الأيات (1-2):-" 1يَا لَيْتَ رَأْسِي مَاءٌ، وَعَيْنَيَّ يَنْبُوعُ دُمُوعٍ،
فَأَبْكِيَ نَهَارًا وَلَيْلاً قَتْلَى بِنْتِ شَعْبِي. 2يَا لَيْتَ
لِي فِي الْبَرِّيَّةِ مَبِيتَ مُسَافِرِينَ، فَأَتْرُكَ شَعْبِي وَأَنْطَلِقَ
مِنْ عِنْدِهِمْ، لأَنَّهُمْ جَمِيعًا زُنَاةٌ، جَمَاعَةُ خَائِنِينَ. "
يتضح
فيهما حب النبى لأورشليم ولشعبه وكلامه الحزين هو من قلبه. يا ليت رأسى ماء = ذابت من الحزن. وعينى ينبوع = وفى العبرية كلمة عين
وينبوع كلمة واحدة كما فى العربية، كأنه يريد أن يقول، أن فى أرض الحزن هذه فلتكن
عيوننا للدموع فقط وليس للنظر. وهو مستعد أن يبكى على شعبه حتى يتوبوا. وإن كانت
قلوبنا ينبوع خطايا فلتكن عيوننا ينبوع دموع. وطوبى للحزانى الأن لأنهم يتعزون.
ولكن النبى هنا يشعر بثقل حمله ومسئوليته ففى (2) يتمنى لو ترك هذا الحمل الثقيل
وهرب لفندق بعيد = مبيت مسافرين = يسكنه الناس ليلة واحدة،
ويعظهم هذه الليلة ويسافرون غداً فلا يصبح مسئولاً عن أحد، وما أحلى الراحة بعيداً
عن مسئولية الخدمة ولكن رجل الله لا يستطيع هذا الفرار، فإلى أين يهرب من أمام وجه
الرب. والفرار من المواقف الصعبة هو فرار من العظمة. وإذا كان لابد من وجود خادم
فاشل (الفشل ليس راجعاً لعدم أمانته بل لقساوة قلوبهم) فلماذا لا أكون أنا هذا
الخادم الفاشل ولماذا أترك الخدمة لغيرى لأنها صعبة. والصليب ما هو إلا رفض فلماذا
لا أكون مرفوضاً. فالمسيح نفسه قد رفضوه.
الأيات (3-11):-" 3« يَمُدُّونَ أَلْسِنَتَهُمْ
كَقِسِيِّهِمْ لِلْكَذِبِ. لاَ لِلْحَقِّ قَوُوا فِي الأَرْضِ. لأَنَّهُمْ
خَرَجُوا مِنْ شَرّ إِلَى شَرّ، وَإِيَّايَ لَمْ يَعْرِفُوا، يَقُولُ الرَّبُّ. 4اِحْتَرِزُوا
كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ صَاحِبِهِ، وَعَلَى كُلِّ أَخٍ لاَ تَتَّكِلُوا، لأَنَّ كُلَّ
أَخٍ يَعْقِبُ عَقِبًا، وَكُلَّ صَاحِبٍ يَسْعَى فِي الْوِشَايَةِ. 5وَيَخْتِلُ
الإِنْسَانُ صَاحِبَهُ وَلاَ يَتَكَلَّمُونَ بِالْحَقِّ. عَلَّمُوا أَلْسِنَتَهُمُ
التَّكَلُّمَ بِالْكَذِبِ، وَتَعِبُوا فِي الافْتِرَاءِ. 6مَسْكَنُكَ
فِي وَسْطِ الْمَكْرِ. بِالْمَكْرِ أَبَوْا أَنْ يَعْرِفُونِي، يَقُولُ الرَّبُّ.
7«لِذلِكَ هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: هأَنَذَا أُنَقِّيهِمْ
وَأَمْتَحِنُهُمْ. لأَنِّي مَاذَا أَعْمَلُ مِنْ أَجْلِ بِنْتِ شَعْبِي؟ 8لِسَانُهُمْ
سَهْمٌ قَتَّالٌ يَتَكَلَّمُ بِالْغِشِّ. بِفَمِهِ يُكَلِّمُ صَاحِبَهُ بِسَلاَمٍ،
وَفِي قَلْبِهِ يَضَعُ لَهُ كَمِينًا. 9أَفَمَا أُعَاقِبُهُمْ عَلَى
هذِهِ، يَقُولُ الرَّبُّ؟ أَمْ لاَ تَنْتَقِمُ نَفْسِي مِنْ أُمَّةٍ كَهذِهِ؟».10عَلَى
الْجِبَالِ أَرْفَعُ بُكَاءً وَمَرْثَاةً، وَعَلَى مَرَاعِي الْبَرِّيَّةِ
نَدْبًا، لأَنَّهَا احْتَرَقَتْ، فَلاَ إِنْسَانَ عَابِرٌ وَلاَ يُسْمَعُ صَوْتُ
الْمَاشِيَةِ. مِنْ طَيْرِ السَّمَاوَاتِ إِلَى الْبَهَائِمِ هَرَبَتْ مَضَتْ. 11«
وَأَجْعَلُ أُورُشَلِيمَ رُجَمًا وَمَأْوَى بَنَاتِ آوَى، وَمُدُنَ يَهُوذَا
أَجْعَلُهَا خَرَابًا بِلاَ سَاكِنٍ»."
يمدون
السنتهم كقسيهم = يمد القوس أى يشد وتره إستعداداً
لإطلاق السهم ليصيب أخر فى مقتل. وهكذا هم يعوَجوا السنتهم بالكذب ليصطادوا أخرين
ويؤذونهم حتى لو كانوا أقاربهم. وهم قووا لا للحق = أى تقووا فى شرهم بل هم ينمون من شر إلى شر ومن سىء لأسوأ، ينمون
فى الشر وفى السوء. وفى (5،4) يعقب عقباً = يتعقبون بعضهم للأذية والشر (6) الله يحذر النبى من هذا الشعب
الماكر الساكن فى وسطه. وفى (8) وصف لألسنتهم الغاشة.
وفى
(7) التجربة القادمة يسمح بها الله لينقيهم ويمتحنهم = ينقى المعدن الجيد من الشوائب التى علقت به. أما الذى تحول كله
إلى زغل فسيحترق فى نار التنقية، فالنار أى التجربة ستختبر أى تمتحن المعدن الجيد
من الصدأ. وفى (10) بكاء النبى على الجبال التى كانت خضراء حية لكنها الأن إحترقت.
وكانت هذه عادة جيوش ذلك الزمان أن يحرقوا كل شىء وراءهم. وتأخَذْ القطعان غنيمة فلا يسمع صوت الماشية. وفى (11) وصف محزن للخراب ولكن هذا نتيجة
للخطية. ومن لم يعرف الله كواضع للناموس فيحترم ناموسه سيعرفه كديان للأرض كلها.
وفى مقارنة بين أية (8،3) نجدهم فى (3) يستخدمون لسانهم فى الكذب وفى (8) هم
ينفذون الشر الذى قالوه = سهم قَتَال.
بنات
أوى = حيوانات أكبر من الثعلب وأصغر من الذئب، تعوى دائماً ومتوحشة
ومخادعة، هى رمز لإبليس وجنوده.
الأيات (12-16):-" 12مَنْ هُوَ الإِنْسَانُ
الْحَكِيمُ الَّذِي يَفْهَمُ هذِهِ، وَالَّذِي كَلَّمَهُ فَمُ الرَّبِّ،
فَيُخْبِرَ بِهَا؟ لِمَاذَا بَادَتِ الأَرْضُ وَاحْتَرَقَتْ كَبَرِّيَّةٍ بِلاَ
عَابِرٍ؟ 13فَقَالَ الرَّبُّ: «عَلَى تَرْكِهِمْ شَرِيعَتِي الَّتِي
جَعَلْتُهَا أَمَامَهُمْ، وَلَمْ يَسْمَعُوا لِصَوْتِي وَلَمْ يَسْلُكُوا بِهَا. 14بَلْ
سَلَكُوا وَرَاءَ عِنَادِ قُلُوبِهِمْ وَوَرَاءَ الْبَعْلِيمِ الَّتِي عَلَّمَهُمْ
إِيَّاهَا آبَاؤُهُمْ. 15لِذلِكَ هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ إِلهُ
إِسْرَائِيلَ: هأَنَذَا أُطْعِمُ هذَا الشَّعْبَ أَفْسَنْتِينًا وَأَسْقِيهِمْ
مَاءَ الْعَلْقَمِ، 16وَأُبَدِّدُهُمْ فِي أُمَمٍ لَمْ يَعْرِفُوهَا
هُمْ وَلاَ آبَاؤُهُمْ، وَأُطْلِقُ وَرَاءَهُمُ السَّيْفَ حَتَّى أُفْنِيَهُمْ."
كان
العالم أيام أرمياء عالماً مضطرباً بين مصر وأشور وبابل وضاعت يهوذا المملكة
الصغيرة فى الوسط. وهنا يشرح الله أن السبب ليست هذه الأسباب السياسية بل (12) من هو الإنسان الحكيم الذى
يفهم السبب = ولكن كيف يكون الإنسان حكيماً؟ هو الذى كلمه فم الرب ولو وُجِدَ هذا
الإنسان فعليه أن يخبر بها.
ولقد وُجِدَ مثل هذا الإنسان وهو أرمياء ولكن لم يستمع لهُ أحد فبادت الأرض
وإحترقت بسبب الخطية وتركهم شريعة الله (13)،
(14) وفى (15) الإفسنتين = مر وسام أى أن الله سيلعن كل بركاتهم وفى (16) هذا ما سيصنعه جيش
بابل.
الأيات (17-22):-" 17« هكَذَا قَالَ رَبُّ
الْجُنُودِ: تَأَمَّلُوا وَادْعُوا النَّادِبَاتِ فَيَأْتِينَ، وَأَرْسِلُوا إِلَى
الْحَكِيمَاتِ فَيُقْبِلْنَ 18وَيُسْرِعْنَ وَيَرْفَعْنَ عَلَيْنَا
مَرْثَاةً، فَتَذْرِفَ أَعْيُنُنَا دُمُوعًا وَتَفِيضَ أَجْفَانُنَا مَاءً. 19لأَنَّ
صَوْتَ رِثَايَةٍ سُمِعَ مِنْ صِهْيَوْنَ: كَيْفَ أُهْلِكْنَا؟ خَزِينَا جِدًّا
لأَنَّنَا تَرَكْنَا الأَرْضَ، لأَنَّهُمْ هَدَمُوا مَسَاكِنَنَا». 20بَلِ
اسْمَعْنَ أَيَّتُهَا النِّسَاءُ كَلِمَةَ الرَّبِّ، وَلْتَقْبَلْ آذَانُكُنَّ
كَلِمَةَ فَمِهِ، وَعَلِّمْنَ بَنَاتِكُنَّ الرِّثَايَةَ، وَالْمَرْأَةُ
صَاحِبَتَهَا النَّدْبَ! 21لأَنَّ الْمَوْتَ طَلَعَ إِلَى كُوَانَا،
دَخَلَ قُصُورَنَا لِيَقْطَعَ الأَطْفَالَ مِنْ خَارِجٍ، وَالشُّبَّانَ مِنَ
السَّاحَاتِ. 22تَكَلَّمَ: «هكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ: وَتَسْقُطُ
جُثَّةُ الإِنْسَانِ كَدِمْنَةٍ عَلَى وَجْهِ الْحَقْلِ، وَكَقَبْضَةٍ وَرَاءَ
الْحَاصِدِ وَلَيْسَ مَنْ يَجْمَعُ!"
النادبات هن النائحات المحترفات. فالغمة القادمة محزنة جداً وتدعو للرثاء
ولكن علينا فى كل حين أن نقدم توبة بدموع فدائماً جزاء الخطية خراب. وأرسِلوا إلى الحكيمات =
أى الذين يعلمونكم البكاء على الخطايا، فمن الحكمة أن نبكى على خطايانا ونقدم عنها
توبة وفى (19) سبب البكاء هو السبى أنهم تركوا
الأرض وهم تركوا الأرض لأنهم تركوا الله أولاً فلنحذر لئلا تضيع أرضنا
السماوية. ولأنهم هدموا مساكنهم = ومسكننا المؤقت الحالى هو جسدنا فلنحذر حتى لا يُهدَمْ بالخطايا.
وفى (21) صورة للموت الجماعى إن لم نبكى على خطايانا كما فى (20). وفى (22) حتى
الموت فيه رُعْب فالإنسان يسقط كشىء نجس ولا يجد من يدفنه.
الأيات (23-26):-" 23« هكَذَا قَالَ الرَّبُّ:
لاَ يَفْتَخِرَنَّ الْحَكِيمُ بِحِكْمَتِهِ، وَلاَ يَفْتَخِرِ الْجَبَّارُ
بِجَبَرُوتِهِ، وَلاَ يَفْتَخِرِ الْغَنِيُّ بِغِنَاهُ. 24بَلْ بِهذَا
لِيَفْتَخِرَنَّ الْمُفْتَخِرُ: بِأَنَّهُ يَفْهَمُ وَيَعْرِفُنِي أَنِّي أَنَا
الرَّبُّ الصَّانِعُ رَحْمَةً وَقَضَاءً وَعَدْلاً فِي الأَرْضِ، لأَنِّي بِهذِهِ
أُسَرُّ، يَقُولُ الرَّبُّ. 25« هَا أَيَّامٌ تَأْتِي، يَقُولُ
الرَّبُّ، وَأُعَاقِبُ كُلَّ مَخْتُونٍ وَأَغْلَفَ. 26مِصْرَ
وَيَهُوذَا وَأَدُومَ وَبَنِي عَمُّونَ وَمُوآبَ، وَكُلَّ مَقْصُوصِي الشَّعْرِ
مُسْتَدِيرًا السَّاكِنِينَ فِي الْبَرِّيَّةِ، لأَنَّ كُلَّ الأُمَمِ غُلْفٌ،
وَكُلَّ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ غُلْفُ الْقُلُوبِ»."
يحاول
النبى هنا أن يخيفهم ويخرجهم من الملجأ الذى إحتموا به وخدعوا أنفسهم به. فهم
إحتموا بأنهم سياسيين قادرين على التحالف مع دولة ضد دولة وخداع دولة أخرى وأنهم
أقوياء ولهم ثروة بها يستطيعون تأمين مدينتهم. ولكن النبى يشرح لهم غباء كل هذا.
فبدون أن يكون الله فى وسطهم فلا فائدة. فالله أبطل حكمة ومشورة أخيتوفل. وداود
الصغير قتل جليات الجبار. وثروتهم ستكون سبباً فى هلاكهم لطمع العدو فيهم. وهم
إعتمدوا على أنهم مختونين، إذن هناك عهد بينهم وبين الله بينما الكلدانيين فهم غير
مختونين. وهنا الله يقول أن الكلدانيين غير مختونين بالجسد أما اليهود فغير
مختونين بالقلوب فإذا كان الختان يشير إلى إستئصال الخطية فهم إكتفوا بالعلامة
الخارجية دون توبة ولذلك فالله سيضرب الجميع الكلدانيين والمصريين (إشارة لمملكة
الشر أى الشياطين) واليهود غلف القلوب الذين إحتفظوا بالشر فى قلوبهم علامة
الشيطان. ولنعلم أن المعمَد المؤمن الخاطىء يتساوى مع غير المعمد. فالختان هو رمز
المعمودية. ومن المحزن أن نرى فى (26) يهوذا وقد أُحصيت مع الأمم فمن يتبع إبليس
يشابهه. وهذه الأمم لم يكن لها ميراث وسط إسرائيل (تث3:23) ولكن الأن إسرائيل
تشترك فى ضرباتها. وكل مقصوصى الشعر = هم غالباً بنى قيدار وحاصور (قارن مع 28:49–32) وهى عادة وثنية
منع الله شعبه من تقليدهم فيها، فالوثنيون يعملون هذا إكراماً لإلههم باخوس.