بعد
أن أخذ إبراهيم وعد الحياة والبركة في الإصحاح السابق نجد هنا أخبار الموت. وهذا
يشير إلي أنه ولو أن المسيح مات عنا وقام ليحمل عنا عقوبتنا إلا أنه يجب أن نموت كعبور
للحياة الأخري. وخبر أقارب رفقة ما بين الأصحاحين يشير إلي إستمرار الحياة عن طريق
الأبناء بعد موت الأباء حتي يأتي يوم القيامة الذي يقوم فيه الجميع وهذا معبر عنه
بقول الوحي وقام إبراهيم من أمام ميته (أية 3)، بعد أن ناح وبكي ولم تكن قامة
إبراهيم الروحية العالية جداً مانعاً أمام ظهور العواطف والمشاعر الإنسانية
فالمسيح نفسه بكي أمام قبر لعازر لكن قوله وقام تشير لإيمانه بالقيامة. ولكن نحن
هنا في هذه الأرض في فترة بكاء وعالم حزن يخفف منهم الإيمان بالقيامة.
أية
(1):- " 1وَكَانَتْ حَيَاةُ سَارَةَ مِئَةً وَسَبْعًا وَعِشْرِينَ
سَنَةً، سِنِي حَيَاةِ سَارَةَ. "
سارة
هي المرأة الوحيدة التي يذكر الكتاب المقدس عمرها فهى أم العبراينين.
أية
(2):- "2وَمَاتَتْ سَارَةُ فِي قَرْيَةِ أَرْبَعَ، الَّتِي هِيَ
حَبْرُونُ، فِي أَرْضِ كَنْعَانَ. فَأَتَى إِبْرَاهِيمُ لِيَنْدُبَ سَارَةَ
وَيَبْكِيَ عَلَيْهَا."
كان
إبراهيم يتنقل غالباً وله عدة مراكز بسبب أملاكه الوفيرة بين حبرون وبئر سبع فأتي إبراهيم ليندب سارة : معناها أنه كان متغرباً في
عمله وسمع فأتي ليندبها.
أية
(3):- "3وَقَامَ إِبْرَاهِيمُ مِنْ أَمَامِ مَيِّتِهِ وَكَلَّمَ
بَنِي حِثَّ قَائِلاً:"
كلمة
حث معناها خوف ورعب. وهذا هو حال الأرض
قبل فداء المسيح.
أية
(4):- " 4«أَنَا غَرِيبٌ وَنَزِيلٌ عِنْدَكُمْ. أَعْطُونِي مُلْكَ
قَبْرٍ مَعَكُمْ لأَدْفِنَ مَيْتِي مِنْ أَمَامِي»."
أنا غريب ونزيل : بالرغم من كل
أملاكه وهيبته أمام بني حث حتي عاملوه كرئيس بينهم (آية 6) إلا أنه في إتضاع عاش
كغريب شاعراً أنه لا ينتمي لهذا العالم بل لمن هو في السماء. وقطعاً فإن شركته مع
الله هذه هي التي أعطته الكرامة أمام هؤلاء القوم .
أعطوني ملك قبر : لم يفكر إبراهيم
في دفن سارة زوجته بجوار أسلافه، فإن كان بالإيمان قد خرج مع سارة من أور. فهو قد
بقي سالكاً بهذا الإيمان حتي النفس الأخير. وهو الذي لم يمتلك شيئاً في أرض كنعان
إمتلك مقبرة (أع 5:7) بينما إمتلك نمرود وقايين مدناً. هذا يعبر عن روح الغربة.
إلا أننا نلاحظ.
1.
إصرار إبراهيم
علي شراء الأرض وهذه الأرض بالذات هو تأكيد لإيمانه بإن الله سيعطيها له.
2.
الأرض التي وهبها
الله له مجاناً لا يأخذها سوي بعد دفع الثمن. وهذا إشارة لأن الله أعطانا هبات
مجانية وميراثاً للسماء من نعمته ولكن علينا أن نجاهد حتي نرث (الثمن).
3.
الأرض إشتراها
بفضة. والأرض تشير لميراث السماء . و الفضة تشير للفداء الذي به نلنا الميراث.
4.
الله وعده بالأرض
لكنه لم يمتلك منها سوى مقبرة. وحل هذا قاله بولس الرسول، أنها أرض غربة وكان
ينتظر المدينة التى لها الأساسات التى صانعها وبارئها الله عب 10:11 أى ميراث
السماء.
أية
(5):- "5فَأَجَابَ بَنُو حِثَّ إِبْرَاهِيمَ قَائِلِينَ لَهُ:
"
أية
(6):- "6«اِسْمَعْنَا يَا سَيِّدِي. أَنْتَ رَئِيسٌ مِنَ اللهِ
بَيْنَنَا. فِي أَفْضَلِ قُبُورِنَا ادْفِنْ مَيْتَكَ، لاَ يَمْنَعُ أَحَدٌ مِنَّا
قَبْرَهُ عَنْكَ حَتَّى لاَ تَدْفِنَ مَيْتَكَ»."
رئيس من الله : أي رئيس عظيم.
ولاحظ محبة بني حث وتكريمهم لإبراهيم.
أية
(7):- "7فَقَامَ إِبْرَاهِيمُ وَسَجَدَ لِشَعْبِ الأَرْضِ، لِبَنِي
حِثَّ،"
سجود
إبراهيم هنا سجود إكرام وليس سجود عبادة : وهكذا نسجد للبابا والأساقفة.
الأيات
(8-9):- " 8وَكَلَّمَهُمْ قَائِلاً:
«إِنْ كَانَ فِي نُفُوسِكُمْ أَنْ أَدْفِنَ مَيْتِي مِنْ أَمَامِي، فَاسْمَعُونِي
وَالْتَمِسُوا لِي مِنْ عِفْرُونَ بْنِ صُوحَرَ 9أَنْ يُعْطِيَنِي
مَغَارَةَ الْمَكْفِيلَةِ الَّتِي لَهُ، الَّتِي فِي طَرَفِ حَقْلِهِ. بِثَمَنٍ
كَامِل يُعْطِينِي إِيَّاهَا فِي وَسَطِكُمْ مُلْكَ قَبْرٍ». "
هنا
نجد إصرار إبراهيم علي الدفع ولم يستغل محبة بني حث. وواضح أن إبراهيم كان يعلم
إسم صاحب الأرض التي يريد شراؤها لكنه لم يكن قد رآه من قبل.
أية
(10):- "10وَكَانَ عِفْرُونُ جَالِسًا بَيْنَ بَنِي حِثَّ، فَأَجَابَ
عِفْرُونُ الْحِثِّيُّ إِبْرَاهِيمَ فِي مَسَامِعِ بَنِي حِثَّ، لَدَى جَمِيعِ
الدَّاخِلِينَ بَابَ مَدِينَتِهِ قَائِلاً:"
كان
الوجهاء والعظماء يجلسون في باب المدينة حيث تحل المشاكل.
أية
(11):- "11«لاَ يَا سَيِّدِي، اسْمَعْنِي. اَلْحَقْلُ وَهَبْتُكَ
إِيَّاهُ، وَالْمَغَارَةُ الَّتِي فِيهِ لَكَ وَهَبْتُهَا. لَدَى عُيُونِ بَنِي
شَعْبِي وَهَبْتُكَ إِيَّاهَا. ادْفِنْ مَيْتَكَ»."
أية
(12):- " 12فَسَجَدَ إِبْرَاهِيمُ أَمَامَ شَعْبِ الأَرْضِ، "
السجود
هنا هو سجود شكر لهم علي مودتهم.
أية
(13):- "13وَكَلَمَ عِفْرُونَ فِي مَسَامِعِ شَعْبِ الأَرْضِ
قَائِلاً: «بَلْ إِنْ كُنْتَ أَنْتَ إِيَّاهُ فَلَيْتَكَ تَسْمَعُنِي. أُعْطِيكَ
ثَمَنَ الْحَقْلِ. خُذْ مِنِّي فَأَدْفِنَ مَيْتِي هُنَاكَ»."
هنا
إكتشف إبراهيم أن عفرون جالساً في
وسطهم فقال له إن كنت أنت إياه : أي إن
كنت أنت عفرون صاحب المغارة والحقل. وقد تعني الجملة إن أردت هذا فعلاً أن تعطيني
المغارة وأنت قادر فعلاً أن تعطيني مجاناً فأنا واثق من كرمك ولكن إسمح أن أدفع
الثمن. والأسلوب الذي إتبع هنا هو أسلوب شرقي مهذب للشراء والبيع فيسأل الشاري
"بكم" ويرد البائع "مجانا" أو "لأجلك مجانا" ويرد
الشاري "أنت قدها وزيادة ولكن أريد أن أدفع" وإيمانياً فإبراهيم لا يريد
أن يأخذ الأرض مجاناً من يد عفرون فهو ينتظر أن يأخذها من يد الله في الوقت الذي
يحدده الله. هو ينتظر بصبر تحقيق وعد الله ولا يظهر كمن يتقبل من الناس شيئاً وعده
الله أن يهبه إياه.
أية
(14):- " 14فَأَجَابَ
عِفْرُونُ إِبْرَاهِيمَ قَائِلاً لَهُ: "
الأيات
(15-16):- "15«يَا سَيِّدِي، اسْمَعْنِي. أَرْضٌ بِأَرْبَعِ مِئَةِ
شَاقِلِ فِضَّةٍ، مَا هِيَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ؟ فَادْفِنْ مَيْتَكَ». 16فَسَمِعَ
إِبْرَاهِيمُ لِعِفْرُونَ، وَوَزَنَ إِبْرَاهِيمُ لِعِفْرُونَ الْفِضَّةَ الَّتِي
ذَكَرَهَا فِي مَسَامِعِ بَنِي حِثَّ. أَرْبَعَ مِئَةِ شَاقِلِ فِضَّةٍ جَائِزَةٍ
عِنْدَ التُّجَّارِ."
400
فضة كانت كثيرة علي الأرض لكن عند
إبراهيم لم تكن شيئاً فهي عربون ميراثه. وهو لم يقتن من الأرض إلا ما يدفن فيه
جسده. ولقد دفن في هذه المغارة إبراهيم وسارة وإسحق ورفقة ويعقوب وليئة والأن مقام
فوقها مسجد الخليل وساحته. ولقد إشتري يعقوب مدفناً اخر في شكيم (يش 32:24) دفن
فيه يوسف وأخرين راجع أع 16:7 وغالباً دفن فيه بعض أباء الأسباط. ويقال ان عظام
يوسف تم نقلها بعد ذلك إلي مغارة المكفيلة. فضة جائزة عند التجار : هذه تشبه
التمغة الأن. أي الذهب والفضة يتم تمغهما ليظهر أنهما ليسا مغشوشان
الأيات (17-20):- "17فَوَجَبَ حَقْلُ عِفْرُونَ الَّذِي فِي
الْمَكْفِيلَةِ الَّتِي أَمَامَ مَمْرَا، الْحَقْلُ وَالْمَغَارَةُ الَّتِي فِيهِ،
وَجَمِيعُ الشَّجَرِ الَّذِي فِي الْحَقْلِ الَّذِي فِي جَمِيعِ حُدُودِهِ
حَوَالَيْهِ، 18لإِبْرَاهِيمَ مُلْكًا لَدَى عُيُونِ بَنِي حِثَّ،
بَيْنَ جَمِيعِ الدَّاخِلِينَ بَابَ مَدِينَتِهِ. 19وَبَعْدَ ذلِكَ دَفَنَ
إِبْرَاهِيمُ سَارَةَ امْرَأَتَهُ فِي مَغَارَةِ حَقْلِ الْمَكْفِيلَةِ أَمَامَ
مَمْرَا، الَّتِي هِيَ حَبْرُونُ، فِي أَرْضِ كَنْعَانَ، 20فَوَجَبَ
الْحَقْلُ وَالْمَغَارَةُ الَّتِي فِيهِ لإِبْرَاهِيمَ مُلْكَ قَبْرٍ مِنْ عِنْدِ
بَنِي حِثَّ."