الآيات (1-5):- "1 وآخر قبل أن يركب البحر ويسير على الأمواج المعربدة يستغيث بخشب هو
اقصف من المركب الذي يحمله. 2 لأن المركب اخترعه حب الكسب وصنعته
الحكمة المهندسة. 3 لكن عنايتك أيها الآب هي التي تدبره
لأنك أنت الذي فتحت في البحر طريقا وفي الأمواج مسلكا آمنا. 4 وبينت انك
قادر أن تخلص من كل خطر ولو ركب البحر من يجهل صناعته. 5 وأنت تحب
أن لا تكون أعمال حكمتك باطلة فلذلك يودع الناس أنفسهم خشبا صغيرا ويقطعون اللجة
في سفينة ويخلصون."
خشب هو أقصف= أضعف
ويسهل كسره وتحطيمه. فالوثن الخشبي أضعف من المركب، فهل يطلب الإنسان منه أن يحميه
من خطر السفر في البحر عن طريق سفينة هي أقوى من الخشب وأمتن. وبنفس المنطق كيف
يستطيع العالم بشهواته الضعيفة أن يعطي الإنسان فرحاً وسلاماً. الله وحده يعطي
الفرح والسلام. لأن المركب إخترعه حب الكسب=
حباً في الكسب (صيد السمك أو التجارة عبر البلاد) دفعا الناس لإختراع المراكب.
والله أعطى الإنسان هذا العقل الذي صمم ونفذ= الحكمة
المهندسة. والله هو الذي يحمي المسافرين في البحر. والله هو الذي أوجد
الهواء والرياح التي تدفع السفينة وقانون الطفو الذي يجعل المياه تحملها. والله
قادر أن ينقذ ركاب السفن من كل خطر حتى
من منهم من هو ليس بحاراً، فالله وضع قوانين للهواء وللنجوم بها يعرف الملاحون طرق
البحر.
ملحوظة: كان البحارة
يضعون في مراكبهم تماثيل لآلهة خشبية لتحميهم (أع11:28).
الآيات (6-11):- "6 وفي البدء أيضاً حين هلك
الجبابرة المتكبرون التجأ رجاء العالم إلى سفينة وأرشدته يدك فأبقى للدهر ذرية
تتوالد. 7 فالخشب الذي به يحصل البر هو مبارك. 8 أما الخشب
المصنوع صنما فملعون هو وصانعه أما هذا فلأنه عمله وأما ذاك فلأنه مع كونه فاسدا
سمي إلها. 9 فان الله يبغض المنافق ونفاقه على
السواء. 10 فيصيب العقاب المصنوع والصانع. 11 لذلك
ستفتقد أصنام الأمم أيضاً لأنها صارت في خلق الله رجسا ومعثرة لنفوس الناس وفخا
لأقدام الجهال."
الكلام
هنا عن خلاص نوح وأبنائه في الفلك أثناء الطوفان. فالله نفسه إستخدم سفينة لينقذ
عبيده من طوفان هائل. إذاً الخلاص من عند الرب والوسيلة سفينة (رمزاً للكنيسة). أما الخشب المصنوع صنماً فملعون هو وصانعه= الله
ليس ضد الخشب ولا السفن، بل هو إستخدمها لإنقاذ نوح. لكن الله ضد الإستخدام الخاطئ
للخشب. وبمفهوم أوسع فالله ليس ضد الطعام والشراب والتليفزيون وكل ما صنعه الله،
لكن الله ضد الإستخدام الخاطئ لأي شئ. الجبابرة=
هم من تجبروا وصنعوا الخطية ولم يبالوا بالله (تك4:6) والآية (7) إتخذت نبوة
عن الصليب= الخشب الذي يحصل به البر هو مبارك.
وكلمة البرهي نفسها العدل. فعدل
الله ورحمته ظهرا على الصليب. وبالصليب كان الفداء الذي به تبررنا. ستفتقد أصنام الأمم= الله يطيل أناته على هؤلاء
الوثنيين ،لكنه سيعاقب على هذا الجهل وسيبطل عبادة الأصنام الحقيرة. الله لا يتكلم
عن الخشب المصنوع منه الأصنام، بل صانعيها والشياطين الذين هم وراء هذه العبادة.
هؤلاء سيعاقبون لأنهم أعثروا الناس. لأنها صارت في
خلق الله رجساً= الله خلق الخشب وهم حولوه لأصنام رجسة فلهذا سيعاقب
الله.
الآيات (12-17):- "12 لأن اختراع
الاصنام هو اصل الفسق ووجدانها فساد الحياة. 13 وهي لم
تكن في البدء وليست تدوم إلى الأبد. 14 لأنها
إنما دخلت العالم بحب الناس للمجد الفارغ ولذلك قد عزم على إلغائها عن قريب. 15 وذلك أن
والدا قد فجع بثكل معجل فصنع تمثالا لابنه الذي خطف سريعا وجعل يعبد ذلك الإنسان
الميت بمنزلة اله ورسم للذين تحت يده شعائر وذبائح. 16 ثم على
ممر الزمان تأصلت تلك العادة الكفرية فحفظت كشريعة وبأوامر الملوك عبدت المنحوتات. 17 والذين
لم يستطع الناس إكرامهم بمحضرهم لبعد مقامهم صوروا هيئاتهم الغائبة وجعلوا صورة
الملك المكرم نصب العيون حرصا على تملقه في الغيبة كأنه حاضر."
لماذا
يعاقب الله؟ لأن إختراع الأصنام هو أصل الفسق.
ووجدانها (وجودها) فساد الحياة=
ففي عبادة الأصنام إنفصال عن الله وعبادة آخر سواه، وتبعية لإبليس، وفي هذا
فساد لحياة الإنسان. وهي لم تكن في البدء= لم
تكن في جنة عدن. وليست تدوم إلى الأبد= فإبليس
وجنوده سيلقون في بحيرة النار (رؤ10:20). بل كل من يرتبط بالمسيح (إيمان
بالمسيح+معمودية+توبة) سيستعيد حالة الحرية هذه من الأصنام.
دخلت العالم بحب الناس للمجد الفارغ= المجد
الفارغ هو مظاهر العالم المادية المخادعة والكبرياء. فهم تكبروا على بعضهم البعض
بتماثيل أكبر وأفخم وأغلى. وأليس هذا موجوداً حتى اليوم. فهناك من ينتفخ على
الآخرين بماله من أموال، والمال هو إله منافس لله.
وهناك
سبباً آخر للوثنية يشرحه الحكيم هنا. أن والداً قد
فجع بثكل معجل= أي مات إبنه في شبابه. وحزن جداً هذا الأب. ولتعلقه
بإبنه صنع له تمثالاً لينظره دائماً. وربما عين خدماً لخدمة هذا التمثال ولمدحه
وتكريمه. وقلد هذا الأب غيره من الناس وبدأوا ينتفخون كل بتمثاله. وربما قدموا
مأكولات للتمثال متصورين أنهم يقدموها للإبن. وفعل الملوك تماثيل ليكرموا أنفسهم.
وبهذا دخلت بدعة عبادة الأصنام بين البشر تاركين الإله الحقيقي. وفي هذا قال السيد
المسيح "من أحب أباً أو أماً أو إبناً .. اكثر مني فلا يستحقني" وهناك
خطورة أخرى أن عبادة الأوثان إشتملت على الزنى الجسدي وهذا أبعد الناس أكثر وأكثر
عن الله. وهذه العادة إمتدت للقبور فيقدمون طعاماً وشراباً بل ممارسات خاطئة
كتحضير الأرواح وتلوين الأجساد.
الآيات (18-21):- "18 ثم أن حب
الصناع للمباهأة كان داعية للجاهلين إلى المبالغة في هذه العبادة. 19فانهم
رغبة في إرضاء الأمر قد افرغوا وسعهم في الصناعة لإخراج الصورة على غاية الكمال. 20 فاستميل
الجمهور ببهجة ذلك المصنوع حتى أن الذي كانوا قبل قليل يكرمونه كانسان عدوه إلهاً. 21 وبهذا
كان اقتناص الخلق فان رزيئة بعض الناس أو اقتسار الملوك استعبدهم حتى جعلوا على
الحجر والخشب الاسم الذي لا يشرك فيه أحد."
أحد
أسباب إنتشار عبادة الأصنام براعة الصناع والتفاخر بهذا الفن، وهذا جذب الكثيرين
للإعجاب بهذه التماثيل. وكانوا أولاً يكرمونها فصاروا يعبدونها وأسموها آلهة. وصار
هذا مدعماً بأوامر الملوك أن يسجد الناس لهذه التماثيل وأهملوا عبادة الله. رغبة في إرضاء الآمر الآمر هو من يدفع الثمن
للصناع. رزيئة= خطية أو مصيبة عظيمة. إقتسار= إجبار أو قهر أو إكراه.
الآيات (22-27):- "22 ثم لم يكتفوا
بضلالهم في معرفة الله لكنهم غاصوا في حرب الجهل الشديدة وهم يسمون مثل هذه الشرور
سلاما. 23 فانهم يمارسون ذبائح من بنيهم وشعائر خفية ومآدب جنون على أساليب أُخر. 24 لا يرعون
حسن السيرة ولا طهارة الزواج فيقتل الرجل صاحبه بالاغتيال ويمضه بالفاحشة. 25 شر
متفاقم في كل موضع الدم والقتل والسرقة والمكر والفساد والخيانة والفتنة والحنث
وقلق الأبرار.
26 وكفران النعمة وتدنس النفوس
والتباس المواليد وتشوش الزواج والفسق والعهر. 27 لأن
عبادة الأصنام المكروهة هي علة كل شر وابتداؤه وغايته."
طالما
إبتعد الإنسان عن الله، فهو يقع فريسة في يد إبليس، وهنا يلعب به إبليس كيفما
أراد. وها نحن نري إبليس يسخر من عابدي الأصنام هؤلاء فيقدمون ذبائح من بنيهم،
وممارسات زنا. بل صار الرجل يغتال صاحبه ويمضه
بالفاحشة= يؤلمه بخيانته في الزنا مع إمرأته أو إبنته أو إحدى قريباته.
وبهذا يكون إبليس قد حقق مأربه بإفساد الناس تماماً. وهو كاذب مخادع يصور للناس أن
عبادة الأوثان تعطي سلاماً (آية22) وها نحن نرى النتيجة وهذا ما قاله الله لا سلام
للأشرار (إش21:57). هناك لذة خادعة يعقبها هم وغم ونكد. يقتل الرجل صاحبه بالإغتيال= ليحصل على إمرأته. وإلتباس المواليد= مع كثرة الزنا لن يعرف إبن من
هذا المولود. وقد يلقونه في الشارع ليتخلصوا منه فلا يعرف له أباً ولا أماً. بل
يدخل أيضاً الشذوذ الجنسي، وهذا كان منتشراً في الهياكل الوثنية.
الآيات (28-29):- "28 فانهم إذا
فرحوا جنوا أو تنبأوا كذبوا أو عاملوا ظلموا أو حالفوا أسرعوا إلى الحنث. 29 ولتوكلهم
على أصنام لا أرواح لها لا يتوقعون إذا اقسموا بالزور أن ينالهم الخسران."
إذا فرحوا جنوا= إذ
يقول عباد الأصنام أنهم يفرحون فهم في الحقيقة يمارسون أعمالاً جنونية (رقص
وخلاعة..) وإذا تنبأوا كذبوا= يدعون أن
لهم موهبة النبوة، لكنهم يجذبون (راجع إش21:41-24) وإذا عاملوا ظلموا= حين يتعاملون مع الناس يظلمونهم
وإذا حالفوا أسرعوا إلى الحنث= إذا
أقسموا لا يهتموا أن ينفذوا ما أقسموا عليه، فهم يعلمون أن آلهتهم التي يقسمون بها
لا تضر ولا تنفع.
الآيات (30-31):- "30 فهناك أمران
يستحقون بهما حلول العقاب سوء اعتقادهم في الله إذ اتبعوا الأصنام وقسمهم بالظلم
والمكر إذ استخفوا بالقداسة. 31 لأن
معصية الظالمين إنما يتعقبها القضاء على الخطاة لا قدرة المقسم بهم."
والله
سيعاقب عبدة الأصنام لسببين:
1- إعتقادهم في الله إذ إتبعوا الأصنام=
إعتقادهم في الله خطأ، فهم تركوه وعبدوا أصنام.
2- قسمهم بالظلم= يقسمون ظلماً وبمكر إذ إستخفوا بالقداسة= هم ظلموا الناس
وإرتكبوا شروراً كالزنا وخلافه، فهم رفضوا القداسة تماماً.
هم يقسمون
بالآلهة الوثنية غير مبالين بشئ إذ يعلمون أنها لا تضر. لكن العقاب سيأتي لهم من
الله الحقيقي على شرورهم= لأن معصية الظالمين إنما
يتعقبها القضاء على الخطاة من الله الحقيقي وليس من الأوثان غير
القادرة على شئ= لا قدرة المقسم بها أي
الأوثان التي يقسمون بها.