الأيات (1-8):-" 1فَأَجَابَ أَلِيهُو وَقَالَ: 2«أَتَحْسِبُ هذَا
حَقًّا؟ قُلْتَ: أَنَا أَبَرُّ مِنَ اللهِ. 3لأَنَّكَ قُلْتَ: مَاذَا
يُفِيدُكَ؟ بِمَاذَا أَنْتَفِعُ أَكْثَرَ مِنْ خَطِيَّتِي؟ 4أَنَا
أَرُدُّ عَلَيْكَ كَلاَمًا، وَعَلَى أَصْحَابِكَ مَعَكَ. 5اُنْظُرْ
إِلَى السَّمَاوَاتِ وَأَبْصِرْ، وَلاَحِظِ الْغَمَامَ. إِنَّهَا أَعْلَى مِنْكَ. 6إِنْ
أَخْطَأْتَ فَمَاذَا فَعَلْتَ بِهِ؟ وَإِنْ كَثَّرْتَ مَعَاصِيَكَ فَمَاذَا
عَمِلْتَ لَهُ؟ 7إِنْ كُنْتَ بَارًّا فَمَاذَا أَعْطَيْتَهُ؟ أَوْ
مَاذَا يَأْخُذُهُ مِنْ يَدِكَ؟ 8لِرَجُل مِثْلِكَ شَرُّكَ، وَلابْنِ
آدَمٍ بِرُّكَ."
يعاتب أليهو هنا أيوب علي خطأين له في كلامه
1. أنه يبرر نفسه أكثر من الله، بمعني أن أيوب تصور أنه
قدم لله الكثير، بل أكثر كثيراً مما قدمه الله له، وفي الموازين أصبح أيوب دائناً لله،
وأن أعمال أيوب البارة كافأه الله عليها بأقل مما يستحق، وجازاه علي شروره بأكثر
مما يستحق.
2. إعتباره أن علاقته بالله لا تفيده شيئاً.
أنا أبر من الله= هذه شرحها في نقطة (1). بماذا أنتفع
أكثر من خطيتي. . نقطة (2) وراجع 30:9، 31+ 15:10.
بماذا أنتفع أكثر من خطيتي= قلت ماذا يفيدني وأي شئ أنفع لي من أن أخطأ. (حسب ترجمة اليسوعيين).
أي ماذا سيعود عليَ بالنفع لو تطهرت من خطيتي، وإن كنت خاطئاً فالويل لي، ولكن إن
كنت باراً فماذا أستفيد (مز 13:73، 14) والمقصود بالنفع هنا، النفع المادي كالصحة
والثروة. ولكن هنا خطأ في الحساب فعطايا الله ليست كلها مادية، بل عطاياه أساساً
روحية. وهذا ما توصل إليه كاتب مزمور 73 (راجع 23:73-26). ولكن خطأ أيوب في
حساباته أنه نظر إلي الخيرات الجسدية ورأي أنها تعطي أحياناً للأشرار وليس للأبرار
فحسب هذا ظلماً وليس بحكم عادل. وعموماً فمثل هذا التفكير أي وجوب مجازاة البار
علي الأرض بخيرات مادية هو تفكير يهودي بعيد عن الروح المسيحية. وأنها لأنانية أن
يظل الإنسان يطلب خيرات مادية، فالمسيحي يجب أن يكون صورة للمسيح الذي جاء يبذل
نفسه ويطلب ما للأخرين ولا يطلب ماله.
وفي (4) أليهو يرد علي كل من يقول هذا أيوب أو أصحابه
وفي (5) أليهو يثبت أن الله أعلي من الجميع فالسموات فوق الجميع، فالله
أعظم من جميع خلائقه ولا يحتاج لأحد منهم، ولا يطمع في أحد منهم، لذلك لن يظلمهم.
أما ملوك الأرض فهم قد يظلمون رعاياهم ليربحوا منهم.
وفي (7، 6) يطلب أليهو من أيوب أن يغير طريقه تفكيره فأيوب يتصور أن
الله يراقب الإنسان وحين يخطئ يعاقبه. وأليهو يقول أن أخطأ الإنسان فالله لن ينقص.
ولو كان الإنسان باراً فهذا لا يزيد الله شيئاً. وهذا رد من أليهو علي تفكير أيوب
ماذا أنتفع لو تطهرت من خطيتي. فالله يهتم بأن الإنسان يتوب ليس لأن هذا في مصلحة
الله، بل لأن في هذا خير الإنسان والله يحب البشر.
وفي (8) شرورنا وبرنا لا يتأثر بهما الله، بل نحن نتأثر بهما، فالله
أسمي من أن نصل إليه سواء بشرورنا أو ببرنا. والله كقاضٍ عادل يكافئ الأعمال
البارة ويجازي علي الأعمال الشريرة. فالخطية عقوبتها فيها ومن يخطيء كمن يلعب
بالنار والنار سوف تؤذيه. ومن يحيا في البر سيتمتع بحمآية وبركة الله. والله حين
أعطي الوصايا للإنسان لم يكن يريد أن يتحكم فيه، بل كان يطلب الخير له.
الأيات
(9-13):-" 9«مِنْ كَثْرَةِ
الْمَظَالِمِ يَصْرُخُونَ. يَسْتَغِيثُونَ مِنْ ذِرَاعِ الأَعِزَّاءِ. 10وَلَمْ
يَقُولُوا: أَيْنَ اللهُ صَانِعِي، مُؤْتِي الأَغَانِيِّ فِي اللَّيْلِ، 11الَّذِي
يُعَلِّمُنَا أَكْثَرَ مِنْ وُحُوشِ الأَرْضِ، وَيَجْعَلُنَا أَحْكَمَ مِنْ
طُيُورِ السَّمَاءِ؟ 12ثَمَّ يَصْرُخُونَ مِنْ كِبْرِيَاءِ الأَشْرَارِ
وَلاَ يَسْتَجِيبُ. 13وَلكِنَّ اللهَ لاَ يَسْمَعُ كَذِبًا،
وَالْقَدِيرُ لاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ. "
كان أيوب قد قال إن المظلوم
يصرخ والله لا يستجيب له. وأليهو هنا يقدم تفسير رائع لماذا لا يستجيب الله لصراخ
بعض المظلومين. وربما يشرح معلمنا يعقوب نفس المنطق بقوله "تطلبون ولستم
تأخذون لأنكم تطلبون ردياً يع 3:4. فأليهو يبرر الله في أنه لا يستجيب بأن الخطأ
ليس في الله ولكن فيمن يصرخ. والسؤال الآن هل هناك صراخ بطريقة صحيحة، وصراخ آخر
بطريقة خاطئة؟ وهنا نقول أن الله سمح بالألم لأن هناك خطية ما في هذا الشخص، يريد
الله أن يتوب عنها فتكون له حياة، فإذا صرخ الخاطئ المتألم طالباً أن يرفع الله
عنه التجربة دون أن يقدم توبة عن خطاياه، فالله لا يستجيب لأن الألم أو التجربة التي
سمح بها الله لم تؤتي ثمارها بعد. وهذا ما قاله هوشع النبي 14:7 "ولا يصرخون
إليَ بقلوبهم حينما يولولون علي مضاجعهم، يتجمعون لأجل القمح والخمر ويرتدون
عني" أي هم يصرخون في المجاعة وحينما يتوفر لهم القمح والخمر يرجعون عن الله
مرتدين كما قال أحدهم "صام وصلي لأمر ما، فلما إنقضي الأمر لا صام ولا
صلي" فالله بحكمته طالما يري الإنسان مازال بعيداً غير تائب، لا يرفع الألم
عنه حتي يتوب وإلا فماذا كانت فائدة التجربة. الله مستعد دائماً أن يسمع وينقذ،
إذا كان المظلوم يصرخ في قلبه طالباً الله= أين
الله صانعي. ولنلاحظ أن المظلوم لو عاد لله بقلبه وصلي بأمانة لوجد
تعزية كافية حتي تُرفع الضيقة، والضيقة ترفع حين تؤتي ثمارها. فالتائب حين يذكر أن
الله صانعه يذكر أن الله مسئول عنه، عينه عليه دائماً:-
1- عينه عليه ليدبر أموره. . فيطمئن 2-
عينه عليه يراه وهو يخطئ…. فيتوب.
ولاحظ الصرخة التي يسمعها الله أين
الله صانعي مؤتي الأغاني في الليل= في الترجمة اليسوعية "أين الله
الذي صنعني الذي ينعم بالترنيم ليلاً"= أي وسط ليل ألامنا وأحزاننا، إلهنا
قادر أن يعطي تعزيات سماوية فنسبحه بأغاني وتسبيح. والليل فيه إشارة للحزن والخوف
والضيق. وفي وسط الضيقة الله قادر أن يعزي (أع 25:16) فأليهو يصور الله هنا أنه
إله خير صنع الإنسان وأعطاه أن يفرح ويتعزي حتي في الضيقة.
الذي يعلمنا أكثر من وحوش الأرض ويجعلنا أحكم…= الوحش أو
الطير إذا تألم فهو يصرخ ويعوي ولكنه لا يقول "أين الله صانعي، ومن يصرخ بدون
أن ينتبه لله صانعه، أي دون أن يقدم توبة يشابه صراخ الوحوش والطيور، ولكن الله
أعطانا حكمة أكثر من كل الخليقة، وبهذه الحكمة يجب أن ندرك أن الله صانع خيرات ولا
يمكن أن يسمح بألم أو ضيقة إلا لو كان بعدها بركة وخير. لذلك فمن له هذه الحكمة
فليصرخ لله تائباً، مسبحاً وشاكراً. وهذه هي الصرخة المقبولة. ومهما صرخ المظلوم من كبرياء
الأشرار دون أن يكون تائباً فالله لا يستجيب
هذا مفهوم آية (13). فالله لا يسمع كذباً=
الله لن يستجيب لصراخ غير التائب الذي يصرخ لرفع التجربة دون توبة.
الأيات (14-16):-" 14فَإِذَا قُلْتَ إِنَّكَ لَسْتَ تَرَاهُ، فَالدَّعْوَى
قُدَّامَهُ، فَاصْبِرْ لَهُ. 15وَأَمَّا الآنَ فَلأَنَّ غَضَبَهُ لاَ
يُطَالِبُ، وَلاَ يُبَالِي بِكَثْرَةِ الزَّلاّتِ، 16فَغَرَ أَيُّوبُ
فَاهُ بِالْبَاطِلِ، وَكَبَّرَ الْكَلاَمَ بِلاَ مَعْرِفَةٍ»."
بعد هذا الدرس
من أليهو، يوجه أليهو الكلام لأيوب مقدماً له نصيحة ذهبية= فأصبر له= وعلي كل من يصلي أن لا ييأس من رحمة
الله بل بصبر ينتظر يوم يرفع عنه هذه التجربة. وأليهو هنا يوبخ أيوب علي قوله أنه
لا يري عدل الله= إنك لست تراه= هنا
أيوب قد تسرع فعدل الله يأتي ولكن علينا أن نصبر فالله ليس متسرعاً كالبشر بل هو
طويل الأناه، وهو وحده الذي يعرف الوقت المناسب لرفع التجربة. وطول أناة الله ليست
فقط في طول المدة التي بعدها ترفع التجربة، بل أيضاً تظهر طول أناة الله في أنه
إحتمل الكلام الصعب الذي قاله أيوب= فلأن غضبه لا
يطالب بينما لو كان الله متسرعاً
كما يطلب البشر لجازي أيوب وعاقبه عقاباً شديداً علي كل ما تفوه به. وكثيراً ما
نطالب الله في أن يجازي ويعاقب من سبب لنا ألماً وظلماً، علي أن يكون هذا علي وجه
السرعة. ولكن هل بنفس السرعة سنقبل أن يعاقبنا الله لو أخطأنا في حق الأخرين. يجب
أن نعلم أن الله ليس كالبشر. ولكن أيوب إستغل طول أناة الله وأنه لم يعاقبه فتطاول
عليه وتكلم كلاماً صعباً= فغر أيوب فاه بالباطل.
وكبَر الكلام= قال كلاماً صعباً بلا معرفة.