مازالت
المقارنة بين شعب الله وكيف حافظت عليهم حكمة الرب، والمصريين القساة الذين ظلموهم
وقتلوا أولادهم، وكيف ضربتهم الحكمة. وبينما يؤدب الله أولاده فهو يعاقب ظالميهم.
الآيات (1-15):- "1 ثم
سددت مساعيهم بإرشاد نبي قديس. 2 فساروا في برية لا ساكن
بها وضربوا اخبيتهم في أرض قفرة. 3 وقاوموا محاربيهم ودافعوا أعداءهم. 4 وفي عطشهم
دعوا إليك فأعطوا ماء من صخرة الصوان وشفاء لغليلهم من الحجر الجلمود. 5 فكان الذي
عذب به أعداؤهم إذ أعوزهم ما يشربون وبنو إسرائيل متهللون بكثرته. 6 هو
الذي احسن به إليهم في عوزهم. 7 فانك
بلبلت أولئك إذ بدلتهم بمعين النهر الدائم دما صديدا. 8 عقابا لهم
على قضائهم بقتل الأطفال وهؤلاء أعطيتهم ماء غزيرا عند اليأس منه. 9 لكي تريهم بعطشهم هذا كيف
عاقبت أضدادهم. 10 فانهم بامتحانك لهم وان كان تأديب
رحمة فهموا كيف كان عذاب المنافقين المقضي عليهم بالغضب. 11 لأنك
جربت هؤلاء كأب إنذارا لهم وأولئك ابتليتهم كملك قاس قضاء عليهم. 12 وقد مسهم
في الغيب من الضر ما مسهم في المشهد. 13 إذ أخذهم
ضِعفان من الحزن والنحيب بتذكر الضربات السالفة. 14 لأنها
لما سمعوا أن ما كان لهم عقابا صار لأعدائهم إحسانا شعروا بيد الرب. 15
والذي قضوا من قبل بطرحه في النهر واستخفوا به ورذلوه استعظموه في أخر الأمر إذ
كان عطش الصديقين على خلاف عطشهم. "
سددت مساعيهم= أنجحت
طرقهم. بإرشاد نبي قديس= هو موسى. ضربوا أخبيتهم= خيامهم التي يختبئوا فيها. قاوموا محاربيهم= حاربوا عماليق وإنتصروا ونجاح
طريقهم كان لأن الله نفسه هو الذي كان يقودهم بعمود السحاب. وبالروح الذي يملأ
موسى فيقودهم خلال برية قفر بالحكمة. وعماليق في حربه ضدهم كان يرمز للشيطان الذي
يحاربنا خلال رحلة حياتنا، لكن لماذا الخوف منه والمسيح (الحكمة) هو الذي يقودنا، وقد
"خرج غالباً (بصليبه) ولكي يغلب (فينا)" (رؤ2:6). والله أعطاهم ماءً من صخرة الصوان= صخرة جامدة لا يوجد فيها ماء شفاء لغليلهم= أي الله يروى عطشهم من الحجر الجلمود= حجر ضخم لا أمل في وجود ماء فيه.
ولاحظ التضاد، فمن حجر لا أمل لوجود ماء فيه يعطي الله ماءً غزيراً يُروي شعبه
(حوالي 2-3مليون) والعكس فقد حَوَّل الله الماء الغزير في نهر النيل إلى دماً صديداً لأعداء شعبه. والدم الصديد هو الدم
القذر العفن. فنفس الماء الذي كان أداة تعذيب للمصريين كان بركة لشعب الله. بلبلت أولئك (المصريين) إذ بدلتهم بمعين النهر الدائم= غيرت للمصريين
نبع الماء الدائم (نهر النيل) ليصبح دماً صديداً.
ولقد ظل الماء يخرج من الصخر طوال رحلة بني إسرائيل في البرية. والسبب الذي
يقوله الحكيم هنا أن اليهود تمسكوا بالحكمة، بينما رفضها المصريين فصاروا قساة
القلوب يقتلون الأطفال. ويقدم الحكيم هنا تفسيراً رائعاً: لماذا سمح الله أولاً
لشعبه في سيناء أن يعطشوا ولم يعطهم الماء من اليوم الأول، ويقول أنهم بهذا فهموا كيف كان عذاب المنافقين= أي فهموا كيف
تعذب المصريون بدون ماء إذ كان ماء النهر عبارة عن دماً صديداً. وبهذا يعرفون
عقوبة الخطية، وأنهم إن شابهوا المصريون في خطاياهم لأدبهم الله هكذا= جربت هؤلاء (شعب اليهود) كأب إنذاراً لهم. أما المصريين إبتليتهم كملك قاسي قضاء عليهم= جزاء لقسوتهم
ووثنيتهم لعلهم يشعرون كم ظلموا شعب الله. ولقد سمع المصريون بقصة الماء الغزير
الذي تفجر لشعب الله من الصخر فتألموا نفسياً أن هذا يحدث لليهود بينما هم يواجهون
ألاماً شديدة نتيجة الضربات= قد مسهم في الغيب أي
أن الألم الذي عانوه في غياب موسى والشعب إذ سمعوا بما حدث لهم من بركات في سيناء.
ما مسهم في المشهد= نفس الآلام التي
عانوها وموسى موجود. ولكن الآلام في الغيب كانت آلاماً نفسية، أما الآلام التي في
المشهد كانت آلاماً مادية حقيقية. بل حزنوا وإنكسرت نفوسهم حينما علموا بأن موسى
هذا الذي إستخفوا به صار قائداً عظيماً. فالحكمة رفعت موسى. وترك الحكمة أذل
المصريين. إذ كان عطش الصديقين على خلاف عطشهم=
إذ حين عطش الصديقين أفاض الله لهم من الصخر، وإذ عطشوا هم كان لهم دماً صديداً.
الآيات (16-21):- "16 وإذ كانوا قد
سفهوا في أفكارهم الأثيمة وضلوا حتى عبدوا زحافات حقيرة ووحوشا لا نطق لها انتقمت
منهم بان أرسلت عليهم جما من الحيوانات التي لا نطق لها.
17 لكي يعلموا أن ما
خطئ به أحد به يعاقب. 18 ولم يكن صعبا على يدك القادرة على كل
شيء التي صنعت العالم من مادة غير مصورة أن تبعث عليهم جما من الأدباب أو الأسود
الباسلة. 19 أو من أصناف جديدة لم تعرف من الوحوش
الضارية التي تنفخ نارا أو تبعث دخانا قاتما أو ترسل من عيونها شرارا مخيفا. 20 إذن
لكانت تهلكهم خوفا من منظرها فضلا عن أمأنيلت تهشمهم بإصابتها. 21 بل قد
كان نفس كافيا لإسقاطهم فيتعقبهم القضاء وروح قدرتك يذريهم لكنك رتبت كل شيء
بمقدار وعدد ووزن."
وهنا
نرى سبب إنحطاط المصريين ألا وهو عبادة الأوثان. ولقد كان يمكن لله أن يعذب
المصريين بأدباب= أي حيوانات ضخمة
تفترسهم كالدببة والأسود. أو حتى بحيوانات يوجدها الله لا يعرفها الإنسان= تنفخ ناراً أو تبعث دخاناً قاتماً= فالله قادر
على كل شئ. لكن الله لم يُرسل على المصريين هذا أو ذاك، بل أرسل عليهم ضفادع
بكثرة= جماً من الحيوانات= لسبب بسيط
أنهم عبدوا الضفاع، والله حين يضرب فهو يعلم أيضاً، والله أراد أن يجعلهم يشمئزوا
من هذه الضفادع التي عبدوها. فهذا درس للمصريين بسبب وثنيتهم وحينما عبدوا العجول،
أرسل الله البرد وقتل لهم حيواناتهم التي عبدوها. إذاً أيضاً هذا درس وتعليم. لم يكن صعباً على يدك القادرة على كل شئ التي صنعت العالم..
أن تبعث أصناف جديدة الله كان قادراً أن يخلق حيوانات مرعبة. بل قد كان نَفَس كافياً لإسقاطهم= أي الله كان
قادراً بغير حيوانات أن يذريهم أي
يشتتهم بنفخة من فمه، وهذا سيفعله الله في نهاية الأيام (2تس8:2). فالله حتى مع
عبدة الأوثان فهو يضرب لا ليبيد بل ليقود الناس للتوبة. "فالله يريد أن
الجميع يخلصون" (1تي4:2)
ملحوظة: إنتشرت في
مصر عبادة حيوانات كثيرة مثل (الثعابين والتمساح والثعلب والكبش والعجل والبقرة
والصقر والقرد والضفدعة..) وكانوا يتصورون أن الآلهة تتجسد في شكلها لتتمكن أن
تطوف وسطهم. بل عبدوا بعض الحشرات الحقيرة كالجعران ولاحظ أن عقوبة الله من نفس
جنس العمل، فالحشرات آذتهم في الضربات العشرة والضفادع التي عبدوها صارت سبباً
لنفورهم منها إذ ماتت وجمعوها في أكوام برائحة نتنة.
الآيات (22-27):- "22 وعندك قدرة عظيمة
في كل حين فمن يقاوم قوة ذراعك.
23 إن العالم كله أمامك مثل ما ترجح
به كفة الميزان وكنقطة ندى تسقط على الأرض عند السحر. 24 لكنك
ترحم الجميع لأنك قادر على كل شيء وتتغاضى عن خطايا الناس لكي يتوبوا. 25 لأنك تحب
جميع الأكوان ولا تمقت شيئا مما صنعت فانك لوا بغضت شيئا لم تكونه. 26 وكيف
يبقى شيء لم ترده أم كيف يحفظ ما لست أنت داعيا له. 27 انك تشفق
على جميع الأكوان لأنها لك أيها الرب المحب للنفوس."
الله قدير ولا
يستطيع أحد أن يقاومه، بل العالم كله كلا شئ أمامه= مثل
ما ترجح به كفة الميزان= شئ بسيط يضاف على الميزان ليميل. أو نقط ندى. وهذا نفس ما قاله إشعياء (15:40-17). لكنك ترحم الجميع= تضرب المصريين لتعلمهم ضلال
طريقهم. وتؤدب شعبك ليعرفوك. فالله لا يبغض المصريين بل هو خالقهم= فإنك لو أبغضت شيئاً لم تكونه. وإذا كان الله لا
يريد شيئاً يبيده= كيف يبقى شئ لم ترده. ولاحظ
الآية الرائعة= تتغاضى عن خطايا الناس لكي يتوبوا=
يطيل أناته علينا لعل هذا يقودنا للتوبة (رو4:2) وراجع أيضاً (2بط9:3).