الآيات (1-5):- "1 أن جميع الذين لم يعرفوا الله هم حمقى من طبعهم لم يقدروا أن
يعلموا الكائن من الخيرات المنظورة ولم يتأملوا المصنوعات حتى يعرفوا صانعها. 2 لكنهم
حسبوا النار أو الريح أو الهواء اللطيف أو مدار النجوم أو لجة المياه أو نيري السماء
آلهة تسود العالم. 3 فان كانوا إنما اعتقدوا هذه آلهة
لأنهم خلبوا بجمالها فليتعرفوا كم ربها احسن منها إذ الذي خلقها هو مبدأ كل جمال. 4 أو لأنهم
دهشوا من قوتها وفعلها فليتفهموا بها كم منشئها أقوى منها. 5 فانه بعظم
جمال المبروءات يبصر فاطرها على طريق المقايسة."
هنا
الحكيم يتعجب أن الوثنيين أعجبوا بجمال الكواكب والشمس وخافوا النار وأعجبوا
بقوتها فعبدوها، ولم يفكروا في أنه إذا كانت هذه الكائنات جميلة وقوية فكم وكم
خالقها. بل إن هذه الكائنات تشهد بأن هناك خالق لها. وهذا ما قاله داود وبولس
"السموات تحدث بمجد الله" (مز1:19) + "أموره غير المنظورة ترى منذ
خلق العالم مدركة بالمصنوعات قدرته السرمدية.." (رو20:1-25).
لم يقدروا أن يعلموا الكائن= الكائن
هو الكائن بذاته أي يهوه. نيري السماء= الشمس
والقمر. وللآن فهناك من يتعلق بالماديات والأموال ويظن أن فيها شبعه وحماية له من
عوامل الزمن. ولنلاحظ أن أولاد الله تحكموا في المخلوقات السماوية فيشوع أوقف
الشمس وإيليا أوقف المطر. والثلاثة فتية قاوموا النيران. أما السيد المسيح فظهر
سلطانه على كل قوى الطبيعة فهو الخالق.
الآيات (6-9):- "6 غير أن لهؤلاء وجها من العذر لعلهم ضلوا في طلبهم لله
ورغبتهم في وجدانه. 7 إذ هم يبحثون عنه مترددين بين
مصنوعاته فيغرهم منظرها لأن المنظورات ذات جمال. 8 مع ذلك
ليس لهم من مغفرة. 9 لأنهم أن كانوا قد بلغوا من العلم أن
استطاعوا إدراك كنه الدهر فكيف لم يكونوا أسرع إدراكا لرب الدهر."
هذه
كما قال بولس الرسول "حتى أنهم بلا عذر" (رو20:1) ربما في بداية الكلام
حاول الحكيم أن يجد عذراً لهؤلاء الوثنيين إذ أعجبوا بجمال الخليقة وهم يبحثون عن
الله فظنوا أن هذه المخلوقات هي الله. ثم عاد وقال، لا هم بلا عذر. فالله وهبهم
العقل الذي كان لابد أن يستخدموه ليكتشفوا أن هناك إله وراء هذه الخليقة. هم بلغوا من العلم أن إستطاعوا إدراك كنه الدهر= الأزمنة
والأوقات، وعرفوا أن هناك قانوناً يحكم سير الأجرام السماوية، فكيف لم يكتشفوا أن
هناك إله وراء هذا القانون، هو واضع هذا القانون الذي يحرك الأجرام السماوية هو رب الدهر.
الآيات (10-16):- "10 أما الذين
سموا أعمال أيدي الناس آلهة الذهب والفضة وما اخترعته الصناعة وتماثيل الحيوان
والحجر الحقير مما صنعته يد قديمة فهم أشقياء ورجاؤهم في الأموات. 11 يقطع
نجار شجرة من الغابة طوع العمل ويجردها بحذقه من قشرها كله ثم بحسن صناعته يصنعها
آلة تصلح لخدمة العيش. 12 ويستعمل نفايتها وقودا لإعداد طعامه. 13 ثم يأخذ
قطعة من نفايتها لا تصلح لشيء خشبة ذات اعوجاج وعقد ويعتني بنقشها في أوان فراغه
ويصورها بخبرة صناعته على شكل إنسان. 14 أو يمثل
بها حيوانا خسيسا ويدهنها بالاسفيداج ويحمر لونها بالزنجفر ويطلي كل لطخة بها. 15ويجعل لها
مقاما يليق بها ويضعها في الحائط ويوثقها بالحديد. 16 ويتحفظ
عليها أن لا تسقط لعلمه بأنها لا تقوم بمعونة نفسها إذ هي تمثال يفتقر إلى من
يعينه."
قال
إشعياء نفس الكلام تقريباً (9:44-20). فكيف يعتبرون إلهاً هذا الذي يصنعه نجار ويصورها
كيفما يريد ويدهنها بالإسفيداج (طلاء
أبيض لدهان التماثيل) ثم بالزنجفر= مادة
حمراء للطلاء. فكيف يتعبد إنسان لما يصنعه بيده. بل قطعة الخشب التي يصنع منها
الصنم كانت أصلاً لا تصلح لشئ لوجود بعض العقد والبروزات بها، وبمهارته يستفيد من
هذه البروزات لعمل التمثال (من العجب أن هذه البروزات وعقد الخشب جعلت هذه القطعة
بلا فائدة، فلم يستطع أن يعمل منها شيئاً مفيداً فصنع منها إله).
الآيات (17-19):- "17 ثم يتضرع
إليها عن أمواله وأزواجه وبنيه ولا يخجل أن يخاطب من لا روح له. 18فيطلب
العافية من السقيم ويسال الميت الحياة ويستغيث بمن هو اعجز شيء عن الإغاثة. 19 ويتوسل
من اجل السفر إلى من لا يستطيع المشي ويلتمس النصرة في الكسب والتجارة ونجح
المساعي ممن هو اقصر موجود باعاً."
نجح
المساعي=
نجاح
المساعي. أقصر باعاً= أقل قدرة. عجيب
أن يطلب إنسان من هذه التماثيل نجاح طرقه. ولليوم فهناك من يثق في أن المال يحميه
من غدر الزمان، وما المال سوى أوراق ملونة، فهل هذه تحمي. أو هناك من يثق في إنسان
كواسطة تسهل له أموره، والإنسان قد يموت في أي لحظة.