يظهر هنا كم أن
الخطية خاطئة جداً وكم أن نعم الله كريمة جداً ونرى أن خطية الإنسان توقف مراحم
الله وإحساناته. هنا يتحدث عن العصيان كعائق، عصيان الله يكون الحاجز للبركات
الإلهية وحاجز يفصل بين الله والإنسان.
الآيات (1-2):- "1هَا إِنَّ يَدَ الرَّبِّ لَمْ تَقْصُرْ عَنْ أَنْ تُخَلِّصَ،
وَلَمْ تَثْقَلْ أُذُنُهُ عَنْ أَنْ تَسْمَعَ. 2بَلْ آثَامُكُمْ
صَارَتْ فَاصِلَةً بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِلهِكُمْ، وَخَطَايَاكُمْ سَتَرَتْ
وَجْهَهُ عَنْكُمْ حَتَّى لاَ يَسْمَعَ. "
الله يسمع
ويريد أن يخلص ولكن ما يمنع هذا هو خطايانا، فالذي يعيق عمل الخلاص إرادتي أنا لا
إرادة الله، وهذا عين ما قاله السيد المسيح لليهود (مت 23 : 37).
آية (3):-
"3لأَنَّ أَيْدِيَكُمْ قَدْ
تَنَجَّسَتْ بِالدَّمِ، وَأَصَابِعَكُمْ بِالإِثْمِ. شِفَاهُكُمْ تَكَلَّمَتْ
بِالْكَذِبِ، وَلِسَانُكُمْ يَلْهَجُ بِالشَّرِّ. "
الأيدي
والأصابع والشفاه عوضاً عن أن تصبح آلات بر، أصبحت آلات إثم، فعوضاً عن أن ترتفع
الأيدي بالصلاة والشفتين تسبحان، فالأيدي أصبحت تضرب بلكمة الشر (أش 58 : 4)
والشفاه تهزأ بالناس (57 :4) والدم هنا قد يكون عثرة أحد الأبرياء = لأَنَّ أَيْدِيَكُمْ قَدْ تَنَجَّسَتْ بِالدَّمِ.
فلنصلى نجنى من الدماء يا الله.
الآيات (4-6):- "4لَيْسَ مَنْ يَدْعُو بِالْعَدْلِ، وَلَيْسَ مَنْ يُحَاكِمُ
بِالْحَقِّ. يَتَّكِلُونَ عَلَى الْبَاطِلِ، وَيَتَكَلَّمُونَ بِالْكَذِبِ. قَدْ
حَبِلُوا بِتَعَبٍ، وَوَلَدُوا إِثْمًا. 5فَقَسُوا بَيْضَ أَفْعَى،
وَنَسَجُوا خُيُوطَ الْعَنْكَبُوتِ. الآكِلُ مِنْ بَيْضِهِمْ يَمُوتُ، وَالَّتِي
تُكْسَرُ تُخْرِجُ أَفْعَى. 6خُيُوطُهُمْ لاَ تَصِيرُ ثَوْبًا، وَلاَ
يَكْتَسُونَ بِأَعْمَالِهِمْ. أَعْمَالُهُمْ أَعْمَالُ إِثْمٍ، وَفَعْلُ الظُّلْمِ
فِي أَيْدِيهِمْ. "
نرى هنا 3 صور
للخداع موجودة في الأشرار :
1)
كمن يحبل بدون ولادة بنين ، بل ان ولد تلد ولدا شريرا.
2) بيض لا يشبع
بل يقتل.
3) نسيج عنكبوت
لا يستر بل يقتل.
فطبيعة الخطية الخداع وعاقبتها موت. لَيْسَ مَنْ يَدْعُو بِالْعَدْلِ = الشعب
وحكامه، الكل صاروا لا يحبون العدل، بل الكل يلجأ لشهادة الزور والباطل. الكل يجرى
وراء خطاياه وشهواته حتى لو ظلم الآخرين. والخطايا عاقبتها دائماً الآلام = حَبِلُوا بِتَعَبٍ فالله يسمح بهذه الآلام لعل
الخاطئ يمتنع. ولكنهم لم يتوبوا وأصروا على تنفيذ خطاياهم والاستمرار فيها،
والخطية طالما خرجت لحيز الوجود يقال أن الخاطئ قد ولدها، أما وهى في طور التفكير
يقال أنه حبل بها = وَوَلَدُوا إِثْمًا
(يع 1 : 15) إذاً هم تعبوا وخططوا للخطية وصاحب ذلك ألاما سمح بها الله لعلهم
يتوبون ولكن كان ذلك بلا فائدة إذ هم نفذوا الخطية.
ومنهم من يمارس
أعمال تقوى ظاهرية ولكنه لا يمتنع عن ارتكاب الإثم فهذا كمن فَقَسُوا بَيْضَ أَفْعَى ، من يكسره ليأكله
يموت = الآكِلُ مِنْ بَيْضِهِمْ يَمُوتُ
= أي من يتعامل بهم ويقتدي بهم. هنا لا نرى عملية ولادة، أي لا نرى خطايا ظاهرة بل
نرى بيضاً، هنا غش وخداع، بيض يحمل هيئة أشياء صالحة للأكل. هذا كمن يقدم تعاليم
عقائدية مغشوشة، أو كمن يقدم تعاليم نظرية وهو ينكر قوة التقوى، "لهم صورة
التقوى وهم ينكرون قوتها" فيعيشون في خطاياهم ويبررونها فيعثرون الأبرياء.
ولو تركت هذا البيض إلى حين ستظهر حقيقته ويخْرِجُ
منه أَفْعَى. فسواء كسر أو فقس فسيخرج
شيئاً ساماً قاتلاً.
أما
الْعَنْكَبُوتِ فهو ينسج خيوط ولكنها أبداً لا تصير ثوباً يكتسي به
أحداً. وهكذا كل من يحاول أن يكتسي ببره الذاتي، أما دودة القز فتعطى ثياباً بهية
جداً ولكنها تموت أولاً. ففي المسيح الذي مات أولاً نلبس ثياب البر، ثياب الخلاص.
وهذا تفسيرل " أما أنا فدودة لا إنسان" أي أنه بذل حياته لنكتسي نحن
مجداً. وهناك تفسير آخر أن الخاطئ يتوهم أنه يبنى قلاعاً من اللذة بشهواته وخطاياه
ولكن حقيقة يبنى نسيج عنكبوت، من أوهي ما يمكن بل هو قاتل للذباب الذي يشير للأبرياء
الذين يقتربون في إعجاب من هؤلاء الخطاة ويقتدون بهم فيهلكوا إذ يعثرون بسببهم.
الآيات (7-8):- "7أَرْجُلُهُمْ إِلَى الشَّرِّ تَجْرِي، وَتُسْرِعُ إِلَى سَفْكِ
الدَّمِ الزَّكِيِّ. أَفْكَارُهُمْ أَفْكَارُ إِثْمٍ. فِي طُرُقِهِمِ اغْتِصَابٌ
وَسَحْقٌ. 8طَرِيقُ السَّلاَمِ لَمْ يَعْرِفُوهُ، وَلَيْسَ فِي
مَسَالِكِهِمْ عَدْلٌ. جَعَلُوا لأَنْفُسِهِمْ سُبُلاً مُعْوَجَّةً. كُلُّ مَنْ
يَسِيرُ فِيهَا لاَ يَعْرِفُ سَلاَمًا. "
إقتبسها بولس
الرسول في (رو 3 : 15) أَرْجُلُهُمْ =
الأرجل هي التي توجه الإنسان والمعنى أن اتجاهات الإنسان الخاطئة تقوده للشر
ويُعَلِم الآخرين فيسفك دماً زكياً. أَفْكَارُهُمْ
= أي مصدر شرورهم وأعمالهم. اغْتِصَابٌ وَسَحْقٌ
يغتصبون ويسحقون البائس. طَرِيقُ السَّلاَمِ =
مع الله لا يوجد سلام فهم أشرار ومع الناس لا يوجد إذ هم لا يسالمون أحداً
وأعمالهم ردية، كذب وظلم وغش.
آية (9):-
"9مِنْ أَجْلِ ذلِكَ
ابْتَعَدَ الْحَقُّ عَنَّا، وَلَمْ يُدْرِكْنَا الْعَدْلُ. نَنْتَظِرُ نُورًا
فَإِذَا ظَلاَمٌ. ضِيَاءً فَنَسِيرُ فِي ظَلاَمٍ دَامِسٍ. "
لذلِكَ
ابْتَعَدَ الْحَقُّ = أي الله. وخلاصه عَنَّا = فالنبي يتكلم باسم الشعب كاعتراف بالخطايا
وكتوبة هو نائب عنهم فيها.
آية (10):- "10نَتَلَمَّسُ الْحَائِطَ كَعُمْيٍ، وَكَالَّذِي بِلاَ أَعْيُنٍ
نَتَجَسَّسُ. قَدْ عَثَرْنَا فِي الظُّهْرِ كَمَا فِي الْعَتَمَةِ، فِي الضَّبَابِ
كَمَوْتَى. "
الله نور فإذا
ابتعد الله صاروا في ظلمة كَعُمْيٍ.
والله حياة فإذا أبتعد الله يكونون كَمَوْتَى
= والله يشبه الخطاة بالموتى لابتعاد الله عنهم "لك أسم أنك حي وأنت
ميت" (رؤ 3 :1) + إبنى هذا كان ميتاً فعاش (الابن الضال)
آية (11):- "11نَزْأَرُ كُلُّنَا كَدُبَّةٍ، وَكَحَمَامٍ هَدْرًا نَهْدِرُ.
نَنْتَظِرُ عَدْلاً وَلَيْسَ هُوَ، وَخَلاَصًا فَيَبْتَعِدُ عَنَّا. "
صوت الدبة وصوت
الحمام كصوت الموجوع والمحزون وذلك بسبب ابتعاد الله وخلاصه عنهم. والعَدْل= هو الخلاص من ظالميهم وهذا لا يحدث
لخطاياهم.
آية (12):-
"12لأَنَّ مَعَاصِيَنَا
كَثُرَتْ أَمَامَكَ، وَخَطَايَانَا تَشْهَدُ عَلَيْنَا، لأَنَّ مَعَاصِيَنَا
مَعَنَا، وَآثَامَنَا نَعْرِفُهَا. "
معاصيهم أمام
الرب، هو يراها ويعرفها ولا يقدرون أن يخفوا عنه شيئاً.
الآيات (13-15):- "13تَعَدَّيْنَا وَكَذِبْنَا عَلَى الرَّبِّ، وَحِدْنَا مِنْ وَرَاءِ
إِلهِنَا. تَكَلَّمْنَا بِالظُّلْمِ وَالْمَعْصِيَةِ. حَبِلْنَا وَلَهَجْنَا مِنَ
الْقَلْبِ بِكَلاَمِ الْكَذِبِ. 14وَقَدِ ارْتَدَّ الْحَقُّ إِلَى
الْوَرَاءِ، وَالْعَدْلُ يَقِفُ بَعِيدًا. لأَنَّ الصِّدْقَ سَقَطَ فِي
الشَّارِعِ، وَالاسْتِقَامَةَ لاَ تَسْتَطِيعُ الدُّخُولَ. 15وَصَارَ
الصِّدْقُ مَعْدُومًا، وَالْحَائِدُ عَنِ الشَّرِّ يُسْلَبُ. فَرَأَى الرَّبُّ
وَسَاءَ فِي عَيْنَيْهِ أَنَّهُ لَيْسَ عَدْلٌ.
هذا اعتراف
بالخطايا لأَنَّ الصِّدْقَ سَقَطَ فِي الشَّارِعِ
= كان القضاة يجلسون في الساحات وأبواب المدينة والشوارع ليحكموا، ومعنى هذا الحكم
الظالم من القضاة أن الصدق سقط في وقت الحكم وفى مكان الحكم. إذَ صَارَ الصِّدْقُ مَعْدُومًا. حينما يحدث هذا
يصبح الناس في حالة مزرية مثل الوحوش وَالْحَائِدُ
عَنِ الشَّرِّ يُسْلَبُ لأن جميع الناس اعتصموا بالكذب والغش والظلم،
فالصادق المستقيم العادل لم يقدر أن يسلك معهم بل هم سلبوه. هم في شرهم العنيف
كانوا كتيار يجرف من يقف ضدهم فيظلمونه ويسلبونه.
الآيات (16-17):- "16فَرَأَى أَنَّهُ لَيْسَ إِنْسَانٌ، وَتَحَيَّرَ مِنْ أَنَّهُ
لَيْسَ شَفِيعٌ. فَخَلَّصَتْ ذِرَاعُهُ لِنَفْسِهِ، وَبِرُّهُ هُوَ عَضَدَهُ. 17فَلَبِسَ
الْبِرَّ كَدِرْعٍ، وَخُوذَةَ الْخَلاَصِ عَلَى رَأْسِهِ. وَلَبِسَ ثِيَابَ
الانْتِقَامِ كَلِبَاسٍ، وَاكْتَسَى بِالْغَيْرَةِ كَرِدَاءٍ. "
بالرغم من كل
الشرور المذكورة لم يأتي الله كمنتقم بل أتى كمخلص فَرَأَى
أَنَّهُ لَيْسَ إِنْسَانٌ = لم يوجد إنسان يستحق الخلاص، ولم يوجد
الإنسان الذي من بني آدم القادر أن يخلص، أو يموت فداءً عن البشر. وَتَحَيَّر = الله لا يتحيَر ولكن المعنى يفيد
أن وضع البشر كان يدفع للحيرة. فحالهم ميئوس منه سائرين في طريق الموت، هالكين
للأبد... لكنهم في النهآية هم أولاد الله.. والله لا يرضى بذلك. موت الإنسان
وهلاكه هو قضية تحدى بها الشيطان عقل الله وقوته، كأنه يقول ها هم أولادك وليس
شفيع لهم، ها قد نجحت حيلتي مع أبويهم آدم وحواء وهلكوا ولكن هنا نرى ذِرَاعُ الله = أي قوته وحكمته (الأقنوم الثاني)
الذي تجسد فصار لنا شفيعاً كفاريا وخلاصاً. فهو الله غير المحدود فيستطيع أن يقدم
فداءً غير محدود لخطايا غير محدودة وهو بار = بِرُّهُ
هُوَ عَضَدَهُ= لذلك لن يموت عن خطيته بل يموت عن خطايا الآخرين. ونراه
هنا في صورة محارب اتى لينقذ عروسته أي كنيسته، شعبه، نراه في غيرته عليها لابساً ثِيَابَ الانْتِقَامِ. وله خُوذَةَ الْخَلاَصِ الخوذة تحمى الرأس، فماذا
كان في فكر المسيح سوى خلاص كنيسته.واليس من المحير حتي الان ان بعد كل ما قدمه
السيح من خلاص هناك من لا يزال يسير كأعمي وراء شهواته سائرا في طريق الموت .
آية (18):- "18حَسَبَ الأَعْمَالِ هكَذَا يُجَازِي مُبْغِضِيهِ سَخَطًا،
وَأَعْدَاءَهُ عِقَابًا. جَزَاءً يُجَازِي الْجَزَائِرَ. "
مبغضيه هنا هم
الشياطين ويرمز لهم هنا الأمم الساكنين في الجزائر.
آية (19):-
"19فَيَخَافُونَ مِنَ
الْمَغْرِبِ اسْمَ الرَّبِّ، وَمِنْ مَشْرِقِ الشَّمْسِ مَجْدَهُ. عِنْدَمَا
يَأْتِي الْعَدُوُّ كَنَهْرٍ فَنَفْخَةُ الرَّبِّ تَدْفَعُهُ. "
حين يظهر الرب
قوته في خلاص شعبه فبعض الشعوب يؤمن والبعض يخاف فقط دون أن يؤمن. وهكذا خاف جميع
الشعوب من إسرائيل عندما غرق جيش فرعون أمامهم. وعمل الشيطان كنهر يسقى منه الناس
ولكن من يشرب من هذا الماء يعطش (يو 4 : 13) والله سيبيده بنفخته (2كو 2 : 8) = فَنَفْخَةُ
الرَّبِّ تَدْفَعُهُ.
آية (20):-
"20«وَيَأْتِي الْفَادِي
إِلَى صِهْيَوْنَ وَإِلَى التَّائِبِينَ عَنِ الْمَعْصِيَةِ فِي يَعْقُوبَ،
يَقُولُ الرَّبُّ. "
تفهم
هذه الآية أن الرب يَأْتِي لصِهْيَوْنَ أي
للكنيسة ولكل تَّائِبِ عَنِ الْمَعْصِيَةِ وتفهم
أنه بعد أن "يعرف الرب في الشرق والغرب، وفى نهآية الأيام َيَأْتِي الرب لصِهْيَوْنَ وللتَّائِبِينَ عَنِ
الْمَعْصِيَةِ. (رؤ 11 : 26) ما معنى أن يأتي الله لصهيون. الله يأتي
لكنيسته كطبيب يأتي لمستشفى ليعالج مرضاه.
آية (21):- "21أَمَّا أَنَا فَهذَا عَهْدِي مَعَهُمْ، قَالَ الرَّبُّ: رُوحِي
الَّذِي عَلَيْكَ، وَكَلاَمِي الَّذِي وَضَعْتُهُ فِي فَمِكَ لاَ يَزُولُ مِنْ
فَمِكَ، وَلاَ مِنْ فَمِ نَسْلِكَ، وَلاَ مِنْ فَمِ نَسْلِ نَسْلِكَ، قَالَ
الرَّبُّ، مِنَ الآنَ وَإِلَى الأَبَدِ. "
أَمَّا أَنَا = الآب هو المتكلم. ومَعَهُمْ = مع المؤمنين التائبين من اليهود
والأمم. كَلاَمِي = الكتاب المقدس لا
يسقط منه حرف للأبد. والمعنى أن هذا هو كلام الآب موجه للابن، لأن الروح الذي حل
على الابن حل لحساب كنيسته وكلام الابن هو إنجيله، هذا سيكون في كنيسته للأبد. هنا
نرى إقامة عهد جديد مع البشرية مع تأكيد لتحقيق الوعود الإلهية.