الإصحاح الخامس

 

الآيات (1-5):- "1 حينئذ يقوم الصديق بجرأة عظيمة في وجوه الذين ضايقوه وجعلوا أتعابه باطلة. 2 فإذا رأوه يضطربون من شدة الجزع وينذهلون من خلاص لم يكونوا يظنونه. 3 ويقولون في أنفسهم نادمين وهم ينوحون من ضيق صدورهم هذا الذي كنا حينا نتخذه سخرة ومثلا للعار. 4 وكنا نحن الجهال نحسب حياته جنونا وموته هوانا."

أحسن تفسير لهذه الآيات مثل الغني ولعازر. فالغني رأي المجد الذي فيه لعازر. ولعازر رأى العذاب الذي فيه الغني الذي كان يحتقره. وينذهل الأشرار من كل هذا المجد الذي صار فيه الأبرار الذين كانوا يستهزئون بهم. بل سيعترفون أنهم كانوا فيما فعلوه جهالاً= كنا نحسب حياته جنوناً وموته هواناً. هؤلاء الأشرار سيتحملون نتيجة أعمالهم التي كانت على الأرض. نتخذه سخرة= سخرية.

 

الآيات (6-8):- "5 فكيف اصبح معدودا في بني الله وحظه بين القديسين. 6 لقد ضللنا عن طريق الحق ولم يضئ لنا نور البر ولم تشرق علينا الشمس. 7 أعيينا في سبل الإثم والهلاك وهمنا في متايه لا طريق فيها ولم نعلم طريق الرب. 8 فماذا نفعتنا الكبرياء وماذا أفادنا افتخارنا بالأموال."

أمام المجد الذي للصديقين والذي يراه الأشرار يندمون ولكن بلا فائدة. الآن بعد فوات الأوان إكتشفوا أن طريق الملذات والشهوات الذي إختاروه وهم على الأرض كان ضلالاً وبلا فائدة. لم يضئ لنا نور البر= هم الذين رفضوا الذهاب لطريق البر ونوره وإنفصلوا عن المسيح شمس البر (ملا2:4). الآن يندمون على كبريائهم وإفتخارهم بأموالهم.

 

الآيات (9-15):- "9 قد مضى ذلك كله كالظل وكالخبر السائر. 10 أو كالسفينة الجارية على الماء المتموج التي بعد مرورها لا تجد أثرها ولا خط حيزومها في الأمواج. 11 أو كطائر يطير في الجو فلا يبقى دليل على مسيره يضرب الريح الخفيفة بقوادمه ويشق الهواء بشدة سرعته وبرفرفة جناحيه يعبر ثم لا تجد لمروره من علامة. 12 أو كسهم يرمى إلى الهدف فيخرق به الهواء ولوقته يعود إلى حاله حتى لا يعرف ممر السهم. 13 كذلك نحن ولدنا ثم اضمحللنا ولم يكن لنا أن نبدي علامة فضيلة بل فنينا في رذيلتنا. 14 كذا قال الخطاة في الجحيم. 15 لان رجاء المنافق كغبار تذهب به الريح وكزبد رقيق تطارده الزوبعة وكدخان تبدده الريح وكذكر ضيف نزل يوما ثم ارتحل."

هي تشبيهات تعبر عن أن حياتنا تتلاشي [1] ظل متحرك لا يترك أثراً [2] خبر يمر بسرعة وينساه الناس [3] سفينة متحركة تشق الماء ثم يعود الماء لأصله (الحيزوم= هو الماء الذي إنشق من السفينة ثم عاد لأصله سريعاً) [4] طائر يطير أو سهم ينطلق تراه ثم يختفي بلا أثر (قوادمه= مقدمات ريش الطائر). علينا أن نفكر أننا هكذا سريعاً سنترك العالم فماذا نترك وراءنا؟ هل تركنا شيئاً مفيداً وعملاً صالحاً، أم كنا نسعى وراء شهواتنا. أما من يسعى وراء شهواته التي يظنها شيئاً له قيمة فهي كغبار تذهب به الريح وكزبد وكدخان= شئ يمضي سريعاً ولا نذكره بعد ذلك  . فإذا سعينا وراء هذه الشهوات فنحن فقدنا كل شئ على الأرض وفي الأبدية، ولم نترك وراءنا علامة نافعة ولا عمل صالح، مهما كان لنا من مراكز مرموقة على الأرض.

 

الآيات (16-17):- "16 أما الصديقون فسيحيون إلى الأبد وعند الرب ثوابهم ولهم عناية من لدن العلي. 17 فلذلك سينالون ملك الكرامة وتاج الجمال من يد الرب لأنه يسترهم بيمينه وبذراعه يقيهم."

هنا نرى النقيض مما سبق. فالأبرار لهم حياة أبدية وثواب وكرامة وتاج جمال والرب يسترهم بيمينه. وبذراعه يقيمهم= الذراع هو المسيح الذي سيعطينا حياته وهي حياة أبدية. والستر يعني أن الله سيحيط أولاده الأبرار برعايته ويحتضنهم بمحبته، ويستر خطاياهم التي صنعوها وتابوا عنها.

 

الآيات (18-24):- "18 يتسلح بغيرته ويسلح الخلق للانتقام من الأعداء. 19 يلبس البر درعا وحكم الحق خوذة. 20 ويتخذ القداسة ترسا لا يقهر. 21 ويحدد غضبه سيفا ماضيا والعالم يحارب معه الجهال. 22 فتنطلق صواعق البروق انطلاقا لا يخطئ وعن قوس الغيوم المحكمة التوتير تطير إلى الهدف. 23 وسخطه يرجمهم ببرد ضخم ومياه البحار تستشيط عليهم والأنهار تلتقي بطغيان شديد. 24 وتثور عليهم ريح شديدة زوبعة تذريهم والإثم يدمر جميع الأرض والفجور يقلب عروش المقتدرين."

هذه الأسلحة يتسلح بها الأبرار في حروبهم ضد إبليس (أف5). لكن البار الوحيد والكلام عنه هنا، هو الرب يسوع المسيح الذي تسلح بغيرته وحارب إبليس بصليبه. صار خطية لنصير نحن بر الله فيه (2كو21:5) وإذ أعطانا قوة أن نسلك بالبر قيل هنا يسلح الخلق للإنتقام من أعدائه= أي يسلح الخليقة لتحارب بقيادته عدو الخير. هذا معنى خرج غالباً ولكي يغلب (فينا) (رؤ2:6) وفي اليوم الأخير سيكون الإنتقام الكامل والنهائي من أعدائه الشياطين ومن تبعوهم. وسينتقم الله من كل الأشرار الذين إستهانوا به وبوصاياه، فهو قدوس لا يحتمل الخطية وإحتمل شر الأشرار بطول أناة أما عن المسيح فهو لبس البر درعاً= وقال "من منكم يبكتني على خطية" (يو46:8) وحكم الحق خوذة= حكم الحق هو الموت بسبب الخطية وهو قبله عنا على الصليب. ويتخذ القداسة ترساً لا يقهر= لذلك قال "رئيس هذا العالم يأتي وليس له فيّ شئ" (يو30:14) ولهذا هزم الشيطان. بل أعطى هذه الأسلحة لنا، فمن يحاول أن يسلك بالبر ويختار الحق تاركاً الباطل سالكاً في القداسة يكون له سلطان على إبليس. وهذا معنى العالم (القديسين الذين يسلكون بالبر) يحارب معه الجهال= أي الشياطين. والملائكة أيضاً تحاربهم. لذلك يوضع في يد الملاك ميخائيل سيف= ويحدد غضبه سيفاً ماضياً. والملائكة لذلك يحملون جامات غضب الله (رؤ1:15+1:16). غضب الله هنا مشبه بسيف حاد ضد إبليس ومن يتبعه. ويعلن الله غضبه في [1] البروق الملتهبة ناراً. [2] غيوم ينطلق منها مياه كالسيول التي تجرف كل شئ شبهها هنا بقوس موتر يندفع منه سهم. فالقوس هو السحاب والسهام هي السيول الجارفة. [3] بَرَد هي كرات ثلج ضخمة [4] مياه بحر تفيض= تستشيط عليهم وهكذا الأنهار في فيضانات عنيفة [5] رياح وزوابع. فالطبيعة في يد الله. والسبب في كل هذا الغضب هو الخطية= الإثم يدمر جميع الأرض.