فى خلال أسلبيع قليلة من مُلك إبشالوم كان قد جمع
جيشاً جراراً من كل إسرائيل وعبر الأردن (14:17) لمحاربة داود ورجاله طالباً قتل
داود بالذات. لذلك قيل لا يوجد مثيل لكراهية إبن لأبيه مثل كراهية إبشالوم ولا
يوجد مثيل لحب أبوى مثل حب داود لإبشالوم . فنحن نرى أن إبشالوم لا يطلب قتل أحد
سوى داود وداود مع كل هذا يوصى رجاله بإستحياء بإبشالوم (5:18). وخرج داود ظافراً
من هذه المعركة رمزاً لإنتصار المسيح فى معركة الصليب فكما هاج إبشالوم على أبيه
وجمع كل هذا الجيش الضخم ضده هكذا فعل إبليس المتكبر وهزمه المسيح بصليب تواضعه.
الآيات (1-5):- "1وَأَحْصَى
دَاوُدُ الشَّعْبَ الَّذِي مَعَهُ، وَجَعَلَ عَلَيْهِمْ رُؤَسَاءَ أُلُوفٍ
وَرُؤَسَاءَ مِئَاتٍ. 2وَأَرْسَلَ دَاوُدُ الشَّعْبَ ثُلْثًا بِيَدِ
يُوآبَ، وَثُلْثًا بِيَدِ أَبِيشَايَ ابْنِ صَرُويَةَ أَخِي يُوآبَ، وَثُلْثًا
بِيَدِ إِتَّايَ الْجَتِّيِّ. وَقَالَ الْمَلِكُ لِلشَّعْبِ: «إِنِّي أَنَا
أَيْضًا أَخْرُجُ مَعَكُمْ». 3فَقَالَ الشَّعْبُ: «لاَ تَخْرُجْ،
لأَنَّنَا إِذَا هَرَبْنَا لاَ يُبَالُونَ بِنَا، وَإِذَا مَاتَ نِصْفُنَا لاَ
يُبَالُونَ بِنَا. وَالآنَ أَنْتَ كَعَشَرَةِ آلاَفٍ مِنَّا. وَالآنَ الأَصْلَحُ
أَنْ تَكُونَ لَنَا نَجْدَةً مِنَ الْمَدِينَةِ». 4فَقَالَ لَهُمُ
الْمَلِكُ: «مَا يَحْسُنُ فِي أَعْيُنِكُمْ أَفْعَلُهُ». فَوَقَفَ الْمَلِكُ
بِجَانِبِ الْبَابِ وَخَرَجَ جَمِيعُ الشَّعْبِ مِئَاتٍ وَأُلُوفًا. 5وَأَوْصَى
الْمَلِكُ يُوآبَ وَأَبِيشَايَ وَإِتَّايَ قَائِلاً: «تَرَفَّقُوا لِي بِالْفَتَى
أَبْشَالُومَ». وَسَمِعَ جَمِيعُ الشَّعْبِ حِينَ أَوْصَى الْمَلِكُ جَمِيعَ
الرُّؤَسَاءِ بِأَبْشَالُومَ. "
كان داود هنا يحصى رجاله لا لمعرفة عددهم بل لتنظيم
جيشه فى محنايم، ويقدر يوسيفوس عددهم بحوالى 4000 نسمة بينما يذهب البعض أنه وصل
العدد إلى 10,000 بناء على قول الشعب وَالآنَ
أَنْتَ كَعَشَرَةِ آلاَفٍ مِنَّا (3) والمقصود بهذا أن إبشالوم وجيشه سيفرحون بقتلك أكثر
ممّا سيفرحون بقتل 10000 من رجال داود. وداود قسم الجيش ثلاث فرق وكان يريد
أن يخرج هو للحرب على رأس القادة الثلاث (يوآب وأبيشاى وإتّاى) إِنِّي
أَيْضًا أَخْرُجُ مَعَكُمْ. ولكن الشعب أى رجاله منعوهُ لأنهم عرفوا مشورة أخيتوفل
وتوصيته بقتل داود شخصياً وأنه لو سقط داود لسقط الجيش كله. ولكن إن حدث وهُزِم
الجيش يرسلون لداود فى المدينة فيسارع بتدبير نجدة تصل لهم ويسندهم بمشورته
وتدبيره= وَالآنَ الأَصْلَحُ أَنْ تَكُونَ لَنَا نَجْدَةً مِنَ الْمَدِينَةِ. وكان هذا بتدبير إلهى لأن الله أراد أن يعاقب
إبشالوم بالقتل ولو وُجِدَ داود فى الميدان لمنعهم من قتله، وقد وافق داود على عدم
الذهاب لكنه أوصى رجالهُ بأن يترفقوا بإبشالوم وهذه وصية أب وليست وصية قائد
عسكرى. فعسكرياً قتل إبشالوم ينهى المعركة. وإذا كانت هذه هى مشاعر داود نحو إبنه فكم وكم تكون مشاعر
أبينا السماوى. وطلب داود العفو عن إبنه يشبه طلب المسيح المغفرة لصالبيه.
الآيات (6-8):- "6وَخَرَجَ
الشَّعْبُ إِلَى الْحَقْلِ لِلِقَاءِ إِسْرَائِيلَ. وَكَانَ الْقِتَالُ فِي وَعْرِ
أَفْرَايِمَ، 7فَانْكَسَرَ هُنَاكَ شَعْبُ إِسْرَائِيلَ أَمَامَ
عَبِيدِ دَاوُدَ، وَكَانَتْ هُنَاكَ مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ.
قُتِلَ عِشْرُونَ أَلْفًا. 8وَكَانَ الْقِتَالُ هُنَاكَ مُنْتَشِرًا
عَلَى وَجْهِ كُلِّ الأَرْضِ، وَزَادَ الَّذِينَ أَكَلَهُمُ الْوَعْرُ مِنَ
الشَّعْبِ عَلَى الَّذِينَ أَكَلَهُمُ السَّيْفُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ. "
وَخَرَجَ
الشَّعْبُ إِلَى الْحَقْلِ: لقد طلب داود لجيشه أن يكون القتال خارج محنايم حتى لا
يصيب أهل محنايم أى إضطراب وقد إستضافوه هو ورجاله، هذه هى رقة مشاعر داود وهذه هى
تصرفات الراعى الصالح. وَكَانَ الْقِتَالُ فِي
وَعْرِ أَفْرَايِمَ إفرايم غرب الأردن وهذا المكان شرق الأردن فلماذا سمى
كذلك؟ فى هذا المكان إنهزم الإفرايميون حينما حاربوا يفتاح وأهل جلعاد (قض6:12). وَزَادَ
الَّذِينَ أَكَلَهُمُ الْوَعْرُ = الوعر المقصود به الوحوش والحفر والأشجار مثلما حدث
لإبشالوم نفسه ولماذا لم يضر الوعر ويهلك
رجال داود؟ السبب أن الله ضدهم فهم فى ثورة على ملك إختاره الله وهى ثورة بلا سبب
وكأن الطبيعة ذاتها ثارت ضد هذا الشرير كما حدث أثناء الصليب من ظلمة وخلافه.
آية (9):- "9وَصَادَفَ
أَبْشَالُومُ عَبِيدَ دَاوُدَ، وَكَانَ أَبْشَالُومُ رَاكِبًا عَلَى بَغْل،
فَدَخَلَ الْبَغْلُ تَحْتَ أَغْصَانِ الْبُطْمَةِ الْعَظِيمَةِ الْمُلْتَفَّةِ،
فَتَعَلَّقَ رَأْسُهُ بِالْبُطْمَةِ وَعُلِّقَ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ،
وَالْبَغْلُ الَّذِي تَحْتَهُ مَرَّ. "
يقول يوسيفوس أن شعر إبشالوم تشابك بأغصان بطمة
عظيمة بسبب طوله وغزارته. وربما قد حدث هذا إلاّ أن الكتاب لم ينص صراحة على أن
شعره هو الذى تعلق بأغصان البطمة بل رأسه ويبدو أن رأسه إنحشر فى أغصان البطمة
ممّا عرضه للموت فقد وَالْبَغْلُ الَّذِي
تَحْتَهُ مَرَّ وظل جسمه
معلقاً فى الهواء كما المشنوق ومن المؤكد أنه ظل يحاول أن يتعلق بيديه لكن كان
موقفه صعباً وكاد أن يموت ويوآب هو الذى أجهز عليه فهو حين ضربه بالسهام كان بعد حى (أية 14) وقولهُ كان بعد حى
يشير إلى أنه لو كان قد تُرِكَ لمات وحده مخنوقاً.
الآيات (10-15):- "10فَرَآهُ
رَجُلٌ وَأَخْبَرَ يُوآبَ وَقَالَ: «إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ أَبْشَالُومَ مُعَلَّقًا
بِالْبُطْمَةِ». 11فَقَالَ يُوآبُ لِلرَّجُلِ الَّذِي أَخْبَرَهُ:
«إِنَّكَ قَدْ رَأَيْتَهُ، فَلِمَاذَا لَمْ تَضْرِبْهُ هُنَاكَ إِلَى الأَرْضِ؟
وَعَلَيَّ أَنْ أُعْطِيَكَ عَشَرَةً مِنَ الْفِضَّةِ وَمِنْطَقَةً» 12فَقَالَ
الرَّجُلُ لِيُوآبَ: «فَلَوْ وُزِنَ فِي يَدِي أَلْفٌ مِنَ الْفِضَّةِ لَمَا
كُنْتُ أَمُدُّ يَدِي إِلَى ابْنِ الْمَلِكِ، لأَنَّ الْمَلِكَ أَوْصَاكَ فِي
آذَانِنَا أَنْتَ وَأَبِيشَايَ وَإِتَّايَ قَائِلاً: احْتَرِزُوا أَيًّا كَانَ
مِنْكُمْ عَلَى الْفَتَى أَبْشَالُومَ. 13وَإِّلا فَكُنْتُ فَعَلْتُ
بِنَفْسِي زُورًا، إِذْ لاَ يَخْفَى عَنِ الْمَلِكِ شَيْءٌ، وأَنْتَ كُنْتَ وَقَفْتَ
ضِدِّي». 14فَقَالَ يُوآبُ: «إِنِّي لاَ أَصْبِرُ هكَذَا أَمَامَكَ».
فَأَخَذَ ثَلاَثَةَ سِهَامٍ بِيَدِهِ وَنَشَّبَهَا فِي قَلْبِ أَبْشَالُومَ،
وَهُوَ بَعْدُ حَيٌّ فِي قَلْبِ الْبُطْمَةِ. 15وَأَحَاطَ بِهَا
عَشَرَةُ غِلْمَانٍ حَامِلُو سِلاَحِ يُوآبَ، وَضَرَبُوا أَبْشَالُومَ
وَأَمَاتُوهُ. "
غضب يوآب من الذى أخبرهُ أنه رأى إبشالوم هكذا لأنه
لم يقتله فيوآب يعرف أن بقاء إبشالوم فيه خطر على حياة داود وموته ينهى الحرب
ويأتى بالسلام فقال للرجل أنه مستعد أن يعطيه 10
شواقل فِضَّةِ = وهذه أجرة كاهن ميخا فى السنة (قض10:17) إذاً هى مبلغ
محترم. وَمِنْطَقَةً مطرزة= هذه مثل الوسام العسكرى الآن. وَإِّلا
فَكُنْتُ فَعَلْتُ بِنَفْسِي زُورًا = هذه تعنى لو كنت قتلت إبشالوم لكنت عرضت حياتى
للخطر، أو إرتكبت فى حق حياتى شخصياً شئ خاطئ فأنا أعلم أن الملك منع قتل إبشالوم لاَ
يَخْفَى عَنِ الْمَلِكِ شَيْءٌ = هى شهادة عن حكمة داود وفطنته بالإضافة أن الكل سيخبرون
الملك بما حدث. وأَنْتَ كُنْتَ وَقَفْتَ ضِدِّي = هى شهادة أن يوآب لا يمكن الوثوق به، أى أن الملك حين
يحقق فى مقتل إبشالوم ربما شهد يوآب ضد هذا الجندى وقد ينفذ فيه الإعدام بنفسه.
وفى (14) إِنِّي لاَ أَصْبِرُ هكَذَا أَمَامَكَ يوآب يدرك قيمة الوقت فلم يريد إضاعة الوقت فى
الحديث. وفى (15) عَشَرَةُ غِلْمَانٍ يضربونه= من المؤكد أن ضربة يوآب وحدها كانت كافية فهو كان شبه ميت
فلماذا يأمر عشرة رجال بضربه. من المؤكد أن هذا حتى تضيع المسئولية فضربة من هى
التى قتلته وداود لا يمكن أن يأمر بإعدام 11 فرد منهم قائد الجيش.
هزيمة إبشالوم ورجاله أمام
داود ترمز لمعركة الصليب
1- بقى إبشالوم بين
السماء والأرض معلقاً على شجرة (خشبة) والخشبة إشارة إلى الصليب الذى جعل الشيطان
معلقاً بين السماء والأرض إذ ليس لهُ مكان فى السماء ولا الأرض باقية لهُ.
2- لقد قام رب المجد
يسوع على الصليب بكل العمل وترك الشيطان معرضاً لسهام كل المؤمنين (يوآب يمثل
الجبابرة والغلمان يمثلون البسطاء فى الإيمان). فرب المجد بصليبه لم يقتل وينهى
الشيطان تماماً بل كما كان بقاء إبشالوم خطراً ينبغى أن يواجهه يوآب وغلمانه
بسهامهم هكذا قَيّدَ رب المجد إبليس تاركاً إياه لسهام صلوات وإيمان شعبه.
3- الشعر (الجسد
الجميل) الذى كان لإبشالوم كان سبب هلاكه. هكذا لو أسأنا إستخدام أجسادنا
وأستسلمنا لإرضاء غرائزنا يكون جسدنا سبب هلاكنا.
4- كان مكان الحرب
خارج المدينة ونحن فلنخرج خارج المدينة حاملين عاره (عب13:13) أى نعتزل المجتمع
الشرير، نعتزل خطاياه ولا نتشبه به ونقبل أى إهانة تأتى إلينا حاسبين أن كل إهانة
هى مجد لنا.
آية (16):- "16وَضَرَبَ
يُوآبُ بِالْبُوقِ فَرَجَعَ الشَّعْبُ عَنِ اتِّبَاعِ إِسْرَائِيلَ، لأَنَّ يُوآبَ
مَنَعَ الشَّعْبَ. "
طالما مات إبشالوم فلا داعى لمزيد من الدماء وإلاّ
تحولت لحرب أهلية طاحنة. ومن الناحية الرمزية فبعد الصليب كان هناك بوق الكرازة
ببشارة الخلاص ونهاية عدو الخير.
الآيات (17-18):- "17وَأَخَذُوا
أَبْشَالُومَ وَطَرَحُوهُ فِي الْوَعْرِ فِي الْجُبِّ الْعَظِيمِ، وَأَقَامُوا
عَلَيْهِ رُجْمَةً عَظِيمَةً جِدًّا مِنَ الْحِجَارَةِ. وَهَرَبَ كُلُّ إِسْرَائِيلَ،
كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى خَيْمَتِهِ. 18وَكَانَ أَبْشَالُومُ قَدْ أَخَذَ
وَأَقَامَ لِنَفْسِهِ وَهُوَ حَيٌّ النَّصَبَ الَّذِي فِي وَادِي الْمَلِكِ،
لأَنَّهُ قَالَ: «لَيْسَ لِيَ ابْنٌ لأَجْلِ تَذْكِيرِ اسْمِي». وَدَعَا النَّصَبَ
بِاسْمِهِ، وَهُوَ يُدْعَى «يَدَ أَبْشَالُومَ» إِلَى هذَا الْيَوْمِ.
لقد أقام إبشالوم نصباً تذكارياً لنفسه مجداً لهُ وَهُوَ
يُدْعَى يَدَ أَبْشَالُومَ لأنه أقيم بيد إبشالوم أى بقوة إبشالوم لذلك ربما صوروا
عليه صورة يد. والآن ماذا تبقى سوى رُجمة من الحجارة شهادة لنهايته الإليمة عقوبة لهُ
لجحوده وتمرده وصار النصب تذكاراً وعبرة للحادثة ولكل من تسول له نفسه ممارسة
العقوق. وهكذا كل إبن عاق على الله أبيه يفقد كرامته كإبن للملك.
الآيات (19-33):- "19وَقَالَ أَخِيمَعَصُ بْنُ صَادُوقَ: «دَعْنِي أَجْرِ فَأُبَشِّرَ
الْمَلِكَ، لأَنَّ اللهَ قَدِ انْتَقَمَ لَهُ مِنْ أَعْدَائِهِ». 20فَقَالَ
لَهُ يُوآبُ: «مَا أَنْتَ صَاحِبُ بِشَارَةٍ فِي هذَا الْيَوْمِ. فِي يَوْمٍ آخَرَ
تُبَشِّرُ، وَهذَا الْيَوْمَ لاَ تُبَشِّرُ مِنْ أَجْلِ أَنَّ ابْنَ الْمَلِكِ
قَدْ مَاتَ». 21وَقَالَ يُوآبُ لِكُوشِي: «اذْهَبْ وَأَخْبِرِ
الْمَلِكَ بِمَا رَأَيْتَ». فَسَجَدَ كُوشِي لِيُوآبَ وَرَكَضَ. 22وَعَادَ
أَيْضًا أَخِيمَعَصُ بْنُ صَادُوقَ فَقَالَ لِيُوآبَ: «مَهْمَا كَانَ، فَدَعْنِي
أَجْرِ أَنَا أَيْضًا وَرَاءَ كُوشِي». فَقَالَ يُوآبُ: «لِمَاذَا تَجْرِي أَنْتَ
يَا ابْنِي، وَلَيْسَ لَكَ بِشَارَةٌ تُجَازَى؟» 23قَالَ: «مَهْمَا
كَانَ أَجْرِي». فَقَالَ لَهُ: «اجْرِ». فَجَرَى أَخِيمَعَصُ فِي طَرِيقِ
الْغَوْرِ وَسَبَقَ كُوشِيَ.
24وَكَانَ دَاوُدُ جَالِسًا بَيْنَ
الْبَابَيْنِ، وَطَلَعَ الرَّقِيبُ إِلَى سَطْحِ الْبَابِ إِلَى السُّورِ وَرَفَعَ
عَيْنَيْهِ وَنَظَرَ وَإِذَا بِرَجُل يَجْرِي وَحْدَهُ. 25فَنَادَى
الرَّقِيبُ وَأَخْبَرَ الْمَلِكَ. فَقَالَ الْمَلِكُ: «إِنْ كَانَ وَحْدَهُ فَفِي
فَمِهِ بِشَارَةٌ». وَكَانَ يَسْعَى وَيَقْرُبُ. 26ثُمَّ رَأَى
الرَّقِيبُ رَجُلاً آخَرَ يَجْرِي، فَنَادَى الرَّقِيبُ الْبَوَّابَ وَقَالَ:
«هُوَذَا رَجُلٌ يَجْرِي وَحْدَهُ». فَقَالَ الْمَلِكُ: «وَهذَا أَيْضًا
مُبَشِّرٌ». 27وَقَالَ الرَّقِيبُ: «إِنِّي أَرَى جَرْيَ الأَوَّلِ
كَجَرْيِ أَخِيمَعَصَ بْنِ صَادُوقَ». فَقَالَ الْمَلِكُ: «هذَا رَجُلٌ صَالِحٌ
وَيَأْتِي بِبِشَارَةٍ صَالِحَةٍ». 28فَنَادَى أَخِيمَعَصُ وَقَالَ
لِلْمَلِكِ: «السَّلاَمُ». وَسَجَدَ لِلْمَلِكِ عَلَى وَجْهِهِ إِلَى الأَرْضِ.
وَقَالَ: «مُبَارَكٌ الرَّبُّ إِلهُكَ الَّذِي دَفَعَ الْقَوْمَ الَّذِينَ
رَفَعُوا أَيْدِيَهُمْ عَلَى سَيِّدِي الْمَلِكِ». 29فَقَالَ
الْمَلِكُ: «أَسَلاَمٌ لِلْفَتَى أَبْشَالُومَ؟» فَقَالَ أَخِيمَعَصُ: «قَدْ
رَأَيْتُ جُمْهُورًا عَظِيمًا عِنْدَ إِرْسَالِ يُوآبَ عَبْدَ الْمَلِكِ
وَعَبْدَكَ، وَلَمْ أَعْلَمْ مَاذَا». 30فَقَالَ الْمَلِكُ: «دُرْ
وَقِفْ ههُنَا». فَدَارَ وَوَقَفَ. 31وَإِذَا بِكُوشِي قَدْ أَتَى،
وَقَالَ كُوشِي: « لِيُبَشَّرْ سَيِّدِي الْمَلِكُ، لأَنَّ الرَّبَّ قَدِ
انْتَقَمَ لَكَ الْيَوْمَ مِنْ جَمِيعِ الْقَائِمِينَ عَلَيْكَ». 32فَقَالَ
الْمَلِكُ لِكُوشِي: «أَسَلاَمٌ لِلْفَتَى أَبْشَالُومَ؟» فَقَالَ كُوشِي:
«لِيَكُنْ كَالْفَتَى أَعْدَاءُ سَيِّدِي الْمَلِكِ وَجَمِيعُ الَّذِينَ قَامُوا
عَلَيْكَ لِلشَّرِّ». 33فَانْزَعَجَ الْمَلِكُ وَصَعِدَ إِلَى
عِلِّيَّةِ الْبَابِ وَكَانَ يَبْكِي وَيَقُولُ وَهُوَ يَتَمَشَّى: «يَا ابْنِي
أَبْشَالُومُ، يَا ابْنِي، يَا ابْنِي أَبْشَالُومُ! يَا لَيْتَنِي مُتُّ عِوَضًا
عَنْكَ! يَا أَبْشَالُومُ ابْنِي، يَا ابْنِي».
واضح هنا محبة أخيمعص الكاهن لداود فهو يريد أن يكون
أول من يبشره بالإنتصار. ولكنه لا يريد أن يحزنه على موت إبنه فقال وَلَمْ أَعْلَمْ مَاذَا (29) ولذلك ولأن يوآب يعلم محبة داود لإبنه أراد أن يرحم
أخيمعص الكاهن من غضبة داود. وأرسل كوشى وهو عبد ليوآب من كوش. ولاحظ أن أخيمعص
جرى من طَرِيقِ الْغَوْرِ = هو طريق وعر ولكنه أقصر وهو فضل هذا ليصل إلى داود أسرع. وَكَانَ دَاوُدُ جَالِسًا بَيْنَ
الْبَابَيْنِ باب
المدخل فكان مسقوف لهُ بابين
أحدهما تجاه البرية والآخر
تجاه المدينة وَطَلَعَ
الرَّقِيبُ إِلَى سَطْحِ الْبَابِ = لينظر من بعيد ماذا يأتى من البرية وفى (25) إِنْ كَانَ وَحْدَهُ فَفِي فَمِهِ
بِشَارَةٌ = لأنه لو حدثت هزيمة لجيش داود لكان الهاربين كثيرين. وفى
(27) هذَا رَجُلٌ صَالِحٌ = هو رجل صالح ساعدهُ وأيدهُ فى محنته وهو عَرِف أن يوآب
سيستخدم رجل صالح ليرسل ببشارة (الأخبارالطيبة) ونرى هنا مشاعر الأبوة. وهل من بكى
على شاول ويوناثان وعلى أبنير لن يبكى على إبنه وربما بكاء داود عليه أنه مات دون
توبة وربما لشعوره أنه أخطأ فى تربيته إذ دلله كثيراً.