المزمور الحادي والستون

 

نجد هنا مثل كثير من مزامير داود، نجده يبدأ بقلب حزين يشتكي باكياً أعدائه المتربصين به، ولكنه ينتهي بأغاني التسبيح، لأن الله رفع نفسه وأعطاه الثقة في حمايته بالرغم من قوة الأعداء حوله، وحين شعر باستجابة الله له فرح وشكر إذ رأى نصرته قادمة.

ربما كان داود حين رنم هذا المزمور هارباً من شاول أو إبشالوم والأغلب إبشالوم فهو يسمى نفسه ملكاً. ولكن هذا المزمور بشكل نبوي يحدثنا عن المسيح.

يرى القديس أثناسيوس الرسولي أن في هذا المزمور شكر لله على عودة المسبيين.

نصلى هذا المزمور في الساعة السادسة فنذكر صراخ المسيح وهو على الصليب وأن الآب استجاب له وأقامه= تزيد الملك أياماً. والله استجاب له بأن أعطى ميراثاً لخائفي إسمه= كل من آمن بالمسيح صار له نصيباً في ميراثه.

 

الآيات (1-2):- "1اِسْمَعْ يَا اَللهُ صُرَاخِي، وَاصْغَ إِلَى صَلاَتِي. 2مِنْ أَقْصَى الأَرْضِ أَدْعُوكَ إِذَا غُشِيَ عَلَى قَلْبِي. إِلَى صَخْرَةٍ أَرْفَعَ مِنِّي تَهْدِينِي."

مِنْ أَقْصَى الأَرْضِ أَدْعُوكَ = قد تشير هذه للمسبيين في بابل (قالها بروح النبوة) وقد تشير أنه الآن بعيداً عن المقادس، ولكنه حتى لو ابتعد إلى أقصى الأرض فسيظل يصرخ إلى الله، ولن تكون المسافات عائقاً، فهم طردوه وحرموه من المقادس لكنهم لن يستطيعوا أن يحرموه من الملجأ الوحيد الذي له وهو الله. وقد تعني أقصى الأرض، أنه في أهوال شديدة وشاعراً بالوحدة والعزلة، ولا يجد سوى الله بجانبه وكل من هو شاعر بأنه عبد لخطية ما، أبعدته عن الله يصرخ هكذا وهو بعيداً غُشِيَ عَلَى قَلْبِي = المعنى الحرفي "طفح من الهم" أو هو يتلوى من الألم. إِلَى صَخْرَةٍ أَرْفَعَ مِنِّي تَهْدِينِي = الصخرة هو ربنا يسوع المسيح (1كو4:10). وقوله أرفع منى يعني أنه يتوق إلى حماية أكبر من طاقاته هو، هو شاعر أنه أضعف من الأعداء المحيطين به عاجز أن ينقذ نفسه، ويطلب أن يتحقق له الأمان والحماية، غير القادر هو أن يتوصل إليهما. أما السبعينية فترجمتها "على الصخرة رفعتني أرشدتني" بصيغة الماضي وصيغة الماضي تفيد الثقة في الأمر كأنه قد تحقق.

 

آية (3):- "3لأَنَّكَ كُنْتَ مَلْجَأً لِي، بُرْجَ قُوَّةٍ مِنْ وَجْهِ الْعَدُوِّ."

هنا نسمع أن الله مَلْجَأً وبُرْجَ حصين = برج قوة لمن يلجأ إليه.

 

آية (4):- "4لأَسْكُنَنَّ فِي مَسْكَنِكَ إِلَى الدُّهُورِ. أَحْتَمِي بِسِتْرِ جَنَاحَيْكَ. سِلاَهْ."

اشتياقه للعودة إلى أورشليم وإلى الأقداس. الجناحين هما عنايته وحمايته.

 

آية (5):- "5لأَنَّكَ أَنْتَ يَا اَللهُ اسْتَمَعْتَ نُذُورِي. أَعْطَيْتَ مِيرَاثَ خَائِفِي اسْمِكَ."

اسْتَمَعْتَ نُذُورِي = استمعت صلواتي (سبعينية). أَعْطَيْتَ مِيرَاثَ خَائِفِي اسْمِكَ الله أعطى اليهود ميراث، أرض كنعان. وأعطى للمؤمنين بالمسيح ميراثاً سماوياً. بالنسبة لداود، تفهم هذه الآية أنه نذر أن يكون كله لله إذا أعاده الله لميراثه (أورشليم) وبالنسبة للمسيح فلقد قدس نفسه (خصص نفسه لعمل الفداء) (يو19:17). ليعطي لمن يؤمن به ميراث الحياة الأبدية.

 

آية (6):- "6إِلَى أَيَّامِ الْمَلِكِ تُضِيفُ أَيَّامًا. سِنِينُهُ كَدَوْرٍ فَدَوْرٍ."

بالنسبة إلى داود تفهم هذه الآية أن إبشالوم ورجاله لن ينالوا منه ويقتلوه بل سيحيا. هذه تمت حرفياً مع حزقيا الملك من نسل داود إذ أطال الله عمره 15 سنة. وكان هذا يرمز لقيامة المسيح وأن الموت لن يسود عليه. سِنِينُهُ كَدَوْرٍ فَدَوْرٍ = أي يزيد الله سنيه من جيل إلى جيل (سبعينية) ولأجيال عديدة (إنجليزية).

 

آية (7): "7يَجْلِسُ قُدَّامَ اللهِ إِلَى الدَّهْرِ. اجْعَلْ رَحْمَةً وَحَقًّا يَحْفَظَانِهِ."

يَجْلِسُ قُدَّامَ اللهِ إِلَى الدَّهْرِ = عن داود تفهم هذه أن يعود إلى كرسيه كملك. ولكن كيف نفسر أن داود سيجلس إلى الأبد على كرسيه؟ قال البعض دوام مزاميره كصلوات للكنيسة حتى نهاية الأيام. ولكن هذه تفهم أيضاً عن جلوس المسيح بعد قيامته عن يمين الآب.

اجْعَلْ رَحْمَةً وَحَقًّا يَحْفَظَانِهِ = من أجل طاعة المسيح حتى الموت (وفيها رحمة + عدل) رفعه الله وجعل له اسماً فوق كل اسم (في8:2-11). يَحْفَظَانِهِ = حاول اليهود قتل المسيح مرات عديدة، والله حفظه حتى يتم رسالته وتعاليمه ثم سمح بصلبه (ليستوفي رحمة وحق الله). ولكنه لم يرى فساداً فهو قد قام.

 

آية (8):- "8هكَذَا أُرَنِّمُ لاسْمِكَ إِلَى الأَبَدِ، لِوَفَاءِ نُذُورِي يَوْمًا فَيَوْمًا."

إذ رأي المرتل خلاص الله سبح ورتل. ونفهم أن التسبيح القلبي هو من ثمار عمل الروح القدس في النفس. والروح القدس حل على الكنيسة بعد صعود المسيح، فصارت الكنيسة كنيسة مسبحة إلى دهر الدهور. ونذر الكنيسة هي أن تعبد الله دائماً.