الإصحاح الحادي والعشرون

 

الآيات (1-11):- "1 يا بني أن خطئت فلا تزد بل استغفر عما سلف من الخطاء. 2 اهرب من الخطيئة هربك من الحية فأنها أن دنوت منها لدغتك. 3 أنيابها أنياب أسد تقتل نفوس الناس. 4 كل إثم كسيف ذي حدين ليس من جرحه شفاء. 5 التقريع والشتم يسلبان الغنى وبمثل ذلك يسلب بيت المتكبر. 6 تضرع الفقير يبلغ إلى أذني الرب فيجرى له القضاء سريعا. 7 من مقت التوبيخ فهو في اثر الخاطئ ومن اتقى الرب يتوب بقلبه. 8 السليط اللسان بعيد السمعة لكن العاقل يعلم متى يسقط. 9 من بنى بيتا بأموال غيره فهو كمن يجمع حجارته في الشتاء. 10 جماعة الأثماء مشاقة مجموعة وغايتها لهيب نار. 11 طريق الخطاة مفروش بالبلاط وفي منتهاه حفرة الجحيم."

هنا تحذير من الخطية. فالخطية تدمر. كل إنسان يخطئ، فإن أخطأ فلا تتمادى بل تُب حتى تقل الأضرار. وإذا فهمت أن الخطية مدمرة فلا تسع وراءها، إنها يبدو لها منظر جذاب كجلد الحية، لكن إذا إقتربت منها تلدغك وسمها يميت. وهي كسيف ذي حدين يقطع في كل إتجاه. ويذكر بعد ذلك بعض مضار الخطية فالتقريع والشتم يسلبان الغِنَى= إهانة الناس تسبب كراهية الناس لنا ويتحشانا الناس ويكون هذا سبب خسارة مادية. وبنفس المعنى فالمتكبر يُسلب ويُدمر بيته. وظالم الفقير هو خاطئ. والله ينتقم من هذا الخاطئ لظلمه الفقير (6). ومن يرفض التوبيخ فهو يسير في طريق الخطاة أي الخراب، فالتوبيخ مفيد في أن يصلح الإنسان من نفسه. السليط اللسان= أي من يخطئ بلسانه ويهين الآخرين فصيته الردئ يصل إلى بعيد، يعرف من على بعد سمعته الرديئة= بعيد السمعة. لكن العاقل يعلم متى يسقط= العاقل المتردي يعرف متى يخطئ فيعتذر ولا يكابر بلسان سليط، ويعرف متى يصيب ويكون دفاعه عن نفسه بعقل. وفي الآيات (9-11) نهاية طريق الظلم والإثم من بنى بيتاً بأموال غيره فهو كمن يجمع حجارته في الشتاء= وفي ترجمة أخرى "فهو كمن يجمع حجارة لقبره" وهذه أوضح والمعنى أن من يظلم أحداً فهو كمن يحكم على نفسه بالإعدام. فمن يجمع حجارة على ثلوج الشتاء ليبنى بيتاً يحتمى به من برد الشتاء فهو إذاً بلا بيت وبلا ماوى بل ويعمل وسط الثلوج ليجمع حجارة فهو قطعاً سيتجمد ويموت. والأثمة هم كمشاقة مجموعة أي فتائل للحريق وسريعاً ما تحترق، هي مادة سريعة الإشتعال (الوبر الخفيف الناتج من تمشيط الصوف). طريق الخطاة مفروش بالبلاط= أي سهل السير فيه لكن منتهاه حفرة الجحيم.

 

الآيات (12-27):- "12 من حفظ الشريعة فطن لروحها. 13 وغاية مخافة الرب الحكمة. 14 من لم يكن ذا دهاء لم يؤدب. 15 ورب دهاء يكثر المرارة. 16 علم الحكيم يفيض كالعباب ومشورته كينبوع حياة. 17باطن الأحمق كإناء مكسور لا يضبط شيئا من العلم. 18 العالم إذا سمع كلام حكمة مدحه وزاد عليه أما الخليع فإذا سمعه كرهه ونبذه وراء ظهره. 19 حديث الأحمق كحمل في الطريق وإنما اللطف على شفتي العاقل. 20 فم الفطن يبتغى في الجماعة وكلامه يتأمل به في القلب. 21 الحكمة للأحمق كبيت مخرب وعلم الجاهل كلام لا يفهم. 22 التأديب للجهال كالقيود في الرجلين وكالوثاق في اليد اليمنى. 23 الأحمق يرفع صوته عند الضحك أما ذو الدهاء فيتبسم قليلا بسكون. 24 التأديب للفطن كحلية من ذهب وكسوار في ذراعه اليمنى. 25 قدم الأحمق تسرع إلى داخل البيت أما الإنسان الواسع الخبرة فيستحيي. 26 الجاهل يتطلع من الباب إلى داخل البيت أما الرجل المتأدب فيقف خارجا. 27 من قلة الأدب التسمع على الباب والفطن يستثقل ذلك الهوان."

لن يفهم حكمة الشريعة إلاّ من يحفظها، وغاية مخافة الرب أي تنفيذ الوصية أن يقتني الإنسان الحكمة. ومن ليس له دهاء (حكمة) هو لم يؤدب أي لم يدرس شريعة الله ولم يلزم نفسه بإتباعها. وهناك من هو كثير الحكمة وهذا يسبب له مرارة= فالناس ترفض أقواله، وعدو الخير يدبر لهذا الحكيم مشاكل كثيرة. وفي (16) علم الحكيم يفيض كالعباب= أي كالطوفان. ومشورته كينبوع حياة= أي من يلتزم بمشورته يحيا ولا يموت. أما باطن الأحمق كإناء مكسور لا يمكنه أن يضبط شيئاً من العلم= مهما تعلم لا يبقى في داخله شئ ويظل أحمق. والعالم يحب أن يستمع لكلام الحكمة ويمدحه ويزيد عليه فهو أيضاً حكيم. أمّا الخليع فلا يطيق سماع كلام الحكمة (18).

حديث الأحمق كحمل في الطريق= يريد الإنسان الذي سمعه أن يتخلص منه، فهو كلام فارغ يسبب متاعب للذهن. في حين يجلب حديث العاقل البهجة، ويظل من سمعه يفكر ويتأمل فيما سمعه بإعجاب. والأحمق يتصور كلام الحكمة كبيت مخرب= يريد الإنسان أن يهجره فهو سيسقط سريعاً. فالأحمق يتصور أن حكمة الحكماء هي بلا فائدة، بل ستجلب عليهم كساداً سريعاً وخسارة سريعة. وإذا تكلم الجاهل ستجد كلامه لا يُفهم. بل الجاهل يعتبر أن كلام الحكمة هو قيود له والتعليم يقيد حريته. وفي (23) نرى سلوك الأحمق غير المقبول فهو عندما يضحك يضحك بخلاعة وبصوت عالٍ. عكس الحكيم الذي يبتسم. وعكس ما رأيناه سابقاً فالتأديب للفطن يزيده جمالاً كحلية من ذهب تضعها عليه. والحياء سمة للعاقل الذي إذا وقف بباب بيت يستحي من الدخول إلى أن يُدعى للدخول، أما الأحمق يُسرع بالدخول، وليس في البيوت فقط بل عند الدخول لأي مجلس. وبنفس المفهوم فإن حب الإستطلاع هو عبادة للجهلاء التسمع على الباب أي التصنت على الأبواب. والتطلع من الأبواب للداخل. هو عيب خطير محاولة معرفة أسرار الناس.

 

الآيات (28-31):- "28 شفاه الجهال تحدث بالخزعبلات وكلام الفطنين يوزن بالميزان. 29 قلوب الحمقى في أفواههم وأفواه الحكماء في قلوبهم. 30 إذا لعن المنافق الشيطان فقد لعن نفسه. 31 النمام ينجس نفسه ومعاشرته مكروهة."

الخزعبلات= الأشياء غير المنطقية. فالجاهل يصدق أي شئ ويردده من دون تروي. أما الفطن فيزن كلامه بالميزان (كما يقول المثل العامي كلامه موزون) هو يزن كل كلمة يقولها ليكون لها منطق. والقلب عند اليهود هو المشاعر والإرادة والقرار. والأحمق يتكلم بدون تفكير وتجد كلماته تقوده، مثلاً يصر على الإنتقام إذا قال سأنتقم= قلوب الحمقى في أفواههم والعكس فالحكيم يفكر ويفكر ثم يتكلم= أفواه الحكماء في قلوبهم.

إذا لعن المنافق (الشرير) الشيطان فقد لعن نفسه= فهو منقاد له، الشيطان هو الذي يضع الأفكار في عقله، وهو لا يستمع لصوت الله. ولاحظ أن الشيطان يخاطب الإنسان عن طريق عقله وهكذا الله. ولكن هذا المنافق إمّا أنه أطفأ الروح القدس داخله، أو هو قرر الإنقياد لشهوات جسده. وبهذا حدث تطابق بين المنافق وبين الشيطان.

النمام= هو ناقل كلام، يدين الناس، يتكلم عليهم بالشر، يسخر منهم أمام الآخرين. وهذا يقول عنه الحكيم هنا أنه ينجس نفسه. فمن يدين الناس يدينه الله، إذاً لا غفران له وبالتالي سيظل نجساً أمام الله. وأمام الناس هو مكروه.