نجد هنا خطاب بلدد الأخير، وفيه رد موجز علي أيوب كأنه قد مل من الكلام
في هذه القضية. وبعد هذا الخطاب من بلدد إنسحب الأصحاب وإمتنعوا عن الكلام. فهم
وجدوا أيوب مصراً علي موقفه، وهم مصرين أيضاً، فالسكوت أفضل إذاً.
أية
(1):- " 1فَأَجَابَ بِلْدَدُ الشُّوحِيُّ وَقَالَ: "
الأيات
(2-3):-" 2«السُّلْطَانُ
وَالْهَيْبَةُ عِنْدَهُ. هُوَ صَانِعُ السَّلاَمِ فِي أَعَالِيهِ. 3هَلْ
مِنْ عَدَدٍ لِجُنُودِهِ؟ وَعَلَى مَنْ لاَ يُشْرِقُ نُورُهُ؟ "
فيهما شهادة لعظمة الله ومجده.
السلطان والهيبة عنده= الله يري خلق
الكون، له وحده حق التشريع والتصرف في هذا الكون، وبمقتضي سلطانه يتمم كل مشيئته. صانع السلام في أعاليه= الملائكة كلها تطيعه
طاعة كاملة وهم خاضعين لمشيئته تماماً، ولأنهم خاضعين فلا مشاجرات بينهم وبين الله
ولا بينهم وبين أنفسهم[كأن الكلام موجه لأيوب، لو كنت خاضعاً لله تماماً لما
تشاجرت وتذمرت علي الله، ولما إختلفت معنا]. بل حتي الله يحفظ مسارات الكواكب وهي
لا تصطدم ببعضها. هل من عدد لجنوده=
تقاس عظمة الملوك بعدد جيوشهم. والله في عظمته له ملائكة بأعداد لا تحصي. وعنايته
تشمل الجميع علي من لا يشرق نوره= هذا
تعبير عن رعآية الله للجميع.
الأيات
(4-6):-" 4فَكَيْفَ يَتَبَرَّرُ
الإِنْسَانُ عِنْدَ اللهِ؟ وَكَيْفَ يَزْكُو مَوْلُودُ الْمَرْأَةِ؟ 5هُوَذَا
نَفْسُ الْقَمَرِ لاَ يُضِيءُ، وَالْكَوَاكِبُ غَيْرُ نَقِيَّةٍ فِي عَيْنَيْهِ. 6فَكَمْ
بِالْحَرِيِّ الإِنْسَانُ الرِّمَّةُ، وَابْنُ آدَمَ الدُّودُ؟»."
بعد أن تبين مقدار عظمة الله ومجده يستنتج مقدار إثم الإنسان ونجاسته
أمام الله. كيف يتبرر الإنسان عند الله=
بالمقارنة مع قداسة الملائكة فالإنسان نجس. والله ينسب لملائكته حماقة. فماذا يكون
حال الإنسان إذا وقف أمام الله القدوس. وبنفس المنطق فهل يمكن لإنسان أن يحكم علي
تصرفات الله بأنها خطأ، هل يمكن لإنسان أن يتناقش ويجادل الله في أحكامه. كيف يزكو مولود المرأة= "بالخطية
ولدتني أمي"فالمرأة الخاطئة كيف تلد مولوداً ويكون باراً مزكي أمام الله.
فالإنسان يولد من أبويه وارثاً الخطية الأصلية. فنحن وارثين فساداً من أبائنا
ونصنع فساداً في الأرض فكيف نظهر أمام الله كأبرار وكلنا نجاسة. بل حتي الأجرام
السماوية برغم أنوارها فهي كتل من طين. هوذا نفس
القمر لا يضئ. ما هو نور القمر أو نور الكواكب أو نور الشمس بالنسبة
لنور الله وعظمته. بالمقارنة فكل الكواكب تصبح وكأنها مظلمة.
"وكلام بلدد هنا حق، وأيوب فعلاً كان في منتهي
الجرأة حين إدعي البر أمام الله بل هي ليست جرأة، بل خطية كبرياء إنزلق إليها أيوب
بسبب البر الذاتي" فكم بالحري الإنسان الرمة
وإبن آدم الدود= الإنسان مهما كان غنياً، باراً، عظيماً أو شريراً حين
يموت لا يزيد عن كونه نتانة يأكله الدود. بل الإنسان بالمقارنة بعظمة الله ما هو
إلا دودة، ضعيف وعاجز ويُسحق بسرعة.
ويالحماقة من يخاصم خالقه، الذي يستطيع أن يسحقه كما نسحق نحن الدودة.