هذا
الإصحاح هو إصحاح الخدمة التي أساسها تمتع الخادم بالمسيح. فمن شعر بحلاوة عشرة
المسيح لا يستطيع أن يهدأ إن لم يعرفه كل واحد (رو2:9،3+ 2كو29:11) ومن الناحية
الأخرى يرى الآخرين النفس التي تمتعت بالمسيح ويشتمون رائحة المسيح التي فيها
فينجذبون للمسيح. ونجد العروس هنا بعد أن تأكدت الألفة بينها وبين عريسها أخذت
تفاوضه في أمر أهلها، فأوصته بأختها الصغيرة (كنيسة الأمم غير المؤمنة وهنا نجد
[1] العروس تشتاق بالأكثر لعريسها. [2] ولكنها من خلال حبها له أصبحت تفكر في
الآخرين.
وبهذا
صارت تشبه عريسها الذي أخلى ذاته لينزل إلينا ويفتش علينا.
آية (1):- " 1لَيْتَكَ كَأَخٍ لِي
الرَّاضِعِ ثَدْيَيْ أُمِّي، فَأَجِدَكَ فِي الْخَارِجِ وَأُقَبِّلَكَ وَلاَ
يُخْزُونَنِي."
ليتك
كأخٍ لي=
إذ
كان هذا الإصحاح هو إصحاح الخدمة، نجد أن الخادم عليه أولاً أن يتمتع بمسيحه عريس الكنيسة.
وهذا النداء هو نداء كنيسة العهد القديم للرب يسوع ليتجسد. "ويكون بكراً بين
أخوة كثيرين" (رو29:8). وهو نفس النداء الذي ردده إشعياء بعد ذلك "ليتك
تشق السموات وتنزل" (إش1:64). الراضع ثديي
أمي= أي العروس تشتاق أن يكون الرب المتجسد شقيقاً لها (رو29:8). وقد
حدث هذا فعلاً وَوُلِد المسيح متجسداً وصار إنساناً كاملاً ورضع من العذراء مريم
التي صارت أماً للكنيسة جسد المسيح. وأقبلك ولا
يخزونني= فبعد التجسد وبعدما رأيناه من عمل المسيح العجيب دخلنا معه في
علاقة حب. والبنت لا يصلح لها أن تقبل غريباً أمام الناس في الخارج. والآن بعد عمل المسيح صارت الكنيسة
كارزة بهذا الحب أمام الجميع الذين في الخارج. فكنيسة العهد القديم كانت كنيسة
منغلقة غير كارزة أما كنيسة العهد الجديد فأعلنت حبها لمن تجسد لأجلها أمام الجميع
بدون خزي.
آية (2):-
" 2وَأَقُودُكَ وَأَدْخُلُ بِكَ بَيْتَ أُمِّي، وَهِيَ تُعَلِّمُنِي، فَأَسْقِيكَ
مِنَ الْخَمْرِ الْمَمْزُوجَةِ مِنْ سُلاَفِ رُمَّانِي. "
بيت
أمها=
الكنيسة.
فهناك تتعلم كيف تقابل حب المسيح
بحبها. وهناك تنكشف لها أسراره السماوية. فحين ترد الحب بالحب فكأنها تسقي المسيح من خمر
حبها ليفرح. وحبها هذا ممزوج بعصير= سلاف
رماني= أي استعدادها لبذل
حياتها حتى الدم مثله. وإذا كانت ثمارها رمان (13:4) فما يفرح المسيح محبتها
الباذلة أي تتشبه به.
حقاً ما يفرح
المسيح أن تكون علاقتنا معه بحسب ما نتعلمه من عقائد سليمة تعلمها لنا الكنيسة.
وكما قال الأباء من ليست الكنيسة أمه فالله ليس أباه.
الآيات (3،4):-
" 3شِمَالُهُ تَحْتَ رَأْسِي، وَيَمِينُهُ تُعَانِقُنِي. 4أُحَلِّفُكُنَّ
يَا بَنَاتِ أُورُشَلِيمَ أَلاَّ تُيَقِّظْنَ وَلاَ تُنَبِّهْنَ الْحَبِيبَ حَتَّى
يَشَاءَ. "
لماذا تذكر هذا
ثانية؟ في الأولى نفس تتعرف على المسيح وتتألم في العالم والثانية نفس خادمة تتألم
في الخدمة. شماله تحت رأسي= هنا هي
متاعب الخدمة فهي نزلت لتخدم ولكن هناك تعزيات في علاقتها الخاصة. ومرة أخرى فهي
لا تريد أن تزعج حبيبها بمشاكل الخدمة (بأن تيأس بسبب المشاكل) بل تنشغل بتسبيحها
واثقة في تدخله في الوقت المناسب.
هذا الإصحاح هو
قمة الحب الذى فيه تتلذذ النفس بالألام لأجل عريسها وأيضاً بتعزياته.
آية (5):- " 5مَنْ هذِهِ الطَّالِعَةُ
مِنَ الْبَرِّيَّةِ مُسْتَنِدَةً عَلَى حَبِيبِهَا؟ تَحْتَ شَجَرَةِ التُّفَّاحِ
شَوَّقْتُكَ، هُنَاكَ خَطَبَتْ لَكَ أُمُّكَ، هُنَاكَ خَطَبَتْ لَكَ وَالِدَتُكَ. "
من
هذه الطالعة= العالم هنا يتعجب لسمو الكنيسة
وسيرتها التي في السماويات ورفضها للعالم بملذاته وكرازته وشهادتها له حتى الموت.
ولكن كل هذا لأنها مستندة على حبيبها تحت شجرة
التفاح شوقتك= التفاح قلنا عنه أنه يشير لجسد المسيح الذي أعطاه لنا
مأكلاً ولذلك شبهت العروس عريسها بالتفاح وسط شجر الوعر (3:2). فما هي شجرة
التفاح. هذه هي الكنيسة بأعضائها الذي صار كل واحد منهم عضواً في جسد المسيح، صرنا
أعضاء جسده من لحمه ومن عظامه (أف30:5). وكل نفس تدخل للكنيسة سواء بالمعمودية أو
بالتوبة بعد ذلك (لأن التوبة معمودية ثانية) تشوق المسيح لها. هو اتخذ له جسداً
لأنه كان يشتاق لعروسه، وهو يبذل جسده لكل نفس تائبة تتغذى عليه فهو يعطي لغفران
الخطايا. فالنفس تشوق المسيح بتوبتها وبطهارتها وولادتها الجديدة.
هناك
خطبت لك أمك= هناك أي تحت شجرة التفاح. فلم يكن
هناك خطبة بين العريس وعروسه إلا على أساس التجسد. ولننظر المهر المدفوع للعروس
(11:3) فالمهر كان دمه الذي سال بهذا الإكليل وغيره من الطعنات التي طعن بها. هنا
الأم هي الشعب اليهودي الذي خرج منه المسيح ثم صلبه، وهي أي الأم بهذا خطبت له
كنيسة جديدة لتصير عروسه. هناك خطبت لك والدتك=
والدتك مترجمة "التي حملت بك" أو حملتك. هنا الإشارة لكنيسة العهد
الجديد التي مازالت تقول مع بولس الرسول "خطبتكم لرجل واحد" (2كو2:11).
وهي كنيسة ولود، وتحمل المسيح فيها. وبسبب التجسد= تحت
شجرة التفاح= أمكن للكنيسة أن تصبح أماً ولود تلد أولاداً لله. فالمسيح
ولد جسدياً لنولد نحن روحياً. الكنيسة مازالت تقدم كل يوم لله أولاداً وللمسيح
عرائس يخطبهن كعذارى مكرسين أنفسهم له.
من
هذه الطالعة: سبق الله وقالها فى (6:3) ولكن هنا يقولها العالم الذى رأى فيها جمال
عريسها.
شجرة
التفاح: فى (ص2) كان التفاح يشير لجسد المسيح. أما شجرة التفاح هنا فتشير للكنيسة
جسد المسيح. وهى تشوق المسيح بالنفوس التى تدعوها للإيمان أى تخطبها للمسيح.
فعلاقتنا بالمسيح تتم على 3 مراحل:-
1.
الخطبة =
هى دعوة الكنيسة لنا للإيمان.
2.
العرس =
بعد العماد يبدأ الإتحاد بالمسيح.
3. الإتحاد الكامل يكون فى السماء بعد أن نتخلص من جسد
الخطية ونلبس الجسد الممجد فتصير الكنيسة إمرأة المسيح (رؤ7:19).
آية (6):- " 6اِجْعَلْنِي كَخَاتِمٍ
عَلَى قَلْبِكَ، كَخَاتِمٍ عَلَى سَاعِدِكَ. لأَنَّ الْمَحَبَّةَ قَوِيَّةٌ
كَالْمَوْتِ. الْغَيْرَةُ قَاسِيَةٌ كَالْهَاوِيَةِ. لَهِيبُهَا لَهِيبُ نَارِ
لَظَى الرَّبِّ. "
نجد في هذه
الآية أقوى عبارات تُصوِّر حب العروس لعريسها. إجعلني
كخاتم على قلبك= الخاتم يحمله الشخص إما على صدره مدلّى من رقبته، أو
هناك من يحب شخص فيضع صورته على صدره أو على ساعده في سوار. والأقرب للتصور، فهناك
طريقة قديمة ومازالت مستخدمة، بإذابة الشمع ثم وضع الختم على الشمع المذاب فيتشكل
بشكل الختم. وهذه العروس جعلها حبها القوى أن تشتعل وتذوب، وأين تريد أن يضعها
حبيبها؟ على قلبه. هي تريد أن تملأ قلب حبيبها كله، فلا يستطيع أحد أن يقترب إليها
ويمحو اسمها من أمام وجه الله. والختم عن طريق الشمع الذائب تختم به الأوراق
الهامة حتى يظل محتواها سرياً، وهي تريد أن تكون علاقتها بحبيبها سرية لا يعرفها
أحد، هو يملأ كل قلبها، وهي تملأ كل قلبه، ولا أحد يعرف هذه العلاقة. والشمع
المذاب يتشكل بحسب صورة الختم. ونحن مختومين بختم الروح القدس ليتصور فينا المسيح
ونأخذ صورته (أف30:4+ 2كو21:1،22+ غل19:4) كخاتم
على ساعدك= قال الله "نقشتكم على كفي" لإظهار رعايته. ولكن
هذه العروس التي اشتعلت حباً تريد أن تكون في قلبه مركز عواطفه وليس هذا فقط بل
على ساعده مركز العمل لتعمل معه، لا بل بقوته. وإذا فهمنا أن الساعد يشير للمسيح
"استيقظي استيقظي إلبسى قوة يا ذراع الرب" (إش9:51) نفهم أن النفس تريد
إتحاداً كاملاً مع المسيح المتجسد. وهذه الدالة في طلبها نابعة من المحبة القوية كالموت= كان أقوى شئ. قبل المسيح
هو الموت، فأخذ كمثال كأقوى شئ، فكل جبار
مهما زادت عظمته وجبروته هُزِمَ أمام الموت. (بعد المسيح تغيرَّ هذا فقيل
"أين شوكتك يا موت"). والعروس هنا تود أن تقول أن حبها قوياً جداً كأقوى
شئ أي الموت، بل حتى الموت لا يستطيع أن يوقف حبها له (رو38:8،39). والموت قوي
جداً في التدمير، أما الحب فقوي جداً في الإنقاذ والخلاص، ولا شئ يوقف أو يبطل هذا
الحب. والغيرة قاسية كالهاوية= النفس
التي تحب لو شعرت أن حبيبها سيتركها تفضل أن تلقى في الهاوية أو القبر عن أن
يتركها. ومن أشعل هذا اللهيب هو الرب= لهيبها لهيب نار لظى الرب وهكذا حل الروح القدس
على شكل ألسنة نار وسكب محبة الله في قلوبنا (رو5:5).
آية (7):- " 7مِيَاهٌ كَثِيرَةٌ لاَ تَسْتَطِيعُ أَنْ
تُطْفِئَ الْمَحَبَّةَ، وَالسُّيُولُ لاَ تَغْمُرُهَا. إِنْ أَعْطَى الإِنْسَانُ
كُلَّ ثَرْوَةِ بَيْتِهِ بَدَلَ الْمَحَبَّةِ، تُحْتَقَرُ احْتِقَارًا. "
نار المحبة
المقدسة هذه تحرق كل خطية داخلها ومياه= بحر
هذا العالم لا تطفئها. وكل ثروة هي
ترفضها إن كانت بديلاً عن المحبة. هكذا
رفض المسيح كل أمجاد العالم، وهكذا كل نفس أحبت المسيح تحتقر كل ثروات العالم
لأنها تحبه ولا تعوضها ثروات العالم عن محبته. ودعوة المسيح لكل نفس "يا ابني
اعطني قلبك" فهو لا يريد المال ولا أي شئ إن لم يسبق الحب كل شئ. فلو أعطت
الزوجة لزوجها كل شئ حتى جسدها لكن بدون محبة لما فرح الزوج. والرجل الذي يتزوج
بامرأة لأجل مالها يُحْتَقَرْ. المسيح يطلب الحب المتبادل.
آية (8):- " 8لَنَا أُخْتٌ صَغِيرَةٌ
لَيْسَ لَهَا ثَدْيَانِ. فَمَاذَا نَصْنَعُ لأُخْتِنَا فِي يَوْمٍ تُخْطَبُ؟ "
لنا
أخت صغيرة= قد يكون هذا قول كنيسة العهد
القديم إذ انشغلت بالأمم الوثنيين غير المؤمنين. وقد يكون هذا قول كل نفس أحبت
المسيح وتذوقت حلاوة الحب إذ انشغلت بكل من لم يتذوق النعمة وليس له ثمر روحي بعد.
ليس لها ثديان= ليس للأمم الوثنية
ناموس ولا توراة، ليس لهم عهد جديد أو عهد قديم، ليس لهم كلمة الله ولا رؤيا إلهية
وهكذا كل نفس لم تتذوق لذة الكتاب المقدس. فماذا
نصنع لأختنا في يوم تخطب= أي إذا جاء المسيح ليخطبها كيف ستتعرف عليه.
فالأخت الكبرى تسند وتصلي للأخت الصغرى التي لم تكتشف الحق الإنجيلي بعد ولم تتعرف
على المسيح عريسها.
آية (9):- " 9إِنْ تَكُنْ سُورًا
فَنَبْنِي عَلَيْهَا بُرْجَ فِضَّةٍ. وَإِنْ تَكُنْ بَابًا فَنَحْصُرُهَا
بِأَلْوَاحِ أَرْزٍ. "
هذه إجابة
العريس المطمئنة، ومعنى ما قيل هنا لو بدأت النفس تستجيب لعمل الله، وظهرت أي
بادرة استجابة واقتنعت النفس بالجهاد لإنسكبت نعمة الله بشكل لا يمكن تصوره
وساندها الله بعمل إيجابي.
إن
تكن سوراً= إن بدأت كلمة الله تحصرها وبدأت
تستجيب للوصايا وتنفصل عن خطايا العالم. نبني
عليها برج فضة= الفضة تشير لكلمة الله، أي ستتحول هذه النفس لكارزة
بشهادتها بكلمة الله في العلن. وإن تكن باباً=
بعد الخطوة الأولى صارت باباً يدخل منه المؤمنون لحب المسيح أو غير المؤمنين
للإيمان، لقد شاهد الآخرين فيها تحولاً فسألوها عن سبب الرجاء الذي فيها وصارت
معبراً يعبر الآخرون بواسطتها للمسيح فنحصرها
بألواح أرز= بعدما صارت باباً سيهاجمها العدو ويحاربها ولكن الله سيسيج
حولها بألواح أرز. وهناك تأمل آخر أن غير المؤمنين نوعان:
1.
يقاوم عمل الله
كسور، وهذا نبني عليه برج فضة لنهزمه بكلمة الله.
2.
مندمج في
العالم يدخل منه كل فكر خاطئ كباب، وهذا نحصره بقوة المسيح التي تطرد إبليس عنه،
نحصره بألواح أرز لحمايته.
الأرز فى
علوه يشير للسماويات والأفكار السماوية فيها حماية من تفاهة المغريات العالمية.
آية (10):- " 10أَنَا سُورٌ وَثَدْيَايَ
كَبُرْجَيْنِ. حِينَئِذٍ كُنْتُ فِي عَيْنَيْهِ كَوَاجِدَةٍ سَلاَمَةً. "
الكنيسة هنا
ترد على عريسها قائلة أنا أعلم أن هذا في استطاعتك فقد اعطيتني أن أكون سور أحمي أولادي داخلي. وثدياي كبرجين= الكتاب المقدس بعهديه ترضع بهما
أولادها لتحميهما. والكنيسة التي تطعم أولادها وتحميهم كسور تكون كواجدة سلامة= هي تحيا في سلام وتنشر السلام وسط
من حولها.
آية (11):- " 11كَانَ لِسُلَيْمَانَ
كَرْمٌ فِي بَعْلَ هَامُونَ. دَفَعَ الْكَرْمَ إِلَى نَوَاطِيرَ، كُلُّ وَاحِدٍ
يُؤَدِّي عَنْ ثَمَرِهِ أَلْفًا مِنَ الْفِضَّةِ. "
كان
لسليمان كرم في بعل هامون= بعل
هامون= زوج شعب كثير. ولذلك تترجم الآية "كان كرم
لسليمان كرب جمهور". فالمسيح صار عريس كنيسته. وهو أعطى الكرم لخدام= نواطير= هو لم يبعه لهم بل سلمهم كرمه ليحرسوه
ويقدموا له الثمار في أوقاتها. ولكنه مازال كرمه. وعلى الخدام أن يقدموا له ألفاً من الفضة= 1000يشير للسماويات. إذاً الثمر
الذي يطلبه الله من خدامه أن يقدموا له ثماراً لعملهم هو نفوس صارت نفوساً سماوية.
آية (12):- " 12كَرْمِي الَّذِي لِي هُوَ
أَمَامِي. الأَلْفُ لَكَ يَا سُلَيْمَانُ، وَمِئَتَانِ لِنَوَاطِيرِ الثَّمَرِ. "
كرمي
الذي لي هو أمامي= هو مازال صاحب
الكرم وعينه مازالت عليه. ونصيب الرب النفوس السماوية. ونصيب الخدام 200= 100+100
(كل من ترك أباً أو .. يأخذ 100ضعف) فهذا نصيب كل من يتعب للرب ويترك من أجله،
و200 (لخدام العهد القديم وخدام العهد الجديد).
راجع تفسير
(يو10،9:21) فالتلاميذ قال لهم المسيح سأجعلكم صيادى ناس أى خدام تجذبون النفوس لى
(مت19:4). فلما قام المسيح وما عادوا يرونه إلاّ قليلاً عادوا لمهنتهم أى صيد
السمك كمصدر رزق لهم. ولكن المسيح قال لهم لا أنا الذى سأطعمكم ولكن الناس الذين
تصطادونهم بكرازتكم هم لى، فالمسيح أخذ منهم الـ (153 سمكة رمز المؤمنين الألف فى
آية 11) وأعطاهم ما يأكلونه و يتعشون به (السمك والخبز وهنا هى المئتان).
آية (13):- " 13أَيَّتُهَا الْجَالِسَةُ
فِي الْجَنَّاتِ، الأَصْحَابُ يَسْمَعُونَ صَوْتَكِ، فَأَسْمِعِينِي. "
حب العروس لم
يعد خفياً ولا مكتوماً. والأصحاب السمائيين صاروا يفرحون بصوت تسبحتها والأرضيين
يفرحون بصوت كرازتها. فهو يفرح بصوتها والأصحاب يفرحون أيضاً.
آية (14):- " 14اُهْرُبْ يَا حَبِيبِي،
وَكُنْ كَالظَّبْيِ أَوْ كَغُفْرِ الأَيَائِلِ عَلَى جِبَالِ الأَطْيَابِ."
جبال
الأطياب=
تشير
للمكان السماوي الذي المسيح فيه الآن يشفع في عروسه وينتظرها وهي مشتاقة ليوم
اللقاء. إهرب= أسرع. هذه النهاية تشبه
"أمين تعال أيها الرب يسوع".
نظرة شاملة على الإصحاح الثامن
بدأ السفر بقصة حُب بدأها الله تجاه النفس
البشرية، ويشرح فى الأصحاح الثانى إلى أى مدى يصل هذا الحُب أى للتجسد، ولكن
مُشكلة آدم الذى سقط ونسله لن تنتهى بالتجسد، فنحن مازلنا فى الجسد فى العالم على الجبال المُشعَّبه، وفعلا نجد النفس تسقُط
ويُدركها الله فتعود لجمالها المُستمَد من جمال عريسها بل تصير مُثمرة وخادمة لها
ثمر كثير، لكن تعود وتنتفخ فتسقط (ص5) ويعود عريسها لينتشلها وتعود لمحبتها له،
وتستعيد صورتها وتحيا فى السماويات مُتهللة مُرنِّمة مُسبِّحة مع السمائيين (رقص صفين) ورقص هنا تُشير للتعبير عن الفرح
والتسبيح بسبب حياتها السماوية (ص6) وفى (ص7) نرى فرحة العريس بها وبأنها صارت
واحدة يجمع الحُب بين أفراد الكنيسة المُجاهدة والكنيسة المُنتصرة (الجوائز
والروافد)، وهذه الوحدة هى هدف المسيح (يو20:17-23) وعبّر عنها هنا بقوله ما أجمل دوائر فخذيك = أى ترابُط أعضائها
بالمحبة (راجع نش17:1). فالكنيستين صارا بيتاً واحداً.
ثم نصل هُنا
لقمَّة العلاقة، تنفتح عينا العروس على محبة الله وتشتهى يوم التجسد لترى فى
المسيح الذى هو رسم جوهر الآب وبهاء مجده (عب3:1)، ترى فيه أى فى المسيح صورة أوضح
مما عرفته حتى الآن أى قبل التجسد، فيزداد حُبَّها لله ولعمل محبة عريسها وتُريد
أن تُعلن عن محبتها أمام الجميع = أقبلك ولا
يخزوننى، تُفرِّحه بمحبتها = أسقيك من
الخمر، وبوحدتها مع كنيسته أدخل بك بيت
أُمى بل تتلذذ بالآلام "شماله تحت
رأسى" (نش3:8) التى يسمح بها لصالحها إذ أدركت أن ما يسمح به هو
لخيرها ولزيادة لمعان إكليلها ولكى تنتصر فى حروب الجبال المُشعَّبه، بل تفرح
بتعزياته خلال هذه الآلام "وَيَمِينُهُ تُعَانِقُنِي"
(نش8:3)، وهذا معنى قول بولس الرسول "وُهِبَ لَكُمْ لأَجْلِ الْمَسِيحِ لاَ
أَنْ تُؤْمِنُوا بِهِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضاً أَنْ تَتَأَلَّمُوا لأَجْلِهِ"
(فى29:1)، بل أن قول الرسول فى هذا الألم هِبَة هو قول لا يفهمه سوى من أحب فعلاً،
إذ يشتهى أن يتألم لأجل من يُحِبَه، بل هو
قمة الحُبْ الحقيقى يظهر فيما قالته بعد ذلك، إذ نجدها تشتهى أن تُقدِّم ذاتها
بكليتها لعريسها إعلاناً عن محبتها، ولكن
كيف؟، لا شئ يُفرِِّح عريسها ويُشْبِعَهُ سوى خلاص نفوس البشر، فمحبته للبشر عجيبة
ولا نهائية، وهى فى محبته شابهته فإهتمت بمن لا يعرفونه وتريد أن تعلن لهم مسيحها
فيؤمنوا ويفرح عريسها بإيمانهم، إذاً فلتخدم عريسها فى هذا وتجذب له الذين لا
يعرفونه الأخت الصغيرة، ولكن كيف تنجح
هذه الخدمة؟ :
1.
أن أذوب فيك
فأُعلِن محبتك للناس فيحبونك أنت.
2.
وأذوب فى قوتك
فتكون خدمتى بقوتك وليس بقوتى
وهذا معنى
اِجْعَلْنِي كَخَاتِمٍ عَلَى قَلْبِكَ
= أذوب فى محبتك وتصير محبتك هى المُعلنة (مثل ما حدث مع الشهداء)، وكَخَاتِمٍ عَلَى سَاعِدِكَ = أذوب وأعمل بقوتك.
وهنا نفهم معنى
الغيرة قاسية كالهاوية بطريقة أخرى،
فهى حين ذابت فى محبة الله صارت تغير على البشر، كما قال بولس الرسول "مَنْ
يَضْعُفُ وَأَنَا لاَ أَضْعُفُ؟ مَنْ يَعْثُرُ وَأَنَا لاَ أَلْتَهِبُ؟"
(2كو29:11). وما يُساعدها على نجاح خدمتها السلام الذى يملأها فصارت عينيها "كَالْبِرَكِ فِي حَشْبُونَ" (نش4:7) وهى
تعرف قوة عمل عريسها من خبرتها هى نفسها معه. فهى فى محبتها إنفتحت عيناها فأدركت
أن كل ما هى فيه هو عمله هو وحمايته هو لها (نش10:8). وينتهى السفر بإعلان شهوة
النفس للقاء عريسها عياناً فى الأبدية.
هذا السفر
يُلخِّصه بولس الرسول فى مبدأين :
1.
لأَنَّ
مَحَبَّةَ الْمَسِيحِ تَحْصُرُنَا (2كو14:5).
2.
مَنْ سَيَفْصِلُنَا
عَنْ مَحَبَّةِ الْمَسِيحِ؟ (رو35:8).
وهذا ما سبق
إشعياء وتنبأ عنه قائلاً "غَنُّوا لِلْكَرْمَةِ الْمُشْتَهَاةِ، لَيْتَ
عَلَيَّ الشَّوْكَ" (إش2:27-5)
ويضيف إشعياء
إذ فَهِم حُبْ المسيح وشهوته للصلب لأجل عروسه
"لَيْتَكَ تَشُقُّ السَّمَاوَاتِ وَتَنْزِلُ"(إش1:64).
حُبْ العريس
وشهوته للتجسد والصلب ليَمْسِك بعروسه ويُخلِّصها عبَّر عنها بولس الرسول قائلاً
"لأَنَّهُ حَقّا ًلَيْسَ يُمْسِكُ الْمَلاَئِكَةَ، بَلْ يُمْسِكُ نَسْلَ
إِبْرَاهِيمَ" (عب16:2).
وحُب العروس
مُتَمثِّل فى الإهتمام بالآخرين إتضح من نهاية الأصحاح السابع بتقديم ذاتها
بالكامل لعريسها "أَنَا لِحَبِيبِي وَإِلَيَّ
اشْتِيَاقُهُ" (نش10:7)، والتعبير العملى عن هذا الحُبْ ظهر فوراً
فى نفس الآية إذ قالت "تَعَالَ يَا حَبِيبِي
لِنَخْرُجْ إِلَى الْحَقْلِ" (نش11:7)، فهى لا تستطيع الخدمة
بدونه = "لِنَنْظُرَ هَلْ أَزْهَرَ الْكَرْمُ؟"
(نش12:7)، الكرم هو الكنيسة.
تذوب فى حبه
وهذا ما طبَّقه تماماً أباؤنا الشهداء فأعلنوا محبة المسيح من خلال محبتهم هُمْ
التى ظهرت فى إحتمالهم للآلام حتى الموت، فآمن الكثيرون وإنتشرت المسيحية، "لأَنَّ الْمَحَبَّةَ قَوِيَّةٌ كَالْمَوْتِ"
(نش6:8).
فالموت
عدو قوى لم يقف أمامه أحد، لكن المحبة ظهر أنها أقوى بل هى تدفع للموت فى سبيل من
تُحِبْ لكى تُنقِذه وهذا ما فعله المسيح لعروسه، وهكذا فعل الشهداء إذ ماتوا
وإنتصروا على الموت بمحبتهم لعريسهم وصارت لهم حياة أبدية.