الإصحاحات (32-37) هي خطاب أليهو
تكلم أليهو بعد أن إنتهي حوار
أيوب مع أصحابه. فلا أيوب إعترف بأنه أخطأ ولا أصحابه تنازلوا عن قضيتهم، وكان
أليهو أصغر الموجودين سناً، وإعتذر عن كونه أصغرهم ومع هذا يبدي رأياً، وهو تكلم
للأسباب الآتية:-
1. لأن أصحاب أيوب عجزوا عن الرد علي أيوب.
2. لأن أيوب برر نفسه في كل شئ وألقي باللوم علي الله
3. هو لم يدين أيوب كالأصحاب، بل أدخل إعتباراً جديداً في المناقشة،
وهو أن الآلام هي تأديب من الله.
والتأديبات علامة محبة.
4. وهو تكلم لأنه وجد الرد في داخله ولم يستطع أن يكتمه.
5. لأنه ثار غاضباً علي عدم إعطاء الله كرامته، لذلك قد يفهم كثيراً من
كلماته أنها صادرة عن غرور أو كبرياء ولكن بالعكس نجد أليهو متواضعاً مملوءاً حكمة
وفطنة ومعرفة لله، لم يقاطع الشيوخ وهم يتكلمون، بل تكلم أخيراً، لكن ثورته كانت
علي الكلمات الصعبة التي قالها أيوب ضد الله مبرراً نفسه، وعلي منطق أصحاب أيوب
أنهم لم يجدوا رداً علي أيوب في تبرير سبب النكبات سوي إتهاماتهم له بأنه شرير مما
جعله يثور ثورة عارمة ضدهم بل ضد الله نفسه.
وكان كلام أليهو مقنعاً جداً، وتكلم ولم يخطئ ولذلك لم يرد عليه أيوب
كما رد علي أصحابه الأخرين، ولم يرد عليه الأصحاب بل بينما لام الله الأصحاب
الباقين لم يوجه اي لوم له (7:42).
أية
(1):- " 1فَكَفَّ هؤُلاَءِ
الرِّجَالُ الثَّلاَثَةُ عَنْ مُجَاوَبَةِ أَيُّوبَ لِكَوْنِهِ بَارًّا فِي
عَيْنَيْ نَفْسِهِ."
كف أصحاب أيوب عن الحوار لأنهم
وجدوا أيوب باراً في عيني نفسه. وإنه
من المستحيل
النقاش مع مثل هذا الإنسان. ولقد رأي أصحاب أيوب أنه من العبث
الإستمرار في النقاش، لا هم قادرين علي إقناعه ولا هو قادر علي إقناعهم.
الأيات (2-5):-" 2فَحَمِيَ غَضَبُ أَلِيهُوَ بْنِ بَرَخْئِيلَ الْبُوزِيِّ مِنْ
عَشِيرَةِ رَامٍ. عَلَى أَيُّوبَ حَمِيَ غَضَبُهُ لأنَّهُ حَسَبَ نَفْسَهُ أَبَرَّ
مِنَ اللهِ. 3وَعَلَى أَصْحَابِهِ الثَّلاَثَةِ حَمِيَ غَضَبُهُ،
لأَنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا جَوَابًا وَاسْتَذْنَبُوا أَيُّوبَ. 4وَكَانَ
أَلِيهُو قَدْ صَبَرَ عَلَى أَيُّوبَ بِالْكَلاَمِ، لأَنَّهُمْ أَكْثَرُ مِنْهُ
أَيَّامًا. 5فَلَمَّا رَأَى أَلِيهُو أَنَّهُ لاَ جَوَابَ فِي
أَفْوَاهِ الرِّجَالِ الثَّلاَثَةِ حَمِيَ غَضَبُهُ."
أليهو= هو
إلهي. برخئيل= بركة الله .البوزي= من نسل بوز بن ناحور أخو إبراهيم تك
21:22 (وهم من قبائل العرب أر 23:25. فهو قريب لإبراهيم وهو شاب صغير لكنه حار في
الروح. وتكلم ليعرف كل واحد خطأه ويقدم توبة. وهو أدان أيوب لأنه لم يتكلم عن الله
بوقار كما يجب ولأن أيوب برر نفسه أكثر من الله، فهو أجهد نفسه ليثبت بره ولكنه لم
يهتم أن يثبت بر الله ولم يبرر الله من الخطأ في تجربته. فهو إهتم بكرامته أكثر من
كرامة الله. والطريق الصحيح في التعامل مع الله أن نبحث نحن عن مجد الله والله هو
الذي يبررنا. وأدان أليهو الأصحاب لأنهم لم يقدموا ردودهم برفق لأيوب وإصرارهم علي
أنه شرير مرائي وأيضاً لضعف حججهم. وأدان الجميع بسبب أن كل طرف أصر علي أن الطرف
الأخر خاطئ، كل منهم كان يبحث عن خطأ في كلام الأخر ويضخم هذا الخطأ دون أن يبحث
في النقاط الإيجابية التي قالها. ونلاحظ تصرف أليهو الصائب فهو لم يتدخل في
المناقشة حتي أنهى الأكبر سناً كلامهم، فهو إحترمهم بسبب تقدمهم في الأيام بالرغم
من أنه كان يري أخطائهم في المناقشة. وهذا يشير لتواضعه. وتكلم أليهو لأن الله
أعلن له فكان سكوته بعد ذلك تردد في الشهادة لله.
الأيات (6-22):-" 6فَأَجَابَ أَلِيهُو بْنُ بَرَخْئِيلَ الْبُوزِيُّ وَقَالَ:
«أَنَا صَغِيرٌ فِي الأَيَّامِ وَأَنْتُمْ شُيُوخٌ، لأَجْلِ ذلِكَ خِفْتُ
وَخَشِيتُ أَنْ أُبْدِيَ لَكُمْ رَأْيِيِ. 7قُلْتُ: الأَيَّامُ
تَتَكَلَّمُ وَكَثْرَةُ السِّنِينَ تُظْهِرُ حِكْمَةً. 8وَلكِنَّ فِي
النَّاسِ رُوحًا، وَنَسَمَةُ الْقَدِيرِ تُعَقِّلُهُمْ. 9لَيْسَ
الْكَثِيرُو الأَيَّامِ حُكَمَاءَ، وَلاَ الشُّيُوخُ يَفْهَمُونَ الْحَقَّ. 10لِذلِكَ
قُلْتُ: اسْمَعُونِي. أَنَا أَيْضًا أُبْدِي رَأْيِيِ. 11هأَنَذَا قَدْ
صَبِرْتُ لِكَلاَمِكُمْ. أَصْغَيْتُ إِلَى حُجَجِكُمْ حَتَّى فَحَصْتُمُ
الأَقْوَالَ. 12فَتَأَمَّلْتُ فِيكُمْ وَإِذْ لَيْسَ مَنْ حَجَّ
أَيُّوبَ، وَلاَ جَوَابَ مِنْكُمْ لِكَلاَمِهِ. 13فَلاَ تَقُولُوا:
قَدْ وَجَدْنَا حِكْمَةً. اَللهُ يَغْلِبُهُ لاَ الإِنْسَانُ. 14فَإِنَّهُ
لَمْ يُوَجِّهْ إِلَيَّ كَلاَمَهُ وَلاَ أَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَا بِكَلاَمِكُمْ. 15تَحَيَّرُوا.
لَمْ يُجِيبُوا بَعْدُ. انْتَزَعَ عَنْهُمُ الْكَلاَمُ. 16فَانْتَظَرْتُ
لأَنَّهُمْ لَمْ يَتَكَلَّمُوا. لأَنَّهُمْ وَقَفُوا، لَمْ يُجِيبُوا بَعْدُ. 17فَأُجِيبُ
أَنَا أَيْضًا حِصَّتِي، وَأُبْدِي أَنَا أَيْضًا رَأْيِيِ. 18لأَنِّي
مَلآنٌ أَقْوَالاً. رُوحُ بَاطِنِي تُضَايِقُنِي. 19هُوَذَا بَطْنِي
كَخَمْرٍ لَمْ تُفْتَحْ. كَالزِّقَاقِ الْجَدِيدَةِ يَكَادُ يَنْشَقُّ. 20أَتَكَلَّمُ
فَأُفْرَجُ. أَفْتَحُ شَفَتَيَّ وَأُجِيبُ. 21لاَ أُحَابِيَنَّ وَجْهَ
رَجُل وَلاَ أَمْلُثُ إِنْسَانًا. 22لأَنِّي لاَ أَعْرِفُ الْمَلْثَ.
لأَنَّهُ عَنْ قَلِيل يَأْخُذُنِي صَانِعِي."
أية
(7):- " 7قُلْتُ: الأَيَّامُ تَتَكَلَّمُ وَكَثْرَةُ السِّنِينَ
تُظْهِرُ حِكْمَةً. "
يعترف أن الأكثر أياماً أكثر
حكمة.
أية
(8):- " 8وَلكِنَّ فِي النَّاسِ
رُوحًا، وَنَسَمَةُ الْقَدِيرِ تُعَقِّلُهُمْ. "
في
الناس روحاً المقصود أن
مصدر المعرفة للإنسان ليس فقط خبرته، بل إرشاد الروح القدس للإنسان، فهناك مصدر
إلهي للمعرفة داخل الإنسان. وأليهو كان يعرف أنه خاضع لله وبالتالي فإن روح الله
يرشده، وفي هذا يستوي الكبير والصغير.
أية
(9):- " 9لَيْسَ الْكَثِيرُو الأَيَّامِ حُكَمَاءَ، وَلاَ
الشُّيُوخُ يَفْهَمُونَ الْحَقَّ. "
المقصود أن الخبرة التي يكتسبها الشيوخ بالسن هي لا شئ بجانب الإعلان
الإلهي الذي تكلم عنه في آية (8). بل لو إبتعد الإنسان عن الله لفقد حكمته تماماً
بالرغم من سنه.
أية
(10):- " 10لِذلِكَ قُلْتُ: اسْمَعُونِي. أَنَا أَيْضًا أُبْدِي
رَأْيِيِ. "
إسمعوني= لأنني أعلم أن الروح القدس هو الذي علمني ما أقول.
الأيات
(11-12):-" 11هأَنَذَا قَدْ صَبِرْتُ لِكَلاَمِكُمْ.
أَصْغَيْتُ إِلَى حُجَجِكُمْ حَتَّى فَحَصْتُمُ الأَقْوَالَ. 12فَتَأَمَّلْتُ
فِيكُمْ وَإِذْ لَيْسَ مَنْ حَجَّ أَيُّوبَ، وَلاَ جَوَابَ مِنْكُمْ لِكَلاَمِهِ."
هو سكت منتظراً من الأصحاب أن يجدوا رداً علي أيوب لكنهم لم يردوا،
والسبب أنهم ما كانوا يبحثون عن مجد الله، ولا عن الرد الصحيح ولا عن الحكمة
الإلهية بل كان كل همهم منصباً علي محاولة إثبات شر أيوب. وكان خطأ أيوب أيضاً أنه
لم يحاول أن يبحث عن حكمة إلهية ترشده عن سبب آلامه، بل إنصبت كل محاولاته في
تبرير نفسه. وحينما يكون لنا غرض مخالف عن البحث عن مجد الله نفقد حساسية الإستماع
لصوت روح الله فينا، وفي هذا لم يخطئ أليهو.
أية
(13):- " 13فَلاَ تَقُولُوا: قَدْ وَجَدْنَا حِكْمَةً. اَللهُ
يَغْلِبُهُ لاَ الإِنْسَانُ. "
لا
تقولوا قد وجدنا حكمة= لا تقولوا
إننا وجدنا في كلام أيوب حكمة لا تقاوم ولا تقولوا أننا لنا حكمة بسبب تقدمنا في
الأيام، فبسكوتكم سيظن أيوب فعلاً أنه بار وأن الله أخطأ في تجربته لأيوب. الله يغلبه لا الإنسان= سيكون الرد عليه بحكمة
إلهية، بصوت أسمعه من الله، لا بخبرات إنسانية وحكمة بشرية.
أية
(14):- " 14فَإِنَّهُ لَمْ يُوَجِّهْ إِلَيَّ كَلاَمَهُ وَلاَ أَرُدُّ
عَلَيْهِ أَنَا بِكَلاَمِكُمْ. "
فإنه
لم يوجه إلي كلامه= كانت المشكلة بين أيوب واصحابه أن الحوار إنقلب
ليصبح صراعاً شخصياً بينهم. وأليهو يقول أنا خارج هذا الصراع ولا خصومة بيني وبين
أيوب، وهو لم يوجه لي في خطاباته أي إتهام. ولا
أرد عليه بكلامكم= فأنا لن أتهم أيوب بأنه مرائي وشرير كما فعلتم.
الأيات
(15-16):-" 15تَحَيَّرُوا. لَمْ يُجِيبُوا بَعْدُ. انْتَزَعَ
عَنْهُمُ الْكَلاَمُ. 16فَانْتَظَرْتُ لأَنَّهُمْ لَمْ يَتَكَلَّمُوا.
لأَنَّهُمْ وَقَفُوا، لَمْ يُجِيبُوا بَعْدُ. "
ما دفع أليهو للكلام أنهم
سكتوا بينما يجد هو القضية واضحة جداً. والكلام هنا بصيغة الغائب فربما كان أليهو
يتكلم أمام حاضرين أخرين ووجه لهم الكلام، أو هو يناجي الله ويتكلم عنهم.
أية (17):-
" 17فَأُجِيبُ أَنَا أَيْضًا
حِصَّتِي، وَأُبْدِي أَنَا أَيْضًا رَأْيِيِ."
الأيات
(18-20):-" 18لأَنِّي مَلآنٌ أَقْوَالاً. رُوحُ بَاطِنِي
تُضَايِقُنِي. 19هُوَذَا بَطْنِي كَخَمْرٍ لَمْ تُفْتَحْ. كَالزِّقَاقِ
الْجَدِيدَةِ يَكَادُ يَنْشَقُّ. 20أَتَكَلَّمُ فَأُفْرَجُ. أَفْتَحُ
شَفَتَيَّ وَأُجِيبُ."
لقد إنتظر أليهو أن يقول أحدهم
رأياً صحيحاً يحسم القضية فلم يجد، بينما هو وجد الرد الصحيح داخله، ولم يستطع أن
يكتمه، فهو كان كنار في داخله. وهكذا كل من يكلفه الله بكلمات يشهد بها، فهو لا
يستطيع أن يكتمها وإن كتمها تكون كنار في داخله (أر 9:20 + مز 3:39). ملآن أقوالاً= فحين صمت الشيوخ ملأ الله أليهو
الشاب فالله لا يبقي نفسه بلا شاهد. والله ملأه فكان لابد أن يتكلم، وإن لم يفعل يشعر
أنه يكاد ينفجر هوذا بطني. . . كالزقاق. . . يكاد
ينشق ولا طريقة يهدأ بها سوي أن يتكلم= أتكلم
فأفرج. فالروح القدس يعطيه ما يتكلم به ويدفعه دفعاً أن يتكلم، فهو
يعطي الكلمة والقوة على الكلام. [راجع مت 17:9 فالزقاق القديمة لو وضعوا فيها
خمراً جديدة تتشقق لأنهم يغلقونها جيداً، ومع تفاعلات الخمر الجديدة يكون هناك
غازات وأبخرة تمزق الزقاق القديمة، فلابد من وضع الخمر الجديدة في زقاق جديدة
لتتحمل ولا تتمزق. وأليهو هنا يشبه نفسه بالزقاق الجديدة المملوءة خمراً جديدة
وبداخلها ضغوط حتي لتكاد تنفجر].
الأيات
(21-22):-" 21لاَ أُحَابِيَنَّ وَجْهَ رَجُل وَلاَ أَمْلُثُ
إِنْسَانًا. 22لأَنِّي لاَ أَعْرِفُ الْمَلْثَ. لأَنَّهُ عَنْ قَلِيل
يَأْخُذُنِي صَانِعِي."
هو في كلامه لن يرائي ولن يبحث كيف يرضي البشر السامعين
بل كيف يشهد لله، فلن يحابي أيوب بسبب آلامه ولن يحابي الأصحاب بسبب مراكزهم.