كتب النبى هذا الإصحاح بمناسبة القحط العظيم لندرة الأمطار وبدأ هذا
فى نهاية حكم يوشيا وإستمر فى أيام يهوياقيم فالله يبدأ بتجارب بسيطة كمقدمة لألام
عظيمة هذا إذا لم نستفيد من درس التجارب البسيطة. ولكن لو قدمنا توبة لإمتنعت
الألام العظيمة.
الأيات (1-9):-"
1كَلِمَةُ الرَّبِّ
الَّتِي صَارَتْ إِلَى إِرْمِيَا مِنْ جِهَةِ الْقَحْطِ: 2«نَاحَتْ
يَهُوذَا وَأَبْوَابُهَا ذَبُلَتْ. حَزِنَتْ إِلَى الأَرْضِ وَصَعِدَ عَوِيلُ
أُورُشَلِيمَ. 3وَأَشْرَافُهُمْ أَرْسَلُوا أَصَاغِرَهُمْ لِلْمَاءِ.
أَتَوْا إِلَى الأَجْبَابِ فَلَمْ يَجِدُوا مَاءً. رَجَعُوا بِآنِيَتِهِمْ
فَارِغَةً. خَزُوا وَخَجِلُوا وَغَطَّوْا رُؤُوسَهُمْ 4مِنْ أَجْلِ
أَنَّ الأَرْضَ قَدْ تَشَقَّقَتْ، لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَطَرٌ عَلَى الأَرْضِ
خَزِيَ الْفَلاَّحُونَ. غَطَّوْا رُؤُوسَهُمْ. 5حَتَّى أَنَّ
الإِيَّلَةَ أَيْضًا فِي الْحَقْلِ وَلَدَتْ وَتَرَكَتْ، لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ
كَلأٌ. 6الْفِرَا وَقَفَتْ عَلَى الْهِضَابِ تَسْتَنْشِقُ الرِّيحَ
مِثْلَ بَنَاتِ آوَى. كَلَّتْ عُيُونُهَا لأَنَّهُ لَيْسَ عُشْبٌ».7وَإِنْ
تَكُنْ آثَامُنَا تَشْهَدُ عَلَيْنَا يَا رَبُّ، فَاعْمَلْ لأَجْلِ اسْمِكَ.
لأَنَّ مَعَاصِيَنَا كَثُرَتْ. إِلَيْكَ أَخْطَأْنَا. 8يَا رَجَاءَ
إِسْرَائِيلَ، مُخَلِّصَهُ فِي زَمَانِ الضِّيقِ، لِمَاذَا تَكُونُ كَغَرِيبٍ فِي
الأَرْضِ، وَكَمُسَافِرٍ يَمِيلُ لِيَبِيتَ؟ 9لِمَاذَا تَكُونُ
كَإِنْسَانٍ قَدْ تَحَيَّرَ، كَجَبَّارٍ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُخَلِّصَ؟ وَأَنْتَ
فِي وَسْطِنَا يَا رَبُّ، وَقَدْ دُعِينَا بِاسْمِكَ. لاَ تَتْرُكْنَا!"
غالباً الآيات (1-6) نبوة للتحذير من القحط قبل وقوعه. لأن هذه
الكلمات هى كلمة الرب التى صارت لإرمياء ثم فى الأيات (7-9) صلاة أرمياء لرفع الضيقة أو تكون هذه الأيات
كلها هى صلاة أرمياء بدأت بالشكوى من قسوة القحط ثم طلب إلى الله لرفع هذه الغمة
ويكون معنى كلمة الرب التى صارت لإرمياء. أن هذه الصلاة وضعها الرب فى فمه فكل
صلاة حقيقية وضعها الله فى قلوبنا (رو26:8).
ولنلاحظ أن سبب عدم إستجابة الله لصلاة أرمياء، وصلاة الناس أنفسهم،
وأن الله لم يعط مطراً مع كل هذه الصلوات، هذا راجع لأنهم يطلبون الخيرات الزمنية
غير مبالين بحياتهم الأبدية، أى دون أن يقدموا توبة حقيقية. فلنصلى لكى نمتلىء
بالروح (ورمزه المياه يو37:7-39) على أن نقدم توبة حقيقية.
وفى (2) أبوابها ذبلت = أبواب أسوار المدن هى أماكن إجتماع الرجال للحديث والقضاء، ومنها
تأتى إمدادات الطعام، بل منها خرج الشعب ولم يعد بحثاً عن طعام فى أماكن أخرى. حزنت إلى الأرض = هذه إشارة إلى أردية
الحزن السوداء الطويلة. غطوا رؤوسهم = علامة الرعب والحزن. وصعد
عويل أورشليم = لأن السماء صارت نحاساً والأرض
حديداً (تث23:28) أى لا خيرات بسبب تركهم الرب، وذلك ما حذرهم به موسى من قبل. وفى
(4) الأرض قد تشققت = ولكن ألم يتركوا هم
ينبوع المياه الحية وحفروا لأنفسهم أباراً مشققة لا تضبط ماء. وبسبب خطية الإنسان
تُلعن الأرض، وها هى الحيوانات تتألم (6،5) قارن مع (رو22،20:8) تستنشق الريح = الفرا هو الحمار الوحشى،
وهذا يحيا فى البرية، ومن العطش ها هو يلهث طالباً هواءً بارداً رطباً يستنشقه.
وصلاة النبى عنهم هنا فيها إعتراف بالخطية وأنهم يستحقون ما هم فيه. ثم طلب مراحم
الله ليس عن إستحقاق بل من أجل مجد إسمك أى ليتمجد إسمك بمراحمك. والإسم يعنى سمة
الشخص الأساسية (7). وفى (8) المسافر الذى يبيت فى فندق ليلة واحدة لا يهتم بأمور
الفندق وأرمياء هنا يعاتب الله قائلاً أليست أورشليم هى بيتك، فلماذا تركت بيتك،
لماذا صرت بالنسبة لأورشليم كمسافر فى فندق ما عاد يهتم به أى بأورشليم أو لماذا
صارت أورشليم لك كفندق وليس بيتك الخاص الذى تهتم به. وكثيراً ما يبدو المسيح
هكذا، كأنه غير مهتم:
1.
إما
لغضبه كما هى الحالة هنا.
2.
أو
ليزداد إيماننا كما كان نائماً فى السفينة، كما لو كان متغافلاً مع تلاميذه فى
المركب أثناء العاصفة الخطرة لكنه أبداً ليس هكذا.
وفى (9) كلام أشد لهجة حتى يحث الله أن يتدخل ولكن لماذا يتدخل الله
والدرس لم يأتى بثماره ولم يقدَم الناس توبة. فلابد أن نتعلم الدرس وراء كل تجربة
تمر بنا ونتعلم ما يريده الله منا ولا نتوقف عند مجرد طلب الخلاص من التجربة.
ولنلاحظ فى هذه الصلاة أننا فى صلواتنا يجب أن نهتم بمجد الله لا بأنفسنا.
الأيات (10-16):-" 10هكَذَا قَالَ الرَّبُّ
لِهذَا الشَّعْبِ: «هكَذَا أَحَبُّوا أَنْ يَجُولُوا. لَمْ يَمْنَعُوا
أَرْجُلَهُمْ، فَالرَّبُّ لَمْ يَقْبَلْهُمْ. اَلآنَ يَذْكُرُ إِثْمَهُمْ
وَيُعَاقِبُ خَطَايَاهُمْ». 11وَقَالَ الرَّبُّ لِي: «لاَ تُصَلِّ
لأَجْلِ هذَا الشَّعْبِ لِلْخَيْرِ. 12حِينَ يَصُومُونَ لاَ أَسْمَعُ
صُرَاخَهُمْ، وَحِينَ يُصْعِدُونَ مُحْرَقَةً وَتَقْدِمَةً لاَ أَقْبَلُهُمْ، بَلْ
بِالسَّيْفِ وَالْجُوعِ وَالْوَبَإِ أَنَا أُفْنِيهِمْ». 13فَقُلْتُ:
«آهِ، أَيُّهَا السَّيِّدُ الرَّبُّ! هُوَذَا الأَنْبِيَاءُ يَقُولُونَ لَهُمْ لاَ
تَرَوْنَ سَيْفًا، وَلاَ يَكُونُ لَكُمْ جُوعٌ بَلْ سَلاَمًا ثَابِتًا أُعْطِيكُمْ
فِي هذَا الْمَوْضِعِ». 14فَقَالَ الرَّبُّ لِي: «بِالْكَذِبِ
يَتَنَبَّأُ الأَنْبِيَاءُ بِاسْمِي. لَمْ أُرْسِلْهُمْ، وَلاَ أَمَرْتُهُمْ،
وَلاَ كَلَّمْتُهُمْ. بِرُؤْيَا كَاذِبَةٍ وَعِرَافَةٍ وَبَاطِل وَمَكْرِ
قُلُوبِهِمْ هُمْ يَتَنَبَّأُونَ لَكُمْ».15«لِذلِكَ هكَذَا قَالَ
الرَّبُّ عَنِ الأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ يَتَنَبَّأُونَ بِاسْمِي وَأَنَا لَمْ
أُرْسِلْهُمْ، وَهُمْ يَقُولُونَ: لاَ يَكُونُ سَيْفٌ وَلاَ جُوعٌ فِي هذِهِ
الأَرْضِ: «بِالسَّيْفِ وَالْجُوعِ يَفْنَى أُولئِكَ الأَنْبِيَاءُ. 16وَالشَّعْبُ
الَّذِي يَتَنَبَّأُونَ لَهُ يَكُونُ مَطْرُوحًا فِي شَوَارِعِ أُورُشَلِيمَ مِنْ
جَرَى الْجُوعِ وَالسَّيْفِ، وَلَيْسَ مَنْ يَدْفِنُهُمْ هُمْ وَنِسَاءَهُمْ
وَبَنَوُهِمْ وَبَنَاتُهُمْ، وَأَسْكُبُ عَلَيْهِمْ شَرَّهُمْ. "
فى (10) يقول لهذا الشعب ولم يقل شعبى فالله رفضهم لكسرهم وصاياه.
وهم لا ميل ولا رغبة لهم للرجوع = هكذا أحبوا أن
يجولوا إذاً فإنحرافهم ناشىء عن ميلهم للخطية وسرورهم بها. هم لم يكونوا
مضطرين بل هم أحبوا هذا. والخطية هى جولان الإنسان بعيداً عن الله وهذا يحرمه من
إحسانات الله. وهم سمعوا بهذا وعرفوا عقوبة خطاياهم ولكنهم لم يمنعوا أرجلهم. ولذلك فالله لن يقبلهم ولن يقبل حتى محرقاتهم ولا حتى صلوات النبى
عنهم (12،11) وفى (13) يحاول النبى أن يجد لهم عذراً بأن الأنبياء الكذبة قد
خدعوهم ولكن الله يقول كلاهما سيهلك الخادع والمخادع (16،15) وسيأتى عليهم السيف
علامة على كذب هؤلاء الأنبياء الذين قالوا لا سيف. ولكن قبل أن يأتى السيف فهناك
علامة أخرى على كذب الأنبياء وهى قلوبهم التى إنعدم منها السلام فسلام القلب علامة
على صدق النبوات لو إتبعناها. ولكن هم أحبوا كلمات الأنبياء الكذبة ولم يحبوا
كلمات النبى أرمياء لأنهُ يدعوهم للتوبة وهذا ضد شهواتهم "أعمى يقود أعمى"
(12) حين يصومون لا أسمع = فهناك أصوام غير
مقبولة، وهذه هى أصوام من لا يقدم مع صومه توبة، بل يصوم وهو مُصَرْ على خطيته.
الأيات (17-22):-" 17وَتَقُولُ لَهُمْ هذِهِ الْكَلِمَةَ: لِتَذْرِفْ عَيْنَايَ
دُمُوعًا لَيْلاً وَنَهَارًا وَلاَ تَكُفَّا، لأَنَّ الْعَذْرَاءَ بِنْتَ شَعْبِي
سُحِقَتْ سَحْقًا عَظِيمًا، بِضَرْبَةٍ مُوجِعَةٍ جِدًّا. 18إِذَا
خَرَجْتُ إِلَى الْحَقْلِ، فَإِذَا الْقَتْلَى بِالسَّيْفِ. وَإِذَا دَخَلْتُ
الْمَدِينَةَ، فَإِذَا الْمَرْضَى بِالْجُوعِ، لأَنَّ النَّبِيَّ وَالْكَاهِنَ
كِلَيْهِمَا يَطُوفَانِ فِي الأَرْضِ وَلاَ يَعْرِفَانِ شَيْئًا». 19هَلْ
رَفَضْتَ يَهُوذَا رَفْضًا، أَوْ كَرِهَتْ نَفْسُكَ صِهْيَوْنَ؟ لِمَاذَا
ضَرَبْتَنَا وَلاَ شِفَاءَ لَنَا؟ انْتَظَرْنَا السَّلاَمَ فَلَمْ يَكُنْ خَيْرٌ،
وَزَمَانَ الشِّفَاءِ فَإِذَا رُعْبٌ. 20قَدْ عَرَفْنَا يَا رَبُّ
شَرَّنَا، إِثْمَ آبَائِنَا، لأَنَّنَا قَدْ أَخْطَأْنَا إِلَيْكَ. 21لاَ
تَرْفُضْ لأَجْلِ اسْمِكَ. لاَ تَهِنْ كُرْسِيَّ مَجْدِكَ. اُذْكُرْ. لاَ تَنْقُضْ
عَهْدَكَ مَعَنَا. 22هَلْ يُوجَدُ فِي أَبَاطِيلِ الأُمَمِ مَنْ
يُمْطِرُ، أَوْ هَلْ تُعْطِي السَّمَاوَاتُ وَابِلاً؟ أَمَا أَنْتَ هُوَ الرَّبُّ
إِلهُنَا؟ فَنَرْجُوكَ، لأَنَّكَ أَنْتَ صَنَعْتَ كُلَّ هذِهِ."
يستمر
النبى فى شفاعته عن شعبه بالرغم من أن الله طلب منهُ أن يكف عن ذلك ربما لأنه أحس
أن الله لم يحرَم عليه ذلك بل هو لا يشجعه على الصلاة من أجلهم. وهو هنا يبكى على
خراب أورشليم بتوجيه من الله حتى يؤثر فى سامعيه ويشعروا بالمصيبة القادمة وفى
(17) يتكلم ويبكى كأنه رأى هذه المصيبة القادمة على العذراء
بنت شعبى = فهى عزيزة علىَ كأنها بنتى. وفى (18) الكاهن
والنبى لا يعرفان شيئاً فقد حدث لهم عمى روحى ولم يعد الروح القدس يكشف لهم شىء بسبب
إنغماسهم فى الخطية فلا شركة للنور مع الظلمة وفى (21) يصلى النبى للرب حتى لو
أحزنتنا لا ترفضنا للنهاية، ولو كانت يدك علينا فلا تجعل قلبك يستدير ضدنا. ولا تهن كرسى مجدك = حتى لا تقول
الشعوب أنه غير قادر على خلاصنا وفى (22) يتشفع من أجل مسألة المطر التى يحتاجونها
الأن. فهو إله الطبيعة المسيطر عليها.