المزمور الخامس والعشرون

 

هذا المزمور هو صلاة جميلة، نموذج نتعلم منه الصلاة، فيه عناصر الصلاة المطلوبة.

 

آية (1):- " 1إِلَيْكَ يَا رَبُّ أَرْفَعُ نَفْسِي."

1إِلَيْكَ يَا رَبُّ أَرْفَعُ نَفْسِي = الصلاة ليست مجرد وقوف أمام الله، ولكنها رفع للنفس أي عدم الانشغال بالأرضيات وشهوات العالم، فمثل هذه الشهوات تربط النفس بالأرض وتمنعها عن الإرتفاع إلى فوق (كو1:3-10). وبعد أن يرتفع القلب عن الأرضيات، يجب أن ينشغل الذهن بالتفكير في السماويات، بالمسيح الذي فدانا (لذلك نضع دائماً صورة المسيح المصلوب في كل كنيسة) (1كو1:2،2 + غل1:3). وحين نرفع أيدينا في الصلاة فلنفكر في أننا يجب أن نرفع عيوننا وأفكارنا وقلوبنا للسماء وبذلك لا نسمع ما قيل في (أش13:29) وهذا ما نسمعه في القداس "إرفعوا قلوبكم" ونجيب "هي عند الرب" ولأن رفع القلب هو هبة إلهية نسمع الكاهن يقول "فلنشكر الرب"الذى اعطانا هذا .

 

الآيات (2-3):- "2يَا إِلهِي عَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، فَلاَ تَدَعْنِي أَخْزَى. لاَ تَشْمَتْ بِي أَعْدَائِي. 3أَيْضًا كُلُّ مُنْتَظِرِيكَ لاَ يَخْزَوْا. لِيَخْزَ الْغَادِرُونَ بِلاَ سَبَبٍ."

نجد هنا داود يشتكي من الأعداء، ربما إبشالوم أو شاول أو أي عدو آخر.. وربما أعداء روحيين، ونحن لنا أعداء كثيرين مثل الشيطان، الموت، الذات وشهواتها للعالم. والنفس التي ارتفعت عن الأرض إلى محبة الله تدرك قوته فتتكل عليه لينجيها من أعدائها وهي لن تخزى أبداً أمام أعدائها الأشداء. ولنلاحظ قوله الْغَادِرُونَ بِلاَ سَبَبٍ = فلا سبب لعداوة الشيطان ضدنا، ولكن الله معنا. ما أحلى أن نصلي لله بثقة فيه وإتكال عليه.

 

الآيات (4-5):- "4طُرُقَكَ يَا رَبُّ عَرِّفْنِي. سُبُلَكَ عَلِّمْنِي. 5دَرِّبْنِي فِي حَقِّكَ وَعَلِّمْنِي، لأَنَّكَ أَنْتَ إِلهُ خَلاَصِي. إِيَّاكَ انْتَظَرْتُ الْيَوْمَ كُلَّهُ."

هنا يطلب داود الإرشاد الإلهي، هو يقف كتلميذ أمام معلمه ليتعلم، يتعلم كيف يصلي وكيف يتضع، وكيف يحمل الصليب وكيف يخدم، علمني يا رب كيف أسلك في طريقك هنا نتعلم من داود أن الصلاة ليست كلاماً فقط بل نسمع صوت الروح القدس يعلمنا. وداود لا يتعجل أي شئ، بل هو ينْتَظَرْ الرب النهار كُلَّهُ = فالله يعطي التعليم في الوقت المناسب. ونلاحظ أن أهم مصادر التعليم هو التأمل في الكتاب المقدس بروح الصلاة. دَرِّبْنِي فِي حَقِّكَ = فالله المعلم يدربنا ويروض أجسادنا لنخضع له ويصير لنا طريقه ونتقدس. والتعليم هو اعطاء الوصية ، اما التدريب للانسان فهو ترويض للانسان الذي يحمل طبيعة متمردة ورثها من ابيه آدم . وكون داود ينتظر الرب النهار كله فهذا يعني أنه يظل عمره كله يتعلم ويقبل التدريب ولا يظن أنه صار كاملاً لا يحتاج لتعليم (في12:3-18).

 

آية (6):- "6اذْكُرْ مَرَاحِمَكَ يَا رَبُّ وَإِحْسَانَاتِكَ، لأَنَّهَا مُنْذُ الأَزَلِ هِيَ."

اذْكُرْ يارب مَرَاحِمَكَ = الله يُسَّر بأن يطالبه الابن بحقه في المراحم والرأفات"، بكونه منبع الحب الأزلي، هذه الطلبة تؤكد إيمان من يصلي بها وثقته في وعود الله بمراحمه لأولاده.

 

آية (7):- "7لاَ تَذْكُرْ خَطَايَا صِبَايَ وَلاَ مَعَاصِيَّ. كَرَحْمَتِكَ اذْكُرْنِي أَنْتَ مِنْ أَجْلِ جُودِكَ يَا رَبُّ."

من شروط الصلاة المستجابة، الاعتراف بالخطية (أش5:6)، وهكذا قال بطرس للسيد المسيح أخرج يا رب من سفينتي لأنني رجل خاطئ (لو8:5). وداود هنا يذكر خطايا صباه ولا يتناساها ولذلك علينا أن نقف أمام الله ونذكر خطايانا شاكرين الله الذي غفرها، لكن لا نقف كمبررين ونظن في أنفسنا أننا أبرار. وهو يعتمد فقط على رحمة الله= كَرَحْمَتِكَ اذْكُرْنِي.

 

آية (8):- "8اَلرَّبُّ صَالِحٌ وَمُسْتَقِيمٌ، لِذلِكَ يُعَلِّمُ الْخُطَاةَ الطَّرِيقَ."

هذه أيضاً من شروط الصلاة الصحيحة، أن ننسب كل الصلاح لله، ورعايته لأولاده.

 

آية (9):- "9يُدَرِّبُ الْوُدَعَاءَ فِي الْحَقِّ، وَيُعَلِّمُ الْوُدَعَاءَ طُرُقَهُ."

نرى هنا من الذي يقبل التعليم والتدريب الإلهي هم الودعاء المتضعين غير المتكبرين.

 

آية (10):- "10كُلُّ سُبُلِ الرَّبِّ رَحْمَةٌ وَحَقٌّ لِحَافِظِي عَهْدِهِ وَشَهَادَاتِهِ."

طرق الرَّبِّ كلها رَحْمَةٌ وَحَقٌّ ويكتشف هذا من يبتغي حقاً أن يعرف.

 

آية (11):- "11مِنْ أَجْلِ اسْمِكَ يَا رَبُّ اغْفِرْ إِثْمِي لأَنَّهُ عَظِيمٌ."

اعتراف آخر بالخطية. وهو يطلب الغفران ليس لأنه يستحق ولكن لأجل كرامة ومجد اسم الرب الذي دعي عليه، "لكي يرى الناس أعمالكم الصالحة فيمجدوا أباكم الذي في السموات".

 

الآيات (12-13):- "12مَنْ هُوَ الإِنْسَانُ الْخَائِفُ الرَّبَّ؟ يُعَلِّمُهُ طَرِيقًا يَخْتَارُهُ. 13نَفْسُهُ فِي الْخَيْرِ تَبِيتُ، وَنَسْلُهُ يَرِثُ الأَرْضَ."

الإنسان الخائف الرب، يرشده الرب للطريق التي ارتضاها له وتثبت نفسه في خيرات الرب الروحية في هذه الحياة وفي الحياة الأخرى. نَسْلُهُ يَرِثُ الأَرْضَ = بمفهوم العهد القديم تستمر الأرض التي أعطاها لهم الله لهم ولنسلهم ولا يأخذها منهم الأعداء. وروحياً الآن ميراث الأرض هو ميراث نصيبنا السماوي والنسل هم كل من عرف المسيح عن طريق شهادتنا وخدمتنا وحياتنا، فكل المؤمنين هم نسل الرسل والتلاميذ.

 

آية (14):- "14سِرُّ الرَّبِّ لِخَائِفِيهِ، وَعَهْدُهُ لِتَعْلِيمِهِمْ."

خائف الرب يتمتع بمجد الرب، الروح القدس يكشف له أسرار السماء (1كو9:2-13).

 

آية (15):- "15عَيْنَايَ دَائِمًا إِلَى الرَّبِّ، لأَنَّهُ هُوَ يُخْرِجُ رِجْلَيَّ مِنَ الشَّبَكَةِ."

الذين يثبتون عيونهم على الرب دائماً ينجوا من الشباك المنصوبة لهم. فلنثبت عيوننا على الله ولا ننشغل بالأرضيات فننجذب لخداعاتها وملذاتها فتكون لنا شركاً.

 

الآيات (16-17):- "16اِلْتَفِتْ إِلَيَّ وَارْحَمْنِي، لأَنِّي وَحْدٌ وَمِسْكِينٌ أَنَا. 17اُفْرُجْ ضِيقَاتِ قَلْبِي. مِنْ شَدَائِدِي أَخْرِجْنِي."

هنا شرط آخر للصلاة المقبولة وهو الانسحاق "القلب المنكسر والمتواضع لا يرذله الله". فداود يقول ها أنا ابن وَحْدٌ وَفقير = أي منفرد ومعزول أي ليس لي من ألجأ إليه سواك لتخرجني من ضيقتي، فأنا ضعيف جداً (يقول هذا وهو ملك له جيوش). وله من الاموال الكثير جدا وقادر ان يمتلك الاكثر ، ولكنه شاعر بانه بدون الله فهو لا شئ . وكل من لم يشعر بأن الله يملأ حياته يشعر بعزلة مهما كان عدد الناس المحيطين به. وبهذا فداود كان فاهما للرسالة التى وجهها المسيح لملاك كنيسة لاودكية " انا مزمع ان اتقيأك....لانك تقول انى غني...."( رؤ 3 : 16 ،17).

ملحوظة: من يأس لأنه سقط في خطية ليس له فكر مسيحي. فنحن نعلم أننا قابلين للخطية بسبب ضعف طبيعتنا والخطية الساكنة فينا. ولكن فلنسرع كما فعل داود ونعترف بخطيتنا واثقين في قوة دم السيد المسيح الذي يبررنا. وأما اليأس فيترجم أنه كبرياء.

 

الآيات (18-21):- 18انْظُرْ إِلَى ذُلِّي وَتَعَبِي، وَاغْفِرْ جَمِيعَ خَطَايَايَ. 19انْظُرْ إِلَى أَعْدَائِي لأَنَّهُمْ قَدْ كَثُرُوا، وَبُغْضًا ظُلْمًا أَبْغَضُونِي. 20احْفَظْ نَفْسِي وَأَنْقِذْنِي. لاَ أُخْزَى لأَنِّي عَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ. 21يَحْفَظُنِي الْكَمَالُ وَالاسْتِقَامَةُ، لأَنِّي انْتَظَرْتُكَ.

 

آية (22):- "22يَا اَللهُ، افْدِ إِسْرَائِيلَ مِنْ كُلِّ ضِيقَاتِهِ."

هنا نصل لشرط آخر للصلاة المقبولة وهو الصلاة من أجل الآخرين وكل الكنيسة. افْدِ إِسْرَائِيلَ = وهذاتم بالصليب.

 

ونصلي هذا المزمور في باكر فنذكر المضايقين الذين اجتمعوا حول المسيح والخلاص الذي صنعه المسيح. الابن الوحيد الفقير، الذي افتقر ليغنينا.