الإصحاح الثالث عشر

التجسس على كنعان

بعد أن سقط الشعب فى تجربة الشهوة والإشتياق لأرض العبودية ( الكرات والبصل ) أراد الرب أن يكشف لهم عن خيرات أرض الميعاد. وكان عليهم أن يؤمنوا بأنها أرض تفيض لبناً وعسلاً ولكنهم شكّوا , وأرادوا أن يتأكدوا بأن يرسلوا جواسيس لهذه الأرض فطلبوا من موسى ( تث 23،22:1 ) , وموسى سأل الرب وها نحن نرى أن الله يوافق على إرسال جواسيس. ونحن لنا جواسيس تجسسوا لنا ما فى أورشليم السماوية مثل بولس " ما لم تره عين ولم تسمع به أذن.." , ويوحنا فى رؤياه وأشعياء وحزقيال. فلنصدق أن هناك أفراح. فالجواسيس عادوا معهم بكروم , والكروم رمز الفرح. ولاحظ أن الله سمح لهم بالتجسس ليختاروا , فالله يريدنا أن نختاره بحريتنا وإقتناعنا. والعجيب أن يطلبوا التجسس على أرض سبق الله وتجسسها لهم لكن الله يسمح بهذا ليزيد إيمانهم , كما عمل مع توما. أما موسى حين أرسلهم كان واثقاً كما كان يوحنا المعمدان واثقاً فى المسيح حين أرسل تلاميذه له.

 

الأيات (1-16):-" 1ثُمَّ كَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلاً: 2«أَرْسِلْ رِجَالاً لِيَتَجَسَّسُوا أَرْضَ كَنْعَانَ الَّتِي أَنَا مُعْطِيهَا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ. رَجُلاً وَاحِدًا لِكُلِّ سِبْطٍ مِنْ آبَائِهِ تُرْسِلُونَ. كُلُّ وَاحِدٍ رَئِيسٌ فِيهِمْ». 3فَأَرْسَلَهُمْ مُوسَى مِنْ بَرِّيَّةِ فَارَانَ حَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ. كُلُّهُمْ رِجَالٌ هُمْ رُؤَسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، 4وَهذِهِ أَسْمَاؤُهُمْ: مِنْ سِبْطِ رَأُوبَيْنَ شَمُّوعُ بْنُ زَكُّورَ. 5مِنْ سِبْطِ شِمْعُونَ شَافَاطُ ابْنُ حُورِي. 6مِنْ سِبْطِ يَهُوذَا كَالِبُ بْنُ يَفُنَّةَ. 7مِنْ سِبْطِ يَسَّاكَرَ يَجْآلُ بْنُ يُوسُفَ. 8مِنْ سِبْطِ أَفْرَايِمَ هُوشَعُ بْنُ نُونَ. 9مِنْ سِبْطِ بَنْيَامِينَ فَلْطِي بْنُ رَافُو. 10مِنْ سِبْطِ زَبُولُونَ جَدِّيئِيلُ بْنُ سُودِي. 11مِنْ سِبْطِ يُوسُفَ: مِنْ سِبْطِ مَنَسَّى جِدِّي بْنُ سُوسِي. 12مِنْ سِبْطِ دَانَ عَمِّيئِيلُ بْنُ جَمَلِّي. 13مِنْ سِبْطِ أَشِيرَ سَتُورُ بْنُ مِيخَائِيلَ. 14مِنْ سِبْطِ نَفْتَالِي نَحْبِي بْنُ وَفْسِي. 15مِنْ سِبْطِ جَادَ جَأُوئِيلُ بْنُ مَاكِي. 16هذِهِ أَسْمَاءُ الرِّجَالِ الَّذِينَ أَرْسَلَهُمْ مُوسَى لِيَتَجَسَّسُوا الأَرْضَ. وَدَعَا مُوسَى هُوشَعَ بْنَ نُونَ «يَشُوعَ»."

كما إتضح أن الله قال لموسى أن يرسل جواسيس حسب طلبهم ليزيد إيمانهم إلا أن الله كان يفضل لو آمنوا دون أن يروا بالعيان. ونلاحظ أن الجواسيس ليسوا هم رؤساء الأسباط. ونلاحظ أن موسى غير إسم هوشع ليشوع ليشبه إسم يسوع. ولنلاحظ أن الجاسوسين الممتازين هما يشوع وكالب. ويشوع معناها مخلص فهو رمز للمسيح المخلص ويشوع هو الذى أدخلهم أرض الميعاد ( فنحن ندخل السماء بالنعمة وليس بالناموس

( موسى ). وكالب إسمه يعنى قلب فهو يعمل العمل بكل قلبه فى إخلاص وبلا خوف واثقاً فى مواعيد الله. وإرتباط يشوع بكالب معناه أننا إذا أعطينا قلبنا ليسوع ندخل السماء. أى يكون قلبنا جاداً مخلصاً هذه هى الناحية البشرية ويمثل يشوع نعمة المسيح المجانية. فدخول السماء يشترط عمل نعمة المسيح مع الإرادة الحرة القلبية من الإنسان.

 

الأيات (17-20):-" 17فَأَرْسَلَهُمْ مُوسَى لِيَتَجَسَّسُوا أَرْضَ كَنْعَانَ، وَقَالَ لَهُمُ: «اصْعَدُوا مِنْ هُنَا إِلَى الْجَنُوبِ وَاطْلَعُوا إِلَى الْجَبَلِ، 18وَانْظُرُوا الأَرْضَ، مَا هِيَ: وَالشَّعْبَ السَّاكِنَ فِيهَا، أَقَوِيٌّ هُوَ أَمْ ضَعِيفٌ؟ قَلِيلٌ أَمْ كَثِيرٌ؟ 19وَكَيْفَ هِيَ الأَرْضُ الَّتِي هُوَ سَاكِنٌ فِيهَا، أَجَيِّدَةٌ أَمْ رَدِيئَةٌ؟ وَمَا هِيَ الْمُدُنُ الَّتِي هُوَ سَاكِنٌ فِيهَا، أَمُخَيَّمَاتٌ أَمْ حُصُونٌ؟ 20وَكَيْفَ هِيَ الأَرْضُ، أَسَمِينَةٌ أَمْ هَزِيلَةٌ؟ أَفِيهَا شَجَرٌ أَمْ لاَ؟ وَتَشَدَّدُوا فَخُذُوا مِنْ ثَمَرِ الأَرْضِ». وَأَمَّا الأَيَّامُ فَكَانَتْ أَيَّامَ بَاكُورَاتِ الْعِنَبِ."

تتلخص الأوامر الصادرة لهم بأن إصعدوا وتشددوا وخذوا من ثمر الأرض. وكل معلم ينبغى أن يصنع نفس الشىء ليشهد للحق، فعليه أن يتذوقه بصعوده بقلبه وإرتفاعه على جبل الوصية وتحليقه فى السماويات ويتشدد بالإيمان واثقاً أن الله سينفذ وعوده. وبعد أن يتذوق هو الثمر عليه أن يعرض لمخدوميه.

إصعدا إلى الجنوب = وهذا غريب لأنهم هم الآن فى الجنوب ( جنوب كنعان ) وكلمة إصعدا معناها إذهبا للشمال. لكن المقصود تجسسوا الأرض كلها فبعد أن تذهبوا للشمال إذهبوا للجنوب وغالباً فقد إنقسمت الجماعة لجماعات صغيرة. كل جماعة ذهبت لمكان.

وأما الأيام فكانت أيام باكورات العنب = يمكن تفسيرها حرفياً. ويمكن تفسيرها روحياً بمعنى أنهم كانوا على وشك أن يفرحوا بدخولهم للفرح الروحى والجسدى. ونحن الآن فى باكورة الفرح.

 

الأيات (21-24):-" 21فَصَعِدُوا وَتَجَسَّسُوا الأَرْضَ مِنْ بَرِّيَّةِ صِينَ إِلَى رَحُوبَ فِي مَدْخَلِ حَمَاةَ. 22صَعِدُوا إِلَى الْجَنُوبِ وَأَتَوْا إِلَى حَبْرُونَ. وَكَانَ هُنَاكَ أَخِيمَانُ وَشِيشَايُ وَتَلْمَايُ بَنُو عَنَاق. وَأَمَّا حَبْرُونُ فَبُنِيَتْ قَبْلَ صُوعَنِ مِصْرَ بِسَبْعِ سِنِينَ. 23وَأَتَوْا إِلَى وَادِي أَشْكُولَ، وَقَطَفُوا مِنْ هُنَاكَ زَرَجُونَةً بِعُنْقُودٍ وَاحِدٍ مِنَ الْعِنَبِ، وَحَمَلُوهُ بِالدُّقْرَانَةِ بَيْنَ اثْنَيْنِ، مَعَ شَيْءٍ مِنَ الرُّمَّانِ وَالتِّينِ. 24فَدُعِيَ ذلِكَ الْمَوْضِعُ «وَادِيَ أَشْكُولَ» بِسَبَبِ الْعُنْقُودِ الَّذِي قَطَعَهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنْ هُنَاكَ."

رحوب = تعنى مكان رحب أو متسع وهى مدينة أرامية على حدود كنعان الشمالية. ومدخل حماة = حماة على بعد 130 ميل شمال شرق دمشق ومدخل حماة يعنى الطريق المؤدى لحماة. وحبرون = تعنى صحبة أو رباط وهى كانت أول كرسى لداود وملك فيها 2/1 7 سنة , وتسمى حالياً مدينة الخليل نسبة لإبراهيم

وأشكول = تعنى عنقود ولا يعرف هل هذا الإسم كان قبل موسى أم أطلق عليها بعد هذه الحادثة وهو وادى شمال حبرون بالقرب منها وحبرون جنوب غرب أورشليم وتبعد عنها 19 ميل.

وهذه المرحلة للجواسيس من برية صين ( ومعناها تجربة ) إلى أن حصلوا على العنقود هو رحلة كل نفس تريد أن تعبر إلى الملكوت لتنال السيد المسيح نفسه كعنقود عنب يهب حياة. فهى تعبر عن برية صين حيث التجارب والضيقات وتذهب إلى رحوب أى لا تعيش فى كآبة وتذمر بل تتحول التجارب لتعزيات. ويذهب لمدخل حماة أى هو متمتع بالحماية الإلهية , وهو فى حبرون متمتع بصحبة المسيح. وحتى بنى عناق الجبابرة أى الشياطين لا يقدرون عليه. وتصل هذه النفس وتعبر لأشكول وتحمل عنقود الحياة , والعجيب أنهم حملوا العنقود على خشبة فكلمة دقرانة = عصا وزرجونة = فرعاً من شجرة العنب والخشبة رمز الصليب الذى عُلق عليه الكرمة الحقيقية الذى سكب دمه كشراب يهب خلاصاً للمؤمنين. وبنى عناق = الطوال القامة الأقوياء. وحبرون بنيت قبل صوعن فمصر أقدم الحضارات ولكن حبرون أقدم. فعطايا الله لشعبه أجود العطايا.

 

الأيات (25-29):-" 25ثُمَّ رَجَعُوا مِنْ تَجَسُّسِ الأَرْضِ بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا. 26فَسَارُوا حَتَّى أَتَوْا إِلَى مُوسَى وَهَارُونَ وَكُلِّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، إِلَى بَرِّيَّةِ فَارَانَ، إِلَى قَادَشَ، وَرَدُّوا إِلَيْهِمَا خَبَرًا وَإِلَى كُلِّ الْجَمَاعَةِ وَأَرَوْهُمْ ثَمَرَ الأَرْضِ. 27وَأَخْبَرُوهُ وَقَالُوا: «قَدْ ذَهَبْنَا إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أَرْسَلْتَنَا إِلَيْهَا، وَحَقًّا إِنَّهَا تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلاً، وَهذَا ثَمَرُهَا. 28غَيْرَ أَنَّ الشَّعْبَ السَّاكِنَ فِي الأَرْضِ مُعْتَزٌّ، وَالْمُدُنُ حَصِينَةٌ عَظِيمَةٌ جِدًّا. وَأَيْضًا قَدْ رَأَيْنَا بَنِي عَنَاقَ هُنَاكَ. 29الْعَمَالِقَةُ سَاكِنُونَ فِي أَرْضِ الْجَنُوبِ، وَالْحِثِّيُّونَ وَالْيَبُوسِيُّونَ وَالأَمُورِيُّونَ سَاكِنُونَ فِي الْجَبَلِ، وَالْكَنْعَانِيُّونَ سَاكِنُونَ عِنْدَ الْبَحْرِ وَعَلَى جَانِبِ الأُرْدُنِّ». "

لاحظ قولهم غير أن فى (آية 28) هذه هى المشكلة دائماً , ما دامت الأرض جيدة فما العذر إلا قلة الإيمان خصوصاً بعد أن رأوا عمل الله فى شق البحر وهزيمة عماليق ومازالت هى مشكلتنا خلق المعاذير لأنفسنا. هم تأكدوا من صدق وعود الله لكن ما أضعف إيمانهم.

 

أية (30):- "  30لكِنْ كَالِبُ أَنْصَتَ الشَّعْبَ إِلَى مُوسَى وَقَالَ: «إِنَّنَا نَصْعَدُ وَنَمْتَلِكُهَا لأَنَّنَا قَادِرُونَ عَلَيْهَا». "

لكن كالب أنصت الشعب  = هنا نجد تركيز على كالب وحده دون يشوع وتكرر هذا بعد ذلك وهذا لأن يشوع مرتبط بموسى وهذا معروف وسط الشعب ونحن الآن أمام ثورة ضد موسى ولن يفلح دفاع يشوع عنه أمام الشعب لصلته به وموسى الآن بكتهم أمام الشعب فلا يصح أن يدافع عنه صديقه يشوع. وكلمة أنصت الشعب تعنى هدأهم  ليسمعوا موسى فهم كانوا فى حالة ثورة. ولاحظ إيمان كالب = إننا نصعد ونمتلكها. فمن بركات الإيمان : 1) يعطى القلب ثقة وشجاعة 2) ويُصير الإنسان شاهداً للحق 3) فمن ثم يرث الأرض. وهذا ما حدث مع كالب.

 

أية (31):- " 31وَأَمَّا الرِّجَالُ الَّذِينَ صَعِدُوا مَعَهُ فَقَالُوا: «لاَ نَقْدِرْ أَنْ نَصْعَدَ إِلَى الشَّعْبِ، لأَنَّهُمْ أَشَدُّ مِنَّا»."

الرجال قالوا لا نقدر = هنا نرى نتائج عدم الإيمان : 1) خوف ورعب  2) خسارة وفقدان 3) تأديب 4) موت 5) الرب لا يكون معهم إذاً لا ميراث.

 

أية (32):- " 32فَأَشَاعُوا مَذَمَّةَ الأَرْضِ الَّتِي تَجَسَّسُوهَا، فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ قَائِلِينَ: «الأَرْضُ الَّتِي مَرَرْنَا فِيهَا لِنَتَجَسَّسَهَا هِيَ أَرْضٌ تَأْكُلُ سُكَّانَهَا، وَجَمِيعُ الشَّعْبِ الَّذِي رَأَيْنَا فِيهَا أُنَاسٌ طِوَالُ الْقَامَةِ. "

أرض تأكل سكانها = قد يكون هذا بسبب الأوبئة أو لكثرة الحروب  بينهم وهذا أو ذاك بسبب الخطية المتفشية وسطهم. وهذا الخبر عن ضعفهم كان المفروض أن يشجعهم فالله يقلل عدد أعدائهم.

 

أية (33):- " 33وَقَدْ رَأَيْنَا هُنَاكَ الْجَبَابِرَةَ، بَنِي عَنَاق مِنَ الْجَبَابِرَةِ. فَكُنَّا فِي أَعْيُنِنَا كَالْجَرَادِ، وَهكَذَا كُنَّا فِي أَعْيُنِهِمْ»."

كنا فى أعيننا كالجراد = أى حينما رأينا قوتهم إحتقرنا أنفسنا كما لو كنا جراد وهذا من نتائج عدم الإيمان، صغر النفس. هم لضعف إيمانهم إرتعبوا وأرعبوا كل الجماعة فالجماعة كلها إيمانها ضعيف أيضاً. وإنحط الجميع لليأس. أما المؤمنون وإن كانوا ضعفاء فهم لا ينظرون لأنفسهم وقوتهم فهى لا شىء. لكنهم ينظرون إلى الله الساكن فيهم ويتقدمهم ويدافع عنهم.