الآيات (1-6):- 1وَكَانَ بَعْدَ
ذلِكَ أَنَّ أَبْشَالُومَ اتَّخَذَ مَرْكَبَةً وَخَيْلاً وَخَمْسِينَ رَجُلاً
يَجْرُونَ قُدَّامَهُ. 2وَكَانَ أَبْشَالُومُ يُبَكِّرُ وَيَقِفُ
بِجَانِبِ طَرِيقِ الْبَابِ، وَكُلُّ صَاحِبِ دَعْوَى آتٍ إِلَى الْمَلِكِ لأَجْلِ
الْحُكْمِ، كَانَ أَبْشَالُومُ يَدْعُوهُ إِلَيْهِ وَيَقُولُ: «مِنْ أَيَّةِ
مَدِينَةٍ أَنْتَ؟» فَيَقُولُ: «مِنْ أَحَدِ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ عَبْدُكَ». 3فَيَقُولُ
أَبْشَالُومُ لَهُ: «انْظُرْ. أُمُورُكَ صَالِحَةٌ وَمُسْتَقِيمَةٌ، وَلكِنْ
لَيْسَ مَنْ يَسْمَعُ لَكَ مِنْ قِبَلِ الْمَلِكِ». 4ثُمَّ يَقُولُ
أَبْشَالُومُ: «مَنْ يَجْعَلُنِي قَاضِيًا فِي الأَرْضِ فَيَأْتِيَ إِلَيَّ كُلُّ
إِنْسَانٍ لَهُ خُصُومَةٌ وَدَعْوَى فَأُنْصِفَهُ؟». 5وَكَانَ إِذَا
تَقَدَّمَ أَحَدٌ لِيَسْجُدَ لَهُ، يَمُدُّ يَدَهُ وَيُمْسِكُهُ وَيُقَبِّلُهُ. 6وَكَانَ
أَبْشَالُومُ يَفْعَلُ مِثْلَ هذَا الأَمْرِ لِجَمِيعِ إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ
كَانُوا يَأْتُونَ لأَجْلِ الْحُكْمِ إِلَى الْمَلِكِ، فَاسْتَرَقَّ أَبْشَالُومُ
قُلُوبَ رِجَالِ إِسْرَائِيلَ.
اتَّخَذَ مَرْكَبَةً وَخَيْلاً وَخَمْسِينَ رَجُلاً يَجْرُونَ
قُدَّامَهُ: هذا
ما تعلمه إبشالوم من جده الوثنى كيف يبدو مهيباً فى مركبات وخيول. والله طلب أن لا
يفعل ملوك إسرائيل هذا حتى لا يجرون وراء الكرامات الزمنية وحتى لا يعتمدون على
قوتهم الذاتية بل على قوة الله. والرجال الذين يجرون أمامه غالباً كان لهم زى خاص.
وغالباً فقد فرح شعب إسرائيل بهذه الصورة وفضلها عن صورة داود المتواضع. ويكشف هذا
التصرف عن هدف إبشالوم من العودة إلى أورشليم، فهو أتى بروح محبة المجد الباطل
والعجرفة ليغتصب عرش أبيه وركب مركبات وخيلاً ورجال يجرون أمامهُ بينما أبوه يركب
بغلاً. داود هيأ ملكه بسنوات ضيق كثيرة وصلوات وجهاد وهذا يأتى ليملك خلال المجد
الباطل والمظاهر الخارجية. والعجيب أن زادت شعبيته بهذا. ولم يكتفى بهذا بل صار فى
خداع يمالئ الشعب. يقف عند باب المدينة ليمنع المتقاضين من الوصول إلى أبيه ويعطى
إهتماماً لكل واحد فيسأله عن مدينته وسبطه ثم يقول لهُ فى نفاق دون فحص لقضيته
ودون أن يعرف من هو البرئ ومن هو الظالم بل يقول لكل الطرفين انْظُرْ أُمُورُكَ صَالِحَةٌ وَمُسْتَقِيمَةٌ أى
الحق معك. ثم يقول كاذباً لكِنْ لَيْسَ مَنْ
يَسْمَعُ لَكَ مِنْ قِبَلِ الْمَلِكِ فالملك صار عجوزاً لا يهتم
بالقضاء فليس لديه وقت فهو يظهر أبوه أنه غير صالح ليظهر أنه وحده القادر على
الملك وعلى التقاضى. هو لم يكن يريد أن يقضى بل أن يثير الناس على أبيه الملك. ثم
يقول مَنْ يَجْعَلُنِي قَاضِيًا فشهوة
قلبه الرئاسة. بل فى رياء كان يقبل أى إنسان يأتى ليسجد لهُ كإبن الملك. وبهذا
إستمال إبشالوم قلوب الناس.
الآيات (7-9):- "7وَفِي نِهَايَةِ
أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ أَبْشَالُومُ لِلْمَلِكِ: «دَعْنِي فَأَذْهَبَ وَأُوفِيَ
نَذْرِي الَّذِي نَذَرْتُهُ لِلرَّبِّ فِي حَبْرُونَ، 8لأَنَّ عَبْدَكَ
نَذَرَ نَذْرًا عِنْدَ سُكْنَايَ فِي جَشُورَ فِي أَرَامَ قَائِلاً: إِنْ
أَرْجَعَنِي الرَّبُّ إِلَى أُورُشَلِيمَ فَإِنِّي أَعْبُدُ الرَّبَّ». 9فَقَالَ
لَهُ الْمَلِكُ: «اذْهَبْ بِسَلاَمٍ». فَقَامَ وَذَهَبَ إِلَى حَبْرُونَ. "
فِي نِهَايَةِ 40 سَنَةً:
الكتاب لم يحدد متى بدأ حساب الأربعين سنة وغالباً هى منذ مُسِحَ داود ملكاً على
يد صموئيل فهذا الحدث من الأحداث الهامة التى يدونها التاريخ. وذهب إبشالوم كاذباً
إلى داود بأنه نذر نذراً إن أرجعه داود لأورشليم وعفا عنهُ يذهب إلى حبرون ويقدم
ذبائح وداود فرح بالتأكيد لتدين إبنه فسمح لهُ.
الآيات (10-12):- "10وَأَرْسَلَ
أَبْشَالُومُ جَوَاسِيسَ فِي جَمِيعِ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ قَائِلاً: «إِذَا
سَمِعْتُمْ صَوْتَ الْبُوقِ، فَقُولُوا: قَدْ مَلَكَ أَبْشَالُومُ فِي حَبْرُونَ».
11وَانْطَلَقَ مَعَ أَبْشَالُومَ مِئَتَا رَجُل مِنْ أُورُشَلِيمَ قَدْ
دُعُوا وَذَهَبُوا بِبَسَاطَةٍ، وَلَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ شَيْئًا. 12وَأَرْسَلَ
أَبْشَالُومُ إِلَى أَخِيتُوفَلَ الْجِيلُونِيِّ مُشِيرِ دَاوُدَ مِنْ مَدِينَتِهِ
جِيلُوهَ إِذْ كَانَ يَذْبَحُ ذَبَائِحَ. وَكَانَتِ الْفِتْنَةُ شَدِيدَةً وَكَانَ
الشَّعْبُ لاَ يَزَالُ يَتَزَايَدُ مَعَ أَبْشَالُومَ. "
وضع
إبشالوم خطته لإنتزاع العرش وقد أحكمها تماماً.
1-
هو
بدأ سابقاً بإستمالة الجماهير.
2-
يعلن
توليه الحكم فى حبرون حيث ملك داود 7
سنة وهناك يجمع كل من يؤيده.
3- صوت البوق هو بديل التليفون
والتليغراف الآن فهناك نافخى أبواق فى كل مكان وحينما يضرب بالبوق فى حبرون تضرب
كل الأبواق وينتشر الخبر فى دقائق فى كل إسرائيل وحينما يُسمع البوق فالجواسيس
المنتشرون يقولون أن إبشالوم قد ملك ويفرح الناس بمن أحبوه وربما تصوّر الناس أن
داود مات أو تنازل عن الحكم لإبنه إبشالوم. فينادى به كل إسرائيل ملكاً فى وقت
واحد.
4- أخذ إبشالوم معهُ إلى حبرون 200 من
عظماء المملكة فيبدو أمام الناس فى حبرون أنهم موافقين على ملكه أى أن داود قد
وافق بالإضافة إلى أنه يحرم داود من التشاور مع رجاله المخلصين فى هذه الساعات
الحرجة.
5- إستعان إبشالوم بشخص ذكى جداً هو أخيتوفل
توسم فيه الرغبة مع القدرة على خيانة داود، وهو فى هذا يشبه بيهوذا فى خيانته
لسيدة كما تشابها فى طريقة موتهما (مز9:41 + يو18:13). وغالباً فإن داود كان قد
أستغنى عن أخيتوفل لأنه إكتشف مكره ودهائه. وغالباً فإن أخيتوفل هو العقل المدبر
لهذه المؤامرة. وغالباً فأخيتوفل هو جد بثشبع وربما حزن لمؤامرة داود ضد أوريا
زوجها (2صم 3:11 + 2صم 34:32)
6-
يهجم
إبشالوم على قصر داود ويقتله ويعلن موته.
الآيات (13-14):- "13فَأَتَى مُخَبِّرٌ
إِلَى دَاوُدَ قَائِلاً: «إِنَّ قُلُوبَ رِجَالِ إِسْرَائِيلَ صَارَتْ وَرَاءَ
أَبْشَالُومَ». 14فَقَالَ دَاوُدُ لِجَمِيعِ عَبِيدِهِ الَّذِينَ
مَعَهُ فِي أُورُشَلِيمَ: «قُومُوا بِنَا نَهْرُبُ، لأَنَّهُ لَيْسَ لَنَا نَجَاةٌ
مِنْ وَجْهِ أَبْشَالُومَ. أَسْرِعُوا لِلذَّهَابِ لِئَلاَّ يُبَادِرَ
وَيُدْرِكَنَا وَيُنْزِلَ بِنَا الشَّرَّ وَيَضْرِبَ الْمَدِينَةَ بِحَدِّ
السَّيْفِ»."
داود
المملوء من روح الله أدرك الخطة وهرب سريعاً قبل أن يقتل فوجود داود حياً وهو يعلن
أنه لم يتخلى عن العرش سيسبب مشاكل لإبشالوم.
ولكن بالتأكيد فداود فى هذه اللحظات الصعبة تذكر
النبوة "لا يفارق السيف بيتك" ومن الناحية الأخرى كانت خطة داود ناجحة
إذ أعطته الوقت ليجمع قواته فى مواجهة إبشالوم وَيَضْرِبَ
الْمَدِينَةَ بِحَدِّ السَّيْفِ = داود فى ضيقته يهتم بالمدينة وأن لا تسيل دماء بريئة.
الآيات (15-16):- "15فَقَالَ
عَبِيدُ الْمَلِكِ لِلْمَلِكِ: «حَسَبَ كُلِّ مَا يَخْتَارُهُ سَيِّدُنَا
الْمَلِكُ نَحْنُ عَبِيدُهُ». 16فَخَرَجَ الْمَلِكُ وَجَمِيعُ بَيْتِهِ
وَرَاءَهُ. وَتَرَكَ الْمَلِكُ عَشَرَ نِسَاءٍ سَرَارِيَّ لِحِفْظِ الْبَيْتِ. "
آية (17):- "17وَخَرَجَ الْمَلِكُ
وَكُلُّ الشَّعْبِ فِي أَثَرِهِ وَوَقَفُوا عِنْدَ الْبَيْتِ الأَبْعَدِ. "
الْبَيْتِ
الأَبْعَدِ = خرج الملك وكل رجاله فى أثره ووقفوا عند آخر بيت من بيوت
المدينة ليعبر أمامهُ كل رجاله ويطمئن عليهم، هو أخذ معهُ كل من يريد أن يتبعه.
ومن لا يريد تركه لإبشالوم المعجب به ومن المؤكد أن من إختار إبشالوم سيعانى منه
كثيراً بعد ذلك. وهكذا المسيح يريدنا أن نهرب معهُ من خطايا العالم ومن الشيطان
ولكن من يريد أن يبقى مع الشيطان فليفرح به للحظة ولكن بعد ذلك تقع عليه الآلام.
ومن تبع داود فى ضيقته هم عبيده الأمناء الذين حملوا معهُ الصليب وهم سيتمجدون
معهُ. ولقد رتل داود المزمور الثالث فى هذه المناسبة.
الآيات
(18-22):- "18وَجَمِيعُ عَبِيدِهِ كَانُوا يَعْبُرُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ مَعَ
جَمِيعِ الْجَلاَّدِينَ وَالسُّعَاةِ وَجَمِيعُ الْجَتِّيِّينَ، سِتُّ مِئَةِ
رَجُل أَتَوْا وَرَاءَهُ مِنْ جَتَّ، وَكَانُوا يَعْبُرُونَ بَيْنَ يَدَيِ
الْمَلِكِ. 19فَقَالَ الْمَلِكُ لإِتَّايَ الْجَتِّيِّ: «لِمَاذَا
تَذْهَبُ أَنْتَ أَيْضًا مَعَنَا؟ اِرْجعْ وَأَقِمْ مَعَ الْمَلِكِ لأَنَّكَ
غَرِيبٌ وَمَنْفِيٌّ أَيْضًا مِنْ وَطَنِكَ. 20أَمْسًا جِئْتَ
وَالْيَوْمَ أُتِيهُكَ بِالذَّهَابِ مَعَنَا وَأَنَا أَنْطَلِقُ إِلَى حَيْثُ
أَنْطَلِقُ؟ اِرْجعْ وَرَجِّعْ إِخْوَتَكَ. الرَّحْمَةُ وَالْحَقُّ مَعَكَ». 21فَأَجَابَ
إِتَّايُ الْمَلِكَ وَقَالَ: «حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ وَحَيٌّ سَيِّدِي الْمَلِكُ،
إِنَّهُ حَيْثُمَا كَانَ سَيِّدِي الْمَلِكُ، إِنْ كَانَ لِلْمَوْتِ أَوْ
لِلْحَيَاةِ، فَهُنَاكَ يَكُونُ عَبْدُكَ أَيْضًا». 22فَقَالَ دَاوُدُ
لإِتَّايَ: «اذْهَبْ وَاعْبُرْ». فَعَبَرَ إِتَّايُ الْجَتِّيُّ وَجَمِيعُ
رِجَالِهِ وَجَمِيعُ الأَطْفَالِ الَّذِينَ مَعَهُ. "
عندما هرب داود إلى جت نظم جيش قوامه 600 جندى وأقام
لهم إتاى الجتى قائداً لهم وغالباً إستمرت هذه الفرقة مع داود فى ملكه على حبرون
ثم على أورشليم على كل إسرائيل وكانوا يتكونون من إسرائيليين وجتيين. وهناك من رأى
أن إتاى الجتى هو إبن أخيش ملك جت الذى أحب داود. وفى فترة إقامة داود فى جت إنجذب
إليه إتاى وتبعه هو ورجاله الجتيين ثم تهودوا بعد أن ملك داود. ولاحظ رقة مشاعر
داود وأنه لا يريد أن يرهق إتاى معهُ وهو غريب ولكن إتاى رفض أن يترك داود فى
ضيقته فتشبه براعوث. وعزى الله قلب داود على عقوق إبنه بإخلاص إتاى. ومن ناحية
الرمز فإبشالوم ومن معهُ يشبهون اليهود الذين رفضوا المسيح وإتاى ورجاله يشبهون
الأمم الذى قبلوا الآلام مع المسيح ولم يتركوه بل خرجوا معه خارج المحلة يحملون
عاره. (عب13:13). وفى أية (18) بَيْنَ يَدَيْهِ = كان داود قائداً منظماً محنكاً حتى فى ساعة الهرب يرتب
جيشه ويمرون بين يديه كقائد يرتبهم ولا يعبر إلاّ بعدهم وفى (19) أَقِمْ
مَعَ الْمَلِكِ = عجيب أن يسمى داود إبشالوم الملك فهو الملك الآن ومعنى
أية (20) لا يليق أن أحملك بكل هذه الأتعاب والمخاطر.
آية (23):- "23وَكَانَتْ
جَمِيعُ الأَرْضِ تَبْكِي بِصَوْتٍ عَظِيمٍ، وَجَمِيعُ الشَّعْبِ يَعْبُرُونَ.
وَعَبَرَ الْمَلِكُ فِي وَادِي قَدْرُونَ، وَعَبَرَ جَمِيعُ الشَّعْبِ نَحْوَ
طَرِيقِ الْبَرِّيَّةِ. "
الشعب يبكى وداود يعبر وادى
قدرون. وبنات أورشليم بكوا والمسيح يحمل الصليب كما عبر إبن داود أيضاً وادى قدرون
لينطلق للآلامات (يو1:18).
الآيات (24-29):- "24وَإِذَا بِصَادُوقَ أَيْضًا وَجَمِيعُ اللاَّوِيِّينَ مَعَهُ
يَحْمِلُونَ تَابُوتَ عَهْدِ اللهِ. فَوَضَعُوا تَابُوتَ اللهِ، وَصَعِدَ
أَبِيَاثَارُ حَتَّى انْتَهَى جَمِيعُ الشَّعْبِ مِنَ الْعُبُورِ مِنَ
الْمَدِينَةِ. 25فَقَالَ الْمَلِكُ لِصَادُوقَ: «أَرْجعْ تَابُوتَ اللهِ
إِلَى الْمَدِينَةِ، فَإِنْ وَجَدْتُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ فَإِنَّهُ
يُرْجِعُنِي وَيُرِينِي إِيَّاهُ وَمَسْكَنَهُ. 26وَإِنْ قَالَ هكَذَا:
إِنِّي لَمْ أُسَرَّ بِكَ. فَهأَنَذَا، فَلْيَفْعَلْ بِي حَسَبَمَا يَحْسُنُ فِي
عَيْنَيْهِ». 27ثُمَّ قَالَ الْمَلِكُ لِصَادُوقَ الْكَاهِنِ:
«أَأَنْتَ رَاءٍ؟ فَارْجعْ إِلَى الْمَدِينَةِ بِسَلاَمٍ أَنْتَ وَأَخِيمَعَصُ
ابْنُكَ وَيُونَاثَانُ بْنُ أَبِيَاثَارَ. ابْنَاكُمَا كِلاَهُمَا مَعَكُمَا. 28انْظُرُوا.
أَنِّي أَتَوَانَى فِي سُهُولِ الْبَرِّيَّةِ حَتَّى تَأْتِيَ كَلِمَةٌ مِنْكُمْ
لِتَخْبِيرِي». 29فَأَرْجَعَ صَادُوقُ وَأَبِيَاثَارُ تَابُوتَ اللهِ
إِلَى أُورُشَلِيمَ وَأَقَامَا هُنَاكَ. "
أتى الكهنة بالتابوت وراء داود
لعلمهم أن داود يملك بأمر الله عكس هذا المتمرد إبشالوم ولكن داود رفض تحريك
التابوت وراءهُ مؤمناً أن الله إن كان يريده سيعيده ثانية لأورشليم مستسلماً
إستسلاماً كاملاً لإرادة الله. وهو خشى أن يصيب التابوت شئ وفى (27) أَأَنْتَ رَاءٍ = راءٍ هنا ليست بمعنى نبى إنما تعنى أن يكون لداود كعين
ليرى ماذا يفعل إبشالوم ويخبر داود. وجاءت الترجمة فى أماكن كثيرة ألست أنت راءٍ
أى ألست أنت قادر أن ترى ماذا يحدث وفى (28) يتضح كلام داود أن صادوق يرى ماذا
يحدث ويُرسل له فِي
سُهُولِ الْبَرِّيَّةِ من يخبره وداود سوف يتوانى أى ينتظر بعض الوقت حتى تأتى
رسالة من صادوق.
الآيات (30-37):- "30وَأَمَّا دَاوُدُ فَصَعِدَ فِي مَصْعَدِ جَبَلِ الزَّيْتُونِ.
كَانَ يَصْعَدُ بَاكِيًا وَرَأْسُهُ مُغَطَّى وَيَمْشِي حَافِيًا، وَجَمِيعُ
الشَّعْبِ الَّذِينَ مَعَهُ غَطَّوْا كُلُّ وَاحِدٍ رَأْسَهُ، وَكَانُوا
يَصْعَدُونَ وَهُمْ يَبْكُونَ. 31وَأُخْبِرَ دَاوُدُ وَقِيلَ لَهُ:
«إِنَّ أَخِيتُوفَلَ بَيْنَ الْفَاتِنِينَ مَعَ أَبْشَالُومَ» فَقَالَ دَاوُدُ:
«حَمِّقْ يَا رَبُّ مَشُورَةَ أَخِيتُوفَلَ». 32وَلَمَّا وَصَلَ
دَاوُدُ إِلَى الْقِمَّةِ حَيْثُ سَجَدَ ِللهِ، إِذَا بِحُوشَايَ الأَرْكِيِّ قَدْ
لَقِيَهُ مُمَزَّقَ الثَّوْبِ وَالتُّرَابُ عَلَى رَأْسِهِ. 33فَقَالَ
لَهُ دَاوُدُ: «إِذَا عَبَرْتَ مَعِي تَكُونُ عَلَيَّ حِمْلاً. 34وَلكِنْ
إِذَا رَجَعْتَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَقُلْتَ لأَبْشَالُومَ: أَنَا أَكُونُ
عَبْدَكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ. أَنَا عَبْدُ أَبِيكَ مُنْذُ زَمَانٍ وَالآنَ أَنَا
عَبْدُكَ. فَإِنَّكَ تُبْطِلُ لِي مَشُورَةَ أَخِيتُوفَلَ. 35أَلَيْسَ
مَعَكَ هُنَاكَ صَادُوقُ وَأَبِيَاثَارُ الْكَاهِنَانِ. فَكُلُّ مَا تَسْمَعُهُ
مِنْ بَيْتِ الْمَلِكِ، فَأَخْبِرْ بِهِ صَادُوقَ وَأَبِيَاثَارَ الْكَاهِنَيْنِ. 36هُوَذَا
هُنَاكَ مَعَهُمَا ابْنَاهُمَا أَخِيمَعَصُ لِصَادُوقَ وَيُونَاثَانُ
لأَبِيَاثَارَ. فَتُرْسِلُونَ عَلَى أَيْدِيهِمَا إِلَيَّ كُلَّ كَلِمَةٍ
تَسْمَعُونَهَا». 37فَأَتَى حُوشَايُ صَاحِبُ دَاوُدَ إِلَى
الْمَدِينَةِ، وَأَبْشَالُومُ يَدْخُلُ أُورُشَلِيمَ. "
صْعَدُ داود بَاكِيًا = فالموقف صعب، ولم نسمع أن داود بكى حينما هرب من شاول
لكنه قطعاً يبكى لخيانة إبنه لهُ وإبنهُ الذى يحبه. وهو قال "خطيتى أمامى فى
كل حين" لذلك نفهم أن بكاء داود كان لأنه علم أن كل هذه الآلام بسبب خطيته
وقلب مثل هذا يغفر لهُ الله … "حولى عنى عينيك فإنهما
قد غلبتانى". وفى (31) يظهر أن داود يعرف دهاء أخيتوفل ويصلى أن يحمق الله
مشورته وفى (32) داود يسجد فهو إعتاد الصلاة وعجيبة الإستجابة الفورية لصلاته إذ
إستجاب الله بإرسال حوشاى الأركى الذى سيبطل مشورة أخيتوفل. ولاحظ صلاة داود أن
يحمق الرب مشورة أخيتوفل فى آية (31) وفى آية (32) الإستجابة السريعة لله. وعموماً
فهذه حكمة إلهية عند داود أن يرسل رجلاً حكيماً مثل حوشاى ليبطل مشورة رجل داهية
مثل أخيتوفل. ويبدو أن حوشاى كان غائباً حين هرب داود وحينما علم بالخبر أتى إليه
فى حزن شديد ولكن داود أقنعه أن بقائه بجانب أخيتوفل وإبشالوم أفضل، فضلاً عن أن
سنه الكبير سيعوق حركتهم وكانت محبة حوشاى بلسماً لجراح داود.
عموماً فالمزامير التى أنشدها
داود أثناء هربه تظهر أنه لم يفقد رجاءه فى الرب مدركاً أن كل هذه الآلام إنما هى
تأديب لهُ، هذا التسليم لإرادة الله هو سر عظمة داود.