الإصحاح الرابع والأربعون

 

هنا نجد وعود وبركات بعد العودة من السبي. وهنا تكملة للإصحاح السابق يعلن فيه الله عن تحقيق خلاصنا بسكب روحه القدوس على كنيسته لأجل تجديدها المستمر. وليعطها بروحه شبعاً عوضاً عن الفراغ الروحي أيام عبادتها للأصنام فتكون كنيسته شاهدة له.

 

الآيات (1-2):- "1«وَالآنَ اسْمَعْ يَا يَعْقُوبُ عَبْدِي، وَإِسْرَائِيلُ الَّذِي اخْتَرْتُهُ. 2هكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ صَانِعُكَ وَجَابِلُكَ مِنَ الرَّحِمِ، مُعِينُكَ: لاَ تَخَفْ يَا عَبْدِي يَعْقُوبُ، وَيَا يَشُورُونُ الَّذِي اخْتَرْتُهُ. "

عبد الرب هنا هم المؤمنون الأتقياء أي الكنيسة المفدية التي أُرسِل لها الروح القدس. يَشُورُونُ = دُعِي إسرائيل بهذا الاسم 4 مرات (تث 32 : 5 + 33 :5) ومعناه المستقيم. وإسرائيل الروحي هي الكنيسة لذلك سماها يشورون. فيشورون أي المستقيم ليس إسرائيل الخاطئة بل الكنيسة. الرَّحِمِ = المعمودية.

 

آية (3):- "3لأَنِّي أَسْكُبُ مَاءً عَلَى الْعَطْشَانِ، وَسُيُولاً عَلَى الْيَابِسَةِ. أَسْكُبُ رُوحِي عَلَى نَسْلِكَ وَبَرَكَتِي عَلَى ذُرِّيَّتِكَ. "

المقصود بالماء هو الروح القدس لأنه:

1- ينزل من فوق كالمطر.

2- يُطهر القلوب كما الماء للجسد.

3- الجسد كالأرض فالأجساد أخذت من الأرض (تراب الأرض) والماء يعطيها أن تثمر (غل 5 : 22، 23)

4- يحل على البشر بالقوة والكثرة كما المطر الغزير.

5- من تذوق عطاياه ومواهبه يشعر بالعطش إليه وعمل الروح في الكنيسة هو الذي يجعلها تسمى يشورون أي المستقيم.

والماء يشير للروح القدس كما يظهر بوضوح من هذه الآية (يو37:7-39).

 

آية (4):- "4فَيَنْبُتُونَ بَيْنَ الْعُشْبِ مِثْلَ الصَّفْصَافِ عَلَى مَجَارِي الْمِيَاهِ. "

المؤمنون يكونون كالصفصاف وهو نبات مرتفع الساق وغير المؤمنين كالعشب الذي يداس. ولاحظ أن الصفصاف يحتاج لمياه كثيرة.

 

آية (5):- "5هذَا يَقُولُ: أَنَا لِلرَّبِّ، وَهذَا يُكَنِّي بِاسْمِ يَعْقُوبَ، وَهذَا يَكْتُبُ بِيَدِهِ: لِلرَّبِّ، وَبِاسْمِ إِسْرَائِيلَ يُلَقِّبُ»."

هذَا يَقُولُ أَنَا لِلرَّبِّ = المؤمنون يكرسون أنفسهم للرب. وَهذَا يُكَنِّي بِاسْمِ يَعْقُوبَ = يشير لانضمام المؤمنين إلى الكنيسة ودعوتهم باسم المسيح، فالمؤمنين سينسون نسبتهم لبلادهم وعائلاتهم ويفتخرون باسم مسيحي الذي حصلوا عليه. وَهذَا يَكْتُبُ بِيَدِهِ = وفى ترجمة (أخرى) يتعهد بيده للرب، يتعهد بأن يكون للرب.

 

الآيات (6-7):- "6هكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ وَفَادِيهِ، رَبُّ الْجُنُودِ: «أَنَا الأَوَّلُ وَأَنَا الآخِرُ، وَلاَ إِلهَ غَيْرِي. 7وَمَنْ مِثْلِي؟ يُنَادِي، فَلْيُخْبِرْ بِهِ وَيَعْرِضْهُ لِي مُنْذُ وَضَعْتُ الشَّعْبَ الْقَدِيمَ. وَالْمُسْتَقْبِلاَتُ وَمَا سَيَأْتِي لِيُخْبِرُوهُمْ بِهَا. "

أَنَا الأَوَّلُ وَأَنَا الآخِر= هنا لقب يهوه وفى (رؤ 1 : 17) لقب المسيح فيكون المسيح قطعاً هو يهوه. وهذه الآية يقف أمامها شهود يهوه حيارى.

 

آية (8):- "8لاَ تَرْتَعِبُوا وَلاَ تَرْتَاعُوا. أَمَا أَعْلَمْتُكَ مُنْذُ الْقَدِيمِ وَأَخْبَرْتُكَ؟ فَأَنْتُمْ شُهُودِي. هَلْ يُوجَدُ إِلهٌ غَيْرِي؟ وَلاَ صَخْرَةَ لاَ أَعْلَمُ بِهَا؟»"

لاَ تَرْتَعِبُوا = من كل ما يحدث من مظاهر قوة الأصنام (خاصة في بابل ) فلا يوجد صَخْرَةَ = لها قوة وثبات إلا الله صخرتنا.

 

آية (9):- "9الَّذِينَ يُصَوِّرُونَ صَنَمًا كُلُّهُمْ بَاطِلٌ، وَمُشْتَهَيَاتُهُمْ لاَ تَنْفَعُ، وَشُهُودُهُمْ هِيَ. لاَ تُبْصِرُ وَلاَ تَعْرِفُ حَتَّى تَخْزَى. "

الذين يصنعون الأصنام هم بشر محدودي القدرة فكم بالأولى الأصنام التي يصنعونها. هنا سخرية من الأصنام حتى لا ينخدع اليهود في السبي بقوة آلهة البابليين ويكون لهم ثقة في يهوة إلههم القوى. مُشْتَهَيَاتُهُمْ = أصنامهم وَشُهُودُهُمْ هِيَ = الأصنام تشهد على نفسها أنها لا تسمع ولا تعرف فسيخزى عابدوها.

 

الآيات (10-11):- "10مَنْ صَوَّرَ إِلهًا وَسَبَكَ صَنَمًا لِغَيْرِ نَفْعٍ؟ 11هَا كُلُّ أَصْحَابِهِ يَخْزَوْنَ وَالصُّنَّاعُ هُمْ مِنَ النَّاسِ. يَجْتَمِعُونَ كُلُّهُمْ، يَقِفُونَ يَرْتَعِبُونَ وَيَخْزَوْنَ مَعًا. "

يَجْتَمِعُونَ = كما أجتمع ديمتريوس وشعب أفسس يصرخون ساعتين  عظيمة هي أرطاميس آلهة الأفسسين. وليس هذا الصراخ سوى تعبير عن رعبهم وخزيهم فهم لهم آلهة ومن المخجل أنهم يدافعون عنها. وأما نحن فلنا إله يدافع عنا حتى ونحن صامتون فلا نخزى (أع 19 : 28، 29).

 

آية (12):- "12طَبَعَ الْحَدِيدَ قَدُومًا، وَعَمِلَ فِي الْفَحْمِ، وَبِالْمَطَارِقِ يُصَوِّرُهُ فَيَصْنَعُهُ بِذِرَاعِ قُوَّتِهِ. يَجُوعُ أَيْضًا فَلَيْسَ لَهُ قُوَّةٌ. لَمْ يَشْرَبْ مَاءً وَقَدْ تَعِبَ. "

كان من عادة صانعي الأوثان أن لا يأكلوا ولا يشربوا حتى ينتهوا من عملهم (هذه الجدية تدين تهاوننا نحن المؤمنين) فإن كانوا هم الصانعين تخور قوتهم فكم بالأولى ضعف وتفاهة الآلهة التي يصنعونها.

 

آية (13):- "13نَجَّرَ خَشَبًا. مَدَّ الْخَيْطَ. بِالْمِخْرَزِ يُعَلِّمُهُ، يَصْنَعُهُ بِالأَزَامِيلِ، وَبِالدَّوَّارَةِ يَرْسُمُهُ. فَيَصْنَعُهُ كَشَبَهِ رَجُل، كَجَمَالِ إِنْسَانٍ، لِيَسْكُنَ فِي الْبَيْتِ! "

الآية السابقة عن صانع الأوثان الحديدية وهذه عن صانعي الأوثان الخشبية.

 

الآيات (14-17):- "14قَطَعَ لِنَفْسِهِ أَرْزًا وَأَخَذَ سِنْدِيَانًا وَبَلُّوطًا، وَاخْتَارَ لِنَفْسِهِ مِنْ أَشْجَارِ الْوَعْرِ. غَرَسَ سَنُوبَرًا وَالْمَطَرُ يُنْمِيهِ. 15فَيَصِيرُ لِلنَّاسِ لِلإِيقَادِ. وَيَأْخُذُ مِنْهُ وَيَتَدَفَّأُ. يُشْعِلُ أَيْضًا وَيَخْبِزُ خُبْزًا، ثُمَّ يَصْنَعُ إِلهًا فَيَسْجُدُ! قَدْ صَنَعَهُ صَنَمًا وَخَرَّ لَهُ. 16نِصْفُهُ أَحْرَقَهُ بِالنَّارِ. عَلَى نِصْفِهِ يَأْكُلُ لَحْمًا. يَشْوِي مَشْوِيًّا وَيَشْبَعُ! يَتَدَفَّأُ أَيْضًا وَيَقُولُ: «بَخْ! قَدْ تَدَفَّأْتُ. رَأَيْتُ نَارًا». 17وَبَقِيَّتُهُ قَدْ صَنَعَهَا إِلهًا، صَنَمًا لِنَفْسِهِ! يَخُرُّ لَهُ وَيَسْجُدُ، وَيُصَلِّي إِلَيْهِ وَيَقُولُ: «نَجِّنِي لأَنَّكَ أَنْتَ إِلهِي»."

الإنسان هو الذي غرس الشجرة وهو الذي قطعها ليتدفأ ببعضها ويشوى لحماً بالبعض ويقول بخ AHA علامة اندهاش ويصنع ببقية الخشب إلهاً.

 

الآيات (18-19):- "18لاَ يَعْرِفُونَ وَلاَ يَفْهَمُونَ لأَنَّهُ قَدْ طُمِسَتْ عُيُونُهُمْ عَنِ الإِبْصَارِ، وَقُلُوبُهُمْ عَنِ التَّعَقُّلِ. 19وَلاَ يُرَدِّدُ فِي قَلْبِهِ وَلَيْسَ لَهُ مَعْرِفَةٌ وَلاَ فَهْمٌ حَتَّى يَقُولَ: «نِصْفَهُ قَدْ أَحْرَقْتُ بِالنَّارِ، وَخَبَزْتُ أَيْضًا عَلَى جَمْرِهِ خُبْزًا، شَوَيْتُ لَحْمًا وَأَكَلْتُ. أَفَأَصْنَعُ بَقِيَّتَهُ رِجْسًا، وَلِسَاقِ شَجَرَةٍ أَخُرُّ؟»"

سبب هذه الغباوة ليس ضعف العقل بل قساوة القلب ومحبة الخطية فهم لا يريدون أن يعرفوا الإله الطاهر القدوس الذي لا يرضى بالخطية فيغمضون عيونهم ويقسون قلوبهم بإرادتهم.

 

آية (20):- "20يَرْعَى رَمَادًا. قَلْبٌ مَخْدُوعٌ قَدْ أَضَلَّهُ فَلاَ يُنَجِّي نَفْسَهُ وَلاَ يَقُولُ: «أَلَيْسَ كَذِبٌ فِي يَمِينِي؟»."

يَرْعَى رَمَادًا = هؤلاء الوثنيون يخدعون أنفسهم، فهم يراعون أخشاب (أحرقوا بقيتها في التدفئة والشواء فتحولت رماداً) لو احترقت أيضاً لتحولت إلى رماد. وهم ينتظرون أن يكون لهم خير من وراء هذا. ولاَ يُنَجِّي نَفْسَهُ = فهم مازالوا يخافون من الأرواح الشريرة وتقلبات الطبيعة ومن الموت ويعانون من تسلط الشهوات.

كَذِبٌ فِي عينيه = لا يعترف بأن هناك خطأ في الأمور الجوهرية.

 

الآيات (21-23):- "21«اُذْكُرْ هذِهِ يَا يَعْقُوبُ، يَا إِسْرَائِيلُ، فَإِنَّكَ أَنْتَ عَبْدِي. قَدْ جَبَلْتُكَ. عَبْدٌ لِي أَنْتَ. يَا إِسْرَائِيلُ لاَ تُنْسَيِ مِنِّي. 22قَدْ مَحَوْتُ كَغَيْمٍ ذُنُوبَكَ وَكَسَحَابَةٍ خَطَايَاكَ. اِرْجِعْ إِلَيَّ لأَنِّي فَدَيْتُكَ». 23تَرَنَّمِي أَيَّتُهَا السَّمَاوَاتُ لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ فَعَلَ. اِهْتِفِي يَا أَسَافِلَ الأَرْضِ. أَشِيدِي أَيَّتُهَا الْجِبَالُ تَرَنُّمًا، الْوَعْرُ وَكُلُّ شَجَرَةٍ فِيهِ، لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ فَدَى يَعْقُوبَ، وَفِي إِسْرَائِيلَ تَمَجَّدَ. "

لاَ تُنْسَيِ مِنِّي = الله لا ينسى شعبه، أما الشعب فقد ظنوا أن الله قد نساهم. والذُنُوبَ كَغَيْمٍ = لأنها تفصل الإنسان عن الله وتجلب على الإنسان غضب الله كالرعود. والله سيزيلها فيعود ضوء الشمس يظهر، أي حنان ومحبة الله. وكل ما يطلبه الله اِرْجِعْ إِلَيَّ بالتوبة. وحينما نذكر الله ونرجع له يذكرنا الله ويحارب من أسلمنا ليدهم ويحمق حكمتهم ويكذب حكماؤهم الذين تنبئوا لهم بدوام السيادة.

 

الآيات (24-25):- "24هكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ فَادِيكَ وَجَابِلُكَ مِنَ الْبَطْنِ: «أَنَا الرَّبُّ صَانِعٌ كُلَّ شَيْءٍ، نَاشِرٌ السَّمَاوَاتِ وَحْدِي، بَاسِطٌ الأَرْضَ. مَنْ مَعِي؟ 25مُبَطِّلٌ آيَاتِ الْمُخَادِعِينَ وَمُحَمِّقٌ الْعَرَّافِينَ. مُرَجِّعٌ الْحُكَمَاءَ إِلَى الْوَرَاءِ، وَمُجَهِّلٌ مَعْرِفَتَهُمْ. "

فَادِيكَ = المسيح ، وهنا تشير إلى الله الذي سيفدى شعبه من سبى بابل. مُبَطِّلٌ آيَاتِ الْمُخَادِعِينَ = كل ما يحدث يوافق أقوال الرب تماماً ويكذب أقول العرافين. مُرَجِّعٌ الْحُكَمَاءَ إِلَى الْوَرَاءِ = أي يظهر فساد أراء مدعِى الحكمة.

 

الآيات (26-28):- "26مُقِيمٌ كَلِمَةَ عَبْدِهِ، وَمُتَمِّمٌ رَأْيَ رُسُلِهِ. الْقَائِلُ عَنْ أُورُشَلِيمَ: سَتُعْمَرُ، وَلِمُدُنِ يَهُوذَا: سَتُبْنَيْنَ، وَخِرَبَهَا أُقِيمُ. 27الْقَائِلُ لِلُّجَّةِ: انْشَفِي، وَأَنْهَارَكِ أُجَفِّفُ. 28الْقَائِلُ عَنْ كُورَشَ: رَاعِيَّ، فَكُلَّ مَسَرَّتِي يُتَمِّمُ. وَيَقُولُ عَنْ أُورُشَلِيمَ: سَتُبْنَى، وَلِلْهَيْكَلِ: سَتُؤَسَّسُ»."

مُقِيمٌ كَلِمَةَ عَبْدِهِ = أي سيتمم الله كل نبوات إشعيا عبد الرب. وَمُتَمِّمٌ رَأْيَ رُسُلِهِ = الأنبياء كأرمياء (أر 29 : 1-14) وحزقيال (39 : 25-28) وغيرهم. الْقَائِلُ لِلُّجَّةِ = أي نهر الفرات الذي نشفه كورش لما أخذ بابل وهذا عمل الله لأنه أنهض كورش وأرسله. الْقَائِلُ عَنْ كُورَشَ = الرب هنا ذكر أسم كورش صراحة. وكورش معنى أسمه شمس رمز للمسيح شمس البر ومعنى أسمه بالآرامية راعٍ. وقد ذكر أسم كورش قبل أن يولد بما يزيد عن المائة عام. وذكر أسمه برهان قاطع على أن الرب هو الإله الحقيقي وحده. وحينما رأى كورش هذه النبوة قال الرب إله السماء أوصاني... (عز 1 :2) يوسيفوس المؤرخ اليهودي أن دانيال (هو الذي أعطى هذه النبوة لكورش). كُورَشَ: رَاعِيَّ = قيل أن كورش أحب هذا اللقب وقال فعلاً يجب أن يكون الملك راعٍ. ولكن هنا كورش الراعي يرمز للراعي الحقيقي الذي سيحرر شعبه ويرعاهم بعد كورش بحوالي 536 سنه.