الآيات (1-3):- "1 العامل
الشريب لا يستغني والذي يحتقر اليسير يسقط شيئا فشيئا. 2
الخمر والنساء تجعلان العقلاء أهل ردة. 3 والذي
يخالط الزواني يزداد وقاحة السوس والدود يرثانه والنفس الوقحة تستأصل."
تحذير
من خطيتين [1] إدمان شرب الخمر [2] الزنا.
العامل الشريب= المدمن الخمر
الكثير لا يستغنى= فهو سيفتقر، فكل
أمواله تذهب للخمر. والذي يحتقر اليسير= الذي
يستهين ويبدأ في أن يشرب قليلاً فهو بهذا يخدع نفسه، يوماً فيوماً سيدمن ويشرب
الكثير= ويسقط شيئاً فشيئاً (هكذا
التدخين وما ماثله). وكلا الخطيتين الإدمان والزنا يجعلان الإنسان يرتد عن طريق
الله والنهاية السوس والدود يرثانه= حقاً
حتى القديسين سيأكلهم السوس والدود، لكن المقصود هنا أن يتنبه الإنسان فإن الموت
سيأتي سريعاً، فليحذر لئلا يخسر أبديته. وتعني ان عوامل فساد جسده ونفسه وروحه
(السوس والدود) ستدب في الكل من الان وقبل ان يموت. فتجد ان مثل هذا الانسان
فاقداً لصحته وسلامه بل عقله ورضي الله عليه .
الآيات
(4-12):- "4 من أسرع إلى التصديق فهو خفيف العقل ومن خطئ فهو مجرم على
نفسه. 5 الذي يتلذذ بالإثم يلحقه الوصم والذي يكره التكلم يقلل الذنوب. 6 الذي يخطا
إلى نفسه يندم والذي يتلذذ بالشر يلحقه الوصم. 7 لا تنقل
كلام السوء فلست بخاسر شيئا. 8 لا تطلع
على سرك صديقك ولا عدوك ولا تكشف ما في نفسك لأحد وان لم تكن فيك خطيئة. 9 فانه
يسمعك ثم يرصدك ويصير يوما عدوا لك. 10 أن سمعت
كلاما فليمت عندك ثق فانه لا يشقك. 11 الأحمق
يمخض بالكلمة مخاض الوالدة بالجنين. 12 الكلمة
في جوف الأحمق كنبل مغروز في فخذ لحيمة."
من أسرع إلى التصديق فهو خفيف العقل= علينا
أن نفكر فيما نسمع، فهناك من يختلق أقوال غير منطقية أو أقوال غير صحيحة عن
الآخرين، وهذه تسمي اشاعات. وهناك من يفهم ما يقال بطريقة خاطئة وينقل لك ما قيل
حسب ما فهمه هو، وليس كما قصد صاحب القول . وهناك من ينقل اشاعات خاطئة علي انها
حقيقة مؤكدة . ومن خِطئ= المقصود هنا
من يسمع أقوال وإشاعات ويصدقها بل ويرددها فهو
مجرم على نفسه= هو يسئ إلى نفسه إذ يكتشف الآخرين كذب أو سفاهة ما قاله.
الذي يتلذذ بالإثم= الذي يُسَّرْ بأن
الآخرين أخطأوا فيبدأ يسئ إلى سمعتهم، مثل هذا
يلحقه الوصم= يلحقه العار، ويُحكم عليه من الناس، بحسب ما قاله عوبديا
النبي "ما فعلته يفعل بك" ( عو 15 ).فالاشاعات ستخرج ضدك ، والله لن
يحميك فانت لم تستر علي اخيك . والعكس فإن الذي
يكره التكلم يقلل الذنوب= لا تزيد ذنوبه امام الله . إذاً فعلينا أن لا
نردد كل ما نسمعه .الذي يخطأ إلى نفسه= من
يخطئ يندم على خطيته. وبنفس المقدار الذي يتلذذ
بالشر الذي يفعله الآخرين. فهو كمن أخطأ تماماً. لا تنقل كلام السوء= إذا ما علمت سراً عن أحد، خصوصاً
لو كان خطية لا تنقلها= فلست بخاسر شيئاً= لن
تخسر لو كتمت خطايا الآخرين. ولا تكشف كل سر تعرفه للناس حتى لو كنت أنت لم تخطئ،
لا تفضح الآخرين. بل حتى لا تكشف أسرارك الخاصة للناس حتى لا يكون هذا سبباً في أن
تصير معلوماتهم عنك رصيد عندهم يهاجمونك به في يوم من الأيام. إن سمعت كلاماً فليمت عندك= أي لا تسمح له
بالخروج للآخرين. فإنه لا يشقك= فهذا
ليس صعباً. لا يشق عليك أن تكتم سراً. لكن هناك من يجد نفسه يكاد ان ينفجر ان ام
يذيع سراً عرفه . والأحمق هو الذي إذا عرف سراً لا يستطيع أن يكتمه بل يكون كوالدة
تظل تتألم= تتمخض حتى تلد= يخرج السر.
وتشبيه آخر لهذا الإنسان غير القادر أن يحتفظ بسر. فهو كمن يكون السر في داخله كنبل (سهام) مغروز
في فخد لحمه= أي يؤلمه الإحتفاظ بالسر. ولا يرتاح إلاّ لو أخرج هذا
النبل (السهم) أو الشوكة من لحمه.
الآيات (13-17):- "13 عاتب صديقك فلعله
لم يفعل وان كان قد فعل فلا يعود يفعل. 14 عاتب
صديقك فلعله لم يقل وان كان قد قال فلا يكرر القول. 15 عاتب
صديقك فان النميمة كثيرة. 16 ولا تصدق كل كلام فرب زال ليست زلته
من قلبه. 17 ومن الذي لم يخطا بلسانه عاتب قريبك
قبل أن تهدده."
هذا
تعليم السيد المسيح عن العتاب "إن أخطأ إليك أخوك فإذهب وعاتبه بينك وبينه
وحدكما. إن سمع منك فقد ربحت أخاك" (مت15:18). وفائدة العتاب أنك ستتكلم مع
صديقك الذي سمعت عنه أنه فعل شراً ضدك وربما تكتشف أنه لم يفعل شراً ضدك، وإن كان
قد فعل فربما يخجل من العتاب ولا يعود يكرر ما فعله. وآية (14) عن الكلام الذي
ردده صديقك بينما آية (13) عن أفعال. عاتب صديقك الذي
وصل إلى أسماعك أنه تكلم عليك أو عمل شراً ضدك فإن
النميمة كثيرة= كثير من الناس يرددون أقوالاً غير صحيحة= ولا تصدق كل كلام. وربما أن صديقك زل بلسانه دون
قصد في حقك= ربَّ زالٍ ليست زلته من قلبه=
أي عن قصد شر بك. وهنا إرشاد للكل، فإن كل إنسان معرض لأن يخطئ. وإرشاد آخر أن
يبدأ الإنسان بعتاب الناس قبل أن يهددهم فقد يكتشف أنه لا داعٍ للتهديد ولا أصل
للنميمة التي وصلت إليه.
الآيات (18-28):- "18 وابق مكانا
لشريعة العلي كل الحكمة مخافة الرب وفي كل حكمة العمل بالشريعة. 19 ليست
الحكمة علم الشر وحيث تكون مشورة الخطاة فليست هناك الفطنة. 20 فان من
الشر ما هو رجس ومن الجهال من نقص حظه من الحكمة. 21 ناقص
العقل وهو تقي خير من وافر الفطنة وهو يتعدى الشريعة. 22 رب دهاء
يكون محكما وهو جائر. 23 ورب رجل يهدم المحبة ليبدي العدل رب
شرير يمشي مكبأ في الحداد وبواطنه مملوءة مكرا. 24 يكب
بوجهه ويصم إحدى أذنيه وحين لا تشعر يفاجئك. 25 وان منعه
العجز من الإساءة فإذا صادف فرصة فعل. 26 من منظره
يعرف الرجل ومن استقبال الوجه يعرف العاقل. 27 لبسة
الرجل وضحكة الأسنان ومشية الإنسان تخبر بما هو عليه. 28 رب عتاب
لا يجمل ورب صامت عن فطنة."
(18) الحكمة الحقيقية هي في إتباع وصايا الله
وشريعته . وشريعة الله تعني انه واضع قوانين مملكته وهو الذي ينفذ الاحكام في من
يخالفها . ومن يتبع شريعة الله ويحترمها لا ينتقم لنفسه ولا يدبر بذكائه شراً ضد
من يؤذيه . بل يترك الامر لله ( لا تنتقموا لأنفسكم ...)وفي (19) نسمع عن حكمة
أرضية نفسانية شيطانية (يع15:3) يسميها البعض ذكاء ويسميها البعض دهاء، ولكنها شر،
والفطنة هي التصرف العملي بناء علي الحكمة الموجودة في العقل . فإن استشرت خاطئا
ودبر لك بشر فسيكون تصرفك العملي خطأ. وهذا الذكاء يقود للرجس= الخطية والنجاسة وكل ما يغضب الله.
والجاهل الذي لا يتبع وصايا الله فهو نقص حظه من
الحكمة مهما كان ذكياً. مثل هذا الذكي الشرير، فإن ناقص العقل أي الإنسان البسيط التقى غير
المتعلم، ، هو خيرٌ منه ، ببساطة
مهما دبر الذكي من مؤامرات بذكائه ضد هذا البسيط فالله يحميه لأنه يتقيه. وهذا ما
اكتشفه بولس الرسول "لأني حينما انا ضعيف فحينئذ انا قوي" ( 2كو 12 : 9
، 10 ) فمن يطلق عليهم العالم صفة الذكاء والدهاء قد يستخدمون ذكاءهم هذا في ظلم
الناس= رب دهاء يكون محكماً وهو جائر. فمن
قال ان ما اتصور انه حقي، واسعي لأن آخذه بالإحتيال او بالقوة هو فعلا حقا لي ،
ألا اكون ظالما للاخر لو اخذت شيئاً هو فعلا حق له هو . وأهم وصايا الله هي
المحبة، وهناك من بذكائه يهدم المحبة ليأخذ
حقه= ليبدي العدل= هو يظن أنه يقيم
العدل بينما هو يهدم أهم وصايا الله. وهؤلاء الأذكياء الأشرار يَدَّعون بوجوههم
كذباً ما ليس في بواطنهم. فباطنهم مملوءة مكراً ولكنهم=
رُبَّ شرير يمشي مكباً في الحداد= أي
يمشي منحنياً كأنه حزين على ما أصاب البرئ، وهو يدبر له شراً (هذه مثل المثل
العامي" يقتل القتيل ويمشي في جنازته"). هذا يتحين الفرص ليسئ للناس.
وهذا الخبيث يكب بوجهه= يحجب وجهه
ويغلق أذنيه= يصم إحدى أذنيه= هو قرر
الشر. وقوله إحدى أذنيه أي هو لا يسمع إلاّ كل ما هو ضدك، وإذا سمع شيئاً في صالحك
فهو لا يسمعه، ولا يريد أن يسمعه، فهو قد قرر أن يؤذي من يعتبره عدواً له. ومع أن
الشر يوجد داخل الإنسان الخبيث فالله قادر أن يحمي أتقياءه من شرورهم فهو الذي
يعرف ما في داخلهم. لكن هناك من يظهر شرهم من الخارج، من منظر وجوههم وهيئتهم، من
ضحكتهم ومشيتهم، فهؤلاء علينا أن نتحاشى السير معهم، إذ أن طريقهم واضح فيه الشر.
وعلى الحكيم ألا يسلك في مشورة الأشرار ويقول الله قادر أن يحميني. فإذا كان الشر
واضحاً فتجنب مثل هؤلاء، وإلاّ تكون كمن يجرب الرب إلهه. ولا داعٍ مطلقاً أن تتصور
أنك قادر أن تساير هؤلاء الأشرار وأن تصلحهم بأن تعاتبهم وتثنيهم عن شرهم= رب عتاب لا يجمل ورب صامت عن فطنة.