نجد
النبي هنا ينذر بخراب أورشليم والويلات التي تحل بشعبها وبجليس الملك المتمتع
بالسلطان، وتكشف عن عماهم فهم لا يميزون صوت الرب ولا يعرفون إرادته، فهو حين
يدعوهم للبكاء (عدد 12) إذ بهم يفرحون، لذلك حين يعبر زمان التوبة فلابد أن يجني
الشعب مر الثمر ويكابد عقاب دينونة. وكعادة إشعياء يأتي بنبوات مفرحة عن المسيح
عقب ذلك.
آية (1):- "1وَحْيٌ
مِنْ جِهَةِ وَادِي الرُّؤْيَا: فَمَا لَكِ أَنَّكِ صَعِدْتِ جَمِيعًا عَلَى
السُّطُوحِ،"
وَادِي الرُّؤْيَا = هي أورشليم
فطالما رأي فيها الأنبياء رؤي، وكان إسمها جبل صهيون وبسبب انحطاطها الروحي صارت
وادي وفقدوا الرؤيا والرؤية بسبب خطاياهم "أخفي عن عينيك" ولأنهم فقدوا
الرؤيا سمح الله لهم بتأديب لتعود العينان مفتوحتان. ويبدوا أن زمن هذه النبوة كان في أيام حصار سنحاريب لأورشليم.
وكان سنحاريب قد أخذ جزية كبيرة، ففرح الشعب إذ ظنوا أن الخطر قد زال. ولكن الله
يقول لهم إن الخطر لم ينتهي بعد لأنكم مازلتم بعد في الخطية. فَمَا لَكِ
أَنَّكِ صَعِدْتِ عَلَى السُّطُوحِ = من يصعد علي السطوح ولا يبقي في
المنازل هو من لم يعد يشعر بخطر،
الله يقول لهم أن هذا شعور زائف بالأمان فلا أمان ولا سلام إلا بالتوبة وهم لم
يتوبوا بعد.
اورشليم
هي الكنيسة الان ...اذاً الكلام موجه لمن ما زال في غيبوبة يفرح بملذات العالم غير
شاعر بالخطر القادم وهذا يتضح من ان هذا
الاصحاح يأتي بعد ان سمعنا في الاصحاح السابق عن خراب العالم الذي سيحدث.
الآيات (2-3):- "2يَا
مَلآنَةُ مِنَ الْجَلَبَةِ، الْمَدِينَةُ الْعَجَّاجَةُ، الْقَرْيَةُ
الْمُفْتَخِرَةُ؟ قَتْلاَكِ لَيْسَ هُمْ قَتْلَى السَّيْفِ وَلاَ مَوْتَى
الْحَرْبِ. 3جَمِيعُ رُؤَسَائِكِ هَرَبُوا مَعًا. أُسِرُوا
بِالْقِسِيِّ. كُلُّ الْمَوْجُودِينَ بِكِ أُسِرُوا مَعًا. مِنْ بَعِيدٍ فَرُّوا. "
الْجَلَبَةِ =
فهي إذاً مدينة ملآنة مظاهر وسطحيات وأفراح عالمية كالعالم.
الْقَرْيَةُ الْمُفْتَخِرَةُ =
هي تفتخر بقوتها وليس بالله. قَتْلاَكِ لَيْسَ هُمْ قَتْلَى السَّيْفِ = بل
هم قتلي الخطية التي كل قتلاها أقوياء، وقد طرحت كثيرين جرحي حتى جَمِيعُ رُؤَسَائِكِ هَرَبُوا = لم يهتموا بك إذ
هم أسري، أسري شهواتهم وبالتالي أسري بيد أعدائهم.
آية (4):-
"4لِذلِكَ قُلْتُ:
«اقْتَصِرُوا عَنِّي، فَأَبْكِي بِمَرَارَةٍ. لاَ تُلِحُّوا بِتَعْزِيَتِي عَنْ
خَرَابِ بِنْتِ شَعْبِي»."
نري
هنا مشاعر النبي الرقيقة ثانية وقارن مع من يضعف وأنا لا ألتهب.
الآيات (5-7):- "5إِنَّ لِلسَّيِّدِ رَبِّ الْجُنُودِ فِي وَادِي الرُّؤْيَا يَوْمَ
شَغبٍ وَدَوْسٍ وَارْتِبَاكٍ. نَقْبُ سُورٍ وَصُرَاخٌ إِلَى الْجَبَلِ. 6فَعِيلاَمُ
قَدْ حَمَلَتِ الْجَعْبَةَ بِمَرْكَبَاتِ رِجَال فُرْسَانٍ، وَقِيرُ قَدْ كَشَفَتِ
الْمِجَنَّ. 7فَتَكُونُ أَفْضَلُ أَوْدِيَتِكِ مَلآنَةً مَرْكَبَاتٍ،
وَالْفُرْسَانُ تَصْطَفُّ اصْطِفَافًا نَحْوَ الْبَابِ. "
نري هنا شَغبٍ
وَدَوْسٍ وَارْتِبَاكٍ =هذه نبوة بعودة الحصار. عِيلاَمُ وَقِير
= حلفاء أشور. قَدْ كَشَفَتِ الْمِجَنَّ
= لأنه يكون مغطي أثناء السفر ويكشفونه وقت الحرب. فهذه نبوة بإعلان الحرب.
آية (8):-
"8وَيَكْشِفُ سِتْرَ
يَهُوذَا، فَتَنْظُرُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ إِلَى أَسْلِحَةِ بَيْتِ الْوَعْرِ. "
ما
سبب كل ما ذكر في الآيات (5-7) هل هو قدرة العدو الخارقة ؟! لا بل أن الرب
كشف ستر يهوذا.. فالساكن في ستر العلي في ظل الإله القدير يبيت. الجبال حولها
والرب حول شعبه. إذا السبب هو تخلي نعمة الله.
وتفهم
الآية علي أنها
(1)
خراب المدن المحيطة بها فتنكشف أورشليم وقد خرَب سنحاريب فعلاً 46 مدينة في يهوذا.
(2)
فضح خطاياهم، فالله يستر علي شعبه، لكن حين يغضب الله بسبب الخطية لا يعود يستر،
وهذه إحدى طرق الله لعلنا نتوب وللأسف فقد ترك شعب يهوذا الله الذي هو سور من نار
وذهبوا يبحثون عن تدعيم الأسوار الحجرية، لقد تجاهلوا ستر العلي. كانوا يفكرون في
هدم البيوت لاستخدام ردمها في ترميم الأسوار المتشققة ولم يذكروا قول داود أبيهم.
"إن لم يحرس الرب المدينة فباطلاً سهر الحراس"
بَيْتِ الْوَعْرِ =
بناه سليمان وهو مملوء أسلحة، هم ذهبوا يبحثون عن أسلحة مادية
الآيات (9-11):- "9وَرَأَيْتُمْ شُقُوقَ مَدِينَةِ دَاوُدَ أَنَّهَا صَارَتْ
كَثِيرَةً، وَجَمَعْتُمْ مِيَاهَ الْبِرْكَةِ السُّفْلَى. 10وَعَدَدْتُمْ
بُيُوتَ أُورُشَلِيمَ وَهَدَمْتُمُ الْبُيُوتَ لِتَحْصِينِ السُّورِ. 11وَصَنَعْتُمْ
خَنْدَقًا بَيْنَ السُّورَيْنِ لِمِيَاهِ الْبِرْكَةِ الْعَتِيقَةِ. لكِنْ لَمْ
تَنْظُرُوا إِلَى صَانِعِهِ، وَلَمْ تَرَوْا مُصَوِّرَهُ مِنْ قَدِيمٍ. "
مِيَاهَ الْبِرْكَةِ =
مياه أورشليم قليلة حتى اليوم.
وقبل هذه الحادثة بنحو 34 سنة أهتم الملك أحاز بهذا
الأمر (أش 3:7) فكانوا يريدون تحويل المياه من خارج حتى لا يستفيد بها العدو إلي
داخل أورشليم فيستفيدوا بها هم
خلال الحصار
وَعَدَدْتُمْ
بُيُوتَ أُورُشَلِيمَ = لتعرفوا أي البيوت
يهدم لتدعيم الأسوار بالحجارة الناتجة عن الهدم. بَيْنَ
السُّورَيْنِ = أنظر الرسم. والله يلومهم هنا لاهتمامهم بتدبير المدينة
والتحصينات ولكنهم لم يهتموا بالتوبة والرجوع إلي الله.
الآيات (12-13):- "12وَدَعَا السَّيِّدُ رَبُّ الْجُنُودِ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ إِلَى
الْبُكَاءِ وَالنَّوْحِ وَالْقَرَعَةِ وَالتَّنَطُّقِ بِالْمِسْحِ، 13فَهُوَذَا
بَهْجَةٌ وَفَرَحٌ، ذَبْحُ بَقَرٍ وَنَحْرُ غَنَمٍ، أَكْلُ لَحْمٍ وَشُرْبُ
خَمْرٍ! «لِنَأْكُلْ وَنَشْرَبْ، لأَنَّنَا غَدًا نَمُوتُ»."
عوضا
عن البكاء والتوبة التي دعا لها الله عاشوا في أفراح وأكل وخمر حتى لحظات الحصار
نفسها.والان ماذا عنا ككنيسة ! ماذا نفعل .
آية (14):-
"14فَأَعْلَنَ فِي أُذُنَيَّ
رَبُّ الْجُنُودِ: «لاَ يُغْفَرَنَّ لَكُمْ هذَا الإِثْمُ حَتَّى تَمُوتُوا،
يَقُولُ السَّيِّدُ رَبُّ الْجُنُودِ»."
الله
لا يغفر إلا لمن يتوب، ولن يغفر لهم لإصرارهم علي عدم التوبة.
آية (15):-
"15هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ
رَبُّ الْجُنُودِ: «اذْهَبِ ادْخُلْ إِلَى هذَا جَلِيسِ الْمَلِكِ، إِلَى شِبْنَا
الَّذِي عَلَى الْبَيْتِ: "
شِبْنَا = هو وزير
حزقيا الأول ووزير المال. وكان من أنصار التحالف مع مصر وكان غريب الجنس فلم يذكر
له أب وكان أناني جشع محتال طموح وكان متولياً أمور الهيكل ويقول التقليد أنه كان
مزمعاً أن يخون حزقيا، واستغل منصبه
للإثراء الشخصي وتعظيم الذات وبني لنفسه قبراً مع ملوك يهوذا ليخلد نفسه.
وكان الله موشكاً أن يدينه ويحكم عليه بأن يموت في أرض غريبة فلماذا هذا الضريح
؟!... هنا نري الله ضد أعداء شعبه الخارجيين كأشور والداخليين كشبنا هذا. وشبنا
هذا يرمز لضد المسيح الذي سيقيم في هيكل الله (2 تس 4:2) بينما نجد إلياقيم (آية
20) رمزاً للمسيح الذي يأتي في مجده ليبيد الضد بنفخة فمه. هذا الغريب المتولي
أمور الهيكل هو رجسة الخراب (مت 24 : 15).
آية (16):-
"16مَا لَكَ ههُنَا؟ وَمَنْ
لَكَ ههُنَا حَتَّى نَقَرْتَ لِنَفْسِكَ ههُنَا قَبْرًا أَيُّهَا النَّاقِرُ فِي
الْعُلُوِّ قَبْرَهُ، النَّاحِتُ لِنَفْسِهِ فِي الصَّخْرِ مَسْكَنًا؟"
6مَا لَكَ ههُنَا = تدل علي أنه غريب، وقارن مع
تسمية إلياقيم بعبد الرب آية (20) وأب لسكان أورشليم آية (21).
الآيات (17-19):- "17هُوَذَا الرَّبُّ يَطْرَحُكَ طَرْحًا يَا رَجُلُ، وَيُغَطِّيكَ
تَغْطِيَةً. 18يَلُفُّكَ لَفَّ لَفِيفَةٍ كَالْكُرَةِ إِلَى أَرْضٍ
وَاسِعَةِ الطَّرَفَيْنِ. هُنَاكَ تَمُوتُ، وَهُنَاكَ تَكُونُ مَرْكَبَاتُ
مَجْدِكَ، يَا خِزْيَ بَيْتِ سَيِّدِكَ. 19وَأَطْرُدُكَ مِنْ
مَنْصِبِكَ، وَمِنْ مَقَامِكَ يَحُطُّكَ. "
يَلُفُّكَ =
يلفه بكل ما له كشيء عديم القيمة، ويقذفه بعيداً أسيراً إما لأشور أو لمصر. يَا خِزْيَ
بَيْتِ سَيِّدِكَ = لأنه غش حزقيا.
آية (20):-
"20«وَيَكُونُ فِي ذلِكَ
الْيَوْمِ أَنِّي أَدْعُو عَبْدِي أَلِيَاقِيمَ بْنَ حِلْقِيَّا. "
الله
يؤدب الأشرار ويبيدهم مثل شبنا ولكنه يعطي وعده بظهور المخلص الذي يسكن أورشليم
الجديدة. أَلِيَاقِيمَ = تعني من يثبته
الله إشارة للمسيح الذي كرسيه إلي دهر الدهور. فبعد أن يقذف الله بضد المسيح
ويبيده تعلن مملكة المسيح الأبدية. بل لقد بدأ المسيح بصليبه ودحر الشيطان وبدأ في
تأسيس مملكته .
آية (21):-
"21وَأُلْبِسُهُ ثَوْبَكَ،
وَأَشُدُّهُ بِمِنْطَقَتِكَ، وَأَجْعَلُ سُلْطَانَكَ فِي يَدِهِ، فَيَكُونُ أَبًا
لِسُكَّانِ أُورُشَلِيمَ وَلِبَيْتِ يَهُوذَا. "
الله
يعطي له ثياب الملك عوضاً عن شبنا فيملك علي شعبه بالحب = أَبًا لا بالذل كما كان يحكم شبنا. وأما منطقته
فهي لغسل الأرجل والتطهير. يبدو أن شبنا هذا كان معتزاً بمنصبه وسيادته وملابسه
الملوكية حباً في السيطرة رمزاً لإبليس الذي سيُجَرد من كل سلطانه.
آية (22):- "22وَأَجْعَلُ
مِفْتَاحَ بَيْتِ دَاوُدَ عَلَى كَتِفِهِ، فَيَفْتَحُ وَلَيْسَ مَنْ يُغْلِقُ،
وَيُغْلِقُ وَلَيْسَ مَنْ يَفْتَحُ. "
يَفْتَحُ وَلا أحد يُغْلِقُ، وَيُغْلِقُ وَلا أحد يَفْتَحُ قيلت
عن المسيح نفسه (رؤ 3 : 7) والمفتاح لا يحمل علي الكتف إلا لو كان الصليب الذي فتح
به لنا الله باب السماء وأغلق به علي إبليس في الهاوية في بحيرة النار.
آية (23):- "23وَأُثَبِّتُهُ
وَتَدًا فِي مَوْضِعٍ أَمِينٍ، وَيَكُونُ كُرْسِيَّ مَجْدٍ لِبَيْتِ أَبِيهِ. "
وَتَدًا = ليملك علي بيت يعقوب
للأبد (بشارة الملاك). والوتد يستعمل لتثبيت الأشياء. والمؤمنين سيثبتون في المسيح
( أثبتوا فيَ..)
الآيات (24-25):- "24وَيُعَلِّقُونَ
عَلَيْهِ كُلَّ مَجْدِ بَيْتِ أَبِيهِ، الْفُرُوعَ وَالْقُضْبَانَ، كُلَّ آنِيَةٍ
صَغِيرَةٍ مِنْ آنِيَةِ الطُّسُوسِ إِلَى آنِيَةِ الْقَنَّانِيِّ جَمِيعًا. 25فِي
ذلِكَ الْيَوْمِ، يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ، يَزُولُ الْوَتَدُ الْمُثْبَتُ فِي
مَوْضِعٍ أَمِينٍ وَيُقْطَعُ وَيَسْقُطُ. وَيُبَادُ الثِّقْلُ الَّذِي عَلَيْهِ،
لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ تَكَلَّمَ»."
الْفُرُوعَ
وَالْقُضْبَانَ = هم أولاد الخلاص يصيرون كالفروع
في كرمته وعملهم هو تمجيد الرب. والأواني هم المؤمنين أيضاً (2تي 2 : 20،21) وقارن
مع قول بولس "إذ لنا هذا الكنز في أوان خزفية. والمسيح هو السبب في كل مَجْدِ بَيْتِ أَبِيهِ. وَيُعَلِّقُونَ = أي ينسبون له السبب في كل هذا
المجد لطاعته وفدائه الذي طهر به الآنية المثبتة في المسيح. وثبت الأغصان في
الكرمة ومجد الآب بصليبه (يو 17 :4). وأيضاً بصليبه حولنا كمؤمنين لآنية كرامة
لمجد أسم أبيه فِي ذلِكَ الْيَوْمِ =
يوم نهآية ضد المسيح أو إبليس أو شبنا كرمز. فكل من تعلق بهذا الغريب الجنس وجعله
وتداً له (يشبع شهواته ولذاته) وأتكل علي الباطل (العالم بما فيه ورئيسه إبليس )
معتبراً إياه وتداً مثبتاً فإنه يزول رجاؤه فيه فيقطع الوتد ويسقط ويباد كل متكل
عليه.