الإصحاح العشرون

 

هذا الإصحاح هو تطبيق مباشر على إصحاح 19 ففشحور هنا هو الإناء الذى تقسى والحكم الذى صدر ضده هو كسر الإناء فلم يعد هناك أمل فى إصلاح فشحور.

 

الأيات (1-6):-" 1وَسَمِعَ فَشْحُورُ بْنُ إِمِّيرَ الْكَاهِنُ، وَهُوَ نَاظِرٌ أَوَّلٌ فِي بَيْتِ الرَّبِّ، إِرْمِيَا يَتَنَبَّأُ بِهذِهِ الْكَلِمَاتِ. 2فَضَرَبَ فَشْحُورُ إِرْمِيَا النَّبِيَّ، وَجَعَلَهُ فِي الْمِقْطَرَةِ الَّتِي فِي بَابِ بِنْيَامِينَ الأَعْلَى الَّذِي عِنْدَ بَيْتِ الرَّبِّ. 3وَكَانَ فِي الْغَدِ أَنَّ فَشْحُورَ أَخْرَجَ إِرْمِيَا مِنَ الْمِقْطَرَةِ. فَقَالَ لَهُ إِرْمِيَا: «لَمْ يَدْعُ الرَّبُّ اسْمَكَ فَشْحُورَ، بَلْ مَجُورَ مِسَّابِيبَ، 4لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: هأَنَذَا أَجْعَلُكَ خَوْفًا لِنَفْسِكَ وَلِكُلِّ مُحِبِّيكَ، فَيَسْقُطُونَ بِسَيْفِ أَعْدَائِهِمْ وَعَيْنَاكَ تَنْظُرَانِ، وَأَدْفَعُ كُلَّ يَهُوذَا لِيَدِ مَلِكِ بَابِلَ فَيَسْبِيهِمْ إِلَى بَابِلَ وَيَضْرِبُهُمْ بِالسَّيْفِ. 5وَأَدْفَعُ كُلَّ ثَرْوَةِ هذِهِ الْمَدِينَةِ وَكُلَّ تَعَبِهَا وَكُلَّ مُثَمَّنَاتِهَا وَكُلَّ خَزَائِنِ مُلُوكِ يَهُوذَا، أَدْفَعُهَا لِيَدِ أَعْدَائِهِمْ، فَيَغْنَمُونَهَا وَيَأْخُذُونَهَا وَيُحْضِرُونَهَا إِلَى بَابِلَ. 6وَأَنْتَ يَا فَشْحُورُ وَكُلُّ سُكَّانِ بَيْتِكَ تَذْهَبُونَ فِي السَّبْيِ، وَتَأْتِي إِلَى بَابِلَ وَهُنَاكَ تَمُوتُ، وَهُنَاكَ تُدْفَنُ أَنْتَ وَكُلُّ مُحِبِّيكَ الَّذِينَ تَنَبَّأْتَ لَهُمْ بِالْكَذِبِ»."

بعد العظة الواضحة التى ألقاها النبى بدأ إضطهاده بواسطة فشحور الكاهن. وكان المنتظر أن يحمى فشحور إرمياء وبالأخص لأنه نبى وكاهن مثله. ولكنه ضربه كما ضُرِب بولس الرسول (أع2:23) ووضعهُ فى المقطرة وهى آلة تعذيب يوضع فيها السجين منحنياً وتربط يديه ورجليه ورقبته فيتألم ألماً مبرحاً. بل ليزيد من ألامه، كان هذا أمام الناس ليسخر منه المارة ويحتقروه (فلا يلتفتوا لكلامه، فكلامه ضد كلامهم بأن مصر ستنقذهم). وكان ذلك عند باب بنيامين بين المدينة والهيكل. والغرض أن يمتنع عن نبواته بالتهديد. ولكن لم تتحقق أغراض فشحور فقد هاجمه النبى بشدة. فلو قُيَدَ النبى فكلمة الله لا تُقيد، والله يصدر حكمه على هذا الكاهن الشرير.  ناظر أول = فشحور كان لهُ مركزاً سامياً فى الهيكل به يستطيع أن يسجن أرمياء بتهمة الإخلال بالأمن العام. ومعنى إسم فشحور = فرح. ولكن أرمياء سماه مجور مسابيب = وهذه معناها خوف من كل جانب. فالله يحوَل أفراح الخطاة لمخاوف (حينما تأتى بابل) وسيمتلىء هو رُعباً وحزناً. بل سيكون منفراً لأصدقائه وهو فى حالته هذه. والله لم يقتله فوراً بل تركهُ يتألم مثل قايين.وإنها لشجاعة للنبى أن ينطق بكل هذه النبوات ضد من سجنه وضد الملك وكل الشعب. ولم يرد فشحور لأن خوف الله سقط عليه مباشرة بكلمة النبى (إذ قال له مجور مسابيب أى خوف من كل جانب فحدث هذا فوراً)، فطرد أرمياء وإكتفى بهذا.

 

الأيات (7-13):-" 7قَدْ أَقْنَعْتَنِي يَا رَبُّ فَاقْتَنَعْتُ، وَأَلْحَحْتَ عَلَيَّ فَغَلَبْتَ. صِرْتُ لِلضَّحِكِ كُلَّ النَّهَارِ. كُلُّ وَاحِدٍ اسْتَهْزَأَ بِي. 8لأَنِّي كُلَّمَا تَكَلَّمْتُ صَرَخْتُ. نَادَيْتُ: «ظُلْمٌ وَاغْتِصَابٌ!» لأَنَّ كَلِمَةَ الرَّبِّ صَارَتْ لِي لِلْعَارِ وَلِلسُّخْرَةِ كُلَّ النَّهَارِ. 9فَقُلْتُ: «لاَ أَذْكُرُهُ وَلاَ أَنْطِقُ بَعْدُ بِاسْمِهِ». فَكَانَ فِي قَلْبِي كَنَارٍ مُحْرِقَةٍ مَحْصُورَةٍ فِي عِظَامِي، فَمَلِلْتُ مِنَ الإِمْسَاكِ وَلَمْ أَسْتَطِعْ.

10لأَنِّي سَمِعْتُ مَذَمَّةً مِنْ كَثِيرِينَ. خَوْفٌ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ. يَقُولُونَ: «اشْتَكُوا، فَنَشْتَكِيَ عَلَيْهِ». كُلُّ أَصْحَابِي يُرَاقِبُونَ ظَلْعِي قَائِلِينَ: «لَعَلَّهُ يُطْغَى فَنَقْدِرَ عَلَيْهِ وَنَنْتَقِمَ مِنْهُ». 11وَلكِنَّ الرَّبَّ مَعِي كَجَبَّارٍ قَدِيرٍ. مِنْ أَجْلِ ذلِكَ يَعْثُرُ مُضْطَهِدِيَّ وَلاَ يَقْدِرُونَ. خَزُوا جِدًّا لأَنَّهُمْ لَمْ يَنْجَحُوا، خِزْيًا أَبَدِيًّا لاَ يُنْسَى. 12فَيَا رَبَّ الْجُنُودِ، مُخْتَبِرَ الصِّدِّيقِ، نَاظِرَ الْكُلَى وَالْقَلْبِ، دَعْنِي أَرَى نَقْمَتَكَ مِنْهُمْ لأَنِّي لَكَ كَشَفْتُ دَعْوَايَ. 13رَنِّمُوا لِلرَّبِّ، سَبِّحُوا الرَّبَّ، لأَنَّهُ قَدْ أَنْقَذَ نَفْسَ الْمِسْكِينِ مِنْ يَدِ الأَشْرَارِ."

مهما حدث لفشحور من رعب فما لا يمكن إنكاره أن النبى إنسان عادى له مشاعرهُ. وهذه المشاعر جُرِحَتْ فيما قام بهِ فشحور خصوصاً من تعريضه لسخرية الناس ونلاحظ فى هذه الأيات صراع داخلى يعتمل فى نفس النبى بين عمل نعمة الله المعزية وأحزان النبى الإنسانية. وهذه المشاعر نجدها هنا متداخلة. ففى أية (7) قد أقنعتنى فإقتنعت = هنا عمل النعمة يغلب. ولكن بماذا أقنعه؟ العله رأى صورة الصليب والعار الذى كان للمسيح عليه وسخرية المارة حوله وشماتتهم فيه وهو ربُ المجد. وهو ما حدث لأرمياء فالشعب كان يسخر منهُ ومن كلامهُ ويوَدون لو توقف عن النطق بنبواته، وها هو فى المقطرة. وهذا هو يومهم للسخرية العلنية منهُ. ولكن إذا كان الله إحتمل فعليك يا أرمياء أن تحتمل أم هل أقنعه الله كما أقنع صموئيل من قبل "هم لم يهزأوا بك بل هزأوا بى" وأن ألامك يا أرمياء هى ألامى. أم أراه الله عقوبة هؤلاء أم أقنعه بأن الألم ضريبة المجد أم كل هذا معاً. الله يعلم.

ولننظر عمل نعمة الله، أنها تُلَح على الإنسان = الححت على فغلبت. بالرغم من أننى صرت للضحك  وفى (8) هو يهان لأجل أمانته وغيرته فى خدمته. فكانوا يهزأون به لأنه يصرخ من غيرته. ولنعرف أن الخدام الأمناء هم سخرية غير المؤمنين أو غير التائبين. وهم سخروا منه لأنه قال ظلم وإغتصاب = فهم لا يحتملون من يذكرهم بخطاياهم. وفى (9) فقلت لا أذكره  هذه غواية من الشيطان ولها منطق عقلانى. فطالما أن هؤلاء الناس لا يستحقون عملك فأترك خدمتك وأسترحْ فى بيتك وأعكف على الصلاة. فتعاليمك صارت للهزء من السامعين. ولكن وجد كلام الله فى قلبه كنار وعمل نعمة الله فيه قوياً منفجراً يبحث عن مخرج لها. بل أشعره الله بقوته معهُ وضعف أعدائه فلم يستطع السكوت. وفى (10) لماذا أراد أولاً السكوت "لأنى سمعت مذمة من كثيرين" = أى كلام إفتراء ووشاية وخوف من كل جانب = فى سخرية حوََلَ الناس عبارة أرمياء ضده (كأنهم يقولون من الذى يحيطه الخوف من كل الجانب أهو فشحور، أم أنت يا أرمياء، بل أحاطوه فعلاً بالخوف) = يقولون إشتكوا فنشتكى عليه  اى فليخترع أى إنسان كذبة ضده ونحن سنروجها لهُ ونشهد ضده بل سنزيد عليها. كل أصحابى يراقبون ظلعى = ظَلْعى أى عرجى أو أى خطأ منى. وهذا ما عملوه مع المسيح فكانوا يرسلون للمسيح ولأرمياء من يتصِيدهم بكلمة ليشتكوا بأى خطأ عليه. وللأسف فهم يرسلون الأصحاب فأية خيانة مؤلمة هذه. قائلين لعله يُطغى = أى لعله يمكن إغواؤه فنرغمه على أن يكف عن نبواته وتوبيخاته لنا. ولكن كما صار لفشحور خوفاً من كل جانب هكذا فليعثر مضطهدىَ (11) هؤلاء الذين يسيئون لشرفه من وراء ظهره فلا يستطيع أن يدافع عن نفسه مثل أنه يثير فتنة ضد الحكومة وينادى بثورة ضد الملك ويتحالف مع بابل.

 

ملحوظة:-

سمعت مذمة من كثيرين هى صلاة داود فى المزامير (13:31) فلنتعلَم الصلاة بالمزامير. فكل من يتألم مثل داود وأرمياء فالروح القدس الذى أوحى بهذه الكلمات يعطى تعزية حين نصلى بها. وفى (13) نجد أن الصراع بين نعمة الله ومخاوفه كإنسان ينتهى لصالح النعمة ويرى خلاصه فيسبح الرب لأنه أنقذه من يد الأشرار.

 

الأيات (14-18):-" 14مَلْعُونٌ الْيَوْمُ الَّذِي وُلِدْتُ فِيهِ! الْيَوْمُ الَّذِي وَلَدَتْنِي فِيهِ أُمِّي لاَ يَكُنْ مُبَارَكًا! 15مَلْعُونٌ الإِنْسَانُ الَّذِي بَشَّرَ أَبِي قَائِلاً: «قَدْ وُلِدَ لَكَ ابْنٌ» مُفَرِّحًا إِيَّاهُ فَرَحًا. 16وَلْيَكُنْ ذلِكَ الإِنْسَانُ كَالْمُدُنِ الَّتِي قَلَبَهَا الرَّبُّ وَلَمْ يَنْدَمْ، فَيَسْمَعَ صِيَاحًا فِي الصَّبَاحِ وَجَلَبَةً فِي وَقْتِ الظَّهِيرَةِ. 17لأَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْنِي مِنَ الرَّحِمِ، فَكَانَتْ لِي أُمِّي قَبْرِي وَرَحِمُهَا حُبْلَى إِلَى الأَبَدِ. 18لِمَاذَا خَرَجْتُ مِنَ الرَّحِم، لأَرَى تَعَبًا وَحُزْنًا فَتَفْنَى بِالْخِزْيِ أَيَّامِي؟"

هذه حرب جديدة باليأس والألم إستغل فيها عدو الخير إحساس النبى البشرى العادى من الجرح نتيجة إهانات فشحور لهُ. والحياة تتخللها فترات تنتصر فيها النعمة وفترات تتغلب فيها الألام الإنسانية. ولكن طالما هناك حياة فليكن لنا رجاء (مز22:31 + 7:77 + أى1:3).

 

أقنعتني يا رب فإقتنعت  والححت علي فغلبت

هذه هي طريقة الله مع أولاده فهو لا يحب ان يضغط عليهم . وهذا ما عمله الله مع آدم ، فحينما أراد الله ان يخلق حواء لتعين آدم ، أظهر الله لآدم ان المخلوقات كلها ذكر وانثي . وحينما اقتنع آدم صار هذا مطلبا له . وحينئذ خلق الله حواء. وهذا الاقناع يأتي في داخلنا من صوت الروح القدس الهادئ بل يلح علينا ويدعونا للتوبة = يبكت علي خطية.....ويدعونا لعمل البر = يبكت علي بر.....ويعطينا قوة ويقنعنا ان الشيطان ليس اقوي منا فقد دانه المسيح بصليبه = يبكت علي دينونة ..... وان انحرفنا وأدبنا الله بتجربة واشتكي الشيطان في اذاننا ان احكام الله قاسية يسمعنا صارخاً يا آبا الآب ، فنقتنع ان الأب لا يمكن ان يؤذي ابنه، والروح القدس لا يصرخ بل يسمعنا بوضوح ان الله أبونا يحبنا ولا يود ان يؤذى أبناؤه . ولكن حتي تكون اذاننا مهيأة لسماع صوت الروح القدس ، علينا بالتوبة لتنفتح اذاننا بل حواسنا الداخلية كلها ، فنسمع ما يقوله الروح للكنائس (رؤ 2 ، 3 ) . ومن تكون له هذه الأذان ويسمع سيصرخ هو من قلبه لله ، حتي وهو وسط تجربته ، شاكراً الله علي محبته التى يفتقده بها ، ليعده للسماء ، حتي لو لم يكن فاهما " فلسنا نفهم الآن حكمة الله لكننا سنفهم فيما بعد" ( يو 13 : 7 ) . وكلما نسلم الامر لله ابونا السماوي تنفتح عيوننا علي محبته بالاكثر فنصرخ انت يا رب ابونا ولا نستحق كل هذه المحبة.