الأصحاح السادس عشر

 

في الإصحاح السابق سمعنا "فأمن بالرب فحسبه له براً" تك 6:15 ونسمع في عب 15:6 "وهكذا إذ تأني نال الموعد" ولكن نجد في هذا الأًصحاح عكس التأني فنري التسرع والحلول البشرية فكان نتيجة للقلق وعدم الإيمان أن ساراي سلكت بتفكير بشري بحت خارج دائرة الإيمان. فالقلق يعطل الإيمان. وكان للزوجة أن تهب جاريتها لزوجها لتعطيه نسلاً. ويحسب النسل لها لأن جاريتها ونسلها ملك للسيدة. وهكذا تعجلت ساراي الأمور وكان لها جارية مصرية هي هاجر وغالباً كانت ضمن هدايا فرعون لإبرام. وكان الحل البشري خطأ فهو عبارة عن تعدد زوجات نتج عنه مرارة وخسارة فهاجر أثبتت أنها غير وفية لسيدتها وأهانت سيدتها حين حبلت من إبرام. ولاحظ أن الشيطان قد يستخدم أقرب الناس لنا لغوايتنا فساراي استخدمت لغواية إبرام وحواء إستخدمت لغواية آدم.

 

أية (1):- "1وَأَمَّا سَارَايُ امْرَأَةُ أَبْرَامَ فَلَمْ تَلِدْ لَهُ. وَكَانَتْ لَهَا جَارِيَةٌ مِصْرِيَّةٌ اسْمُهَا هَاجَرُ، 

هاجر : تعني هجر أو هرب وغالباً فإن إبرام هو الذي أعطي لها الأسم والإسم يعني أيضا غريبة فهي كانت غريبة علي حياة إبراهيم وإيمانه. هي تمثل الفكر الغريب الذي يدخل للإنسان فيسبب مضايقات ومرارة.

 

أية (2):- "2فَقَالَتْ سَارَايُ لأَبْرَامَ: «هُوَذَا الرَّبُّ قَدْ أَمْسَكَنِي عَنِ الْوِلاَدَةِ. ادْخُلْ عَلَى جَارِيَتِي لَعَلِّي أُرْزَقُ مِنْهَا بَنِينَ». فَسَمِعَ أَبْرَامُ لِقَوْلِ سَارَايَ. "

يري القديس ذهبي الفم أن ساراي ظنت أن عدم الإنجاب يرجع إلي رجلها لذلك سلمته لتمتحن الأمر، وإذ رأت جاريتها حبلت إغتمت. عموماً ما فعلته ساراي يمثل إتكال الإنسان علي ذاته يخطط لنفسه دون الرجوع إلي الله وطلب مشورته.

 

أية (3):- "3فَأَخَذَتْ سَارَايُ امْرَأَةُ أَبْرَامَ هَاجَرَ الْمِصْرِيَّةَ جَارِيَتَهَا، مِنْ بَعْدِ عَشَرِ سِنِينَ لإِقَامَةِ أَبْرَامَ فِي أَرْضِ كَنْعَانَ، وَأَعْطَتْهَا لأَبْرَامَ رَجُلِهَا زَوْجَةً لَهُ."

 

أية (4):- "4فَدَخَلَ عَلَى هَاجَرَ فَحَبِلَتْ. وَلَمَّا رَأَتْ أَنَّهَا حَبِلَتْ صَغُرَتْ مَوْلاَتُهَا فِي عَيْنَيْهَا."

إحتقار هاجر لساراي ربما تمثل في رفضها لخدمتها أو ظنها أنها هي السيدة المحبوبة من إبرام ومن الله الذي أعطاها ذلك. وربما سخرت من ساراي حينما رأت أن ساراي لها أمل في أن تنجب هي الأخري. ولنلاحظ أن الأشرار حينما تأتي لهم ميزات يتكبرون ويحتقرون الأخرين. والله إستخدم الخطأ البشري ليشرح شيئاً هاماً أن ساراي هنا أصبحت تمثل كنيسة الأمم (العهد الجديد) التي كانت قبلاً عاقراً لا تنجب أولاداً لله وهاجر تشير إلي اليهود الذين أنجبوا عبيداً برفضهم البنوة لله في المسيح يسوع. وفي ملء الزمان أنجبت ساراي أسحق إذ أتت بأبناء كثيرين لله. ولدت ساراي إبنها ليس حسب الطبيعة إذ كانت عاقراً وإنما حسب وعد الله فجاء إبنا مباركاً. أما هاجر فأنجبته حسب الطبيعة فجاء عبداً (غل 21:4-31) وكانت ساراى العاقر تمثل الأمم الذين عجزوا عن تقديم أولاد لله. لهذا سمح الله أن تظل ساراي عاقراً لتصبح رمزاً للبشرية الميتة والله يقيم منها حياة من موت.

 

أية (5):- "5فَقَالَتْ سَارَايُ لأَبْرَامَ: «ظُلْمِي عَلَيْكَ! أَنَا دَفَعْتُ جَارِيَتِي إِلَى حِضْنِكَ، فَلَمَّا رَأَتْ أَنَّهَا حَبِلَتْ صَغُرْتُ فِي عَيْنَيْهَا. يَقْضِي الرَّبُّ بَيْنِي وَبَيْنَكَ». "

ظلمي عليك … يقضي الرب بيني وبينك : هذه نتائج الحلول البشرية فبعد أن كانت سارة تقول لإبراهيم يا سيدي، ها هي تتهمه بالظلم. وفقدت العائلة سلامها.

 

أية (6):- "6فَقَالَ أَبْرَامُ لِسَارَايَ: «هُوَذَا جَارِيَتُكِ فِي يَدِكِ. افْعَلِي بِهَا مَا يَحْسُنُ فِي عَيْنَيْكِ». فَأَذَلَّتْهَا سَارَايُ، فَهَرَبَتْ مِنْ وَجْهِهَا."

ربما تكون ساراي قد أثقلت بالعمل علي هاجر أو هي أدبتها بقسوة فهربت. ويبدو أن إبرام عاملها كزوجة وكان يحميها وحين تضايقت ساراي تركها لسيدتها فأذلتها. ويعلق القديس أغسطينوس علي موقف إبراهيم أنه بزواجه من هاجر وتسليمها لساراي حسب طلبها فهذا يثبت أنه فعل هذا ليس عن شهوة بل تنفيذا لمشورة زوجته حتي يحصل علي نسل.

 

أية (7):- "7فَوَجَدَهَا مَلاَكُ الرَّبِّ عَلَى عَيْنِ الْمَاءِ فِي الْبَرِّيَّةِ، عَلَى الْعَيْنِ الَّتِي فِي طَرِيقِ شُورَ."

لعلها كانت متجهة إلي مصر موطنها الأصلي، فنزلت إلي برية فاران حيث لاقاها ملاك الرب عند عين ماء (ربما عيون موسي) وطريق شور هو طريق قوافل في البرية.

 

الأيات (8-10):- " 8وَقَالَ: «يَا هَاجَرُ جَارِيَةَ سَارَايَ، مِنْ أَيْنَ أَتَيْتِ؟ وَإِلَى أَيْنَ تَذْهَبِينَ؟». فَقَالَتْ: «أَنَا هَارِبَةٌ مِنْ وَجْهِ مَوْلاَتِي سَارَايَ». 9فَقَالَ لَهَا مَلاَكُ الرَّبِّ: «ارْجِعِي إِلَى مَوْلاَتِكِ وَاخْضَعِي تَحْتَ يَدَيْهَا». 10وَقَالَ لَهَا مَلاَكُ الرَّبِّ: «تَكْثِيرًا أُكَثِّرُ نَسْلَكِ فَلاَ يُعَدُّ مِنَ الْكَثْرَةِ»."

يظهر فيها خطة الله مع كل خاطئ

كبرياء هاجر: هاجر كانت خطيتها الكبرياء فأهانت سيدتها.

سماح الله لها وإتيانه بها للبرية: يسمح الله بتجربة (برية) يمر بها الخاطئ حتي يشعر بمرارة الخطية.

ملاك الرب يقابلها في البرية: من مراحم الرب أن لا يترك الخاطئ وحده بل يظهر له ويرحمه.

الملاك يقول لها يا جارية ساراي: قال لها الملاك يا جارية ساراي حتي تترك كبريائها.

الملاك يقول لها من أين أتيت وإلي أين: لماذا تركت بيت القداسة والأن أنت في الصحراء؟

الملاك يقول لها إرجعي إلي مولاتك: أمر بالرجوع لبيت القداسة كما عاد الإبن الضال.

الملاك يقابلها عند عين ماء: أول لقاء لنا مع المسيح يكون عند جرن المعمودية.

هاجر تنجب إبناً وهي في بيت إبرام: في بيت الله بعد معوديتنا وتوبتنا يكون لنا ثمر

المسيح نزل لنا في بريتنا القاحلة لكي يلتقي بنا عند مياه المعمودية ويردنا من الإتجاه إلي مصر أي محبة العالم إلي كنعان السماوية. لقد طردنا من كنعان أي الفردوس بسبب خطايانا، وبسببها صرنا في مرارة وعزلة، في برية هذا العالم، لكن الله لم يتركنا بل ردنا بتجديد المعمودية. حقا لقد كان لهاجر بنين ولكن حتي يكمل الرمز فإن سارة فاقتها في عدد أبنائها رمزاً لأن كنيسة الأمم كان لها أبناء أكثر جداً فقد دخل للكنيسة كل الأمم من كل العالم. وكانوا احراراً

وقال لها ملاك الرب تكثيرا اكثر نسلك فلا يعد من الكثرة

وقال لها ملاك الرب تكثيراً أكثر نسلك: هذه الجملة تظهر أن ملاك الرب هذا هو المسيح.

 

أية (11):- "11وَقَالَ لَهَا مَلاَكُ الرَّبِّ: «هَا أَنْتِ حُبْلَى، فَتَلِدِينَ ابْنًا وَتَدْعِينَ اسْمَهُ إِسْمَاعِيلَ، لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ سَمِعَ لِمَذَلَّتِكِ. "

إسمعيل: الله سمع. إعلاناً أن الله سمع لصوت مذلتها وأنقذها.

 

أية (12):- "12وَإِنَّهُ يَكُونُ إِنْسَانًا وَحْشِيًّا، يَدُهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ، وَيَدُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَيْهِ، وَأَمَامَ جَمِيعِ إِخْوَتِهِ يَسْكُنُ». "

إنساناً وحشياً: أصل الكلمة "إنسانا كالفرا" والفرا هو حمار الوحش وهو معروف بقوته وميله للحرية والإنطلاق في الصحراء ومن الصعب تذليله وإخضاعه وحمار الوحش عند العرب يعتبر من الحيوانات الراقية (أي 5:39-8) وهذا الوصف هو أحسن وصف للعرب البدو. فصار رمزاً لحياتهم الطلقة وإسمعيل هو أبو العرب. يده علي كل واحد : يميل البدو لغزو من حولهم وتقوم الحروب بين قبائلهم ويعتبرون الأسلاب الناتجة عن الغزو من الربح الحلال ويد كل أحد عليه : لاحظ أن الجزاء من نفس جنس الخطية. أمام جميع إخوته يسكن : أي أن الشعوب العربية المتناسلة من إسمعيل يكون لها كيانها المستقل كشعوب مستقلة أمام باقي الشعوب المتناسلة من إبراهيم أي غير خاضعة لأحد منهم.

 

أية (13):- "13فَدَعَتِ اسْمَ الرَّبِّ الَّذِي تَكَلَّمَ مَعَهَا: «أَنْتَ إِيلُ رُئِي». لأَنَّهَا قَالَتْ: «أَههُنَا أَيْضًا رَأَيْتُ بَعْدَ رُؤْيَةٍ؟» "

 

أنت إيل رئي: أي إله الرؤيا : إله يري والمعني ان الله الذي رأي مشقتها ظهر لها وها هي تراه. إذا هو يري وأيضا ممكن رؤيته فها أنا أراه. والعبارة في العبرية تعني " هل مازلت أحيا ومازلت أري بعد أن رأيت الله" رأيت بعد رؤيا: رأيت ظهر أوقفا الذي رآني.

 

أية (14):- "14لِذلِكَ دُعِيَتِ الْبِئْرُ «بِئْرَ لَحَيْ رُئِي». هَا هِيَ بَيْنَ قَادِشَ وَبَارَدَ."

بئر لحي رئي: بئر الحي الذي يري وتعني استمرار الحياة بعد رؤية الرب. وهذا يتماشي مع كلام منوح "نموت موتاً لأننا قد رأينا الله قض 22:13 ثم كلام زوجة منوح.

 

أية (15):- "15فَوَلَدَتْ هَاجَرُ لأَبْرَامَ ابْنًا. وَدَعَا أَبْرَامُ اسْمَ ابْنِهِ الَّذِي وَلَدَتْهُ هَاجَرُ «إِسْمَاعِيلَ». "

ودعا إبرام اسم ابنه إسمعيل: ربما يكون إبرام قد أسماه إسمعيل بعد أن سمع قصة لقاء الله مع هاجر أو يكون إبرام قد تصور خطأ أن هذا هو الإبن الموعود به وأن الله استمع له وأعطاه هذا الأبن الذي سيكون من نسله البركة. وهذا يحدث كثيراً معنا أن نظن أن صوت إرادتنا الشخصية هو صوت الله فنخدع إذ نكون منحصرين داخل أنفسنا.

 

أية (16):- "16كَانَ أَبْرَامُ ابْنَ سِتٍّ وَثَمَانِينَ سَنَةً لَمَّا وَلَدَتْ هَاجَرُ إِسْمَاعِيلَ لأَبْرَامَ."

وكان إبرام إبن 86 سنة : وحين ولد إسحق كان عمره 100 سنة

ملحوظات

1.    هاجر فهمت أن الملاك الذي ظهر لها هو الرب (يهوة) هكذا قالت وهكذا أيدها موسي (13)

2.    سارة تشير للكنيسة (النعمة) وهاجر للناموس وعودتها لبيت إبرام يعني أن الناموس يجب أن يحل في بيت الله ويكون الأولاد أولاد الناموس (إسمعيل) إلي أن يأتي ملء الزمان ويولد إسحق (المسيح).