تكلم
من قبل عن يوحنا المعمدان كسابق للمسيح. والآن يتكلم عن المسيح نفسه.
مضمون
الإصحاح عبد الرب. وخلاص شعب الله والصعوبات الواقعة في طريق هذا الخلاص،
ومنها عدم إيمان إسرائيل. ويسمى هنا أيضاً إسرائيل عبد الرب، فالمسيح رأس الكنيسة،
أخلى ذاته أخذا صورة عبد مشابهاً عروسه وكنيسته، صار عبداً ليحملها إلى أمجاده،
وكنائب عنا أطاع الآب حتى يحقق خلاصها ويثبتها فيه فتحسب مطيعة وتصير موضع سرور
الآب (أف 1 : 3-5) فإذا وجدنا وصفاً أن عبد الرب أعمى وأصم فهو يقصد شعب إسرائيل
الذي لم يعرفه ورفض وإن قال عنه مختارى فهو المسيح.
آيات
(1-4) قيلت عن المسيح في (مت 12 : 17 – 21) ويسميه عبدي لطاعته وخضوعه لمشيئة
الآب. هو جاء ليعلن سر الحب العملي خلال البذل في (2 : 5-8)
آية (1):- "1«هُوَذَا عَبْدِي الَّذِي أَعْضُدُهُ، مُخْتَارِي الَّذِي سُرَّتْ
بِهِ نَفْسِي. وَضَعْتُ رُوحِي عَلَيْهِ فَيُخْرِجُ الْحَقَّ لِلأُمَمِ. "
هُوَذَا عَبْدِي =
فالمسيح أخذ شكل العبد وغسل الأقدام، بل قبل الإهانة من عبد رئيس الكهنة الذي
لطمه. مُخْتَارِي = المسيح هو الوحيد
الذي يستحق هذا اللقب فهو قد قدم الكمال للإنسانية فأشبع رغبة السماء في كمال
الإنسان. سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي = هذا
هو ابنى الحبيب الذي سررت به وسرور الآب به هو سرور أزلي، فهو الابن المحبوب (أف 1
:6) وسروره به أيضاً لطاعته وسروره بالبشر الذين صاروا بطاعته أبناء لله. وأعلن
هذا وقت العماد. فَيُخْرِجُ الْحَقَّ لِلأُمَمِ
= هو الحق جاء للأمم ليقبلوه فى حياتهم كسر خلاص
آية (2):- "2لاَ يَصِيحُ وَلاَ يَرْفَعُ وَلاَ يُسْمِعُ فِي الشَّارِعِ
صَوْتَهُ. "
بهذا
تميز المسيح عن الأنبياء الكذبة فهو لم يستعمل القوة ولم يوبخ بشدة لاَ يَصِيحُ = في
انتصاراته هادئ
ولا يصيح ويدق الطبول مثل أمراء العالم. ولا يصيح تعطينا فكرة أننا لا نسمع صوته
سوى في الهدوء والسكون حينما نقترب إليه.
آية (3):- "3قَصَبَةً مَرْضُوضَةً لاَ يَقْصِفُ، وَفَتِيلَةً خَامِدَةً لاَ
يُطْفِئُ. إِلَى الأَمَانِ يُخْرِجُ الْحَقَّ. "
هنا
نرى اهتمامه بكل واحد مهما ضعف، فهو يهتم بالنفوس المحطمة ليبعث فيها الرجاء... هو
السامرى الصالح. يُخْرِجُ الْحَقَّ =
كأن الحق كان مخفيً والظلام غالب في العالم وجاء المسيح ليظهره ويثبته ويديمه.
آية (4):- "4لاَ يَكِلُّ وَلاَ يَنْكَسِرُ حَتَّى يَضَعَ الْحَقَّ فِي
الأَرْضِ، وَتَنْتَظِرُ الْجَزَائِرُ شَرِيعَتَهُ».
آية (5):- "5هكَذَا يَقُولُ اللهُ الرَّبُّ، خَالِقُ السَّمَاوَاتِ
وَنَاشِرُهَا، بَاسِطُ الأَرْضِ وَنَتَائِجِهَا، مُعْطِي الشَّعْبِ عَلَيْهَا
نَسَمَةً، وَالسَّاكِنِينَ فِيهَا رُوحًا: "
كان
المسيح في الظاهر ضعيفاً، ولكنه كان في منتهى القوة أمام إبليس ولم يتأثر بكل
تعييرات الفريسيين ولم يخاف الموت. الْجَزَائِرُ
= الأمم البعيدة (أمريكا / إنجلترا).
آية (6):- "6«أَنَا الرَّبَّ قَدْ دَعَوْتُكَ بِالْبِرِّ، فَأُمْسِكُ بِيَدِكَ
وَأَحْفَظُكَ وَأَجْعَلُكَ عَهْدًا لِلشَّعْبِ وَنُورًا لِلأُمَمِ،
آية (7):- "7لِتَفْتَحَ عُيُونَ الْعُمْيِ، لِتُخْرِجَ مِنَ الْحَبْسِ
الْمَأْسُورِينَ، مِنْ بَيْتِ السِّجْنِ الْجَالِسِينَ فِي الظُّلْمَةِ. "
لْبِرِّ = قد تعنى بر
الله أي الذي يحكم بعدل ( وفي العبرية كلمة " بر" هي نفسها كلمة
"عدل" فهو لا يبارك للأشرار بل يعاقبهم، ولا يسمح للأقوياء بظلم
الضعفاء. لكن الآب دعاه لكي يحمل هو هذه العقوبة ويبرر الانسان) وتعنى صدقه
وأمانته في تتميم مواعيده وقد تعنى بر الإنسان وهذا تعبير يشير لعدل الإنسان
واستقامته ولكن ليس بار ولا واحد، البار الوحيد هو الله. وبهذا يكون بر المؤمن
يعنى أن الله يغفر له خطاياه ويعطيه من برالمسيح = "الذي بلا خطية صار خطية
لأجلنا لنصبح نحن بر الله فيه". وَأَجْعَلُكَ
عَهْدًا = العهد الجديد هو عهد النعمة والمسيح بدمه صار هو العهد
الجديد بين الله والإنسان، هو صار ذبيحة قادرة على إقامة ميثاق بين الآب والإنسان،
وصار وسيطاً بين الله والإنسان.
نُورًا لِلأُمَمِ=
النور يشير لأنه يفتح بصيرتنا الداخلية لنعاين النور ونعرف طريق الخلاص (يو 1 :
9). وهذا ما نراه في آية (7).
آية (8):- "8«أَنَا الرَّبُّ هذَا اسْمِي، وَمَجْدِي لاَ أُعْطِيهِ لآخَرَ،
وَلاَ تَسْبِيحِي لِلْمَنْحُوتَاتِ. "
آية (9):- "9هُوَذَا الأَوَّلِيَّاتُ قَدْ أَتَتْ، وَالْحَدِيثَاتُ أَنَا
مُخْبِرٌ بِهَا. قَبْلَ أَنْ تَنْبُتَ أُعْلِمُكُمْ بِهَا»."
الأَوَّلِيَّاتُ =
النبوءات السابقة قد حدثت الْحَدِيثَاتُ
= نبوءات عن كورش (المسيح).
والمعنى أن
المسيح هو الله ربنا فحين يقول مجدى لا أعطيه لآخر والمسيح ستمجده الشعوب إذاً
فالمسيح هو الله.
الآيات (10-13):-
"10غَنُّوا لِلرَّبِّ
أُغْنِيَةً جَدِيدَةً، تَسْبِيحَهُ مِنْ أَقْصَى الأَرْضِ. أَيُّهَا
الْمُنْحَدِرُونَ فِي الْبَحْرِ وَمِلْؤُهُ وَالْجَزَائِرُ وَسُكَّانُهَا، 11لِتَرْفَعِ
الْبَرِّيَّةُ وَمُدُنُهَا صَوْتَهَا، الدِّيَارُ الَّتِي سَكَنَهَا قِيدَارُ.
لِتَتَرَنَّمْ سُكَّانُ سَالِعَ. مِنْ رُؤُوسِ الْجِبَالِ لِيَهْتِفُوا. 12لِيُعْطُوا
الرَّبَّ مَجْدًا وَيُخْبِرُوا بِتَسْبِيحِهِ فِي الْجَزَائِرِ. 13الرَّبُّ
كَالْجَبَّارِ يَخْرُجُ. كَرَجُلِ حُرُوبٍ يُنْهِضُ غَيْرَتَهُ. يَهْتِفُ
وَيَصْرُخُ وَيَقْوَى عَلَى أَعْدَائِهِ. "
هذه
أغنية المفديين من اليهود والأمم (رؤ 7 : 10) والمسيح أتى ليحارب إبليس وما زال
يحاربه فينا. فهو كَرَجُلِ حُرُوبٍ. قِيدَارُ = بلاد العرب. وسَالِعَ = عاصمة أدوم. والْجَزَائِر = أي البلاد البعيدة. ويُنْهِضُ غَيْرَتَهُ = قام في ملء الزمان ليخلص
شعبه لغيرته عليهم. تَسْبِحَهُ جَدِيدَةً = هي دائماً جديدة. لا تشيخ ولا تقدم
،لأنها تعبر عن حياة الفرح السماوي. مِنْ أَقْصَى
الأَرْضِ = كل المؤمنين عملهم سيكون التسبيح. ونلاحظ هنا أن أدوم من
ضمن الذين يسبحوا الله أي آمنوا به. ولنقارن مع النبوات السابقة عن خراب أدوم (ص
34 مثلاً) فنفهم أن المعنى أن الله لا توجد عداوة بينه وبين أي من البشر فهو يريد
أن الجميع يخلصون، وها أدوم تؤمن وتسبح وغيرها إشارة لإيمان كل الأمم. ولكن حين
يتحدث عن خراب أدوم فيكون المعنى لمن يرمز له أدوم أي الشيطان ومن يتبعه.
آية (14):- "14«قَدْ صَمَتُّ مُنْذُ الدَّهْرِ. سَكَتُّ. تَجَلَّدْتُ.
كَالْوَالِدَةِ أَصِيحُ. أَنْفُخُ وَأَنَخُرُ مَعًا. "
أي
أن الله كان يتمنى أن يكون الخلاص فور سقوط آدم. ولكن هناك دائماً وقت محدد يسميه
الكتاب ملء الزمان هو الوقت الذي يراه الله مناسباً ليتم العمل. والتشبيه هنا كَالْوَالِدَةِ = لأننا نولد ولادة جديدة (غل 4
:19) يا أولادي الذين أتمخض بهم إلى أن يتصور المسيح فيهم والمخاض هنا يساوى = أَنْفُخُ وَأَنَخُرُ. وتفسر هذه الآية على
المدى القريب بالخلاص من بابل وولادة أمة جديدة.
آية (15):- "15أَخْرِبُ الْجِبَالَ وَالآكَامَ وَأُجَفِّفُ كُلَّ عُشْبِهَا،
وَأَجْعَلُ الأَنْهَارَ يَبَسًا وَأُنَشِّفُ الآجَامَ،"
الْجِبَالَ وَالآكَامَ =
هم كل من يرتفع على الله. والأَنْهَارَ والآجَامَ يشيروا للممالك. لأن الأنهار مصدر
الخيرات والحياة. فمن لم يبارك الله على عطاياه من العدل أن يحرمه الله من هذه
الخيرات.
آية (16):- "16وَأُسَيِّرُ الْعُمْيَ فِي طَرِيق لَمْ يَعْرِفُوهَا. فِي
مَسَالِكَ لَمْ يَدْرُوهَا أُمَشِّيهِمْ. أَجْعَلُ الظُّلْمَةَ أَمَامَهُمْ
نُورًا، وَالْمُعْوَجَّاتِ مُسْتَقِيمَةً. هذِهِ الأُمُورُ أَفْعَلُهَا وَلاَ
أَتْرُكُهُمْ. "
الْعُمْيَ
هنا هم الأمم الوثنية التي قادها الله في طريق الإيمان الذي لم يعرفوه من قبل.
آية (17):- "17قَدِ ارْتَدُّوا إِلَى الْوَرَاءِ. يَخْزَى خِزْيًا
الْمُتَّكِلُونَ عَلَى الْمَنْحُوتَاتِ، الْقَائِلُونَ لِلْمَسْبُوكَاتِ:
أَنْتُنَّ آلِهَتُنَا! "
قَدِ ارْتَدُّوا =
يخزى عبدة الأوثان من أوثانهم بعد إيمانهم بالمسيح.
آية (18):- "18«أَيُّهَا الصُّمُّ اسْمَعُوا. أَيُّهَا الْعُمْيُ انْظُرُوا
لِتُبْصِرُوا. "
هنا
الرب يكلم شعبه إسرائيل وقال عنهم عمى وصم لأنهم رفضوا المسيح ولم يعرفوه. والصمم
والعمى ينشئان عن الخطايا.
الآيات (19-20):-
"19مَنْ هُوَ أَعْمَى إِلاَّ
عَبْدِي، وَأَصَمُّ كَرَسُولِي الَّذِي أُرْسِلُهُ؟ مَنْ هُوَ أَعْمَى
كَالْكَامِلِ، وَأَعْمَى كَعَبْدِ الرَّبِّ؟ 20نَاظِرٌ كَثِيرًا وَلاَ
تُلاَحِظُ. مَفْتُوحُ الأُذُنَيْنِ وَلاَ يَسْمَعُ»."
مَنْ هُوَ أَعْمَى إِلاَّ عَبْدِي =
عبد الرب هنا هو إسرائيل الذي أرسله الله كرسول وسط الأمم ليشهدوا لله، والله وضع
في وسطهم الهيكل وأعطاهم الشريعة وكل شيء ليكونوا كَالْكَامِلِ
= إذ إنتظر منهم القداسة ولكنهم استمروا في عماهم. نَاظِرٌ
كَثِيرًا وَلاَ تُلاَحِظُ = فالمسيح صنع في وسطهم الكثير ولم يعرفوه.
آية (21):- "21الرَّبُّ قَدْ سُرَّ مِنْ أَجْلِ بِرِّهِ. يُعَظِّمُ الشَّرِيعَةَ
وَيُكْرِمُهَا. "
الرب
من أجل أمانته في تتميم مواعيده وبالرغم من عماهم سُرَ أن يخلصهم ويعظم شريعته
التي أعطاها لهم ولأبائهم.
آية (22):- "22وَلكِنَّهُ شَعْبٌ مَنْهُوبٌ وَمَسْلُوبٌ. قَدِ اصْطِيدَ فِي
الْحُفَرِ كُلُّهُ، وَفِي بُيُوتِ الْحُبُوسِ اخْتَبَأُوا. صَارُوا نَهْبًا وَلاَ
مُنْقِذَ، وَسَلَبًا وَلَيْسَ مَنْ يَقُولُ: «رُدَّ!». "
الله
يريد أن يخلصهم ولكنهم لم يريدوا (مت 23 : 37) ونرى هنا الآلام التي سيعانون منها
إذ رفضوا المسيح وصلبوه.
الآيات (23-25):- "23مَنْ مِنْكُمْ يَسْمَعُ هذَا؟ يَصْغَى وَيَسْمَعُ لِمَا بَعْدُ؟ 24مَنْ
دَفَعَ يَعْقُوبَ إِلَى السَّلَبِ وَإِسْرَائِيلَ إِلَى النَّاهِبِينَ؟ أَلَيْسَ
الرَّبُّ الَّذِي أَخْطَأْنَا إِلَيْهِ وَلَمْ يَشَاءُوا أَنْ يَسْلُكُوا فِي
طُرُقِهِ وَلَمْ يَسْمَعُوا لِشَرِيعَتِهِ. 25فَسَكَبَ عَلَيْهِ
حُمُوَّ غَضَبِهِ وَشِدَّةَ الْحَرْبِ، فَأَوْقَدَتْهُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ
وَلَمْ يَعْرِفْ، وَأَحْرَقَتْهُ وَلَمْ يَضَعْ فِي قَلْبِهِ. "
هي
شرح للآية (22).