هذا
الإصحاح بداءة قسم آخر من نبوءات إشعياء يمتد من ص (13 حتي ص 23) وموضوعه الويلات
علي الأمم التي ضايقت اليهود، فالله يملك علي الجميع وقد يسمع، بل هم سمعوا، هؤلاء
الأمم هذه النبوات فيقدمون توبة. وأول نبوة في هذا الإصحاح وما يليه (13 : 1-
23:14) تتكلم عن بابل. وكتبت هذه النبوة سنة 739 أي قبل 133 سنة من نشأة أو قيام
بابل كدولة كبيرة في التاريخ، إذ أن بابل قامت سنة 606 ق. م. وخربت سنة 538 بل أن
هذا الإصحاح يتحدث عن الدولة التي ستخربها وهي مادي. ومعروف أن تحالف مادي وفارس
هو الذي أسقطها سنة 538 ق.م. ولم تكن مادي سوي أمة بربرية وقتئذ، ولم تظهر كدولة
إلا بعد النبوة بحوالي 100 سنة ونلاحظ أن الله يتكلم عن حمايته لشعبه من أمة لم
تقم بعد فالله يحمي أولاده من الأعداء الخفيين والظاهرين، الحاليين والمستقبليين،
ممن نعرفهم وممن لا نعرفهم. ولقد تحدث النبي قبل هذا الإصحاح عن مجيء السيد المسيح
وخلاصه ولكن قبل مجيئه ستقوم بابل ثم تنتهي كدولة. وهذا موضوع هذا الإصحاح وبابل
في الكتاب المقدس رمز لمملكة الشيطان فشعب بابل تحدوا الله وتكبروا عليه وعبدوا
الأوثان ولكن الله أستخدمهم كأداة تأديب ضد شعبه.
وقبل مجيء السيد المسيح الثاني ستقوم دولة ضد المسيح (بابل الرمزية)
ليبيدها المسيح بنفخة فمه كما ستباد بابل الأولي قبل مجيء المسيح الأول (هذا
الإصحاح والإصحاح التالي 14). ولأن بابل رمز لمملكة الشر علينا أن نهرب من بابل أي
مملكة الشر حتى لا يأتي علينا من ضرباتها.
الآيات (1-2):- "1وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ بَابِلَ رَآهُ إِشَعْيَاءُ بْنُ
آمُوصَ:
2أَقِيمُوا رَايَةً عَلَى
جَبَل أَقْرَعَ. ارْفَعُوا صَوْتًا إِلَيْهِمْ. أَشِيرُوا بِالْيَدِ لِيَدْخُلُوا
أَبْوَابَ الْعُتَاةِ. "
وَحْيٌ = تترجم ثقل
أو حمل. لصعوبة ما في هذه النبوة من آلام ومرارة تحل بالأمم. وقوله رَآهُ =
هو لم يسمع به فقط بل رآه، هذا تأكيد لوقوعه. أَقِيمُوا رَايَةً =
ليراها كل أحد. هو نداء لرؤساء الأمم ليزحفوا إلي بابل. جَبَل أَقْرَعَ =
أي لا يستره شيء من الشجر حتى يري كل واحد الرآية المرفوعة.
ارْفَعُوا صَوْتًا إِلَيْهِمْ = بالأبواق
نادوا علي مادي وفارس. الْعُتَاةِ = البابليين.
آية (3):- "3أَنَا أَوْصَيْتُ مُقَدَّسِيَّ، وَدَعَوْتُ أَبْطَالِي لأَجْلِ
غَضَبِي، مُفْتَخِرِي عَظَمَتِي. "
مُقَدَّسِيَّ =
المقدَس هو المفرز لعمل ما. إذا الله هو الذي اختار كورش لإجراء غضبه علي بابل. ونحن
مقدسي الله مدعوون لقتال إبليس ومملكته لتتقدس أعماقنا وبهذا نصير أبطال لله.
مُفْتَخِرِي
عَظَمَتِي
= هم جنود كورش الذين يحققون مجد اسم الله العظيم. وتترجم أيضاً هؤلاء المفتخرين
بعظمتي أو المبتهجين بعظمتي. فالله هو الذي أعطاهم هذه القوة. والله أعطي للمؤمنين
قوة علي إبليس وجنوده وحيمنا ينتصرون علي حيله ومكايده يفرحون بعظمة الله الذي
أعطاهم هذه القوة.
الآيات (4-5):-
"4صَوْتُ جُمْهُورٍ عَلَى
الْجِبَالِ شِبْهَ قَوْمٍ كَثِيرِينَ. صَوْتُ ضَجِيجِ مَمَالِكِ أُمَمٍ
مُجْتَمِعَةٍ. رَبُّ الْجُنُودِ يَعْرُضُ جَيْشَ الْحَرْبِ. 5يَأْتُونَ
مِنْ أَرْضٍ بَعِيدَةٍ، مِنْ أَقْصَى السَّمَاوَاتِ، الرَّبُّ وَأَدَوَاتُ
سَخَطِهِ لِيُخْرِبَ كُلَّ الأَرْضِ. "
كل هذا الجمهور
أتي به الرب ويستعرضه بل أتي معهم = الرَّبُّ
وَأَدَوَاتُ سَخَطِهِ. فأدوات سخطه هم جنود مادي وفارس. ومادي وفارس أخر
البلاد المعروفة لذلك قال = مِنْ أَقْصَى
السَّمَاوَاتِ. ولأنهم جمهور كثير يذكر هنا ضجيجهم. وضجيج مادي وفارس
مزعج جداً لبابل المحاصرة منهم. وهكذا تسبيح وصلوات المؤمنين في الكنيسة مرهبة
جداً لإبليس وجنوده. صَوْتُ جُمْهُورٍ عَلَى
الْجِبَالِ = إذا فهمناها علي مادي وفارس فهم علي الجبال يحيطون بابل
وإذا فهمناها علي الكنيسة فهو شعب الله الذي يحيا في السماويات مرنما مهللا لِيُخْرِبَ
كُلَّ الأَرْضِ = أي مملكة بابل. الله هنا يستعرض قواته التي أعدها.
الآيات (6-7):-
"6وَلْوِلُوا لأَنَّ يَوْمَ
الرَّبِّ قَرِيبٌ، قَادِمٌ كَخَرَابٍ مِنَ الْقَادِرِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ.
7لِذلِكَ تَرْتَخِي كُلُّ
الأَيَادِي، وَيَذُوبُ كُلُّ قَلْبِ إِنْسَانٍ. "
يَوْمَ
الرَّبِّ قَرِيبٌ = وكان هذا بعد النبوة بحوالي 200 سنة. وَلْوِلُوا هذه لأهل بابل. تَرْتَخِي كُلُّ الأَيَادِي = بعد الضربة. يَذُوبُ كُلُّ قَلْبِ إِنْسَانٍ= السبب هو عدم
خوف الله فمن يخاف الله لا يخاف إنسان. "رأس الحكمة مخافة الله".
الآيات (8-9):-
"8فَيَرْتَاعُونَ.
تَأْخُذُهُمْ أَوْجَاعٌ وَمَخَاضٌ. يَتَلَوَّوْنَ كَوَالِدَةٍ. يَبْهَتُونَ
بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ. وُجُوهُهُمْ وُجُوهُ لَهِيبٍ. 9هُوَذَا
يَوْمُ الرَّبِّ قَادِمٌ، قَاسِيًا بِسَخَطٍ وَحُمُوِّ غَضَبٍ، لِيَجْعَلَ
الأَرْضَ خَرَابًا وَيُبِيدَ مِنْهَا خُطَاتَهَا. "
يَبْهَتُونَ =
كل واحد ينظر للآخر يطلب مشورته، ولا يجد عنده رأي أو حل فالكل في نفس الأتون. خُطَاتَهَا =
إذاً سبب سقوطهم هو خطاياهم. يَتَلَوَّوْنَ كَوَالِدَةٍ =
فهم حاملين داخلهم ثمار شرورهم. وُجُوهُ لَهِيبٍ =
الخجل بسبب إنكسارهم الشديد، وربما انعكاس حمرة نيران المعركة علي وجوههم.
آية (10):- "10فَإِنَّ نُجُومَ السَّمَاوَاتِ وَجَبَابِرَتَهَا لاَ تُبْرِزُ
نُورَهَا. تُظْلِمُ الشَّمْسُ عِنْدَ طُلُوعِهَا، وَالْقَمَرُ لاَ يَلْمَعُ
بِضَوْئِهِ. "
جَبَابِرَتَهَا =
مجموعة نجوم في السماء تسمي الجبار. وهذه الأقوال قد تكون مجازية كمن يقول
"الأرض بتلف بيَ" إشارة لإحساسه هو بالدوار فهؤلاء في ظلام تام كأنهم
بلا سماء ولا شمس ولا قمر ولا نجوم، هم فقدوا الرؤية، هم في ظلمة الجهل بسبب
مقاومتهم لله، لا يرون شمس البر (المسيح) ولا القديسين (الكواكب) ولا يتمتعون
بالحياة الكنسية في الكنيسة (القمر.) ودينونه بابل هذه رمزاً لدينونة اليوم الأخير
(مت 24 : 29).
آية (11):- "11وَأُعَاقِبُ الْمَسْكُونَةَ عَلَى شَرِّهَا، وَالْمُنَافِقِينَ
عَلَى إِثْمِهِمْ، وَأُبَطِّلُ تَعَظُّمَ الْمُسْتَكْبِرِينَ، وَأَضَعُ تَجَبُّرَ
الْعُتَاةِ. "
أعَاقِبُ
الْمَسْكُونَةَ = أي أعاقب بابل. فبابل كانت تحكم المسكونة وقتها،
ولكن هذه تشير
لدينونة اليوم
الأخير حيث تكون بابل الأخيرة أي دولة الشر تحكم المسكونة كلها.
الآيات (12-13):-
"12وَأَجْعَلُ الرَّجُلَ
أَعَزَّ مِنَ الذَّهَبِ الإِبْرِيزِ، وَالإِنْسَانَ أَعَزَّ مِنْ ذَهَبِ أُوفِيرَ.
13لِذلِكَ أُزَلْزِلُ السَّمَاوَاتِ وَتَتَزَعْزَعُ الأَرْضُ مِنْ
مَكَانِهَا فِي سَخَطِ رَبِّ الْجُنُودِ وَفِي يَوْمِ حُمُوِّ غَضَبِهِ. "
بابل إستقدمت
ألاف من البشر لبنائها وبناء أسوارها الرهيبة وكانت تموج بالبشر من شعبها أو من
المسبيين. ولكن في يوم العقاب يقل الرجال من الضربات في الحروب حتى يصيروا أَعَزَّ مِنَ الذَّهَبِ الإِبْرِيزِ = أي
الخالص، بعد أن كانوا كثيرين وبلا ثمن. أُوفِير
= جنوب بلاد العرب علي المحيط الهندي.
الآيات (14-16):-
"14وَيَكُونُونَ كَظَبْيٍ
طَرِيدٍ، وَكَغَنَمٍ بِلاَ مَنْ يَجْمَعُهَا. يَلْتَفِتُونَ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى
شَعْبِهِ، وَيَهْرُبُونَ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى أَرْضِهِ. 15كُلُّ مَنْ
وُجِدَ يُطْعَنُ، وَكُلُّ مَنِ انْحَاشَ يَسْقُطُ بِالسَّيْفِ. 16وَتُحَطَّمُ
أَطْفَالُهُمْ أَمَامَ عُيُونِهِمْ، وَتُنْهَبُ بُيُوتُهُمْ وَتُفْضَحُ
نِسَاؤُهُمْ. "
كُلُّ
وَاحِدٍ إِلَى شَعْبِهِ = لأن جيش بابل كان مكون من كل الشعوب،
ولم يكن قلبهم علي بابل، فحينما جاءت الضربة تركوها وهربوا. وتأمل فالضربات للجميع
حتى الأولاد والنساء. وهكذا عقاب الخطية ونتائجها المرة.
آية (17):- "17هأَنَذَا أُهَيِّجُ عَلَيْهِمِ الْمَادِيِّينَ الَّذِينَ لاَ يَعْتَدُّونَ
بِالْفِضَّةِ، وَلاَ يُسَرُّونَ بِالذَّهَبِ،"
الْمَادِيِّينَ =
هنا نبوة واضحة بالشعب الذي يكسر بابل أي مادي وفارس ولكن اشتهرت الدولة بعد ذلك
باسم فارس ولم يكونوا مهتمين بالذهب والفضة بل هم في وحشيتهم حطموا بابل في قسوة،
هكذا ستدان بابل في نهآية الأيام. وَوُجِد في كتابة لكورش لجنوده "أنا أعرف
أنكم ما جئتم للحرب رغبة في الفضة" إلا أن كورش نفسه كان رقيقاً وإنساناً
مهذبا.
آية (18):- "18فَتُحَطِّمُ الْقِسِيُّ الْفِتْيَانَ، ولاَ يَرْحَمُونَ ثَمَرَةَ
الْبَطْنِ. لاَ تُشْفِقُ عُيُونُهُمْ عَلَى الأَوْلاَدِ. "
اشتهر الفرس
بحرب القسي والقوس. والْقِسِيُّ هي
السهام التي تستخدم في القوس.
آية (19):- "19وَتَصِيرُ بَابِلُ، بَهَاءُ الْمَمَالِكِ وَزِينَةُ فَخْرِ
الْكِلْدَانِيِّينَ، كَتَقْلِيبِ اللهِ سَدُومَ وَعَمُورَةَ. "
بَابِلُ،
بَهَاءُ الْمَمَالِكِ = هي كذلك لقِدَمِها وعلومها وغناها
وتجارتها ومبانيها. الْكِلْدَانِيِّينَ
= إسم قبيلة من مملكة بابل منها خرج الكهنة ورجال الدين والسحرة ثم أطلق أسم
الكلدانيين علي كل بابل، كما أطلق أسم الفراعنة علي كل مصر.
آية (20):- "20لاَ تُعْمَرُ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ تُسْكَنُ إِلَى دَوْرٍ
فَدَوْرٍ، وَلاَ يُخَيِّمُ هُنَاكَ أَعْرَابِيٌّ، وَلاَ يُرْبِضُ هُنَاكَ رُعَاةٌ،"
لاَ
تُعْمَرُ إِلَى الأَبَدِ = اندثرت كل أثارها وكان ملوك الفرس
يمارسون الصيد في خرائبها. وَلاَ تُسْكَنُ =
خربت كل أراضيها الزراعية. وَلاَ يُخَيِّمُ
هُنَاكَ أَعْرَابِيٌّ = توهم العرب أن الجن يسكن في خرائبها فكانوا لا
يبيتون فيها. والنفس الخربة يسكن داخلها الشياطين المتوحشة والبوم (اليأس)
والنجاسة والتشاؤم وصوت البوم (أي لا فرح).
الآيات (21-22):-
"21بَلْ تَرْبُضُ هُنَاكَ
وُحُوشُ الْقَفْرِ، وَيَمْلأُ الْبُومُ بُيُوتَهُمْ، وَتَسْكُنُ هُنَاكَ بَنَاتُ
النَّعَامِ، وَتَرْقُصُ هُنَاكَ مَعْزُ الْوَحْشِ، 22وَتَصِيحُ بَنَاتُ
آوَى فِي قُصُورِهِمْ، وَالذِّئَابُ فِي هَيَاكِلِ التَّنَعُّمِ، وَوَقْتُهَا
قَرِيبُ الْمَجِيءِ وَأَيَّامُهَا لاَ تَطُولُ. "
هذا
رمز لسكني الشيطان. ولكن هذا ما حدث فعلاً فهياكل أوثانها سكنتها الوحوش (لاحظ
نتائج الخطية ) وأن وراء المنظر البهي في أرض الخطية خراب وبوم. بابل هي رمز لكل
نفس متكبرة عاصية (رؤ 18 :10).