قادر علي أن يمنحه البركة. والله صاغ العبارات بهذا الأسلوب ليمنع حسد قايين ضد
هابيل. والله يعلن هنا أن قبوله لذبيحة هابيل لا يعني أن يحرم قايين من بكوريته.
(وهذا المبدأ طبقه الإنجيل حين دعا المسيحيين للخضوع لرؤسائهم).
أية
(8):- " 8وَكَلَّمَ
قَايِينُ هَابِيلَ أَخَاهُ. وَحَدَثَ إِذْ كَانَا فِي الْحَقْلِ أَنَّ قَايِينَ
قَامَ عَلَى هَابِيلَ أَخِيهِ وَقَتَلَهُ. "
وَكَلَّمَ قَايِينُ هَابِيلَ أَخَاهُ:
بعض
النسخ تزيد "لنخرج إلي الحقل" إذاً هو كلمه بمحبة زائفة ليخرج معه للحقل
كما إعتادوا كل يوم، كما صنع يهوذا مع المسيح، ولكن هذه المرة كان قد أضمر شراً
ليقتله.
وهذه
الزيادة قد تكون إضافة للشرح من أحد النساخ ونلاحظ أن خطية آدم مهما كانت بسيطة
فهي قد فتحت الباب لخطايا بشعة (كراهية وقتل) هنا نجد تطبيق عملي للصراع بين الحية
والإنسان، بين الروح والجسد. ونجد أن هابيل صار أول شهداء هذا الصراع وقايين أول
مضطهد لشعب الله بقيادة الحية.
الأيات
(9-10):-"
9فَقَالَ
الرَّبُّ لِقَايِينَ: «أَيْنَ هَابِيلُ أَخُوكَ؟» فَقَالَ: «لاَ أَعْلَمُ!
أَحَارِسٌ أَنَا لأَخِي؟» 10فَقَالَ: «مَاذَا فَعَلْتَ؟ صَوْتُ دَمِ
أَخِيكَ صَارِخٌ إِلَيَّ مِنَ الأَرْضِ. "
ظن
قايين أنه قتل وإستراح ولكن كان سؤال الله له يكشف الجراحات ويفضحها لأجل العلاج.
وكان سؤال الله لقايين مثل سؤاله لآدم: أَيْنَ
هَابِيلُ أَخُوكَ ونجد الله هنا يدفعه للإعتراف والتوبة. وللأسف كان رد
قايين لا أعلم، أَحَارِسٌ أَنَا لأَخِي
رد كله تبجح علي الله وكذب فالخطايا تتصاعد من حسد إلي غضب إلي قتل إلي كذب علي
الله إلي بجاحة وإستهتار في الرد علي الله. ونجد الله هنا يؤكد لقايين أنه إله
هابيل الذي لا ينساه
صَوْتُ دَمِ أَخِيكَ صَارِخٌ إِلَيَّ مِنَ الأَرْضِ: لقد أخفي قايين
جسد أخيه، لكنه لم يقدر ان يكتم صوت النفس الصارخة إلي الله، إذ يشير الدم إلي
النفس، بكونه علامة الحياة ومن المعزي أن أول من مات ذهب للسماء لأنه كان قديس
وبار والله يحتفظ لنفسه بالأبكار وكان موت هابيل هو إفتتاح للعالم الأخر لمن يموت.
ونري هنا أن كل شهيد للحق تبقي صرخاته تدوي فوق حدود المكان والزمان (رؤ 10:6)
وهذه الصرخات تطلب الإنتقام. ولكن هابيل كان رمزاً للمسيح فدم المسيح الذي سفكه
إخوته اليهود (رمزهم قايين) صار أيضا يصرخ ولكن طالباً الشفاعة والغفران والكفارة
لذلك هو أفضل (عب 24:12).
الأيات
(11-12):-" 11فَالآنَ
مَلْعُونٌ أَنْتَ مِنَ الأَرْضِ الَّتِي فَتَحَتْ فَاهَا لِتَقْبَلَ دَمَ أَخِيكَ
مِنْ يَدِكَ. 12مَتَى عَمِلْتَ الأَرْضَ لاَ تَعُودُ تُعْطِيكَ
قُوَّتَهَا. تَائِهًا وَهَارِبًا تَكُونُ فِي الأَرْضِ».
مَلْعُونٌ أَنْتَ مِنَ الأَرْضِ …
تفسيرها
فيما بعدها متي عملت الأرض لا تعطيك قوتها فالإنسان في حالته المتدنية كخاطئ لا
يفهم سوي الماديات. وهنا الله يشرح له غضبه بهذا الأسلوب أي أنه سيخسر مادياً.
ورمزياً فالأرض تشير للجسد المأخوذ منها الذي صار بالخطية قفر لا يقدم ثمراً
روحيا. بل تبعته النفس ففقدت سلامها الداخلي: تَائِهًا
وَهَارِبًا تَكُونُ فالنفس التي خضعت للجسد الترابي الأرضي الذي صار
قفراً تعيش فيه بلا راحة ولا سلام إنما في حالة تيه وفزع. وقوله تائهاً ربما تشير
أنه في سعيه أن يجد أرضاً مثمرة لن يجد ويظل يبحث ولا يجد. وهارباً قد تكون من
ضميرك وخوفك.
وقايين
أول إنسان يلعن ولعنته كانت من الأرض. فالإنسان كان له سلطاناً علي الأرض والأن
بعد لعنته لم يعد له هذا السلطان ولأنه لوث الأرض صارت تضن عليه بثمرها. واللعنة
جاءت من الأرض التي سال عليها دم هابيل. وإذا كان دم هابيل يرمز لدم المسيح. إذا
من يستفيد من دم المسيح يكون له سبب بركة وخلاص وحياة "رائحة حياة
لحياة" ومن يصر علي خطيته يكون له دم المسيح سبب لعنة وموت "رائحة موت
لموت" لذلك قال بولس الرسول "فكم عقاباً أشر تظنون أنه يحسب مستحقاً من
داس إبن الله…. عب 29:10 ولأن قايين صار ملعوناً صار أولاده يسمون أولاد الناس (تك
2:6) بينما أولاد شيث لهم اسم "أولاد الله"
الأيات
(13-15):-" 13فَقَالَ قَايِينُ لِلرَّبِّ: «ذَنْبِي أَعْظَمُ مِنْ أَنْ
يُحْتَمَلَ. 14إِنَّكَ قَدْ طَرَدْتَنِي الْيَوْمَ عَنْ وَجْهِ
الأَرْضِ، وَمِنْ وَجْهِكَ أَخْتَفِي وَأَكُونُ تَائِهًا وَهَارِبًا فِي الأَرْضِ،
فَيَكُونُ كُلُّ مَنْ وَجَدَنِي يَقْتُلُنِي». 15فَقَالَ لَهُ
الرَّبُّ: «لِذلِكَ كُلُّ مَنْ قَتَلَ قَايِينَ فَسَبْعَةَ أَضْعَافٍ يُنْتَقَمُ
مِنْهُ». وَجَعَلَ الرَّبُّ لِقَايِينَ عَلاَمَةً لِكَيْ لاَ يَقْتُلَهُ كُلُّ
مَنْ وَجَدَهُ. "
هناك عدة إحتمالات لرد قايين علي الله
1.
ربما نجد هنا
بداية توبة وشعور بالخطأ وإقرار بالذنب ولذلك حماه الله من الموت ليعطيه فرصة توبة
ثانية، وهذا من طول أناة الله.
2.
هي حالة يأس بلا
داع من رحمة الله. فالله يتحاور معه ليجذبه للتوبة.
3.
هي حالة شعور
بالندم ليس كراهية في الخطية وإنما خوفاً من العقاب الأرضي.
4.
وسواء هذا أو ذاك
فالله الرحوم نجده يبدأ مع قايين بالحب لعله يتوب.
ذَنْبِي أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُحْتَمَلَ = أعظم من أن
يغفر (حالة يأس بلا داع).
مِنْ وَجْهِكَ أَخْتَفِي: يختفي من خجله
أو لجهله ظن أنه يمكنه الإختفاء من الله كما فعل آدم أبيه.
كُلُّ مَنْ وَجَدَنِي يَقْتُلُنِي : ربما ولد آدم
أولاد أخرين لم يذكرهم الكتاب وظن قايين أن أيا منهم يقتله إنتقاماً لهابيل. أو هو
خاف من أي حيوان أن يقتله فهو خسر سلطانه علي الخليقة أو هو خائف من لا شئ مجرد
وهم (هذه الحالة مرض نفسي قد يكون الشيزوفرينيا) وهذا ما يطلق عليه كتابياً
"لا سلام قال الرب للأشرار" فهو لأنه خرج من حماية الله عاش فى رعب، فمن
ينشق علي الله تقف الخليقة كلها ضده.
كُلُّ مَنْ قَتَلَ قَايِينَ فَسَبْعَةَ أَضْعَافٍ يُنْتَقَمُ
مِنْهُ
=
ربما أن قايين قتل دون أن يسمع من الله أن القتل ممنوع لكن الآن فالله يسن تشريعاً
بمنع القتل ومن يقتل حتي للإنتقام سينتقم منه الله انتقاماً كاملاً: سَبْعَةَ أَضْعَافٍ. فالنفس ملك لله وله
الإنتقام. ولاحظ أن القانون المدني لم يكن قد تم وضعه. فليس من حق أحد ان يقتل دون
أن يسمح الله بذلك.
جَعَلَ الرَّبُّ لِقَايِينَ عَلاَمَةً = لكي لا يقتله كل من يجده. هذه علامة حب من الله ليقتاده للتوبة.
وهذه العلامة قد تكون علامة في قايين حتي لا يقتله أحد، هي علامة يراها كل أحد فلا
يقتله ليحيا تحت اللعنة وغضب الله، ويصير هو نفسه علامة علي غضب الله علي الخطية.
وقد تكون علامة (مثل قوس قزح) حين يراها قايين يثق في حماية الله له من أي شر ونحن
نحتمي في علامة الصليب كخطاة لنجد فيه سلاماً وأماناً ومصالحة مع الله وحياة.
أية
(16):-"
16فَخَرَجَ قَايِينُ مِنْ لَدُنِ
الرَّبِّ، وَسَكَنَ فِي أَرْضِ نُودٍ شَرْقِيَّ عَدْنٍ. "
فَخَرَجَ
قَايِينُ مِنْ لَدُنِ الرَّبِّ:
لم
يستفيد من كل إعلانات حب الله بل إنفصل عنه ولم يعد يتحادث معه وإنفصل عن آدم
ومذبحه ولم يعد يصلي معهم ولم تعد له مخافة الرب ولا حفظ وصاياه وشرائعه وطقوس
عبادته. هنا قايين القاتل إتحد بنسل الحية رمز إبليس الذي كان قتالاً للناس منذ
البدء يو 44:8. وخروج قايين من لدن الرب هو خروج النفس من حضن ربها مصدر سلامها.
وَسَكَنَ فِي أَرْضِ نُودٍ : نود تعني التيه
أو الإضطراب. وهذا نتيجة الإنفصال عن الله وهذا ما حدث مع اليهود (رمزهم قايين) إذ
صلبوا المسيح ربهم تاهوا أو تشتتوا هنا وهناك.
أية (17):-" 17وَعَرَفَ قَايِينُ امْرَأَتَهُ فَحَبِلَتْ وَوَلَدَتْ
حَنُوكَ. وَكَانَ يَبْنِي مَدِينَةً، فَدَعَا اسْمَ الْمَدِينَةِ كَاسْمِ ابْنِهِ
حَنُوكَ. "
امراة
قايين هي أخته والله سمح بهذا أولاً ليقيم نسلاً. وحنوك هو الثالث من آدم من ناحية
قايين وله نفس إسم أخنوخ تقريباً السابع من آدم من جهة شيث. وزاد أولاده وأحفاده
جداً فبني مدينة بإسم ابنه وهذا طبيعي أن يبني مدينة لكن روحياً.
1.
سجل أن قايين بني
مدينة، أما هابيل فكعابر لم يبن شيئاً "فليس لنا هنا مدينة باقية"
2.
هو بني هذه
المدينة ليحتمي من التيه الذي جلبه لنفسه ويحتمي من قرارات الله وتأديباته فهو
مازال خائفاً ان يقتله أحد.
الأيات
(18-24):- " 18وَوُلِدَ
لِحَنُوكَ عِيرَادُ. وَعِيرَادُ وَلَدَ مَحُويَائِيلَ. وَمَحُويَائِيلُ وَلَدَ
مَتُوشَائِيلَ. وَمَتُوشَائِيلُ وَلَدَ لاَمَكَ. 19وَاتَّخَذَ لاَمَكُ لِنَفْسِهِ
امْرَأَتَيْنِ: اسْمُ الْوَاحِدَةِ عَادَةُ، وَاسْمُ الأُخْرَى صِلَّةُ. 20فَوَلَدَتْ
عَادَةُ يَابَالَ الَّذِي كَانَ أَبًا لِسَاكِنِي الْخِيَامِ وَرُعَاةِ
الْمَوَاشِي. 21وَاسْمُ أَخِيهِ يُوبَالُ الَّذِي كَانَ أَبًا لِكُلِّ
ضَارِبٍ بِالْعُودِ وَالْمِزْمَارِ. 22وَصِلَّةُ أَيْضًا وَلَدَتْ
تُوبَالَ قَايِينَ الضَّارِبَ كُلَّ آلَةٍ مِنْ نُحَاسٍ وَحَدِيدٍ. وَأُخْتُ
تُوبَالَ قَايِينَ نَعْمَةُ. 23وَقَالَ لاَمَكُ لامْرَأَتَيْهِ عَادَةَ
وَصِلَّةَ: «اسْمَعَا قَوْلِي يَا امْرَأَتَيْ لاَمَكَ، وَأَصْغِيَا لِكَلاَمِي.
فَإِنِّي قَتَلْتُ رَجُلاً لِجُرْحِي، وَفَتىً لِشَدْخِي. 24إِنَّهُ
يُنْتَقَمُ لِقَايِينَ سَبْعَةَ أَضْعَافٍ، وَأَمَّا لِلاَمَكَ فَسَبْعَةً
وَسَبْعِينَ»."
عِيرَادُ: قد تعني مدينة أو جحش
حَنُوكَ: تعني تعليم
مَحُويَائِيلَ: مضروب من الله
مَتُوشَائِيلَ: بطل الله
لاَمَكَ: قوي
عَادَةُ: جمال أو زينة في
العبرية تشير لشهوة العين. وتعني ظلام في الأشورية.
صِلَّةُ: ظل في العبرية
وظلال الليل في الأشورية.
نَعْمَةُ: جمال
يَابَالَ: جوال يجول
البادية
يُوبَالُ: موقع علي آلات
الطرب
تُوبَالَ: نحاس توبال
قايين: صانع نحاس (قايين هنا بمعني صانع وليس بمعني قنية).
توجد
بعض ملاحظات علي هذه الإيات
:
1.
نجد هنا في هذه
الأسماء والحرف "الجمال والقوة وصناعة الحديد والنحاس وكل هذا لا يوجد فيه
خطية لكن لم نسمع أن أحداً من هذه العائلة كانت له علاقة بالله ولذلك فالجمال بدون
أن تكون هناك علاقة مع الله يصبح شهوة ولذة وعبادة للعالم. والقوة بدون الله يصبح
فيها إفتخار وإعتداد بالذات وكبرياء. العالم بدون الله يصبح فساد ونهايته العدم
واللاشئ.
2.
بعض الأسماء
نلاحظ فيها إسم الله ولكنه التدين الظاهري (مثل اليهود) فلم نسمع مثلاً أن هذه العائلة
كانت لها مذابح أو عبادة أو خرج منها قديسين.
3.
الأسماء مرتبطة
بصناعات الأشخاص لذلك يغلب الظن أن الأسماء أطلقت بعد أن يكبر الشخص ويحترف صناعة
ما.
4.
لامك يعني قوي
(هو شاعر بقوته والناس يعرفون عنه أنه قوي) كان له زوجتين عادة بمعني جمال أو زينة
وهذه تشير لشهوة العين. فهو يظن أنه في قوته قادر ان يكون له كل ما تشتهيه عينيه.
والثانية صلة بمعني ظل فهو حين إنشغل بالجمال في العالم وبقوته إنشغل عن الحقيقة
(السماويات) بظلها (أي الأرضيات). ولذلك نجد في معني الأسماء بالأشورية تكميلاً
للمعني أنه عاش في الظلام وظلال الليل.
5.
عيراد تعني
(مدينة أو جحش)فمن يظن أنه يبني مدينة يحتمي بها من غضب الله يكون له فكر حيواني
مظلم والنتيجة أنه يلد محويائيل أي مضروب من الله.
6.
لامك بإتخاذه
إمراتين شابه الهراطقة الذين قسموا الكنيسة (لم تكن له حواء واحدة).
7.
توبال قايين صانع
النحاس صنع سيوفاً وأعطاها لوالده لامك فإفتخر لامك بقوته وبأنه بهذه الأسلحة صار
منيعاً لا يستطيع أحد أن يقتله. بل هو ينتقم لمن يلحق به أي إهانة، هو ينتقم للضرر
البسيط الذي يلحقه بما هو عظيم.
أغنية
أو نشيد لامك : 23وَقَالَ لاَمَكُ لامْرَأَتَيْهِ عَادَةَ
وَصِلَّةَ: «اسْمَعَا قَوْلِي يَا امْرَأَتَيْ لاَمَكَ، وَأَصْغِيَا لِكَلاَمِي.
فَإِنِّي قَتَلْتُ رَجُلاً لِجُرْحِي، وَفَتىً لِشَدْخِي. 24إِنَّهُ
يُنْتَقَمُ لِقَايِينَ سَبْعَةَ أَضْعَافٍ، وَأَمَّا لِلاَمَكَ فَسَبْعَةً
وَسَبْعِينَ».
هذه
أول قطعة شعرية في الأدب العبري تسمي "أغنية السيف للامك" ونشتم فيها
رائحة الإفتخار والإعتداد بالذات والثقة في قوة الإنسان وعنفه. ومعناها أنه أي
لامك قتل رجلاً حين جرحه:
قَتَلْتُ رَجُلاً لِجُرْحِي، وَفَتىً لِشَدْخِي : أي قتل فتي لمجرد أنه لطمه أو جرح كرامته فكلمة
شَدْخِي تعني كسر الشئ أي أذي لحق بكرامته هي
غالباً تشير لإفتخار لامك بقوته وتعاظمه أمامهم. وأنه يفعل هذا في دفاعه عن نفسه
لهذا يحسب بريئاً إن قتل إنسان. وإن كان الله ينتقم لقايين سبعة أضعاف ينتقم للامك
سبعة وسبعين ورقم 77 هو رقم كامل يشير للإنتقام الشديد. أو أنه إذا كان من يؤذيه
ينتقم منه إنتقام شديد. هذه الأغنية تمثل ما وصل إليه الإنسان من صلف وغرور
وإعتداد بالذات. هذا الغرور هو إستغلال لطول أناة الله.
وهناك
تفسير آخر لهذه الأغنية. أن لامك شاخ جداً وضعف بصره وكان حفيده يقوده. وبينما هو
يصطاد ضرب سهمه خطأ بعد أن أشار له حفيده علي صيد فإذا بهذا الصيد لا يكون سوي
قايين الذي قتله لامك دون قصد. وإذ صرخ الحفيد معلناً قتل قايين ضرب لامك الفتي
فقتله (قتل رجلاً (قايين) وفتي (الحفيد). وحين ذاك أدرك أنه لابد وسينتقم منه. لكن
إعلاناً انه برئ من دم قايين فقد قتله دون قصد يقول أن الله سينتقم لقاتله (أي من يقتل
لامك) 77 مرة
لكن
الأكثر واقعية هو أنه نشيد الكبرياء والغطرسة.
هذه
الأيات نري فيها مجموعة خطايا عائلة قايين:
1.
زواج متعدد
2.
تفاخر بالقوة
3.
أسلحة وقوة
عالمية وجبروت.
4.
إنقياد للجمال
والشهوة ولذات هذا العالم.
5.
البعد الكامل عن
الله والإنفصال عنه
الأيات (25-26):- "25وَعَرَفَ آدَمُ
امْرَأَتَهُ أَيْضًا، فَوَلَدَتِ ابْنًا وَدَعَتِ اسْمَهُ شِيثًا، قَائِلَةً:
«لأَنَّ اللهَ قَدْ وَضَعَ لِي نَسْلاً آخَرَ عِوَضًا عَنْ هَابِيلَ». لأَنَّ
قَايِينَ كَانَ قَدْ قَتَلَهُ. 26وَلِشِيثَ أَيْضًا وُلِدَ ابْنٌ فَدَعَا
اسْمَهُ أَنُوشَ. حِينَئِذٍ ابْتُدِئَ أَنْ يُدْعَى بِاسْمِ الرَّبِّ. "
لله لم يترك حواء منكسرة الخاطر
لخسارتها قايين وهابيل. بل وهبها شِيثً = عوض فهو عوض هابيل ويعني أيضا معين فالله عينه راساً لجيل مقدس.
وإقامة شيث عوض هابيل تحمل معني إمتداد حياة هابيل أي قيامة المسيح الذي قيل عنه
يري نسلاً تطول أيامه (أش 10:53) وهذا رايناه في زيادة أيام حزقيا الملك. وأنجب
شيث أبنه أنوش ويعني إنساناً ضعيفاً هشاً ولكن الله يستخدم الأنية الضعيفة لمدحه
وتسبيحه: حينئذ إبتدىء أن يدعي بإسم الرب. لذلك دعي أولاد شيث أولاد الله. في
مقابل أولاد الناس (أولاد قايين)