المزمور الثاني والسبعون

 

هو مزمور لسليمان يرتل فيه سليمان بروح النبوة عن عمل المسيح ابن داود الحقيقي وسليمان الملك ابن داود كان رمزاً للمسيح فهو [1] ابن داود [2] عهده عهد سلام، ومعني اسم سليمان السلام. والمسيح ملك السلام [3] باني الهيكل (يو21:2) [4] رمز الحكمة والمسيح حكمة الله (1كو24:1) [5] ملوك الأمم أتوا لسليمان وأحبوه وقدموا له هدايا. والأمم آمنوا بالمسيح، وكانت أعظم هدايا قدمت للمسيح هي إيمان الوثنيين به.

وبعض آيات المزمور تشير لسليمان فعلاً ولكن بعضها لا يمكن أن يشير لسليمان فمثلاً سليمان لم يملك إلى أقاصي الأرض (8). ولم يسجد له كل الملوك ولم تتعبد له كل الأمم (11). ولم يكن اسم سليمان إلى الدهر (17). بل سليمان في نهاية أيامه بخر للأوثان لذلك لا يمكن أن ينطبق كلام هذا المزمور سوى على المسيح وحده. وبالذات المسيح كملك، فهذا المزمور يتحدث عن الملك المثالي، وليس هذا سوى المسيح.

المزمور السابق حدثنا فيه داود عن أيام شيخوخته، وهذا المزمور ربما كتبه داود لابنه سليمان في بداية حياته كنبوة عن المسيح الذي سيأتي من نسله، ويكون سليمان رمزاً له، وفي نهاية عمر داود كان سليمان يقف مستعداً للتاج. ولذلك نجد في نهاية المزمور القول "تمت صلوات داود بن يسي" مع أننا سنجد بعد هذا مزامير لداود مثل (86،101.... الخ). كأن داود أوحى له الروح القدس بكلمات هذا المزمور أن من نسله سيأتي المسيح، كان هذا ختاماً لكل ما يتمناه وختاماً لنبواته. ويكون عنوان المزمور لسليمان أي كلمات كتبها داود لسليمان ابنه ليفهم منها كيف يكون الملك ملكاً مثالياً، وكيف يقضي بالحق لشعبه. ويكون المعنى الرمزي أن المزمور كتب للمسيح الذي من نسل داود.

 

آية (1):- "1اَلَّلهُمَّ، أَعْطِ أَحْكَامَكَ لِلْمَلِكِ، وَبِرَّكَ لابْنِ الْمَلِكِ."

سليمان هو الملك وهو ابن الملك. وقوله أَعْطِ أَحْكَامَكَ تعني إعطه حكمة ليقود شعبك. وَبِرَّكَ = ليحكم بالعدل. وهذه تقال للمسيح ملك السلام وابن داود الملك. أَعْطِ أَحْكَامَكَ لِلْمَلِكِ = هذه تفهم عن المسيح بأنها صلاة داود حين كشف الله له أن من نسله سيأتي المسيح، فقال هذا بمعنى أرسله يا رب سريعاً ليخلص ويملك على الكنيسة وبنفس المفهوم قال يوحنا في رؤياه "أمين تعال أيها الرب يسوع" هو اشتياق كل نفس في العهد القديم أو الجديد لأن يملك المسيح بالعدل والبر في كنيسته "ليأت ملكوتك" هي صلاة تعبر عن الثقة في أنه متى خضع الكل للمسيح الذي أخذ كل السلطان من الآب (مت18:28) سيعطينا حياة (يو2:17). وهو سيملك علينا بسلطانه فيسود البر مملكته.

 

آية (2):- "2يَدِينُ شَعْبَكَ بِالْعَدْلِ، وَمَسَاكِينَكَ بِالْحَقِّ."

شَعْبَكَ = تشير لليهود. وَمَسَاكِينَكَ تشير للأمم. والمسيح جعل الاثنين واحداً. لقد كان سليمان العادل ظلاً لحكم المسيح العادل الحقيقي. وتفهم الآية أن المسيح يحكم شعبه المساكين بالروح وهؤلاء لهم الطوبى. وملكنا يهزم أعدائنا الحقيقيين (الشياطين).

 

آية (3):- "3تَحْمِلُ الْجِبَالُ سَلاَمًا لِلشَّعْبِ، وَالآكَامُ بِالْبِرِّ."

الْجِبَالُ وَالآكَامُ = إشارة للحكام والقضاة العظماء (الجبال) والرؤساء الذين يلونهم أو أقل درجة منهم (الأكام)= كل من له منصب سيحكم بالعدل. العدل شعار المملكة. وهكذا سيكون السلام هو شعار ومجد مملكة المسيح. السلام بين السمائيين (الجبال) والآكام (كنيسة الله على الأرض). لقد صار الاثنين واحداً.

 

آية (4):- "4يَقْضِي لِمَسَاكِينِ الشَّعْبِ. يُخَلِّصُ بَنِي الْبَائِسِينَ، وَيَسْحَقُ الظَّالِمَ."

مَسَاكِينِ الشَّعْبِ.. الْبَائِسِينَ = هم أولاد الله الذين سحقهم الظالم (الشيطان).

 

آية (5):- "5يَخْشَوْنَكَ مَا دَامَتِ الشَّمْسُ، وَقُدَّامَ الْقَمَرِ إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ."

يَخْشَوْنَكَ مَا دَامَتِ الشَّمْسُ.. إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ = هل هذا حدث لسليمان؟ بل وفي أيام سليمان قام ضده مقاومون لملكه (يربعام.. الخ) وهل حكم سليمان وقضائه استمر طالما الشمس والقمر موجودان وإلى دور فدور أي إلى الأبد. هذا لا يقال سوى عن المسيح. والشمس تشير للمسيح شمس البر الذي يشرق على كنيسته التي تشبه بالقمر. فشعب الكنيسة يخشى المسيح ويطيع وصاياه داخل الكنيسة.

 

آية (6):- "6يَنْزِلُ مِثْلَ الْمَطَرِ عَلَى الْجُزَازِ، وَمِثْلَ الْغُيُوثِ الذَّارِفَةِ عَلَى الأَرْضِ."

أحكام المسيح وعلمه في كنيسته سيكون معزياً لهم ومرطباً لآلامهم، فنعمته وتعزياته ستكون كالمطر الذي ينزل على العشب المجزوز حتى ينمو ولا يحترق من الشمس.

 

الآيات (7-8):- "7يُشْرِقُ فِي أَيَّامِهِ الصِّدِّيقُ، وَكَثْرَةُ السَّلاَمِ إِلَى أَنْ يَضْمَحِلَّ الْقَمَرُ. 8وَيَمْلِكُ مِنَ الْبَحْرِ إِلَى الْبَحْرِ، وَمِنَ النَّهْرِ إِلَى أَقَاصِي الأَرْضِ."

تحت ملك المسيح يُشْرِقُ الصِّدِّيقُ = يظهر عمل نعمة الله فيه. وسيستمر هذا إلى نهاية العالم حين يَضْمَحِلَّ الْقَمَرُ. وسيمتد ملك المسيح إلى كل العالم (مت20:28).

 

الآيات (9-10):- "9أَمَامَهُ تَجْثُو أَهْلُ الْبَرِّيَّةِ، وَأَعْدَاؤُهُ يَلْحَسُونَ التُّرَابَ. 10مُلُوكُ تَرْشِيشَ وَالْجَزَائِرِ يُرْسِلُونَ تَقْدِمَةً. مُلُوكُ شَبَا وَسَبَأٍ يُقَدِّمُونَ هَدِيَّةً."

ربما حدث هذا جزئياً مع سليمان حيث أتت له ملكة سبأ. ولكنه لم يحدث حقيقة سوى مع المسيح (في10:2،11). والمجوس أتوا وسجدوا له رمزاً لكل الأمم. يَلْحَسُونَ التُّرَابَ = هذه عقوبة كل معاند للمسيح الملك وهي عقوبة إبليس (تك14:3).

 

الآيات (11-13):- "11وَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ الْمُلُوكِ. كُلُّ الأُمَمِ تَتَعَبَّدُ لَهُ. 12لأَنَّهُ يُنَجِّي الْفَقِيرَ الْمُسْتَغِيثَ، وَالْمِسْكِينَ إِذْ لاَ مُعِينَ لَهُ. 13يُشْفِقُ عَلَى الْمِسْكِينِ وَالْبَائِسِ، وَيُخَلِّصُ أَنْفُسَ الْفُقَرَاءِ."

لماذا يسجد له الأمم؟ هو نجاهم كمساكين من يد إبليس الذي ظلمهم. الْفُقَرَاءِ = هم الذين افتقروا إلى معرفة الله إذ أعمى إبليس الظالم عيونهم عن معرفته.

 

الآيات (14-15):- "14مِنَ الظُّلْمِ وَالْخَطْفِ يَفْدِي أَنْفُسَهُمْ، وَيُكْرَمُ دَمُهُمْ فِي عَيْنَيْهِ. 15وَيَعِيشُ وَيُعْطِيهِ مِنْ ذَهَبِ شَبَا. وَيُصَلِّي لأَجْلِهِ دَائِمًا. الْيَوْمَ كُلَّهُ يُبَارِكُهُ."

هنا نجد صورة كاملة لعمل المسيح الفدائي. فهو مات ليفدي الإنسان من ظلم إبليس الذي خطفه، وينقذنا من يده القوية. وهو عمل هذا لأن الإنسان عزيز لديه = وَيُكْرَمُ دَمُهُمْ فِي عَيْنَيْهِ. فهو لم يقبل أن يسفك دم الإنسان ويهلك أبدياً لذلك مات عنا. ولكنه لم يستمر ميتاً بل قام= وَيَعِيشُ. ليعطي حياة لشعبه. ولذلك حين شعر الإنسان أن المسيح فداه أكرم الإنسان المسيح بعطاياهم، ولم يبخلوا عليه بأغلى ما عندهم وهو ذَهَبِ شَبَا = ولكن هل المسيح ينقصه المال ليفرح بالذهب. هذا الذهب يرمز للحياة السمائية التي يحياها المؤمنون وهذه هي العطايا التي تفرح قلب المسيح. وهؤلاء المؤمنين السماويين يُصَلِّون لأَجْلِهِ دَائِمًا = يتشفعون بدمه كل حياتهم. أما هذه بالنسبة لسليمان فتفهم أن شعبه كان يصلي لأجله ليعطيه الله حكمة. وبالنسبة للمسيح فصلواتنا للآب لا تقبل سوى باسم المسيح "تختم الصلاة الربية بهذا بالمسيح يسوع ربنا".

 

آية (16):- "16تَكُونُ حُفْنَةُ بُرّ فِي الأَرْضِ فِي رُؤُوسِ الْجِبَالِ. تَتَمَايَلُ مِثْلَ لُبْنَانَ ثَمَرَتُهَا، وَيُزْهِرُونَ مِنَ الْمَدِينَةِ مِثْلَ عُشْبِ الأَرْضِ."

هنا تصوير رائع لنمو الكنيسة جسد المسيح، صوره المرنم بزيادة الثمار والقمح. حُفْنَةُ بُرّ = كلمة بُر معناها قمح وهكذا ترجمت في الإنجليزية (راجع شرح مز13:65). فحينما تزرع حفنة قمح في الأرض في رؤوس الجبال تكون ثمارها بوفرة = تَتَمَايَلُ مِثْلَ لُبْنَانَ ثَمَرَتُهَا. بل أن الشعب أيضاً سيزداد= وَيُزْهِرُونَ مِنَ الْمَدِينَةِ. فالتصوير هنا أن مملكة سليمان ستنمو وتزدهر بالسكان وبالشبع. فالذي تزرعه على رؤوس الجبال لا يتوقع أن يأتي بالكثير لكننا نجده هنا يثمر بكثرة، بل سيكون كغابة في لبنان بكثافتها وطول أشجارها وكل هذا من حفنة قمح. وفي هذا إشارة لنمو كنيسة المسيح التي بدأت بدفن حبة الحنطة (المسيح نفسه) (يو24:12). ثم حفنة القمح أي الرسل وحالاً إبيضت الحقول ودخل المؤمنين من كل العالم إلى جبال الكنيسة العالية التي كانت قفراً فامتلأت ثماراً. (يو35:4 + مت37:9) وعدد المؤمنين يزداد= وَيُزْهِرُونَ مِنَ الْمَدِينَةِ مِثْلَ عُشْبِ الأَرْضِ وشبههم بالعشب لخضرتهم أي حيويتهم ونضارتهم.

 

آية (17):- "17يَكُونُ اسْمُهُ إِلَى الدَّهْرِ. قُدَّامَ الشَّمْسِ يَمْتَدُّ اسْمُهُ، وَيَتَبَارَكُونَ بِهِ. كُلُّ أُمَمِ الأَرْضِ يُطَوِّبُونَهُ."

كنيسته ستستمر للأبد طالما كانت الشمس موجودة، وفي كنيسته يتمجد اسمه.

 

الآيات (18-19):- "18مُبَارَكٌ الرَّبُّ اللهُ إِلهُ إِسْرَائِيلَ، الصَّانِعُ الْعَجَائِبَ وَحْدَهُ. 19وَمُبَارَكٌ اسْمُ مَجْدِهِ إِلَى الدَّهْرِ، وَلْتَمْتَلِئِ الأَرْضُ كُلُّهَا مِنْ مَجْدِهِ. آمِينَ ثُمَّ آمِينَ."

الكنيسة مع المرنم تعطي المجد لفاديها إلى الأبد.