هدف إشعياء هو الكشف عن
إنجيل الخلاص أو أن تتمتع البشرية بالمخلص لذلك يبدأ بكشف مدي ما وصلت إليه
البشرية من فساد وخلال سفر إشعياء يقول الوحي أن كل الأمم (مصر وأشور... الخ)
استحقت التأديب. إذاً فلا خلاص إلا بالتدخل الإلهي وهو فتح باب الرجاء بالمخلص
الآتي:
آية (1):- "1رُؤْيَا إِشَعْيَاءَ بْنِ آمُوصَ، الَّتِي رَآهَا عَلَى يَهُوذَا
وَأُورُشَلِيمَ، فِي أَيَّامِ عُزِّيَّا وَيُوثَامَ وَآحَازَ وَحِزْقِيَّا مُلُوكِ
يَهُوذَا: "
لفظة رُؤْيَا =
المشاهدة العقلية أو الإعلانات الإلهية وهو في حالة يقظة فالأنبياء رأوا الأمور
المستقبلة كأنهم نظروا إلي صورها وهم لا يعرفون بعدها الزمني، أي متي ستحدث مثلما
قال إشعياء "ها العذراء تحبل..." وحدث هذا بعد 700 سنة ولكنه
ذكرها كأنما هي أمام عينيه. والرؤيا غير الحلم، فالرؤيا يكون فيها الرائي مستيقظاً
ولكنها حالة روحية تعمل فيها النعمة لإزالة العوائق. لذلك يسمي النبي
"رائي" فهو يري ما يتكلم به ويتنبأ به (عد 24 : 4) لذلك يتكلم بتأكيد.
آية (2):- "2اِسْمَعِي أَيَّتُهَا السَّمَاوَاتُ وَأَصْغِي أَيَّتُهَا
الأَرْضُ، لأَنَّ الرَّبَّ يَتَكَلَّمُ: «رَبَّيْتُ بَنِينَ وَنَشَّأْتُهُمْ،
أَمَّا هُمْ فَعَصَوْا عَلَيَّ. "
فيها
توبيخ للشعب وفي لغة شعرية يشهد السموات التي شهدت فجورهم والأرض التي لعنت.
والسماء قد تكون الملائكة أو الطبيعة الجامدة والأرض قد تكون باقي الشعوب أو
الطبيعة الجامدة. رَبَّيْتُ بَنِينَ =
يكشف فيها عن أبوته لعلهم يتوبون، فهو لم يعاملهم حسب خطيتهم بل رعاهم في محبة
وأمّن لهم حياتهم كأبناء. ولا شيء يحزن نفس الأب سوي فشله في تربية أولاده.
آية (3):- "3اَلثَّوْرُ يَعْرِفُ
قَانِيَهُ وَالْحِمَارُ مِعْلَفَ صَاحِبِهِ، أَمَّا إِسْرَائِيلُ فَلاَ يَعْرِفُ.
شَعْبِي لاَ يَفْهَمُ»."
هنا
نري أن الحيوانات صارت أحكم منهم فهي تعرف ما ينفعها وبالغريزة تسير وراء صاحبها.
ولكن الخطية هي أسوأ أنواع الجهل فهي تسقط الإنسان لدرجة أقل من الحيوان، وهذا قيل
عن من سبق الله وأسماهم إبني البكر.
آية
(4):- "4وَيْلٌ لِلأُمَّةِ
الْخَاطِئَةِ، الشَّعْبِ الثَّقِيلِ الإِثْمِ، نَسْلِ فَاعِلِي الشَّرِّ،
أَوْلاَدِ مُفْسِدِينَ! تَرَكُوا الرَّبَّ، اسْتَهَانُوا بِقُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ،
ارْتَدُّوا إِلَى وَرَاءٍ. "
الثَّقِيلِ الإِثْمِ =
فالخطية حمل ثقيل وهم خطاياهم قد ازدادت جداً. أَوْلاَدِ
مُفْسِدِينَ = أي يعلمون غيرهم الشر.
قُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ = جاءت هذه العبارة في هذا السفر نحو 30 مرة ولم
ترد في سائر أسفار الكتاب المقدس سوي 5 مرات وتكرارها إثبات أن إشعياء هو كاتب
السفر كله.
الآيات (5-6):- "5عَلَى مَ تُضْرَبُونَ بَعْدُ؟ تَزْدَادُونَ زَيَغَانًا! كُلُّ
الرَّأْسِ مَرِيضٌ، وَكُلُّ الْقَلْبِ سَقِيمٌ. 6مِنْ أَسْفَلِ
الْقَدَمِ إِلَى الرَّأْسِ لَيْسَ فِيهِ صِحَّةٌ، بَلْ جُرْحٌ وَأَحْبَاطٌ
وَضَرْبَةٌ طَرِيَّةٌ لَمْ تُعْصَرْ وَلَمْ تُعْصَبْ وَلَمْ تُلَيَّنْ
بِالزَّيْتِ. "
الله
يضرب بواسطة وسائل متعددة ليجذب شعبه للتوبة. وهنا هو يضرب بواسطة الأمم المجاورة.
وكانوا قبلاً يستفيدون ويتوبون ولكن الآن تقست قلوبهم فهم كالمريض الذي لا يرجي
شفاؤه. " إني كل من أحبه أؤدبه"
الرَّأْسِ =
إذاً لا قوة علي التدبير ولا إرادة في عمل وصايا الله. الْقَلْبِ سَقِيمٌ = إذاً لا عاطفة ولا حرارة حب نحو الله.
وهذا ينطبق علي الجميع. مِنْ الْقَدَمِ إِلَى
الرَّأْسِ = أي من أصغر فرد للشعب إلي الرئيس حتي الكهنة والقضاة (قارن
مع عب 12 : 5-11) عَلَى مَ تُضْرَبُونَ بَعْدُ
= صارت الضربات بلا فائدة. ضَرْبَةٌ طَرِيَّةٌ
لَمْ تُعْصَر= قروح لم تنظف بعد. إشارة لأن التأديب لم يأتي بثماره
والخطية مازالت فيهم كالقيح في الجروح (أثار الضربات).
لَمْ تُلَيَّنْ بِالزَّيْتِ= كان هذا واجب الكهنة وخدام الله أن يشرحوا
للشعب ويقربوه من الله ولكن الكهنة هم أيضاً غارقين في خطاياهمأَحْبَاطٌ= كدمات وأثار جروح. صارت الجراحات
قاتلة ونزف الدم غير متوقف وليس من يتحرك لينقذ ولا من يقدم زيت محبة ليلين الضربة
القاسية.
الآيات (7-9):- "7بِلاَدُكُمْ خَرِبَةٌ. مُدُنُكُمْ مُحْرَقَةٌ بِالنَّارِ.
أَرْضُكُمْ تَأْكُلُهَا غُرَبَاءُ قُدَّامَكُمْ، وَهِيَ خَرِبَةٌ كَانْقِلاَبِ
الْغُرَبَاءِ. 8فَبَقِيَتِ ابْنَةُ صِهْيَوْنَ كَمِظَلَّةٍ فِي كَرْمٍ،
كَخَيْمَةٍ فِي مَقْثَأَةٍ، كَمَدِينَةٍ مُحَاصَرَةٍ. 9لَوْلاَ أَنَّ
رَبَّ الْجُنُودِ أَبْقَى لَنَا بَقِيَّةً صَغِيرَةً، لَصِرْنَا مِثْلَ سَدُومَ
وَشَابَهْنَا عَمُورَةَ. "
قارن
مع (تث 28 : 15) بِلاَدُكُمْ خَرِبَةٌ =
قد يكون في هذا إشارة لأن هذه النبوة كانت في أيام أحاز. تَأْكُلُهَا غُرَبَاءُ قُدَّامَكُمْ = إشارة
لمدي ذل إسرائيل. كَانْقِلاَبِ الْغُرَبَاءِ
= لو كان جيرانهم هم الذين أخذوا البيوت والحقول لحفظوها ولكن الغرباء يحرقون
ويدمرون كل شيء. المِظَلَّةٍ أو الخَيْمَةٍ = هي وقتية، وتوجد وحدها بلا بيوت
حولها، إذا هي مكشوفة بعد أن خرب ما حولها. مَقْثَأَةٍ
= حقل قثاء أي أن الخيمة مكشوفة في هذا الحقل كما كانت أورشليم أمام طالبيها وهذا
حدث فعلاً في أيام غزوة سنحا ريب إذ أحرق 46 مدينة من يهوذا وحاصر أورشليم نفسها
بعد ذلك.
بَقِيَّةً صَغِيرَةً =
من رحمة الله أنه يبقي بقية مثل نوح ولوط وكالب ويشوع وإيليا أيام أخاب من هذه
البقية تخرج أمة جديدة. فالله لا ينسي الأمناء وسط الضربات، وبسببهم لا يحطم كل
الشعب الفاسد. وهنا يذكر إشعياء لأول مرة كلمة البقية التي أشتهر بها سفره
وأقتبسها منه بولس الرسول ( رو 9 : 29)
آية (10):- "10اِسْمَعُوا
كَلاَمَ الرَّبِّ يَا قُضَاةَ سَدُومَ! أَصْغُوا إِلَى شَرِيعَةِ إِلهِنَا يَا
شَعْبَ عَمُورَةَ: "
قُضَاةَ
سَدُومَ وشعْبَ
عَمُورَةَ = فهم شابهوهم في فسادهم.
الآيات
(11-15):- "11«لِمَاذَا لِي كَثْرَةُ ذَبَائِحِكُمْ، يَقُولُ الرَّبُّ.
اتَّخَمْتُ مِنْ مُحْرَقَاتِ كِبَاشٍ وَشَحْمِ مُسَمَّنَاتٍ، وَبِدَمِ عُجُول
وَخِرْفَانٍ وَتُيُوسٍ مَا أُسَرُّ. 12حِينَمَا تَأْتُونَ لِتَظْهَرُوا
أَمَامِي، مَنْ طَلَبَ هذَا مِنْ أَيْدِيكُمْ أَنْ تَدُوسُوا دُورِي؟ 13لاَ
تَعُودُوا تَأْتُونَ بِتَقْدِمَةٍ بَاطِلَةٍ. الْبَخُورُ هُوَ مَكْرَهَةٌ لِي.
رَأْسُ الشَّهْرِ وَالسَّبْتُ وَنِدَاءُ الْمَحْفَلِ. لَسْتُ أُطِيقُ الإِثْمَ
وَالاعْتِكَافَ. 14رُؤُوسُ شُهُورِكُمْ وَأَعْيَادُكُمْ بَغَضَتْهَا
نَفْسِي. صَارَتْ عَلَيَّ ثِقْلاً. مَلِلْتُ حَمْلَهَا. 15فَحِينَ
تَبْسُطُونَ أَيْدِيَكُمْ أَسْتُرُ عَيْنَيَّ عَنْكُمْ، وَإِنْ كَثَّرْتُمُ
الصَّلاَةَ لاَ أَسْمَعُ. أَيْدِيكُمْ مَلآنَةٌ دَمًا. "
هنا يهاجم النبي
العبادة المظهرية فهم يقدمون الذبائح وهم مصرين علي خطاياهم. يهتمون بكلام الناس
وقلوبهم بعيدة عن الله، لذلك يقول الله هنا ذبائحكم ولا يقل ذبائحى تَدُوسُوا دُورِي
= كانوا يكثرون من دخول الهيكل لتقديم ذبائحهم وهم في خطاياهم بلا توبة. أَيْدِيكُمْ مَلآنَةٌ دَمًا = من القتل وظلم
المساكين. وكانوا يعبرون أولادهم في النار ويظلمون الفقراء ويستولون علي ما عندهم.
لذلك فالله هنا حين يقول ذبائحكم فكأنه يتبرأ مما يقدمونه بل منهم هم شخصياً. وهذا
الكلام قد يناسب عصر حزقيا وعزيا حيث سادت العبادة المظهرية خوفاً من الملك.
آية (16):- "16اِغْتَسِلُوا.
تَنَقَّوْا. اعْزِلُوا شَرَّ أَفْعَالِكُمْ مِنْ أَمَامِ عَيْنَيَّ. كُفُّوا عَنْ
فِعْلِ الشَّرِّ. "
اِغْتَسِلُوا
= أي تطهروا من أعمالكم الشريرة وتنقوا ونحن نغتسل مرة بالمعمودية ثم بالتوبة وما
يعطي قوة للمعمودية والتوبة هو دم السيد المسيح "غسلوا ثيابهم في دم
الخروف" "أغسلني فأبيض أكثر من الثلج" وطبعا هنالا يقصد الله الغسل
الظاهري والتطهيرات الناموسية بل يقصد التوبة أي قطع كل علاقة مع الخطية فهذا هو
الطريق الوحيد للشركة مع الله.
آية (17):-
"17تَعَلَّمُوا
فَعْلَ الْخَيْرِ. اطْلُبُوا الْحَقَّ. انْصِفُوا الْمَظْلُومَ. اقْضُوا
لِلْيَتِيمِ. حَامُوا عَنِ الأَرْمَلَةِ. "
سمعنا في آية (16) عن
التوبة السلبية أي اعتزال الشر وهنا نسمع عن التوبة الإيجابية أي فعل البر وهنا
نري سمة السيد المسيح فينا.
آية (18):- "18هَلُمَّ
نَتَحَاجَجْ، يَقُولُ الرَّبُّ. إِنْ كَانَتْ خَطَايَاكُمْ كَالْقِرْمِزِ
تَبْيَضُّ كَالثَّلْجِ. إِنْ كَانَتْ حَمْرَاءَ كَالدُّودِيِّ تَصِيرُ كَالصُّوفِ. "
آية جميلة تعبر عن
الصفح الكلي والسيد المسيح قال "تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي
الأحمال وأنا أريحكم" هنا الرب كقاض وقد نزل عن كرسيه وجلس بجانب المذنب وأخذ
يكلمه باللطف ويظهر له عظمة ذنبه ويحرضه علي الإصلاح ويعده بالغفران التام
والبراءة بشرط أن يعده بأن لا يعود يخطيء. هنا نري شوق الله نحو خلاص كل إنسان، هو
يطلب المصالحة ولا يواجه العناد بالعناد، إنما يسكب زيتاً مرطباً علي الجراحات.
عظيمة هي قوة التوبة التي تنقي فنصير كالثلج في بياضنا.
هَلُمَّ
نَتَحَاجَجْ = تعالوا نتجادل بالحجة، فالله يود
لو اقتنعنا بخطيتنا وأقررنا بها ونأتي طالبين الغفران فيغفر.
الآيات
(19-20):- "19إِنْ شِئْتُمْ وَسَمِعْتُمْ تَأْكُلُونَ خَيْرَ الأَرْضِ. 20وَإِنْ
أَبَيْتُمْ وَتَمَرَّدْتُمْ تُؤْكَلُونَ بِالسَّيْفِ». لأَنَّ فَمَ الرَّبِّ
تَكَلَّمَ. "
قارن مع (لا 26، تث 28
: 15) هنا يضعنا الله أمام حرية الاختيار والله في العهد القديم كان يعطي وعوداً
مادية كرمز للبركات الروحية في العهد الجديد.
آية (21):- "21كَيْفَ
صَارَتِ الْقَرْيَةُ الأَمِينَةُ زَانِيَةً! مَلآنَةً حَقًّا. كَانَ الْعَدْلُ
يَبِيتُ فِيهَا، وَأَمَّا الآنَ فَالْقَاتِلُونَ. "
زَانِيَةً
= هناك زني جسدي وزني روحي أي الانفصال عن الله وتركه لنسير وراء خطايا أو وراء
آلهة أخري ويا للأسف بعد أن كانت ملآنة حقاً كَانَ
الْعَدْلُ يَبِيتُ فِيهَا صارت زانية يملؤها الْقَاتِلُونَ.
آية (22):- "22صَارَتْ
فِضَّتُكِ زَغَلاً وَخَمْرُكِ مَغْشُوشَةً بِمَاءٍ. "
الفِضة
= تشير للكنوز التي أودعها الله في نفس الإنسان (الوصايا وتقوي الله والإيمان
والمحبة والطهارة أي كل الوزنات الروحية) زَغَلاً
= رمز لشكليات العبادة ودخول حكمة العالم البشرية لحياة الإنسان. والفضة رمز لكلمة
الله (مز 12) والإنسان الشكلي لا يحمل كلمة الله في داخله فيحيا بها بل يرددها دون
تنفيذ.
الخَمْر=
يشير للفرح الروحي. وَالخَمْرُ المَغْشُوشَةً
بِمَاءٍ = ماء العالم ولذاته التي من يشرب منها يعطش. وطبعاً كل من
كانت عبادته مظهرية لن يكون له فرح حقيقي، بل ستكون أفراحه أفراح عالمية مغشوشة
خادعة، فقلبه لا يحمل حباً حقيقياً، إذاً هو بلا فرح حقيقي.
آية
(23):- "23رُؤَسَاؤُكِ مُتَمَرِّدُونَ وَلُغَفَاءُ اللُّصُوصِ. كُلُّ وَاحِدٍ
مِنْهُمْ يُحِبُّ الرَّشْوَةَ وَيَتْبَعُ الْعَطَايَا. لاَ يَقْضُونَ لِلْيَتِيمِ،
وَدَعْوَى الأَرْمَلَةِ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِمْ. "
لُغَفَاءُ
= هم أصدقاء اللصوص. جمع لغيف وهو من يأكل مع اللصوص ويحفظ ثيابهم ولا يسرق معهم.
فالرؤساء هنا لهم منظر الرئاسة وصورة التقوى والدفاع عن الضعفاء ولكنهم يتسترون
علي الظالمين بسبب حب الرشوة.
آية (24):- "24لِذلِكَ
يَقُولُ السَّيِّدُ رَبُّ الْجُنُودِ عَزِيزُ إِسْرَائِيلَ: «آهِ! إِنِّي
أَسْتَرِيحُ مِنْ خُصَمَائِي وَأَنْتَقِمُ مِنْ أَعْدَائِي،"
هنا نري اشتياق الله
لخلاص الإنسان وأن الله سينتقم من الشيطان بقوة.
آية
(25):- "25وَأَرُدُّ يَدِي عَلَيْكِ، وَأُنَقِّي زَغَلَكِ كَأَنَّهُ
بِالْبَوْرَقِ، وَأَنْزِعُ كُلَّ قَصْدِيرِكِ،"
هنا نري أن الله يضرب
لينقي ويؤدب. الْبَوْرَقِ= يتم تنقية
الفضة من الزغل بنار وبعض أنواع الأملاح.
آية
(26):- "26وَأُعِيدُ قُضَاتَكِ كَمَا فِي الأَوَّلِ، وَمُشِيرِيكِ كَمَا فِي
الْبَدَاءَةِ. بَعْدَ ذلِكَ تُدْعَيْنَ مَدِينَةَ الْعَدْلِ، الْقَرْيَةَ
الأَمِينَةَ»."
الله يريد أن يعيد
للإنسان كرامته الأولي فيكون كقاض حكيم. وقد تم ذلك بعد السبي فعلاً فقد أرسل الله
لشعبه قضاة وولاة أتقياء مثل عزرا ونحميا وزر بابل... الخ ولكن هذا الوعد سيتم
بصورة واضحة في المسيح وكنيسته.
آية
(27):- "27صِهْيَوْنُ تُفْدَى بِالْحَقِّ، وَتَائِبُوهَا بِالْبِرِّ. "
الْحَقِّ=
هو السيد المسيح. صِهْيَوْنُ تُفْدَى بِالْحَقِّ
= أي المسيح يفدي كنيسته { بر المسيح = نلبس المسيح ليكون هو برنا }. وقارن مع (اش
61 : 10 )
آية
(28):- "28وَهَلاَكُ الْمُذْنِبِينَ وَالْخُطَاةِ يَكُونُ سَوَاءً،
وَتَارِكُو الرَّبِّ يَفْنَوْنَ. "
هنا نري أن الفناء
سيكون مصير من لا يقبل الفداء.
آية
(29):- "29لأَنَّهُمْ يَخْجَلُونَ مِنْ أَشْجَارِ الْبُطْمِ الَّتِي
اشْتَهَيْتُمُوهَا، وَتُخْزَوْنَ مِنَ الْجَنَّاتِ الَّتِي اخْتَرْتُمُوهَا. "
كانوا يقيمون مذابحهم
تحت ظل أَشْجَارِ الْبُطْمِ ، وفي الْجَنَّاتِ = أي الحدائق. والمعني أن الشعب
سيشعر بالخجل حين يعلم أن هذه الأوثان التي طالما عبدوها لم تستطع أن تخلصهم من
الضربات التي أتت عليهم.
آية (30):- "30لأَنَّكُمْ
تَصِيرُونَ كَبُطْمَةٍ قَدْ ذَبُلَ وَرَقُهَا، وَكَجَنَّةٍ لَيْسَ لَهَا مَاءٌ. "
الصديق يكون كشجرة
مثمرة وأما الخاطئ فكالهباء الذي تذريه الريح. فالذبول والجفاف علامة توقف الحياة
في الجسد. ونلاحظ أنه حينما ذكر البطمة في آية (29) أستغلها في تشبيهه هنا. ولكن
المعني أن من يسير وراء الأوثان يكون مثلها (بلا عقل ولا سمع ولا نظر ولاحواس ميت
مثلها كشجرة بطم)
آية
(31):- "31وَيَصِيرُ الْقَوِيُّ مَشَاقَةً وَعَمَلُهُ شَرَارًا،
فَيَحْتَرِقَانِ كِلاَهُمَا مَعًا وَلَيْسَ مَنْ يُطْفِئُ. "
المَشَاقَةً
= هي ما يبقي بعد مشط الكتان ويصلح لإيقاد النار. يَصِيرُ
الْقَوِيُّ = أي الرؤساء الذين تقدم ذكرهم في عدد (26) وَعَمَلُهُ شَرَارًا = فالشر يحرق صاحبه. وقد
يقصد عمله أي الأوثان التي عملوها. ولكن بنظرة عامة فالشر يحرق صاحبه ويكون هلاك
الخطاة بواسطة الشرور التي اشتهوها وسعوا وراءها كمن يترك الله لأجل المال. وبعد
ما ينال المال يجده تعباً وتجربة لبيته ولنفسه. أو من يتبع لذات العالم ويجدها
مراراً وليس فيها لذة حقيقية لا للجسد ولا للنفس. ومن يفضل مجد الناس علي مجد الله
فيكون نصيبه الإهانة والاحتقار من الناس.
لَيْسَ
مَنْ يُطْفِئُ= لا يكون لها منقذ ولا معين.