في
المزامير السابقة تعلمنا تسبيح الله بسبب الفداء الذي قدمه والغفران الذي حصلنا
عليه ثم تسبيحه من أجل أعماله في الطبيعة والخليقة. ثم تسبيحه لأجل أعماله العجيبة
في خروج شعبه من مصر. وهنا نجد تسبيح من نوع آخر فالمرنم يعترف بخطايا شعبه وتمردهم
وتذمرهم. هو يعطي المجد لله ليس فقط بسب صلاحه ولكن أيضاً بالاعتراف بسوء حالة
الشعب والاعتراف بفسادنا يجعل قداسة الله تزداد ظهوراً وإشراقاً. والعكس فنحن حين
نتأمل في قداسة الله تظهر بشاعة خطايانا. ومع أن هذا المزمور فيه اعتراف بخطايا
الشعب إلا أنه يبدأ وينتهي بكلمة هللويا. فالخطية يجب ألا تمنعنا عن تسبيح الله.
ومن المعتقد أنه كتب في فترة السبي بسبب آية (47) إجمعنا من بين الأمم. ولكن هناك
من ينسبه أيضاً لداود فالآية الأولى والآيتين الأخيرتين نجدهما في المزمور الذي
كتبه داود وسلمه إلى أساف (1أي34:16-36). وبالتالي يكون قوله اجمعنا من بين الأمم
إشارة لفترة هروب داود لجت. وبالطبع كان هناك كثير من الأتقياء قد هربوا إلى الأمم
أيضاً ونتعلم من هذا المزمور كيف نقف أمام الله معترفين بخطايانا الشخصية وخطايا
الأقرباء.. نقف لنعترف بخطايانا دون أن نلقي اللوم على أحد بل نعطي المجد والقداسة
لله.
آية
(1):- "1هَلِّلُويَا. اِحْمَدُوا الرَّبَّ لأَنَّهُ صَالِحٌ، لأَنَّ
إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتَهُ."
لأَنَّ إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتَهُ = إذا تذكرنا
خطايانا واعترفنا بها يرحمنا الله "ومن يقر بخطاياه يرحم" وهنا فلنسبح
الله الذي مازال يقبلنا برحمته ولم يرفضنا حتى الآن.
الآيات
(2-3):- "2مَنْ يَتَكَلَّمُ بِجَبَرُوتِ الرَّبِّ؟ مَنْ يُخْبِرُ
بِكُلِّ تَسَابِيحِهِ؟ 3طُوبَى لِلْحَافِظِينَ الْحَقَّ وَلِلصَّانِعِ
الْبِرَّ فِي كُلِّ حِينٍ."
في
(2) يتساءل من يستطيع أن يسبح الرب ويتكلم عن جبروته واقتداره وفي (3) يجيب بأنه
هو الحافظ الحق والصانع البر. فطوبى لمثل هذا الإنسان الذي يسبح الله.
الآيات
(4-5):- "4اذْكُرْنِي يَا رَبُّ بِرِضَا شَعْبِكَ. تَعَهَّدْنِي
بِخَلاَصِكَ، 5لأَرَى خَيْرَ مُخْتَارِيكَ. لأَفْرَحَ بِفَرَحِ
أُمَّتِكَ. لأَفْتَخِرَ مَعَ مِيرَاثِكَ."
حين
قال المرنم أن الحافظ الحق في كل حين هو الذي يستطيع أن يسبح الله، شعر بأنه غير
قادر على حفظ الحق دائماً فهو ضعيف ومتقلب والعدو يحاربه دائماً فصرخ لله اذْكُرْنِي يَا رَبُّ بِرِضَا شَعْبِكَ = أي
اذكرني بحسب المحبة والرضا اللذان في قلبك نحو شعبك. تَعَهَّدْنِي
بِخَلاَصِكَ = أنا وحدي لا أستطيع دون معونة منك لأَرَى خَيْرَ مُخْتَارِيكَ = لكي يكون لي نصيب
في الخير الذي سيكون لهم. ولكن هذه الآيات هي صرخة العهد القديم لتجسد المسيح
ليأتي بالخلاص، وكأن المرنم يشتهي أن يرى هذه الأيام ويرى خير مختاري الله المؤمنين
بالمسيح ويفتخر مع ميراث الله أي المؤمنين.
الآيات (6-38):- "6أَخْطَأْنَا مَعَ
آبَائِنَا. أَسَأْنَا وَأَذْنَبْنَا. 7آبَاؤُنَا فِي مِصْرَ لَمْ
يَفْهَمُوا عَجَائِبَكَ. لَمْ يَذْكُرُوا كَثْرَةَ مَرَاحِمِكَ، فَتَمَرَّدُوا
عِنْدَ الْبَحْرِ، عِنْدَ بَحْرِ سُوفٍ. 8فَخَلَّصَهُمْ مِنْ أَجْلِ
اسْمِهِ، لِيُعَرِّفَ بِجَبَرُوتِهِ. 9وَانْتَهَرَ بَحْرَ سُوفٍ
فَيَبِسَ، وَسَيَّرَهُمْ فِي اللُّجَجِ كَالْبَرِّيَّةِ. 10وَخَلَّصَهُمْ
مِنْ يَدِ الْمُبْغِضِ، وَفَدَاهُمْ مِنْ يَدِ الْعَدُوِّ. 11وَغَطَّتِ
الْمِيَاهُ مُضَايِقِيهِمْ. وَاحِدٌ مِنْهُمْ لَمْ يَبْقَ. 12فَآمَنُوا
بِكَلاَمِهِ. غَنَّوْا بِتَسْبِيحِهِ. 13أَسْرَعُوا فَنَسُوا
أَعْمَالَهُ. لَمْ يَنْتَظِرُوا مَشُورَتَهُ. 14بَلِ اشْتَهَوْا
شَهْوَةً فِي الْبَرِّيَّةِ، وَجَرَّبُوا اللهَ فِي الْقَفْرِ. 15فَأَعْطَاهُمْ
سُؤْلَهُمْ، وَأَرْسَلَ هُزَالاً فِي أَنْفُسِهِمْ. 16وَحَسَدُوا
مُوسَى فِي الْمَحَلَّةِ، وَهارُونَ قُدُّوسَ الرَّبِّ. 17فَتَحَتِ
الأَرْضُ وَابْتَلَعَتْ دَاثَانَ، وَطَبَقَتْ عَلَى جَمَاعَةِ أَبِيرَامَ، 18وَاشْتَعَلَتْ
نَارٌ فِي جَمَاعَتِهِمْ. اللَّهِيبُ أَحْرَقَ الأَشْرَارَ.
19صَنَعُوا عِجْلاً فِي
حُورِيبَ، وَسَجَدُوا لِتِمْثَال مَسْبُوكٍ، 20وَأَبْدَلُوا مَجْدَهُمْ
بِمِثَالِ ثَوْرٍ آكِلِ عُشْبٍ. 21نَسُوا اللهَ مُخَلِّصَهُمُ،
الصَّانِعَ عَظَائِمَ فِي مِصْرَ، 22وَعَجَائِبَ فِي أَرْضِ حَامٍ،
وَمَخَاوِفَ عَلَى بَحْرِ سُوفٍ، 23فَقَالَ بِإِهْلاَكِهِمْ. لَوْلاَ
مُوسَى مُخْتَارُهُ وَقَفَ فِي الثَّغْرِ قُدَّامَهُ لِيَصْرِفَ غَضَبَهُ عَنْ
إِتْلاَفِهِمْ. 24وَرَذَلُوا الأَرْضَ الشَّهِيَّةَ. لَمْ يُؤْمِنُوا
بِكَلِمَتِهِ. 25بَلْ تَمَرْمَرُوا فِي خِيَامِهِمْ. لَمْ يَسْمَعُوا
لِصَوْتِ الرَّبِّ، 26فَرَفَعَ يَدَهُ عَلَيْهِمْ لِيُسْقِطَهُمْ فِي
الْبَرِّيَّةِ، 27وَلِيُسْقِطَ نَسْلَهُمْ بَيْنَ الأُمَمِ،
وَلِيُبَدِّدَهُمْ فِي الأَرَاضِي. 28وَتَعَلَّقُوا بِبَعْلِ فَغُورَ،
وَأَكَلُوا ذَبَائِحَ الْمَوْتَى. 29وَأَغَاظُوهُ بِأَعْمَالِهِمْ
فَاقْتَحَمَهُمُ الْوَبَأُ. 30فَوَقَفَ فِينَحَاسُ وَدَانَ،
فَامْتَنَعَ الْوَبَأُ. 31فَحُسِبَ لَهُ ذلِكَ بِرًّا إِلَى دَوْرٍ
فَدَوْرٍ، إِلَى الأَبَدِ.
32وَأَسْخَطُوهُ عَلَى مَاءِ مَرِيبَةَ
حَتَّى تَأَذَّى مُوسَى بِسَبَبِهِمْ. 33لأَنَّهُمْ أَمَرُّوا رُوحَهُ
حَتَّى فَرَطَ بِشَفَتَيْهِ. 34لَمْ يَسْتَأْصِلُوا الأُمَمَ الَّذِينَ
قَالَ لَهُمُ الرَّبُّ عَنْهُمْ، 35بَلِ اخْتَلَطُوا بِالأُمَمِ
وَتَعَلَّمُوا أَعْمَالَهُمْ. 36وَعَبَدُوا أَصْنَامَهُمْ، فَصَارَتْ
لَهُمْ شَرَكًا. 37وَذَبَحُوا بَنِيهِمْ وَبَنَاتِهِمْ لِلأَوْثَانِ. 38وَأَهْرَقُوا
دَمًا زَكِيًّا، دَمَ بَنِيهِمْ وَبَنَاتِهِمِ الَّذِينَ ذَبَحُوهُمْ لأَصْنَامِ
كَنْعَانَ، وَتَدَنَّسَتِ الأَرْضُ بِالدِّمَاءِ."
هنا
يبدأ المرنم في ذكر خطايا الشعب وتمرده. وهنا يذكر تمردهم ويذكر خلاص الرب لهم مع
أنهم تمردوا عند كل ضيقة تواجههم. وأنه في بعض الأحيان كان الرب مضطراً كأب حكيم
أن يؤدبهم كأولاده. ومن أمثلة التأديب حين اشتهى الشعب أن يأكل لحماً وتذمروا
أعطاهم الله فأكلوا، وحينما أكلوا بوحشية وبشهوة، لم ينفعهم ما أكلوه بل صار نقمة
عليهم وقبلوا جزاء شهوتهم الرديئة هُزَالاً فِي أَنْفُسِهِمْ. وحينما
تمردوا على موسى وهرون فتحت الأرض وابتلعت داثان.. ومع ازدياد تذمرهم وبالذات حين
أرسلوا الجواسيس لأرض الميعاد، وصدقوا كلام الجواسيس ورذلوا الأرض الشهية كان قرار
الرب أن لا يدخل هذا الشعب أرض الميعاد= فَرَفَعَ يَدَهُ عَلَيْهِمْ
لِيُسْقِطَهُمْ فِي الْبَرِّيَّةِ. وَتَعَلَّقُوا بِبَعْلِ فَغُورَ،
وَأَكَلُوا ذَبَائِحَ الْمَوْتَى = بعل فغور أي
سيد الفجور والذبائح. وبنات موآب ذهبن للشعب وأسقطوهن في الزنى معهن ثم في تقديم
الذبائح لإلههن بعل فغور. وكان الشعب لحبه في خطية الزنى، يزنون مع بنات موآب ثم
يقدمن الذبائح للآلهة الميتة ويأكلوا من هذه الذبائح، ليشتركوا في مائدة الشياطين
(1كو15:10-22)، ومن يفعل هذا فهو يتحد بالشياطين الميتة ويحكم على نفسه بالموت،
أما من يشترك في مائدة الرب فتكون له حياة. وأية (30) بسبب الخطية ضرب الله الشعب
بالوبأ. حتى َوَقَفَ فِينَحَاسُ
وَدَانَ
=
فِينَحَاسُ
وهو من سبط لاوي. وَدَانَ
فِعْلْ وليس اسم شخص ومعناه قضى وحكم على المذنب. لا عن كراهية له بل غيرة على
مقدس الرب قتل المذنب فامتنع الوبأ.وجاءت الكلمة دان في الانجليزية بمعني
يتدخل بالقوة لتسوية نزاع.
الآيات
(39-46):- "39وَتَنَجَّسُوا بِأَعْمَالِهِمْ وَزَنَوْا بِأَفْعَالِهِمْ. 40فَحَمِيَ
غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى شَعْبِهِ، وَكَرِهَ مِيرَاثَهُ. 41وَأَسْلَمَهُمْ
لِيَدِ الأُمَمِ، وَتَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ مُبْغِضُوهُمْ. 42وَضَغَطَهُمْ
أَعْدَاؤُهُمْ، فَذَلُّوا تَحْتَ يَدِهِمْ. 43مَرَّاتٍ كَثِيرَةً
أَنْقَذَهُمْ، أَمَّا هُمْ فَعَصَوْهُ بِمَشُورَتِهِمْ وَانْحَطُّوا بِإِثْمِهِمْ.
44فَنَظَرَ إِلَى ضِيقِهِمْ إِذْ سَمِعَ صُرَاخَهُمْ. 45وَذَكَرَ
لَهُمْ عَهْدَهُ، وَنَدِمَ حَسَبَ كَثْرَةِ رَحْمَتِهِ. 46وَأَعْطَاهُمْ
نِعْمَةً قُدَّامَ كُلِّ الَّذِينَ سَبَوْهُمْ."
نرى
صورة الشعب ملخصة في تَنَجَّسُوا بِأَعْمَالِهِمْ
وَزَنَوْا بِأَفْعَالِهِمْ. ونرى أيضاً تأديب الرب وَأَسْلَمَهُمْ لِيَدِ الأُمَمِ. فصرخوا. فَنَظَرَ إِلَى ضِيقِهِمْ إِذْ سَمِعَ صُرَاخَهُمْ
ونرى صورة حية لله الرحوم الذي بحسب كثرة رحمته كان يغفر لشعبه. بل كان يعطيهم
نعمة قدام كل الذين سبوهم (كما حدث مع دانيال) حتى لا يفنيهم أعداؤهم.
الآيات
(47-48):- "47خَلِّصْنَا أَيُّهَا الرَّبُّ إِلهُنَا، وَاجْمَعْنَا مِنْ
بَيْنِ الأُمَمِ، لِنَحْمَدَ اسْمَ قُدْسِكَ، وَنَتَفَاخَرَ بِتَسْبِيحِكَ. 48مُبَارَكٌ
الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ مِنَ الأَزَلِ وَإِلَى الأَبَدِ. وَيَقُولُ كُلُّ
الشَّعْبِ: «آمِينَ». هَلِّلُويَا."
هي
صرخة الشعب المسبي في آلامه ليردهم من السبي سواء سبي بابل أو غيره. وهي صرخة
العهد القديم ليأتي المسيح ويخلص. وصرختنا نحن ليظهر المسيح في مجيئه الثاني.