الأيات
(1-15):-" 1هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: «اذْهَبْ
وَاشْتَرِ إِبْرِيقَ فَخَّارِيٍّ مِنْ خَزَفٍ، وَخُذْ مِنْ شُيُوخِ الشَّعْبِ
وَمِنْ شُيُوخِ الْكَهَنَةِ، 2وَاخْرُجْ إِلَى وَادِي ابْنِ هِنُّومَ
الَّذِي عِنْدَ مَدْخَلِ بَابِ الْفَخَّارِ، وَنَادِ هُنَاكَ بِالْكَلِمَاتِ
الَّتِي أُكَلِّمُكَ بِهَا. 3وَقُلِ: اسْمَعُوا كَلِمَةَ الرَّبِّ يَا
مُلُوكَ يَهُوذَا وَسُكَّانَ أُورُشَلِيمَ. هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ إِلهُ
إِسْرَائِيلَ: هأَنَذَا جَالِبٌ عَلَى هذَا الْمَوْضِعِ شَرًّا، كُلُّ مَنْ سَمِعَ
بِهِ تَطِنُّ أُذْنَاهُ. 4مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ تَرَكُونِي،
وَأَنْكَرُوا هذَا الْمَوْضِعَ وَبَخَّرُوا فِيهِ لآلِهَةٍ أُخْرَى لَمْ
يَعْرِفُوهَا هُمْ وَلاَ آبَاؤُهُمْ وَلاَ مُلُوكُ يَهُوذَا، وَمَلأُوا هذَا
الْمَوْضِعَ مِنْ دَمِ الأَزْكِيَاءِ، 5وَبَنَوْا مُرْتَفَعَاتٍ
لِلْبَعْلِ لِيُحْرِقُوا أَوْلاَدَهُمْ بِالنَّارِ مُحْرَقَاتٍ لِلْبَعْلِ،
الَّذِي لَمْ أُوْصِ وَلاَ تَكَلَّمْتُ بِهِ وَلاَ صَعِدَ عَلَى قَلْبِي. 6لِذلِكَ
هَا أَيَّامٌ تَأْتِي، يَقُولُ الرَّبُّ، وَلاَ يُدْعَى بَعْدُ هذَا الْمَوْضِعُ
تُوفَةَ وَلاَ وَادِي ابْنِ هِنُّومَ، بَلْ وَادِي الْقَتْلِ. 7وَأَنْقُضُ
مَشُورَةَ يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ فِي هذَا الْمَوْضِعِ، وَأَجْعَلُهُمْ
يَسْقُطُونَ بِالسَّيْفِ أَمَامَ أَعْدَائِهِمْ وَبِيَدِ طَالِبِي نُفُوسِهِمْ،
وَأَجْعَلُ جُثَثَهُمْ أُكْلاً لِطُيُورِ السَّمَاءِ وَلِوُحُوشِ الأَرْضِ. 8وَأَجْعَلُ
هذِهِ الْمَدِينَةَ لِلدَّهَشِ وَالصَّفِيرِ. كُلُّ عَابِرٍ بِهَا يَدْهَشُ
وَيَصْفِرُ مِنْ أَجْلِ كُلِّ ضَرَبَاتِهَا. 9وَأُطْعِمُهُمْ لَحْمَ
بَنِيهِمْ وَلَحْمَ بَنَاتِهِمْ، فَيَأْكُلُونَ كُلُّ وَاحِدٍ لَحْمَ صَاحِبِهِ
فِي الْحِصَارِ وَالضِّيقِ الَّذِي يُضَايِقُهُمْ بِهِ أَعْدَاؤُهُمْ وَطَالِبُو
نُفُوسِهِمْ. 10ثُمَّ تَكْسِرُ الإِبْرِيقَ أَمَامَ أَعْيُنِ الْقَوْمِ
الَّذِينَ يَسِيرُونَ مَعَكَ 11وَتَقُولُ لَهُمْ: هكَذَا قَالَ رَبُّ
الْجُنُودِ: هكَذَا أَكْسِرُ هذَا الشَّعْبَ وَهذِهِ الْمَدِينَةَ كَمَا يُكْسَرُ
وِعَاءُ الْفَخَّارِيِّ بِحَيْثُ لاَ يُمْكِنُ جَبْرُهُ بَعْدُ، وَفِي تُوفَةَ
يُدْفَنُونَ حَتَّى لاَ يَكُونَ مَوْضِعٌ لِلدَّفْنِ. 12هكَذَا
أَصْنَعُ لِهذَا الْمَوْضِعِ، يَقُولُ الرَّبُّ، وَلِسُكَّانِهِ. وَأَجْعَلُ هذِهِ
الْمَدِينَةَ مِثْلَ تُوفَةَ. 13وَتَكُونُ بُيُوتُ أُورُشَلِيمَ
وَبُيُوتُ مُلُوكِ يَهُوذَا كَمَوْضِعِ تُوفَةَ، نَجِسَةً كُلُّ الْبُيُوتِ
الَّتِي بَخَّرُوا عَلَى سُطُوحِهَا لِكُلِّ جُنْدِ السَّمَاءِ وَسَكَبُوا
سَكَائِبَ لآلِهَةٍ أُخْرَى».14ثُمَّ جَاءَ إِرْمِيَا مِنْ تُوفَةَ
الَّتِي أَرْسَلَهُ الرَّبُّ إِلَيْهَا لِيَتَنَبَّأَ، وَوَقَفَ فِي دَارِ بَيْتِ
الرَّبِّ وَقَالَ لِكُلِّ الشَّعْبِ: 15«هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ
إِلهُ إِسْرَائِيلَ: هأَنَذَا جَالِبٌ عَلَى هذِهِ الْمَدِينَةِ وَعَلَى كُلِّ
قُرَاهَا كُلَّ الشَّرِّ الَّذِي تَكَلَّمْتُ بِهِ عَلَيْهَا، لأَنَّهُمْ
صَلَّبُوا رِقَابَهُمْ فَلَمْ يَسْمَعُوا لِكَلاَمِي».
"
فساد الإنسان إضطر الله أن يكون تعليمه وصية فوق وصية (أش10:28) أى
درس وراء درس حتى يكون الإنسان بلا عذر. وهذه الحادثة ستجرى فى وادى إبن هنوم حيث
قدموا أولادهم ضحايا لمولك الإله الوثنى. (وبعد ذلك تحول مكاناً لحرق النفايات)
وفى هذا الوادى سيكون لهم أفظع مآسيهم حيث يدفنون بل تلقى جثثهم بلا دفن ويكون وادى القتل. وستكون كل أورشليم بهذه
الصورة. ولاحظ فى (2) نادِ هناك بالكلمات التى
أكلمك بها = فالله لم يخبره مقدماً بما سوف يقول. ولكن كان لهُ ثقة أن يذهب
وهناك يكلمه الله. وهذا درس لكل من يرسلهُ الله "لا تخف فالروح القدس يعلمك
ما تتكلم به" (مت20،19:10) ومن (3-9) يعدد لهم خطاياهم والشر الآتى عليهم
بسببها. وفى أية (9) حدث هذا فعلاً فى حصار بابل لهم (مرا20:2، 10:4) وحدثنا
يوسيفوس المؤرخ اليهودى أن هذا حدث فعلاً أثناء الحصار الرومانى لأورشليم. توفة = أو تفتة مكان فى وادى
إبن هنوم والكلمة تعنى مكان الحريق أو الفرن.
وفى (11،10) يكسر النبى الإناء الفخارى. ولكن هذا الإناء الفخارى
يشير للشعب ولأورشليم. فهل يكسر الله شعبه؟ قلنا سابقاً أن الله هو الفخارى الحكيم
وهو يظل يحاول إصلاح الإناء ولكن تأتى ساعة يستحيل فيها الإصلاح حين يصبح الإناء
صلباً وحينئذ يجب كسره فلا أمل فى إصلاحه. وكان على النبى أن يكسر هذا الإناء بعد
أن ينتهى من عظته. إشارة لهذا الشعب الذى تقسى فى الخطية. أما لو كان مازال طرياً
ما كان الله قد كسره بل أعاد تشكيله. وطبعاً إستخدام الأمثال يطبع فى القلوب
الفكرة التى يريدها الله. وكل من ظنَ نفسه قوياً فليعلم أنه إناء خزفى (راجع
2كو7:4) فالقديسين قوتهم ليست فى ذواتهم فهم ليسوا إلا أوان خزفية ضعيفة لكن فضل
القوة لله لا من إنسان.
وفى (13) بخروا على سطوحها = كانوا يقيمون مذابح للأوثان فوق سطح كل منزل للتبرك بها لكل جند السموات = اى للنجوم
والأفلاك. وهم أصبحوا لا يخجلون من هذا فيمارسونه علناً وفى (15،14) رجع النبى من
توفة بعد كسر الإبريق ودخل الهيكل وإستأنف كلامه عن الموضوع عينه وهذا ما أثار ضده
رجال الدين.
تعليق على الإصحاحين 19،18.
خلق الله الإنسان كأجمل وأكمل ما يكون، وسقط الإنسان وفسد، لكن الله
لم يترك الإنسان لهذه النهاية. فالله يشبه نفسه بفخارى قادر أن يعيد تشكيل
الإنسان. ولكننا نرى هنا أن الله يريد أن يعيد تشكيل وتجديد خلقتنا، فنصير فى
المسيح خليقة جديدة (2كو17:5). أو إذا رفضنا يكون فى هذا هلاكنا، وهذا ما يعمله
الله الأن مع كل منا، فهو يحاول بروحه القدوس أن يعيد تشكيل كل منا فنكون على صورة
المسيح (غل19:4)، ولكن من تقسى قلبه فهذا يهلك. فالله يريد أن جميع الناس يخلصون
(1تى4:2) لكن إرادتى قد تعوق إرادة الله (مت37:23-39) فكما قال القديس أغسطينوس
"الله الذى خلقك بدونك لا يستطيع أن يخلصك بدونك. وهذا رأيناه هنا فالإناء
الذى مازال طرياً" هو القلب الذى فيه رجاء أن يقدم توبة، هذا يعيد الله
تشكيله وتجديده فهو الفخارى الحكيم. أما الإناء الذى تقسى تماماً فهذا يتم كسره.
وهذا رأيناه مثلاً فى :-
إسرائيل المملكة الشمالية تكسر كإناء قاس بيد أشور، لكن يهوذا كان ما
زال فيها رجاء، إذاً لتذهب للسبى فيعاد تشكيلها. والسبى يقال عنه هنا هأنذا مصدر عليكم شراً
وهو سبى بابل. (أية11:18).
أورشليم كان فيها أنية قابلة لإعادة التشكيل، هذه أرسلها الله إلى
بابل وأسماها التين الجيد أرمياء (24) اما التين الردىء فيكسر فى حريق أورشليم.
وتجديد الخليقة قام به المسيح حين نزل وتجسد، وكان أرمياء رمزاً للمسيح، لذلك نسمع
قول الله له إنزل (2:18) وكأنها نبوة عن
نزول المسيح ليبدأ الخلقة الجديدة على أن الخلقة الجديدة هى أيضاً عمل الروح
القدس، إصبع الله (مت28:12) + (لو20:11) ورمزها هنا أصابع الفخارى، وهنا نفهم أن
إعادة التشكيل قد تستلزم بعض الألام والتجارب التى بها يكمل الإنسان، فالأصابع
تضغط على طين الإناء ليعاد تشكيله. والضغط قد يؤلم، أصابع الله ضغطت على أيوب وعلى
بولس ليعيد الله تشكيلهم. ولكن ليس بالتجارب وحدها تعاد خلقة الإنسان، بل أولاً
بالولادة الجديدة من الماء والروح (يو5:3) + (رو1:6-14) ثم يقوم الروح القدس بالتعليم
والتذكير بكلام الله (يو26:14) وإذا أخطأ الإنسان المؤمن يقوم الروح القدس بتبكيته
(يو8:16) وكلمة تبكيت تعنى أيضاً إقناع، وكما نسمع فى (أر7:20) أن الروح يقنع
النبى بل يلح عليه "أقنعتنى يا رب فإقتنعت وألححت على فغلبت" فالروح يظل
يعمل فى المعمد، الممسوح بالميرون ليعيد خلقته، ويثبته فى المسيح (2كو21:1) ومن هو
ثابت فى المسيح يخلص. لذلك يقول المسيح إثبتوا فىَ وأنا فيكم (يو4:15) اما من يرفض
الثبات فى المسيح فهذا يتقسى قلبه، من يطفىء الروح (1تس19:5) لا يعود يسمع صوت
إقناع ولا توبيخ أو تبكيت الروح القدس، فهذا يصير كالإناء الذى يستحق الكسر. وكما
رأينا أن الله يعمل ليجدد طبيعتنا، لكن إرادتى تحدد النتيجة، فإن تجاوبت مع الله
أحصل على الخيرات، وإن إبتعدت عن الله تأتى الشرور علىَ، ولكن الله يستخدم أسلوب
إنسانى ليشرح هذا فيقول أن الله يندم، والله قطعاً لا يندم على قرار يتخذه، لكن
أنا بإرادتى أغير طريقى، وهذا ما يبدو للأخرين كأن قرار الله قد تغير، فأجد الخير
عوضاً عن الشر أو العكس والله يستخدم ألفاظاً بشرية كقوله ("أصابع
الله"، "ويدى الله"... ألخ).
ولاحظ الطبيعة المنحرفة للبشر، الذين يجرون وراء كل ما هو جديد، وكيف
يعاتب الله على ذلك (4:19) لم يعرفوها هم ولا آباؤهم فلماذا نغير طريق أبائنا، وما إستلمناه منهم، وهذا ما يدعو الله له
فى (نش8:1) أن نسير وراء أثار الغنم لنجد الطريق، لذلك تهتم الكنيسة بتعاليم
الأباء وتقرأ دائماً سيرتهم فى السنكسار (عب7:13) و(أية13:18) نرى تطبيقها الأن فى
كنيسة الأمم التى تقشعر مما عمله اليهود حين صلبوا المسيح.