الإصحاح الأول

 

الأيات (1-3):-" 1كَلاَمُ إِرْمِيَا بْنِ حَلْقِيَّا مِنَ الْكَهَنَةِ الَّذِينَ فِي عَنَاثُوثَ فِي أَرْضِ بَنْيَامِينَ، 2الَّذِي كَانَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلَيْهِ فِي أَيَّامِ يُوشِيَّا بْنِ آمُونَ مَلِكِ يَهُوذَا، فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ عَشْرَةَ مِنْ مُلْكِهِ. 3وَكَانَتْ فِي أَيَّامِ يَهُويَاقِيمَ بْنِ يُوشِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا، إِلَى تَمَامِ السَّنَةِ الْحَادِيَةِ عَشْرَةَ لِصِدْقِيَّا بْنِ يُوشِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا، إِلَى سَبْيِ أُورُشَلِيمَ فِي الشَّهْرِ الْخَامِسِ."

فيها تقديم السفر وزمن النبوة وخدمة إرمياء. وقد بدأ خدمته أيام يوشيا وكان قصد الله أن يساعد يوشيا فى إزالة العبادة الوثنية. وكانت كلمة الرب إليه= وهذا تفويض لهُ بالنبوة ورؤيا بالأشياء التى سوف يتنبأ عنها. وكان من المفروض حين يوجد ملك مثل يوشيا قديس ونبى مثل أرمياء النبى العظيم أن يقدم هذا الشعب توبة ولكن للأسف فهم إستمروا فى وثنيتهم ولذلك كانت نهايتهم الخراب. ولنلاحظ فترة خدمة النبى أنها حوالى 40 عاماً قبل السبى وهذا هو الإثم الذى حمله حزقيال على جانبه الأيمن لمدة 40 يوما (حز4) فمما ضاعف من خطية يهوذا وجود ملك ونبى عظماء مثل هؤلاء. ومع أن النبى إستمر فى نبواته بعد التاريخ المدون هنا إلا أنه حدد هذا التاريخ لأن نبوته كانت تختص بالسبى. وبالسبى تحقق ما تنبأ عنه.

 

الأيات (4-5):-" 4فَكَانَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلَيَّ قَائِلاً: 5«قَبْلَمَا صَوَّرْتُكَ فِي الْبَطْنِ عَرَفْتُكَ، وَقَبْلَمَا خَرَجْتَ مِنَ الرَّحِمِ قَدَّسْتُكَ. جَعَلْتُكَ نَبِيًّا لِلشُّعُوبِ». "

الله هو الذى يختار الراعى لشعبه. وهو الذى يعلم من البطن من يصلح لهذا العمل فيختاره. والله هنا يشجعه بهذه الكلمات أنه هو الذى إختارهُ وعينه نبياً للشعوب = من هم الشعوب الذين أرسله الله إليهم:

     1.            لأنه مُرْسَلْ أساساً لليهود فكأن الله إعتبرهم مثل الشعوب الباقية لوثنيتهم فأسماهم شعوب.

     2.            ولأن أرمياء  تنبأ أيضاً ضد الشعوب أى الأمم.

     3.            ولأن نبوة أرمياء  موجهة للأن لكل شعب فى كل العالم.

وكما إختار الله أرمياء من بطن أمه هكذا إختار بولس (غل 15:1) فالله الخالق العظيم يعرف كيف يستفيد من كل واحد من خليقته وبما أعطاه لهم من مواهب... قدستك = خصصتك.

 

آية (6):- " 6فَقُلْتُ: «آهِ، يَا سَيِّدُ الرَّبُّ، إِنِّي لاَ أَعْرِفُ أَنْ أَتَكَلَّمَ لأَنِّي وَلَدٌ». "

هنا إعتذار متواضع من أرمياء. فهو يشعر أنه صغير. وهو ليس تواضع مصطنع.

 

آية (7):- " 7فَقَالَ الرَّبُّ لِي: «لاَ تَقُلْ إِنِّي وَلَدٌ، لأَنَّكَ إِلَى كُلِّ مَنْ أُرْسِلُكَ إِلَيْهِ تَذْهَبُ وَتَتَكَلَّمُ بِكُلِّ مَا آمُرُكَ بِهِ."

الله هنا يشجعه أنه وراءه ويسنده فعليه أن لا يخاف. فإحساسنا بعدم إستحقاقنا للخدمة لا يجب أن يجعلنا ننسحب منها حين يدعونا الله. ويحسب لأرمياء أنه بعد تشجيع الله ووعده لم يُصَر على الإعتذار مثل موسى الذى غضب الله منه بسبب إصراره على الإعتذار. والله سبق وإختار صموئيل وهو صغير. فالله يعطى معرفة للعقل وكلمة عند إفتتاح الفم (1كو13:2، حز3).

 

آية (8):- " 8لاَ تَخَفْ مِنْ وُجُوهِهِمْ، لأَنِّي أَنَا مَعَكَ لأُنْقِذَكَ، يَقُولُ الرَّبُّ»."

وعد الله هنا ليس أن يزيل المشقات والمتاعب من أمامه، فالله لا يعفى خدامه من الضيقات بل يسندهم فيها ويحميهم وهذا ما يشجع خدام الله (أع10،9:18)، (حز9:3).

 

آية (9):- " 9وَمَدَّ الرَّبُّ يَدَهُ وَلَمَسَ فَمِي، وَقَالَ الرَّبُّ لِي: «هَا قَدْ جَعَلْتُ كَلاَمِي فِي فَمِكَ."

جمرة إشعياء كان فيها تطهير أما لمس الرب لفم إرمياء تشير للتأهيل والإعداد. فعليه أن لا يعترض بأنه لا يعرف أن يتكلم فالله هو الذى يسمعه ويعلمه ما يتكلم به (مت19:10)

 

آية (10):- " 10اُنْظُرْ! قَدْ وَكَّلْتُكَ هذَا الْيَوْمَ عَلَى الشُّعُوبِ وَعَلَى الْمَمَالِكِ، لِتَقْلَعَ وَتَهْدِمَ وَتُهْلِكَ وَتَنْقُضَ وَتَبْنِيَ وَتَغْرِسَ»."

هنا الله يعطيه سلطاناً فهو كمن يحكم ليس بالسيف ولكن بالكلمة. وكلتك = إذن هو وكيل لله وفى مقابل الكرامة هناك المسئولية. لتقلع وتهدم = نبواته بالدينونة والخراب هى إنذار بأن الخاطىء سيقلع، وتبنى وتغرس = نبواته بالرجوع من السبى هى وعد بأن التائب سيزرع من جديد ويبنى من جديد فى أرضه. ولكى يبنى من جديد يلزم أن ينقض القديم حتى الأساس. والله أراد أورشليم جديدة فنقض القديمة. والمعمودية هى موت ثم قيامة (رو6).

وهكذا الله يحوَل الولد الصغير بنعمته لجبار، فالله هو الذى يعمل.

 

الأيات(11-12):-" 11ثُمَّ صَارَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلَيَّ قَائِلاً: «مَاذَا أَنْتَ رَاءٍ يَا إِرْمِيَا؟» فَقُلْتُ: «أَنَا رَاءٍ قَضِيبَ لَوْزٍ». 12فَقَالَ الرَّبُّ لِي: «أَحْسَنْتَ الرُّؤْيَةَ، لأَنِّي أَنَا سَاهِرٌ عَلَى كَلِمَتِي لأُجْرِيَهَا». "

الله فى بدء تعامله مع أرمياء أراه رؤى تشير لخراب أورشليم حتى تنطبع فى قلبه طوال فترة خدمته. ونرى هذا فى هذه الرؤيا، قضيب اللوز والتى تليها، القدر. فالله يعلن أن الشعب نما للخراب وأن الخراب يُسْرِعْ حثيثاً تجاههم. وشجرة اللوز تزهر فى يناير مبكراً جداً قبل كل الأشجار وتعطى ثمارها فى مارس لذلك يسميها العبرانيون HASTY TREE   أى الشجرة المتعجلة. وهنا تلاعب بالألفاظ فأيضاً الله متعجل = ساهر على كلمته ليجريها، أى قراره بخراب أورشليم. فكلمة قضيب اللوز(شاقد) بالعبرية هى نفسها كلمة ساهر تقريباً (شوقد). والقضيب هو قضيب التأديب ضد أورشليم. ولأن الخطية ملأت أورشليم فالله يتعجل خرابها. وقال الله لأرمياء أحسنت لأنه عرف أنها شجرة لوز وهى لم تثمر بعد وهذا لا يعرفه إلا خبير. وكان أيضاً خراب أورشليم لم يظهر أى دليل لهُ ولكن أى خبير روحى يستطيع أن يراه فإذا زادت الخطية وتفشت فمن المؤكد أن وراء هذا خراب قريب.

 

الأيات (13-16):-" 13ثُمَّ صَارَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلَيَّ ثَانِيَةً قَائِلاً: «مَاذَا أَنْتَ رَاءٍ؟» فَقُلْتُ: «إِنِّي رَاءٍ قِدْرًا مَنْفُوخَةً، وَوَجْهُهَا مِنْ جِهَةِ الشِّمَالِ». 14فَقَالَ الرَّبُّ لِي: «مِنَ الشِّمَالِ يَنْفَتِحُ الشَّرُّ عَلَى كُلِّ سُكَّانِ الأَرْضِ. 15لأَنِّي هأَنَذَا دَاعٍ كُلَّ عَشَائِرِ مَمَالِكِ الشِّمَالِ، يَقُولُ الرَّبُّ، فَيَأْتُونَ وَيَضَعُونَ كُلُّ وَاحِدٍ كُرْسِيَّهُ فِي مَدْخَلِ أَبْوَابِ أُورُشَلِيمَ، وَعَلَى كُلِّ أَسْوَارِهَا حَوَالَيْهَا، وَعَلَى كُلِّ مُدُنِ يَهُوذَا. 16وَأُقِيمُ دَعْوَايَ عَلَى كُلِّ شَرِّهِمْ، لأَنَّهُمْ تَرَكُونِي وَبَخَّرُوا لآلِهَةٍ أُخْرَى، وَسَجَدُوا لأَعْمَالِ أَيْدِيهِمْ."

تشير رؤيا القدر، لقدر موضوع على فرن مشتعل يتم تغذيته بالوقود والنار من ناحية الشمال. والقدر تشير لأورشليم التى ستغلى        حالاً حين يشتعل الفرن وإشتعال الفرن يشير لهجوم بابل الذى سيأتى من جهة الشمال. وجيش بابل كان مكوناً من العشائر والشعوب التى وحَدها نبوخذ نصر تحت قيادته = هأنذا داعٍ كل عشائر. ويشير هذا لجيش بابل. وجيش بابل يستخدمه الله هنا كوسيلة تأديب. وهذا إنذار لهم لعلهم يتوبون عن وثنيتهم. والعقوبة تشير لإستيلاء الجيش البابلى على أسوار وأبواب أورشليم والمعنى أن من يستسلم للشيطان وإغراءاته سيسيطر الشيطان عليه ويحيطه ويستعبده.

قدر منفوخة = تترجم قدراً تغلى فى إضطراب. ووجهها جهة الشمال = أى مكان دخول النار.

 

الأيات( 17- 19):-" 17«أَمَّا أَنْتَ فَنَطِّقْ حَقْوَيْكَ وَقُمْ وَكَلِّمْهُمْ بِكُلِّ مَا آمُرُكَ بِهِ. لاَ تَرْتَعْ مِنْ وُجُوهِهِمْ لِئَلاَّ أُرِيعَكَ أَمَامَهُمْ. 18هأَنَذَا قَدْ جَعَلْتُكَ الْيَوْمَ مَدِينَةً حَصِينَةً وَعَمُودَ حَدِيدٍ وَأَسْوَارَ نُحَاسٍ عَلَى كُلِّ الأَرْضِ، لِمُلُوكِ يَهُوذَا وَلِرُؤَسَائِهَا وَلِكَهَنَتِهَا وَلِشَعْبِ الأَرْضِ. 19فَيُحَارِبُونَكَ وَلاَ يَقْدِرُونَ عَلَيْكَ، لأَنِّي أَنَا مَعَكَ، يَقُولُ الرَّبُّ، لأُنْقِذَكَ»."

نطق حقويك = إستعد لهذه الخدمة وآمن بأن الله سيسندك ولا تهتم بشىء أخر، أى إنزع عنك كل إهتمام وإنشغال دنيوى وإنشغل بهذه الخدمة. وعليك أن تبلغ الكلام الذى أضعه فى فمك كما هو = كلمهم بكل ما آمرك مهما كان من شدته ضد الشعب ولا ترتاع من وجوههم = فكلمة الله يجب أن تصل بامانة لهذا الشعب، وعليه أن لا يخاف منهم، فهم لن يقبلوا كلمة الله وسيخيفونه ولكن عليه أن يؤمن بأن الله يسنده، وإذا آمن بهذا يكون لهُ سلام وسيشعر بهذا السلام يملأ قلبه، أما لو خاف منهم وإرتعد فهذا معناه عدم ثقة فى الله فينزع الله سلامه منه = لئلا أريعك أمامهم = فالله هو الذى يعطى السلام ويعطى أيضاً الجسارة والقوة فماذا يحدث لو أن النبى بعد أن تكلم بكلمة الله خاف من نتائجها وشكَ فى حماية الله له؟ُ سيحرم من السلام والقوة فيرتاع بالأكثر. إذاً الإيمان هو أفضل حماية للإنسان ضد شر الأشرار ومكائدهم. وأنظر لوعد الله لهُ فى أية (19) فهو سيجعله محصناً ضد شرور الجميع، فقط عليه أن يؤمن. ولكن هذا لا يعنى أنه لن يكون هناك حروب ضده (20) فيحاربونك ولا يقدرون عليك لأنى معك.

 

خلاصة الإصحاح:-

فسد الإنسان بالخطية وإنساق لإبليس وإستعبده إبليس وكان الله يتعجل خلاص الإنسان (شجرة اللوز) وحينما جاء ملء الزمان (أزهرت الشجرة) جاء المسيح لينقض ويهدم (بالموت) ثم يغرس ويبنى (بالقيامة) (هوذا الكل صار جديداً).

ملاحظات

نرى فى أية 5 ان الله قد إختار أرمياء لعمله النبوى وهو ما زال فى بطن أمه. وهكذا إختار بولس لرسوليته وهو ما زال فى بطن أمه، وإختار يعقوب دون عيسو وهما ما زالا فى البطن (غل15:1) + (رو11:9) فما معنى هذا؟ راجع (رو29:8) "سبق فعرفهم" فالله يعرف ماذا سيكون عليه الشخص، وذلك وهو ما زال فى بطن أمه. ويقول بولس الرسول عن أولاد الله "أن الله سبق وخلقهم لأعمال صالحة أعدها لكى يسلكوا فيها" (أف10:2) إذاً فالله خلقنا وفق خطة معينة، ولكل منا فى حياته خطة، والله قدَس أولاده أى هو خصصهم وكرسهم لهُ، لينفذوا خطته التى وضعها كما قال لأرمياء "قدستك" ونحن نخرج من المعمودية والميرون مقدسين لله. بل أن الله يعطى لكل منا مواهب تعينه على تنفيذ هذه الخطة (وهى الوزنات) (1بط10:4).

 

خلاصة الإصحاح

فسد الإنسان بالخطية وإنساق لإبليس، فإستعبده إبليس وكان الله يتعجل خلاص الإنسان (شجرة اللوز المتعجلة). فمعنى رؤيا شجرة اللوز المباشر، هو أن الله يتعجل خراب أورشليم بسبب خطاياها، ولكن الله لا يُسر بموت الخاطىء مثل أن يرجع ويحيا (حزقيال23:18). والمعنى غير المباشر أن الله يُهلك أورشليم لكى يجددها، ويعيد تأسيسها، وهذا ما سيفعله المسيح ويكون أرمياء هنا رمزاً للمسيح. لذلك يقول الله لأرمياء أنه سيكون نبياً للشعوب والمسيح جاء لليهود والأمم. وأرمياء سينقض ويهدم وذلك بنبواته بهلاك أورشليم، والمسيح بموته وبالمعمودية يموت الإنسان العتيق، ويقلع المسيح بهذا ما زرعه الشيطان من زوان. وأرمياء يغرس ويبنى، والمسيح سيبنى بالقيامة الإنسان الجديد كخليقة جديدة (2كو17:5). والله بهذا يتعجل (شجرة اللوز) أن يعيد الخلقة ويعطى حياة للبشر. ولهذا سمعنا عن أرمياء كرمز للمسيح أنه سيكون مدينة حصينة = تحتضن الناس وعمود حديد يبنى عليه هيكل الرب وأسوار نحاس يحتمى وراءها الكثيرين... وهذه صفات المسيح حقيقية.