نبوات
هذا الإصحاح تتحدث عن المملكتين القريبتين فارس واليونان ويبدو أنها تشير لمجيء
ملك من نسل اليونانيين سماه القرن الصغير أيضاً ويكون رمزاً لضد المسيح (الوحش)
الذي سيأتي في نهاية الأيام. وابتداء من هنا عاد النبي ليكتب بالعبرية فالكلام
لشعب الله. وقصد الله أن يعزي شعبه ويخبرهم عن الأيام الآتية وحتى نهاية الزمان.
وبينما كانت رؤيا النبي في إصحاح (7) في الليل وهو نائم، كانت هذه الرؤيا وهو
مستيقظ لذلك تسمى الأولى رؤيا المساء وتسمى هذه الرؤيا رؤيا الصباح. وكانت هذه
الرؤيا في شوشان وكان بها قصور ملوك الفرس، وقد يكون النبي رأي هذه الرؤيا وهو في
الروح بينما مازال بالجسد في بابل.
الآيات
(1-8):- "1فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ مُلْكِ بَيْلْشَاصَّرَ الْمَلِكِ،
ظَهَرَتْ لِي أَنَا دَانِيآلَ رُؤْيَا بَعْدَ الَّتِي ظَهَرَتْ لِي فِي
الابْتِدَاءِ. 2فَرَأَيْتُ فِي الرُّؤْيَا، وَكَانَ فِي رُؤْيَايَ
وَأَنا فِي شُوشَانَ الْقَصْرِ الَّذِي فِي وِلاَيَةِ عِيلاَمَ، وَرَأَيْتُ فِي
الرُؤيَا وَأَنَا عِنْدَ نَهْرِ أُولاَيَ. 3فَرَفَعْتُ عَيْنَيَّ
وَرَأَيْتُ وَإِذَا بِكَبْشٍ وَاقِفٍ عِنْدَ النَّهْرِ وَلَهُ قَرْنَانِ وَالقَرْنَانِ
عَالِيَانِ، وَالْوَاحِدُ أَعْلَى مِنَ الآخَرِ، وَالأَعْلَى طَالِعٌ أَخِيرًا. 4رَأَيْتُ
الْكَبْشَ يَنْطَحُ غَرْبًا وَشِمَالاً وَجَنُوبًا فَلَمْ يَقِفْ حَيَوَانٌ
قُدَّامَهُ وَلاَ مُنْقِذٌ مِنْ يَدِهِ، وَفَعَلَ كَمَرْضَاتِهِ وَعَظُمَ. 5وَبَيْنَمَا
كُنْتُ مُتَأَمِّلاً إِذَا بِتَيْسٍ مِنَ الْمَعْزِ جَاءَ مِنَ الْمَغْرِبِ عَلَى
وَجْهِ كُلِّ الأَرْضِ وَلَمْ يَمَسَّ الأَرْضَ، وَلِلتَّيْسِ قَرْنٌ مُعْتَبَرٌ
بَيْنَ عَيْنَيْهِ. 6وَجَاءَ إِلَى الْكَبْشِ صَاحِبِ الْقَرْنَيْنِ
الَّذِي رَأَيْتُهُ وَاقِفًا عِنْدَ النَّهْرِ وَرَكَضَ إِلَيْهِ بِشِدَّةِ
قُوَّتِهِ. 7وَرَأَيْتُهُ قَدْ وَصَلَ إِلَى جَانِبِ الْكَبْشِ،
فَاسْتَشَاطَ عَلَيْهِ وَضَرَبَ الْكَبْشَ وَكَسَرَ قَرْنَيْهِ، فَلَمْ تَكُنْ
لِلْكَبْشِ قُوَّةٌ عَلَى الْوُقُوفِ أَمَامَهُ، وَطَرَحَهُ عَلَى الأَرْضِ وَدَاسَهُ،
وَلَمْ يَكُنْ لِلْكَبْشِ مُنْقِذٌ مِنْ يَدِهِ. 8فتَعَظَّمَ تَيْسُ
المَعْزِ جِدًّا. وَلَمَّا اعْتَزَّ انْكَسَرَ الْقَرْنُ الْعَظِيمُ، وَطَلَعَ
عِوَضًا عَنْهُ أَرْبَعَةُ قُرُونٍ مُعْتَبَرَةٍ نَحْوَ رِيَاحِ السَّمَاءِ
الأَرْبَعِ. "
تم
تمثيل مملكة مادي وفارس بكبش ذو قرنين. وكان الكبش رمزاً لهذه المملكة يضعون صورته
على راياتهم. وكان ملوكهم يلبسون رؤوس كباش من ذهب كتيجان خصوصاً في حروبهم.
والقرنان في الرؤيا هما مادي وفارس. وكانت فارس هي الأصغر ولكنها صارت الأكبر ولم
تعد مادي تذكر فيما بعد= والأعلى طالع أخيراً.
وكورش أصبح أشهر من الماديين بل اصبح كل ملوك هذه المملكة من الفرس وفي (4) كان
الكبش ينطح غرباً وشمالاً وجنوباً =
فهم في فتوحاتهم لم يتجهوا أبداً ناحية الشرق، بل وصلوا غرباً لحدود اليونان، بل
حاولوا غزو اليونان نفسها وفشلوا، ووصلوا جنوباً إلى مصر وإثيوبيا (كوش) وشمالاً
تجاه ليديا وأرمينيا والسكيثيين ولم يقف حيوان
قدامه = لم يقف ملك أمامهم وفي (5) تيس الماعز هو الإسكندر الأكبر الذي أتي من المغرب= أي من الغرب. كان يرمز
للإله جوبيتر بتيس وعُثِرَ في الأثار أن التيس كان رمزاً للجيش اليوناني. ولم يمس الأرض= إشارة لسرعة فتوحاته، وهذه تقابل
في الرؤيا السابقة الأجنحة الأربعة. ولم تجدي معه أي مقاومة لذلك سمى = قرن معتبر.
وللآن فالعالم يحفظ أسمه كأحد أعظم القادة، وهو هجم على الفرس بجيش قوامه 30ألف
جندي و5000حصان، وهاجمهم بسرعة قبل أن تكتشف مخابرات فارس عددهم القليل. وركض إليه بشدة قوته = فهو ضرب ملك الفرس داريوس
قدمانوس بعنف بالرغم من أن جيش الفرس كان أكثر عدداً، لكن مهارة اليونان أفضل.
ونجد هنا 3 تعبيرات ضرب الكبش، كسر قرنيه، طرحه على الأرض وداسه=
وهناك رأي بأن هذه تشير لثلاث معارك دارت بين اليونان والفرس، وكان النصر منها
لليونان وهي جرانيكوس وأبسوس واربيلا وبها تسيد الإسكندر تماماً وقتل في المعركة
الأخيرة 600.000 رجل فكسر قرني الكبش وكان الإسكندر حين بدأ معاركه في عمر يناهز
العشرين عاماً وهزم داريوس وعمره 26عاماً، ومات وعمره 32 أو 33 في عز مجده، ويقال
من إفراطه في الشراب. ولم يترك إبناً يرثه فإمتلك قادته الأربعة مملكته= أربعة قرون معتبرة (أنظر صفحة 61 ، 64) ومن كثرة ما كان للإسكندر فحين وزعوا
أملاكه على قادته الأربعة أصبح لكل واحد منهم أملاكاً كثيرة. فتوزعت المملكة على رياح السماء الأربع= أي في كل أنحاء العالم
وهناك قصة سجلها المؤرخ يوسيفوس بخصوص هذه النبوة " فبعد أن سقطت صور وفلسطين
في يد الإسكندر بلغت أخبار فتوحاته يدوع رئيس كهنة اليهود فخاف حين علم أن
الإسكندر في طريقه إلى أورشليم، وصلى طالباً سلامة بلاده فأوحى له الله أن يقابل
الإسكندر بملابسه الكهنوتية كاملة هو ومعه كهنته من ورائه اما الشعب فيلبسون ملابس
بيضاء. وهكذا كان فحين رأي الإسكندر هذا المنظر ذهب ليسجد لرئيس الكهنة، ولما سأله
قادته عن سبب ذلك قال أنه رأي ذلك المنظر نفسه قبل أن يخرج من مقدونية في حُلْمْ،
وأن رجلاً في الحلم له نفس شكل رئيس الكهنة وعلى رأسه العمامة مع الصفيحة الذهبية
المنقوش عليها "قدس للرب" قد تنبأ له بالإنتصارات في آسيا (في الحلم) ثم
قاد يدوع الإسكندر فقدم ذبيحة لإله إسرائيل، وأروه نبوات دانيال بخصوصه التي ذكر
فيها أنه سيدمر الفرس وكان هذا مما شجعه في هجومه على داريوس بل بعد ذلك وضع
اليهود تحت حمايته هم وديانتهم ووعد بأن يكون شفوقاً على كل يهودي يلقاه في فارس،
وتكريماً للإسكندر سمَّى الكهنة أولادهم المولودين في هذه السنة باسمه. ولاحظ
أن هذه النبوة كتبت قبل أن تتحقق بحوالي
200سنة بل قبل قيام دولة الفرس أصلاً = في السنة
الثالثة من ملك بيلشاصر.
الآيات
(9-14):- " 9وَمِنْ
وَاحِدٍ مِنْهَا خَرَجَ قَرْنٌ صَغِيرٌ، وَعَظُمَ جِدًّا نَحْوَ الْجَنُوبِ
وَنَحْوَ الشَّرْقِ وَنَحْوَ فَخْرِ الأَرَاضِي. 10وَتَعَظَّمَ حَتَّى
إِلَى جُنْدِ السَّمَاوَاتِ، وَطَرَحَ بَعْضًا مِنَ الْجُنْدِ وَالنُّجُومِ إِلَى
الأَرْضِ وَدَاسَهُمْ. 11وَحَتَّى إِلَى رَئِيسِ الْجُنْدِ تَعَظَّمَ،
وَبِهِ أُبْطِلَتِ الْمُحْرَقَةُ الدَّائِمَةُ، وَهُدِمَ مَسْكَنُ مَقْدِسِهِ. 12وَجُعِلَ
جُنْدٌ عَلَى الْمُحْرَقَةِ الدَّائِمَةِ بِالْمَعْصِيَةِ، فَطَرَحَ الْحَقَّ
عَلَى الأَرْضِ وَفَعَلَ وَنَجَحَ. 13فَسَمِعْتُ قُدُّوسًا وَاحِدًا
يَتَكَلَّمُ. فَقَالَ قُدُّوسٌ وَاحِدٌ لِفُلاَنٍ الْمُتَكَلِّمِ: «إِلَى مَتَى
الرُّؤْيَا مِنْ جِهَةِ الْمُحْرَقَةِ الدَّائِمَةِ وَمَعْصِيَةِ الْخَرَابِ،
لِبَذْلِ الْقُدْسِ وَالْجُنْدِ مَدُوسَيْنِ؟» 14فَقَالَ لِي: «إِلَى
أَلْفَيْنِ وَثَلاَثِ مِئَةِ صَبَاحٍ وَمَسَاءٍ، فَيَتَبَرَّأُ الْقُدْسُ»."
هذا
القرن الصغير يشير لملك من نسل السلوكيين وهو أنطيوخس إبيفانيوس أي اللامع، ولكن
اليهود تلاعباً بالألفاظ أطلقوا عليه إبيمانس أي المجنون. وهو قرن صغير لأن بدايته
كانت ضعيفة جداً وحقيرة فكان مسجوناً كرهينة في روما، ولكنه تمكن من الهرب.
واستولى على المملكة في حياة أخيه الأكبر. ثم تقوى حتى وصل لأن ضرب مصر مملكة الجنوب القوية وفارس وأرمينيا شرقاً. والنبوة تشرح الأضرار التي لحقت بشعب
اليهود منه، وسميت أورشليم هنا فخر الأراضي=
ففيها سيولد المسيح، وفي زمن أنطيوخس كان فيها هيكل الله. وهو دخل الهيكل وأخذ كل
كنوز بيت الرب والمنارة الذهب والمائدة ومذبح المحرقة وأقام مذابح للأوثان في كل
مكان. وكان يقتل بوحشية من لا يأكل لحم الخنزير وقتل مرة 100.000يهودي (2مك7:6)
وهو تعظم وتكبر على الله نفسه وحرم رئيس الكهنة أونيا من وظيفته وخدمته. فصار مثل
فرعون الذي قال من هو الله؟ ولاحظ أن من
يضطهد أولاد الله يضطهد الله نفسه. وهو أبطل المحرقة الدائمة= أي الذبيحة المسائية
والذبيحة الصباحية. وهو غالباً منع كل الذبائح لله. ولكنه يذكر المحرقة الدائمة
بمعنى إبطال العبادة فهذه أهمها لأنها تمثل العبادة المنتظمة التي تربط الشعب
بالله. وهو دنَّسَ الهيكل بجعله هيكلاً لجوبيتر أوليمبوس ووضع فيه تمثالاً له. بل
هو قَدَّم خنزير (وهو نجس عند اليهود) على المذبح. وهو حارب جند السماوات= أي شعب الله، فشعب الله هم مملكة
السماء. أو هم الكهنة واللاويين. والنجوم
= أي اللامعين من الكهنة فهو جعلهم إما يسجدون لآلهته أو يقتلهم. وهو هدم كثيراً
من الهيكل وخربه وهو طرح الحق= أي طرح
كتاب الناموس ومزَّقه وأحرقه في محاولة لجعل الشعب ينساه تماماً. ولنلاحظ أنه كان
له هذه القوة لأن الله سمح له بذلك، فالشعب كان قد أغاظ الله جداً، هم وكهنتهم
أيضاً (ملا7:1،8 + 1:2،8) ولذلك أرسل الله أنطيوخس ليمنع ذبائحهم فالله يحرم الناس
من بركاته التي لا يقدرونها ورئيس الجند = رئيس شعب الله. وأنطيوخس هذا يسمى الوحش الأول
فهو رمز لوحش ثان سيظهر مثله في الأيام الأخيرة وسيخرب العالم. وقد حَدَّدَ الله
المدة التي سيحدث فيها الإضطهاد فهم في هذه الفترة سيكونون بلا أنبياء. وحدد
المدَّة بأنها 2300صباح ومساء = فهذا هو الأسلوب العبري في التعبير عن اليوم
الكامل، وكان اليوم يبدأ من غروب الشمس. وهذه المدة تساوي 6سنين + 3شهور+ 18يوماً.
وهو نفس المدة من يوم دنَّس الأمم اليونانيين الهيكل حتى تطهر بواسطة منيلاوس رئيس
الكهنة في زمان المكابيين. والله يحسب مدة ضيقة شعبه فهو في كل ضيقهم تضايق. وهو
هنا يظهر لهم أنه سيريهم أياماً سعيدة بعد تطهير الهيكل مما يحمل أخباراً معزية
لهم. وهذه القصة نجدها في سفر المكابيين بالتفصيل. وفي آية (13) الملاك يُسَّمى
قدوس. والملاك هنا يظهر اهتمامه بشعب
الله. ويسأل إلى متى هذه الضيقات، فهو خاف من ارتداد الشعب لو زادت مدة الضيقة،
وهو سأل دون حتى أن يسأل دانيال نفسه ونضيف قول السيد المسيح عن السمائيين، بأنه
"يصير فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب" فنفهم أنهم يفرحون لأفراحنا
وتوبتنا وخلاصنا بل هم يستقبلون من ينتقل (قصة لعازر والغني) وبمعرفتنا أنهم
يكلمون الله ويصلون دائماً، أفلا يثبت هذا شفاعتهم عنا.
ملحوظة:
بعد أن طهر الشعب الهيكل أخذوا يحتفلون بهذه المناسبة بعيد جديد أسموه عيد
التجديد، ونجد أن المسيح احتفل به أيضاً (يو22:10) وكانت المدة التي استمر فيها
الهيكل نجساً تمتد من سنة171- سنة165ق.م وكان الملاك في آية (13) يكلم فلان المتكلم = فمن هو فلان هذا؟ غالباً هو
المسيح كلمة الله الذي لم يكن أحد قد عرف اسمه. والملاك يسأل المسيح، فالمسيح وحده
الذي يعلم كل شئ. وحتى وقت هذه الرؤيا لم يكن للمسيح اسم فهو لم يكن قد تجسد
"لماذا تسأل عن اسمي وهو عجيب" (قض18:13).
الآيات (15-27):- "15وَكَانَ لَمَّا رَأَيْتُ
أَنَا دَانِيآلَ الرُّؤْيَا وَطَلَبْتُ الْمَعْنَى، إِذَا بِشِبْهِ إِنْسَانٍ
وَاقِفٍ قُبَالَتِي. 16وَسَمِعْتُ صَوْتَ إِنْسَانٍ بَيْنَ أُولاَيَ،
فَنَادَى وَقَالَ: «يَا جِبْرَائِيلُ، فَهِّمْ هذَا الرَّجُلَ الرُّؤْيَا». 17فَجَاءَ
إِلَى حَيْثُ وَقَفْتُ، وَلَمَّا جَاءَ خِفْتُ وَخَرَرْتُ عَلَى وَجْهِي. فَقَالَ
لِي: «افْهَمْ يَا ابْنَ آدَمَ. إِنَّ الرُّؤْيَا لِوَقْتِ الْمُنْتَهَى». 18وَإِذْ
كَانَ يَتَكَلَّمُ مَعِي كُنْتُ مُسَبَّخًا عَلَى وَجْهِي إِلَى الأَرْضِ،
فَلَمَسَنِي وَأَوْقَفَنِي عَلَى مَقَامِي. 19وَقَالَ: «هأَنَذَا
أُعَرِّفُكَ مَا يَكُونُ فِي آخِرِ السُّخَطِ. لأَنَّ لِمِيعَادِ الانْتِهَاءَ. 20أَمَّا
الْكَبْشُ الَّذِي رَأَيْتَهُ ذَا الْقَرْنَيْنِ فَهُوَ مُلُوكُ مَادِي وَفَارِسَ.
21وَالتَّيْسُ الْعَافِي مَلِكُ الْيُونَانِ، وَالْقَرْنُ الْعَظِيمُ
الَّذِي بَيْنَ عَيْنَيْهِ هُوَ الْمَلِكُ الأَوَّلُ. 22وَإِذِ
انْكَسَرَ وَقَامَ أَرْبَعَةٌ عِوَضًا عَنْهُ، فَسَتَقُومُ أَرْبَعُ مَمَالِكَ
مِنَ الأُمَّةِ، وَلكِنْ لَيْسَ فِي قُوَّتِهِ. 23وَفِي آخِرِ
مَمْلَكَتِهِمْ عِنْدَ تَمَامِ الْمَعَاصِي يَقُومُ مَلِكٌ جَافِي الْوَجْهِ
وَفَاهِمُ الْحِيَلِ. 24وَتَعْظُمُ قُوَّتُهُ، وَلكِنْ لَيْسَ
بِقُوَّتِهِ. يُهْلِكُ عَجَبًا وَيَنْجَحُ وَيَفْعَلُ وَيُبِيدُ الْعُظَمَاءَ
وَشَعْبَ الْقِدِّيسِينَ. 25وَبِحَذَاقَتِهِ يَنْجَحُ أَيْضًا
الْمَكْرُ فِي يَدِهِ، وَيَتَعَظَّمُ بِقَلْبِهِ. وَفِي الاطْمِئْنَانِ يُهْلِكُ
كَثِيرِينَ، وَيَقُومُ عَلَى رَئِيسِ الرُّؤَسَاءِ، وَبِلاَ يَدٍ يَنْكَسِرُ. 26فَرُؤْيَا
الْمَسَاءِ وَالصَّبَاحِ الَّتِي قِيلَتْ هِيَ حَقٌّ. أَمَّا أَنْتَ فَاكْتُمِ
الرُّؤْيَا لأَنَّهَا إِلَى أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ». 27وَأَنَا دَانِيآلَ
ضَعُفْتُ وَنَحَلْتُ أَيَّامًا، ثُمَّ قُمْتُ وَبَاشَرْتُ أَعْمَالَ الْمَلِكِ،
وَكُنْتُ مُتَحَيِّرًا مِنَ الرُّؤْيَا وَلاَ فَاهِمَ."
في
(15) دانيال طلب المعنى في صلاته والله لم يرفض طلبه. وإذا
بشبه إنسان= هذا هو المسيح لأنه يعطي أوامر للملاك جبرائيل ليشرح
لدانيال. ودليل أنه المسيح أنه خاف وخَّر على وجهه (17) والرؤيا لوقت المنتهى = أي حينما ينتهي تدبير
الله الخاص بكل هذا. ولكنك يا دانيال لن تعرفه الآن ولكن سَجّلْهُ للأجيال
القادمة. في (26) قوله أن الرؤيا لأيام كثيرة بالإضافة لقوله لوقت المنتهى توحي
بأن هذا القرن الصغير يشير لضد المسيح الذي سيظهر في الأيام الأخيرة ويضطهد شعب
الله " ويجلس نفسه في هيكل الله مظهراً نفسه أنه إله (2تس3:2،4) وبالنسبة
لأنطيوخس ابيفانيوس فكما شرح الملاك لدانيال أنه سيأتي في نهاية مملكة اليونان حين
يملأ اليهود كأس معاصيهم ويكونون مستحقين لهذا الخراب، ويكون هذا الملك قضيب تأديب
لهم. وتعظم قوته ولكن ليس بقوته = بل
بقوة الشيطان وهذا ما يجعلنا نطبقه على ضد المسيح (رؤ2:13)" وأعطاه التنين
قدرته وعرشه وسلطاناً عظيماً" أنه لميعاد السخط = أي بسبب سخط الله على اليهود
سمح بهذا ضدهم. وفي (23) يسميه فاهم الحيل فهو ماكر جداً. وجافي الوجه= أي قاسياً جداً. وكان يُحكي عن
أنطيوخس أبيفانيوس هذا أنه كان ماكراً جداً ودموياً. وهكذا سيكون ضد المسيح
(رؤ15:13) فهو بمكره سيجعل صورة الوحش تتكلم ومن دمويته يجعل جميع الذين لا يسجدون
لصورة الوحش يقتلون وكلاهما يهلك عجباً=
فهو سيهلك الناس الأقوياء ولن يقف في وجهه أحد. ويبيد العظماء وشعب القديسين = فهو له سلطان على الجسد ولكن
ليس على الروح. وقوته قائمة على الخداع فأنطيوخس مثلاً بغشه وبمعاهداته الكاذبة
دَمَّر أكثر ما دمَّرَ في الحروب. وهو عقد معاهدات غاشة ليطمإن له خصومه ثم يغدر
بهم = في الإطمئنان يهلك كثيرين. وبهذا
يضمن أن يخضع الكل له. ولنجاحه يتصور أنه يستطيع أن يقف في وجه رئيس الرؤساء نفسه
أي الله وضد هيكله وبلايد ينكسر= فالله
هو الذي يهلكه ويميته. وأنطيوخس لم يمت في حرب أو اغتيال بل هو وقع في يدي الله
الحي الذي أباده بنفخة فمه. وهذا حدث كما يلي: فهو سمع أن اليهود نزعوا صورة
جوبيتر أوليمبوس من الهيكل بقيادة المكابيين حيث وضعها هو، فهاج جداً على اليهود
واقسم أن يجعل أورشليم مقبرة عامة وعزم على التوجه فوراً لأورشليم. ولكن بعد أن
تفوه بهذه الكلمات الوقحة ابتلاه الرب بضربة عديمة الشفاء في بطنه وتوالد الدود في
بطنه بسرعة كبيرة حتى أن أجزاء من لحمه صارت تتساقط ولم يكن أحد يستطيع أن يقترب
منه من رائحة نتانته. وطالت مدة معاناته من هذا المرض. ووعد انه لو شفي من مرضه
لما عاد لإضطهاد اليهود ، والله لم يشفه ، فالله يعلم انه لو شفاه لكان عاد لقسوته
ولكان استمر في تعذيب شعب الله. ولكن حين يأس من الشفاء استدعى أصدقائه واعترف
أمامهم أن السبب في آلامه هذه هو إضطهاده لليهود وتدنيسه للهيكل، وكتب خطابات
لليهود يعدهم فيها أنه لو شفى سيسمح لهم بممارسة شعائرهم بحرية. وحينما زاد عليه
المرض ولم يعد يستطيع احتمال رائحته اعترف قائلاً " أنه من المناسب أن يخضع
الإنسان لله، فالإنسان يموت وعليه أن لا يتحدى الله" ومات بائساً في أرض
غريبة على جبال باكاتا قرب بابل حوالي سنة 160ق.م.
الرؤيا هي حق = أي أن الله سيحتمل تدنيس مقادسه هذه
المدة. وكان على دانيال أن يكتم الرؤيا حتى لا يغتاظ الفرس بسببها، الذين كانوا
سيستولون على بابل وقد يمتنعون بسببها عن تحرير اليهود. وهي لأيام كثيرة = فهي تحققت بعد 300سنة فالله
لا يريد كشف كل شئ وإلا تعطلت خططه. وبالرغم من
ضعفه قام وباشر عمله = علينا إذاً أن نمارس أعمالنا بأمانة حتى آخر يوم
في حياتنا، ملتصقين بالله وخائفين الله.
ملاحظات:
1.
مكان الرؤيا
= كانت في شوشن المعروفة عند اليونان باسم سوسا. وتسمى في سفر نحميا ودانيال شوشن
القصر فيها قصور ملوك الفرس، وفيها جرت أحداث سفر استير، وموضع هذه المدينة بين
نهري الكرخي وأولاي وهما فرعا نهر واحد يتشعب على بعد 20ميل من شوشن، ولهذا يصح
قول دانيال أنه كان عند نهر أولاي (آية 2) وبين أولاي (آية16).
2.
نبوة الـ2300يوم
= كما رأينا قبلاً فقد تحققت النبوة حرفياً، فكانت المدة بين تنجيس الهيكل بواسطة
أنطيوخس أبيفانيوس وتطهيره أيام المكابيين 2300يوماً تماماً. ولقد ظن البعض أنه
يمكن تطبيقها على المستقبل بحساب اليوم= سنة (كما سنرى في نبوة السبعين أسبوعاً دا
9) ويسمون هذه الأيام أياماً نبوية فتكون المدة 2300سنة وذلك حتى يتطهر القدس ولكن
[1] متى تبدأ هذه الـ2300سنة هنا يختلف المفسرون، وعلينا بتواضع أن نقول مع دانيال
كنت متحيراً من الرؤيا ولا فاهم =
فالنبوات لا يصح أن تكون واضحة تماماً، بل هي تتضح قرب أو بعد تتميمها. [2] قول
الرب هنا واضح أنها 2300 صباح ومساء، إذاً هي أيام وليست سنيناً مثل (دا 9).
كانت
رؤيا هذا الإصحاح عند نهر أولاي ولاحظ أن بابل وفارس اشتهرتا بنظام مائي عجيب وشق
للقنوات للزراعة وهذا ما جعل أرمياء يقول عن بابل الجالسة على مياه كثيرة 38:50
وقد أتى عليها الفرس لغناها (37:50). والفرس هم أيضاً اشتهروا بنظام للقنوات
والأنهار لزيادة غناهم. وبسبب غناهم أتى عليهم الإسكندر. لذلك رأي دانيال رؤيته
بجانب النهر سبب خيرهم وغناهم وهذا سيأتي عليهم بالخراب والسلب على أيدي
اليونانيين. وكان نهر أولاي أضخم هذه القنوات بعرض 100متر تقريباً. وكانت هذه
الأنهار والقنوات تستعمل أيضاً في المواصلات والتجارة وهذا مما زاد في غناهم.
وكانت قوة الفرس في غناهم وثرواتهم. وحيث أن هذا الإصحاح يشير للفرس كقوة عالمية
تؤثر في مجرى الأحداث فمكان الرؤيا يشير لسبب قوتهم أيضاً.