الإصحاح العشرون

 

الآيات (1-8):- "1 العتاب خير من الحقد والمقر يكفي الخسران. 2 الخصي المتشهي يفسد البكر. 3 وهكذا فعل من يقضي قضاء الجور. 4 ما احسن إبداءك الندامة إذا وبخت فانك بذلك تجتنب الخطيئة الاختيارية. 5 رب ساكت يعد حكيما ورب متكلم يكره لطول حديثه. 6 من الساكتين من يسكت لأنه لا يجد جواباً ومن يسكت لأنه يعرف الأوقات. 7 الإنسان الحكيم يسكت إلى حين أما العاتي والجاهل فلا يبالي بالأوقات. 8 الكثير الكلام يمقت والمتسلط جورا يبغض. "

ملخص هذه الآيات "للسكوت وقت وللتكلم وقت" (جا7:3). فالحكيم يعرف متى يسكت ومتى يتكلم. العتاب خير من أن يحمل الإنسان الغضب في داخله ويتحول إلى حقد. والمعترف بخطإه ينجو من الخسران= المقر يُكفي الخسران= فهناك من خطأه واضح للجميع، وحينما يصر على سلامة موقفه يهزأ به الناس. والذي يعترف بخطيته يغفر له الله (1يو9:1). وآيات (2،3) تشير لمن هو عاجز عن الحكم ويقحم نفسه في شئ لا يفهم فيه، ولجهله سيحكم حكماً ظالماً= قضاء الجور= هذا يكون كإنسان عاجز جنسياً= الخصي ولكنه يشتهي أن يعاشر فتاة. فهذا سيصيبه خجل مثل ذاك. المعنى أن لا تحاول أن تقيم من نفسك قاضياً فيما لا تفهم فيه حتى لا تخجل من قرارك. وإذا أخطأ إنسان وواجهه أحد بخطيته فالأفضل أن يعترف خيرٌ من أن يكابر ويكذب فيكون الكذب خطيئة أخرى إختيارية تضاف لخطيته الأصلية التي يعاتبونه عليها. رب ساكت يعد حكيماً= إذ لا يفهم في الموضوع الذي يتكلمون فيه يعرف الأوقات= أي هو يسكت لأنه يعرف الوقت المناسب الذي ينبغي أن يتكلم فيه. وكلاهما حكمة (6). والعكس في (7) من يتكلم في وقت غير مناسب فهو جاهل. وفي (8) عن الذي يفرض نفسه ويتكلم دون أن يُدعى وفيما لا يفهمه. المتسلط جوراً يبغض= وفي ترجمة أخرى أدق "الفارض نفسه يبغض".

الآيات (9-19):- "9 رب نجاح يكون لأذى صاحبه ورب وجدان يكون لخسرانه. 10 رب عطية لا تنفعك ورب عطية تكون مضاعفة الجزاء. 11 رب انحطاط سببه المجد ورب تواضع يرفع به الرأس. 12رب مشتر كثيرا بقليل يدفع ثمنه سبعة أضعاف. 13 الحكيم يحبب نفسه بالكلام ونعم الحمقى تفاض سدى. 14 عطية الجاهل لا تنفعك لان له عوض العينين عيونا. 15 يعطي يسيرا ويمتن كثيرا ويفتح فاه مثل المنادي. 16 يقرض اليوم ويطالب غدا أن إنساناً مثل هذا لبغيض. 17 يقول الأحمق لا صديق لي وصنائعي غير مشكورة. 18 أن الذين يأكلون خبزي خبثاء اللسان ما اكثر المستهزئين به واكثر إستهزاءاتهم. 19 فانه لا يدرك حق الإدراك ماذا يستبقي ولا يبالي بما لا يستبقي."

في (9 ، 10) هي دعوة لكي يستفيد الإنسان بحكمة من كل ظرف، فمن يغتر بنجاحه يتكبر فيخسر= رب نجاح يكون لأذى صاحبه. وربما وجدان (ضربة حظ) يكون لخسرانه= كل ما نحصل عليه ولا نشكر الله عليه يكون سبب خسارة إذ نظن بكبرياء أننا وبذكائنا وقدراتنا سبب هذا النجاح. أو إذا قال إنسان عن نجاح أصابه أنه ضربة حظ، ولم ينسب الفضل لله، ولا يشكر الله عليه، فهذا يكون سبباً لأن الله لا يعود يبارك

 "كل عطية بلا شكر هي بلا زيادة" (ماراسحق السرياني) وهذا معنى رب عطية تكون لمضاعفة الجزاء. رب إنحطاط سببه المجد= هذا يكون إذا دخل الإنسان الكبرياء من المجد الذي حدث له، ولم يشكر الله. كل ما تحصل عليه هو وزنة والله يرى كيف نستعملها وإما يزيدها وإمّا تضيع منا. ورُبَّ تواضع يُرفع به الرأس= التواضع يجعل الله يسكن فينا (إش15:57) فنرتفع + (لو52:1). وآية (12) هي نصيحة ينطبق عليها المثل العامي (الغالي ثمنه فيه) فلربما إشترى أحد شيئاً يظنه رخيصاً وهو غير صالح، ويظل يدفع في إصلاحه فترة طويلة فيزيد الثمن إلى سبعة أضعاف. وفي (13) كلام الحكيم الحلو يجعل الناس تحبه وتحب مجلسه. أما الأحمق فإن المواهب التي أعطاها له الله لا يستفيد منها أحد= تفاض سُدى.

وفي (14-19) دعوة لأن نعرف ونميز ممن نأخذ ما نأخذه. فالجاهل إذا أعطاك.

فعطيته هو ينظر إليها بأضعاف قيمتها= لأن له عوض العينين عيوناً= كما يقول المثل العامي (يعطيك العطية وعينه فيها) ويطالبك بأن يحصل منك على الكثير في مقابل ما أعطاك. فهو أعطى اليسير ويطالب بالكثير= يَمتنُّ كثيراً= بل في كل مجلس يتكلم ويقول أنه أعطاك ويطالب بالمقابل= يفتح فاه مثل المنادي. وإذا لم يحصل على الكثير يشتكي بأنك لا تستحق أن تكون له صديقاً= يقول الأحمق لا صديق لي وصنائعي (اليسير الذي أعطاه) غير مشكورة= لم تقابل منك بالكثير الذي يتوقعه. بل يشتم قائلاً إن الذين يأكلون خبزي خبثاء اللسان= إذا قلت مثلاً إن ما أخذته منه لا يستحق كل هذه الضجة. مثل هذا الإنسان يستهزئ به الجميع ويتخلى عنه أصدقاؤه، فهو لا يُدرك ماذا يستبقى= هو لم يستبق على صديق له، بل ولا يبالي بهذا، فكل ما يشغله هو ما يحصل عليه من فوائد مادية.

 

الآيات (20-25):- "20 الزلة عن السطح ولا الزلة من اللسان فان سقوط الأشرار يفاجئ سريعا. 21 الإنسان السمج كحديث في غير وقته لا يزال في أفواه فاقدي الأدب. 22 يرذل المثل من فم الأحمق لأنه لا يقوله في وقته. 23 رب إنسان يمنعه إقلاله عن الخطيئة وفي راحته لا ينخسه ضميره. 24 من الناس من يهلك نفسه من الحياء وإنما يهلكها لأجل شخص الجاهل. 25 ومن يعد صديقه من الحياء فيصيره عدوا له بغير سبب."

آية (20) تعنى أن زلة اللسان أي خطأ يتفوه به إنسان دون قصد لهو أصعب وأطول أثراً من الزلة عن السطح التي تسبب كسوراً في العظام تحتاج شهور لتلتئم، أما زلة اللسان فقد لا يُصلح أثرها العمر كله. وهذه دعوة أن نراقب ألسنتنا (يع3). فإن سقوط الأشرار يفاجئ سريعاً= الأشرار قد لا يفطن إليهم أحد، وفجأة بسبب لسانهم الشرير يسقطون فيما يورد عليهم الهلاك. وفي (21) فاقدي الأدب= كمن يحاول أن يعظ كبار السن متصوراً أنه يفهم أكثر منهم، أو من يتحدث بكلام غير لائق في مكان ووقت غير مناسبين. ومثل هذا يُرذل كلامه. و(23) تشير لمن يمنعه فقره أو ظروفه عن أن يخطئ فيظن مثل هذا أنه قديس ولا يُدرك أن الشهوة للخطية ومحبة الخطية كائنة في أعماقه، ولا ينخسه ضميره على حب الخطية الذي في أعماقه. وفي (24) نجد إنساناً قد يهلك بسبب حياءه أو قل ضعف شخصيته، فهو يخجل من أن يرفض طلباً لصديقه الجاهل، وهذا الطلب قد يكون سبباً في هلاكه لو نفذه. وفي (25) نجد إنسان يَعِدُ صديقه حياءً من تنفيذ ما لا طاقة له به، ثم إذا يفشل في تنفيذ ما وعد به يحول صديقه هذا إلى عدو له، والسبب حياء لا داعي له. كان الأولى أن يعد بما هو قادر عليه.

 

الآيات (26-28):- "26 الكذب عار قبيح في الإنسان وهولا يزال في أفواه فاقدي الأدب. 27 السارق خير ممن يألف الكذب لكن كليهما يرثان الهلاك. 28 شان الإنسان الكذوب الهوان وخزيه معه على الدوام."

هذه الآيات عن الكذب. والسيد المسيح قال عن الشيطان "الكذاب وأبو الكذاب" (يو44:8). فكل كذب هو من الشيطان، فالكذاب صار إبناً لإبليس وضداً للمسيح، فالمسيح هو الحق (يو6:14). والكذب ينم عن ضعف في الشخصية. لكل هذا فهو عار قبيح. فالذي يشتهر عنه الكذب يحتقره الناس ولا يثقوا في أي كلمة يقولها. والحكيم يقول هنا أن السرقة خيرٌ من الكذب، لكن لاحظ أن كلاهما يورثان الهلاك.

 

الآيات (29-33):- "29 الحكيم في الكلام يشتهر والإنسان الفطن يرضي العظماء. 30 الذي يفلح الأرض يعلي كدسه والذي يرضي العظماء يكفر الذنب. 31 الهدايا والرشى تعمي أعين الحكماء وكلجام في الفم تحجز توبيخاتهم. 32 الحكمة المكتومة والكنز المدفون أي منفعة فيهما. 33 الإنسان الذي يكتم حماقته خير من الإنسان الذي يكتم حكمته."

إذا وُجِدَ إنساناً حكيم فسريعاً ما تشتهر حكمته، ويحب الناس حتى العظماء أن يسمعوا أقواله. الذي يفلح الأرض يُعلِي كُدسه (مخازنه)= أي الفلاح الذي يعمل بجد في أرضه تزداد وخيراته فيعلى مخازنه. ولكن الآية هنا تشير لطالب الحكمة وأن هذا عليه أن يدرس كلمة الله ويقرأ في أقوال الآباء ويصير كفلاح يحرث ويدرس في كلمة الله فيزداد حكمة كما أن مخازن الفلاح تمتلئ. والذي يُرضي العظماء يُكفِّر الذنب= هذا الحكيم والمملوء حكمة هو قادر- حيث أن العظماء يحترمونه- أن ينصف المظلوم الذي حكموا عليه ظلماً أنه مذنب. يكفر الذنب جاءتا في ترجمة أخرى "يكفر الظلم". رأينا فيما سبق أهمية الحكمة. فما الذي يعطل الحكمة لو كان هناك إنساناً حكيماً؟ الرشوة= الهدايا والرشوة تُعمي أعين الحكماء وتغلق أفواههم عن قول الحق وتوبيخ الخطاة. فإذا كان لإنسان حكمة عطلتها الرشوة فهي مثل كنز مدفون بلا فائدة. الإنسان الأحمق إذا كتم حماقته فهذا جيد، ولكن إذا كتم حكيم حكمته بسبب الرشوة فهذا سئ لأن الله أعطاه وزنة وهو قام بدفنها فمصيره الظلمة الخارجية.