الأيات (1-12):-" 1«هذَا كُلُّهُ رَأَتْهُ عَيْنِي. سَمِعَتْهُ أُذُنِي وَفَطِنَتْ
بِهِ. 2مَا تَعْرِفُونَهُ عَرَفْتُهُ أَنَا أَيْضًا. لَسْتُ دُونَكُمْ.
3وَلكِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُكَلِّمَ الْقَدِيرَ، وَأَنْ أُحَاكَمَ إِلَى
اللهِ. 4أَمَّا أَنْتُمْ فَمُلَفِّقُو كَذِبٍ. أَطِبَّاءُ بَطَّالُونَ
كُلُّكُمْ. 5لَيْتَكُمْ تَصْمُتُونَ صَمْتًا. يَكُونُ ذلِكَ لَكُمْ
حِكْمَةً. 6اِسْمَعُوا الآنَ حُجَّتِي، وَاصْغُوا إِلَى دَعَاوِي
شَفَتَيَّ. 7أَتَقُولُونَ لأَجْلِ اللهِ ظُلْمًا، وَتَتَكَلَّمُونَ
بِغِشٍّ لأَجْلِهِ؟ 8أَتُحَابُونَ وَجْهَهُ، أَمْ عَنِ اللهِ
تُخَاصِمُونَ؟ 9أَخَيْرٌ لَكُمْ أَنْ يَفْحَصَكُمْ، أَمْ
تُخَاتِلُونَهُ كَمَا يُخَاتَلُ الإِنْسَانُ؟ 10تَوْبِيخًا
يُوَبِّخُكُمْ إِنْ حَابَيْتُمُ الْوُجُوهَ خِفْيَةً. 11فَهَلاَّ
يُرْهِبُكُمْ جَلاَلُهُ، وَيَسْقُطُ عَلَيْكُمْ رُعْبُهُ؟ 12خُطَبُكُمْ
أَمْثَالُ رَمَادٍ، وَحُصُونُكُمْ حُصُونٌ مِنْ طِينٍ."
هذا
كله رأته عيني= أي أنا أؤمن بكل ما قلته سابقاً عن عظمة الله
وإختبرته. ولكني أريد أن أكلم القدير=
أنا لا أستريح في الكلام معكم فيا ليتني أجد الحرية أن أحاكم إلي الله= فالله لن يقسوعليَ مثلكم. أما أنتم فملفقو كذب= من هنا يتهم أيوب أصحابه
بأنهم يدافعون عن الله بطريقة ظالمة لأنهم إنما يخافونه مثل من يدافع عن رجل قوي
لخوفه من بطشه. ثم يقول أنه من الأفضل أن يعارض الله وهو مخلص له في محبته عن أن
يرائي مثلهم. فهم يتهمون أيوب كذباً وظلماً ليبرروا الله، والله لا يحتاج لهذا
الظلم منهم ليتبرر. وإن أدعوا أنهم يعزونه وكأطباء يعالجون آلامه فهم أطباء بطالون فهل إتهام الشرفاء كأيوب يعالجهم
أو يعزيهم. وأيوب ينصحهم بأن يصمتوا صمتاً ليخفوا
جهلهم. وكان منطق أيوب أتقولون لأجل الله ظلماً=
الله لا يحتاج لمحامين مثلكم، هل تتصورون أن عدل الله غير ظاهر فتحاولون إظهاره. أتحابون وجهه= حق الله
وعدله ظاهرين جداً ولا يحتاج الله لمثل هذه الطرق. هنا أيوب يقنعهم
أنهم بأسلوبهم هذا إنما يسيئون لله، بينما هم يتصورون أن لهم الشرف في الدفاع عن
الله. وإن صمتم إلي الأبد فستعلن السماء بره. ولنلاحظ أن النية الطيبة لا تبرر
الكلمات الرديئة ولا الأعمال الرديئة. ويخيفهم من أن الله لو فحصهم لوجدهم غشاشين=
أخير لكم أن يفحصكم أن تخاتلونه¨
هل تحتملون فحص المبادئ التي
تسيرون بموجبها في مناقشتكم معى من المؤكد لو فحص الله قلوبكم سوف يوبخكم توبيخاً فهو لن يرضي بما تفعلونه بي.
ولذلك يحذرهم فهلا يرهبكم جلاله. وذلك
حتي يكفوا عن أحاديثهم المثيرة في محاولة إدانته. أحاديثهم التي شبهها بأنها رماد،
أحاديث تافهة ولا قيمة لها. وحصونكم حصون من
طين= أي أفكاركم ومبادئكم التي تتحصنون بها في مناقشاتكم هي لا شئ.
الأيات
(13-22):-" 13«اُسْكُتُوا عَنِّي
فَأَتَكَلَّمَ أَنَا، وَلْيُصِبْنِي مَهْمَا أَصَابَ. 14لِمَاذَا آخُذُ
لَحْمِي بِأَسْنَانِي، وَأَضَعُ نَفْسِي فِي كَفِّي؟ 15هُوَذَا
يَقْتُلُنِي. لاَ أَنْتَظِرُ شَيْئًا. فَقَطْ أُزَكِّي طَرِيقِي قُدَّامَهُ. 16فَهذَا
يَعُودُ إِلَى خَلاَصِي، أَنَّ الْفَاجِرَ لاَ يَأْتِي قُدَّامَهُ. 17سَمْعًا
اسْمَعُوا أَقْوَالِي وَتَصْرِيحِي بِمَسَامِعِكُمْ. 18هأَنَذَا قَدْ
أَحْسَنْتُ الدَّعْوَى. أَعْلَمُ أَنِّي أَتَبَرَّرُ. 19مَنْ هُوَ
الَّذِي يُخَاصِمُنِي حَتَّى أَصْمُتَ الآنَ وَأُسْلِمَ الرُّوحَ؟20إِنَّمَا
أَمْرَيْنِ لاَ تَفْعَلْ بِي، فَحِينَئِذٍ لاَ أَخْتَفِي مِنْ حَضْرَتِكَ. 21أَبْعِدْ
يَدَيْكَ عَنِّي، وَلاَ تَدَعْ هَيْبَتَكَ تُرْعِبُنِي. 22ثُمَّ ادْعُ
فَأَنَا أُجِيبُ، أَوْ أَتَكَلَّمُ فَتُجَاوِبُنِي. "
نجد أيوب هنا يتمسك بكماله بشدة. بل عزم علي التمسك علي الدفاع عن
كماله مهما حدث له= وليصبني مهما أصاب=
أي حتي لو زادت ألامي، أو حتي لو زدتم أنتم في إتهاماتكم. لماذا آخذ لحمي بأسناني وأضع نفسى في كفي= لو لم
أتكلم وأدافع عن نفسي سأنفجر من الغيظ، فأنا أتألم وأنا أشعر أنني برئ ولا أستحق
هذا الألم بالإضافة لما تفعلونه بي من إتهامات لي بالشر، فإذا لم أتكلم سأكون كمن
سينفجر وعبر عن هذا بقوله آخذ لحمي بأسناني أي أنهش لحمي. وقوله أضع نفسي في كفي
أي سأختنق إن لم أتكلم. هوذا يقتلني، لا أنتظر=
في (اليسوعية) إنه ولو قتلني أبقي أملاً له، وفي (الإنجليزية) أبقي واثقاً فيه.
وهذا تعبير عن إيمان قوي، فأيوب يقول حتي لو كان الله سيقتلني سأبقي علي صداقته
ومحبته واثقاً فيه وكل ما سأعمله أن أظهر له أنني لم أخطئ في حقه= فقط أزكي طريقي قدامه. فهذا يعود إلي خلاصي=
ربما كان المزاج العام لأيوب هو اليأس المطلق، ولكن في بعض الأحيان تشع بعض
الكلمات التي تدل علي الرجاء، مثل هذه، ومعناها أنني ببري وثباتي علي محبة الله قد
أحصل علي خلاص من ألامي. وهو يعرف أن الفاجر لا يمكن أن يتبرر أمام الله أو يكون
له خلاص= الفاجر لا يأتي قدامه. وأيوب
يري أنه واثق من بره فهو لا يخشي أن يأتي أمام الله. ثم يؤكد أنه بار وإذا أثبت له
أحد أنه خاطئ فسوف يسكت ولا يتكلم إلي الأبد= من
هو الذي يخاصمني(يثبت أنني شرير) أذا استطاع أحد إثبات شري= أصمت الآن وأسلم الروح. ثم أعلن أنه يريد أن
يبحث قضيته مع الله نفسه كما قال من قبل "أريد أن احاكم إلي الله". لا أختفي من حضرتك= أي أن أيوب لا يتنازل عن
المحاكمة أمام الله ولا يخشي من نتيجتها ولكن تحت شرطين= وإنما أمرين لا تفعل بي
1) ابعد يديك عني= أي لا
تعذبني بهذه الآلام المبرحة فلا أستطيع الكلام هكذا.
2) لا تدع هيبتك ترعبني= أي
لا تظهر أمامي بجبروتك وعظمتك فأنا لا أحتمل. وهذا ما قاله شعب إسرائيل بعد هذا في
البرية لموسي خر 19:20. والله وافق علي قول الشعب (راجع تث 16:18، 17) وكان الحل
أن يأتي المسيح وهذا ما وعد الله به موسي (تث 15:18-18). والمسيح بلاهوته المتحد
بناسوته كان معنا على الأرض والناس كلموه ولم يرتعبوا منه فهو كان قد أخلي ذاته.
والمسيح أيضاً رفع عنا عقوبة الله إذ صالحنا مع الله. فهو وحده الذى من خلاله تحقق
شرطى أيوب وكان الشرطان حتى يتم الحوار مع الله= ادعُ
فأنا أجيب= الله يتكلم وأيوب يجيب. أتكلم
فتجاوبني= ثم يتكلم أيوب والله يجاوبه. وهذا الحوار ما كان ممكناً بدون
المسيح وتجسده. وكانت هذه شهوة النفس البشرية أن يتجسد المسيح فيتم هذا الحوار.
وعبر عن هذا سليمان النبي في نش 1:8
الأيات (23-28):-" 23كَمْ لِي مِنَ الآثَامِ وَالْخَطَايَا؟ أَعْلِمْنِي ذَنْبِي
وَخَطِيَّتِي. 24لِمَاذَا تَحْجُبُ وَجْهَكَ، وَتَحْسِبُنِي عَدُوًّا
لَكَ؟ 25أَتُرْعِبُ وَرَقَةً مُنْدَفَعَةً، وَتُطَارِدُ قَشًّا
يَابِسًا؟ 26لأَنَّكَ كَتَبْتَ عَلَيَّ أُمُورًا مُرَّةً،
وَوَرَّثْتَنِي آثَامَ صِبَايَ، 27فَجَعَلْتَ رِجْلَيَّ فِي
الْمِقْطَرَةِ، وَلاَحَظْتَ جَمِيعَ مَسَالِكِي، وَعَلَى أُصُولِ رِجْلَيَّ
نَبَشْتَ. 28وَأَنَا كَمُتَسَوِّسٍ يَبْلَى، كَثَوْبٍ أَكَلَهُ
الْعُثُّ."
هنا أيوب يطلب من الله أن يكشف له خطاياه والتي بسببها
يعاقب. فأصحابه يدينونه ولكن ليس بحسب الحق، أما الله فيدين بالحق. ويشكو بمرارة
من إبتعاد الله عنه= لماذا تحجب وجهك.
والله لا يحجب وجهه عن إنسان إلا بسبب الخطية. فإذا شعر إنسان بهذا عليه أن يبحث
عن خطيته التي أغضب بها الله لا أن يخاصم الله. والمسيح حمل حتي هذا الغضب الإلهي
عنا "إلهي إلهي لماذا تركتني". ويتضع أيوب أمام الله قائلاً أنا لا شئ. أترعب ورقة مندفعة= هذا إعتراف بالعجز
الكامل أمام الله. ولكن أيوب يعتقد أن الله قسا عليه لأنك
كتبت علي أموراً مرة. ولما لم يجد أيوب في حاضره خطايا تستحق هذا
المرار، تصور أن الله يعاقبه علي خطايا إرتكبها وهو صغير وورثتني أثام صباي. ويصور قسوة عقوبة الله ضده= جعلت رجليَ في المقطرة والمقطرة أداة تعذيب
وتشهير وإهانة فالمتهم يربطونه من يديه وقدميه أمام الناس ويشهرون به ليهزأ به
المارة. ولاحظت جميع مسالكي= أي أنت
يارب تتبع كل زلة لكي تؤدبني عليها. علي أصول رجلي
نبشت= كانوا في القديم يلبسون العبيد خلخال به علامة سيده حتي لا يهرب،
وهنا أيوب يشتكي أن الله يتابعه فلا يستطيع الهرب من خطاياه القديمة (التي ينبش
الله ليجدها) ولا من عقوبات الله المفروضة عليه. والصحيح أن الله إن كان ينبش علي
خطايا إنسان لما ثبت إنسان قدامه. وأنا كمتسوس
يبلي= أسير نحو الفناء تحت يد الله الثقيلة. كثوب أكله العث= يسير من فساد إلي فساد.