الإصحاح السادس عشر

 

الأيات (1-9):-"  1ثُمَّ صَارَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلاً: 2«لاَ تَتَّخِذْ لِنَفْسِكَ امْرَأَةً، وَلاَ يَكُنْ لَكَ بَنُونَ وَلاَ بَنَاتٌ فِي هذَا الْمَوْضِعِ. 3لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ عَنِ الْبَنِينَ وَعَنِ الْبَنَاتِ الْمَوْلُودِينَ فِي هذَا الْمَوْضِعِ، وَعَنْ أُمَّهَاتِهِمِ اللَّوَاتِي وَلَدْنَهُمْ، وَعَنْ آبَائِهِمِ الَّذِينَ وَلَدُوهُمْ فِي هذِهِ الأَرْضِ: 4مِيتَاتِ أَمْرَاضٍ يَمُوتُونَ. لاَ يُنْدَبُونَ وَلاَ يُدْفَنُونَ، بَلْ يَكُونُونَ دِمْنَةً عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ، وَبِالسَّيْفِ وَالْجُوعِ يَفْنَوْنَ، وَتَكُونُ جُثَثُهُمْ أُكْلاً لِطُيُورِ السَّمَاءِ وَلِوُحُوشِ الأَرْضِ. 5لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: لاَ تَدْخُلْ بَيْتَ النَّوْحِ وَلاَ تَمْضِ لِلنَّدْبِ وَلاَ تُعَزِّهِمْ، لأَنِّي نَزَعْتُ سَلاَمِي مِنْ هذَا الشَّعْبِ، يَقُولُ الرَّبُّ، الإِحْسَانَ وَالْمَرَاحِمَ. 6فَيَمُوتُ الْكِبَارُ وَالصِّغَارُ فِي هذِهِ الأَرْضِ. لاَ يُدْفَنُونَ وَلاَ يَنْدُبُونَهُمْ، وَلاَ يَخْمِشُونَ أَنْفُسَهُمْ وَلاَ يَجْعَلُونَ قَرَعَةً مِنْ أَجْلِهِمْ. 7وَلاَ يَكْسِرُونَ خُبْزًا فِي الْمَنَاحَةِ لِيُعَزُّوهُمْ عَنْ مَيِّتٍ، وَلاَ يَسْقُونَهُمْ كَأْسَ التَّعْزِيَةِ عَنْ أَبٍ أَوْ أُمٍّ. 8وَلاَ تَدْخُلْ بَيْتَ الْوَلِيمَةِ لِتَجْلِسَ مَعَهُمْ لِلأَكْلِ وَالشُّرْبِ. 9لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: هأَنَذَا مُبَطِّلٌ مِنْ هذَا الْمَوْضِعِ، أَمَامَ أَعْيُنِكُمْ وَفِي أَيَّامِكُمْ، صَوْتَ الطَّرَبِ وَصَوْتَ الْفَرَحِ، صَوْتَ الْعَرِيسِ وَصَوْتَ الْعَرُوسِ."

لإظهار حجم الكوارث القادمة مُنِعَ النبى من أن يكون لهُ بيتاً خاصاً ولا أسرة، وهذا ما دعا إليه بولس الرسول أيضاً (1كو26:7). ولا يذهب لبيت النوح أى يشترك فى مناسبات العزاء إذا مات إنسان أو مناسبات الفرح. فلأن الشعب لم يهتم بكلام النبى فها هو يؤكَد كلامه بأفعاله لعلهم يصدقون. وما يفعله هنا كأنه يرى البلد فى خراب تام قادم سريعاً جداً وليظهر أمام الناس أنه مقتنع بهذا جداً مُنِع النبى أن يشترك فى الحياة العادية من أفراح وأحزان. فهؤلاء الخدام الذين يريدون أن يقنعوا الأخرين بشىء عليهم أن يتحملوا شيئاً لإظهار صدق كلامهم. فلن نستطيع أن نقنع الأخرين بأن هذا العالم ليس لهُ قيمة إن لم نمارس هذا فعلاً. وكون أن الإنسان لا يكون لهُ عائلة فى كارثة مثل هذه الكارثة القادمة يجعل الهروب سهلاً. وكيف يحتمل أن يكون لهُ أبناء وهو يَعْلَمْ ماذا سيحدث للأبناء فى (4،3) ولماذا يذهب لبيت ميت ليعزى أهله ُ والله إمتنع أن يعزيهم = لأنى نزعت سلامى. وفى أية 4 :- ميتات أمراض = ميتات ناشئة عن أمراض مصاحبة للمجاعة (5) بل إن من مات لهو أسعد حالاً فلن يرى الضيقات القادمة. وهو وَجَدَ من يدفنه ولكن من يموت أيام هذه الكارثة لن يجد من يدفنه وهو يجب أن لا يشترك فى أحزانهم لأن حزنه على الخراب العام لبلده يجب ان يبتلع حزنه على فرد واحد. وفى (6) يصوَر الموت وقت المأساة فلا أحد يحزن على أخر، يكفيه مصيبته وفى (9،8) كيف يشترك فى فرح هو يعلم أن الكل فيه عريس وعروس ومدعوَين سيهلكون قريباً وكيف يذهب ليأكل ويشرب ويفرح وهو ينادى بصوم ومسوح ليرحمهم الرب من الأتى.

 

الأيات (10-13):-"  10« وَيَكُونُ حِينَ تُخْبِرُ هذَا الشَّعْبَ بِكُلِّ هذِهِ الأُمُورِ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ لَكَ: لِمَاذَا تَكَلَّمَ الرَّبُّ عَلَيْنَا بِكُلِّ هذَا الشَّرِّ الْعَظِيمِ، فَمَا هُوَ ذَنْبُنَا وَمَا هِيَ خَطِيَّتُنَا الَّتِي أَخْطَأْنَاهَا إِلَى الرَّبِّ إِلهِنَا؟ 11فَتَقُولُ لَهُمْ: مِنْ أَجْلِ أَنَّ آبَاءَكُمْ قَدْ تَرَكُونِي، يَقُولُ الرَّبُّ، وَذَهَبُوا وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى وَعَبَدُوهَا وَسَجَدُوا لَهَا، وَإِيَّايَ تَرَكُوا، وَشَرِيعَتِي لَمْ يَحْفَظُوهَا. 12وَأَنْتُمْ أَسَأْتُمْ فِي عَمَلِكُمْ أَكْثَرَ مِنْ آبَائِكُمْ. وَهَا أَنْتُمْ ذَاهِبُونَ كُلُّ وَاحِدٍ وَرَاءَ عِنَادِ قَلْبِهِ الشِّرِّيرِ حَتَّى لاَ تَسْمَعُوا لِي. 13فَأَطْرُدُكُمْ مِنْ هذِهِ الأَرْضِ إِلَى أَرْضٍ لَمْ تَعْرِفُوهَا أَنْتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ، فَتَعْبُدُونَ هُنَاكَ آلِهَةً أُخْرَى نَهَارًا وَلَيْلاً حَيْثُ لاَ أُعْطِيكُمْ نِعْمَةً. "

من ظلمة الخطية وظلمة القلب بسبب الخطية يتساءل الناس فما هو ذنبنا؟ بينما أن قديس عظيم مثل بولس الرسول يقول "الخطاة الذين أولهم أنا" وهؤلاء أباءهم أخطأوا وهم مستمرين فى نفس الخطية بلا توبة بل هم أساءوا أكثر من أبائهم (12) ولأنهم أحبوا الألهة الغريبة فليذهبوا كمسبيين لأرض هذه الألهة (13) ويتركوا هذه الأرض. هذه الآية شرح لقول الرب "أفتقد ذنوب الآباء فى الأبناء حتى الجيل الثالث والرابع".

 

الأيات (14-21):-" 14«لِذلِكَ هَا أَيَّامٌ تَأْتِي، يَقُولُ الرَّبُّ، وَلاَ يُقَالُ بَعْدُ: حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ الَّذِي أَصْعَدَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، 15بَلْ حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ الَّذِي أَصْعَدَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَرْضِ الشِّمَالِ وَمِنْ جَمِيعِ الأَرَاضِي الَّتِي طَرَدَهُمْ إِلَيْهَا. فَأُرْجِعُهُمْ إِلَى أَرْضِهِمِ الَّتِي أَعْطَيْتُ آبَاءَهُمْ إِيَّاهَا.

16«هأَنَذَا أُرْسِلُ إِلَى جَزَّافِينَ كَثِيرِينَ، يَقُولُ الرَّبُّ، فَيَصْطَادُونَهُمْ، ثُمَّ بَعْدَ ذلِكَ أُرْسِلُ إِلَى كَثِيرِينَ مِنَ الْقَانِصِينَ فَيَقْتَنِصُونَهُمْ عَنْ كُلِّ جَبَل وَعَنْ كُلِّ أَكَمَةٍ وَمِنْ شُقُوقِ الصُّخُورِ. 17لأَنَّ عَيْنَيَّ عَلَى كُلِّ طُرُقِهِمْ. لَمْ تَسْتَتِرْ عَنْ وَجْهِي، وَلَمْ يَخْتَفِ إِثْمُهُمْ مِنْ أَمَامِ عَيْنَيَّ. 18وَأُعَاقِبُ أَوَّلاً إِثْمَهُمْ وَخَطِيَّتَهُمْ ضِعْفَيْنِ، لأَنَّهُمْ دَنَّسُوا أَرْضِي، وَبِجُثَثِ مَكْرُهَاتِهِمْ وَرَجَاسَاتِهِمْ قَدْ مَلأُوا مِيرَاثِي».

19يَا رَبُّ، عِزِّي وَحِصْنِي وَمَلْجَإِي فِي يَوْمِ الضِّيِق، إِلَيْكَ تَأْتِي الأُمَمُ مِنْ أَطْرَافِ الأَرْضِ، وَيَقُولُونَ: «إِنَّمَا وَرِثَ آبَاؤُنَا كَذِبًا وَأَبَاطِيلَ وَمَا لاَ مَنْفَعَةَ فِيهِ. 20هَلْ يَصْنَعُ الإِنْسَانُ لِنَفْسِهِ آلِهَةً وَهِيَ لَيْسَتْ آلِهَةً؟». 21«لِذلِكَ هأَنَذَا أُعَرِّفُهُمْ هذِهِ الْمَرَّةَ، أُعَرِّفُهُمْ يَدِي وَجَبَرُوتِي، فَيَعْرِفُونَ أَنَّ اسْمِي يَهْوَهُ."

فى هذه الأيات تمتزج رحمة الله مع أحكامه ضدهم للتأديب. ويبدو واضحاً أنها تشير لأيام الإنجيل. فبعد أن تكلم عن السبى فى (13) هاهو يبشر بالخبر السار وهو الرجوع من السبى (15،14) بل سيكون رجوعاً أعظم. فسبيهم فى بابل كان على يد متوحشين ليس مثل المصريين. وعبوديتهم فى مصر جاءت تدريجية أما فى بابل فالسبى كان شديداً من أول يوم. بل أن خروجهم من بابل ستكون مراحم حديثة للرب تذكرهم بخروجهم من مصر وأن الله مازال يذكرهم. وعلينا نحن أن نقول المجد لك يا رب يا من بصليبك أنقذتنا من يد إبليس.

 (فالخلاص العظيم فى (14) هو الخلاص بالمسيح الذى كان الخلاص من بابل رمزاً لهُ لكن هناك معنى مباشر لـ17،16 فبابل والرومان هم الجزافين الذين سيعاقبون يهوذا على إثمها الأن).

وفى (16) وعد أخر بتجميعهم أينما كانوا لأرضهم وسيستخدم الله القانصين (صيادى الوحوش على البر) والجزافين (صيادى السمك فى الماء) اى سيأتى بهم لأرضهم سواء من فى البر أو البحر أى من كل مكان فى العالم. وهذا تمَ فى أيام كورش ملك الفرس الذى أطلق نداء فى المملكة لكل يهودى أن يرجع لبلده. وفى زربابل ورفاقه أو أى وسيلة يستخدمها الرب ليحرك قلوبهم فيعودون لبلادهم وفى (18،17) الله يعرف ويرى خطاياهم وهو سيعاقبهم ضعفين ليس بالنسبة لما يستحقون فالله لا يعاقب إلا بالعدل ولكن ضعفين بالنسبة لما سبق أو لما يتوقعون والمعنى أنه سيعاقب بشدة أولاً ثم يجىء الخلاص وهذا تم على يد الكلدانيين. وفى (19-21) سيعترفون بان الله هو الإله الواحد عزهم وملجأهم فهم سيأتوا تائبين بعد هذه الضيقة.

وفى (19) الأمم أيضاً سيأتون من أطراف الأرض وسيؤمن اليهود أيضاً ليس الكل ولكن بعضاً منهم لذلك يسبحَ النبى أمام هذا الخلاص "يا رب عزى وحصنى" والأمم سيعرفون ضلال أوثان أبائهم وكذبها وأنهم هم صنعوها. هذا هو خلاص المسيح للعالم كله أما القانصين والجزافين هم "صيادى الناس" يصطادونهم للإيمان بالمسيح. وهذه تشير أيضاً لإيمان اليهود بالمسيح فى الأيام الأخيرة، حين يكتشفون أن أبائهم قد أورثوهم كذباً بإنتظار مسيح اخر. والجزافين أى صيادى السمك فيها نبوة عن تلاميذ المسيح الذين كانوا صيادى سمك فجعلهم المسيح صيادى ناس. وهناك تأمل بأن صيادى السمك هم خدام كنيسة المسيح يجذبوا النفوس للكنيسة من العالم = البحر. والقانصين الملائكة الذين يأخذون نفوس المنتقلين الذين يجدونهم يحيون فى السماويات (جبل/ أكمة) أو ثابتين فى المسيح (الصخر) إلي السماء.