الإصحاح الأول

 

أية (1):- "1قَوْلُ الرَّبِّ الَّذِي صَارَ إِلَى هُوشَعَ بْنِ بِئِيرِي، فِي أَيَّامِ عُزِّيَّا وَيُوثَامَ وَآحَازَ وَحَزَقِيَّا مُلُوكِ يَهُوذَا، وَفِي أَيَّامِ يَرُبْعَامَ بْنِ يُوآشَ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ. "

من رحمة الله أن يستمر هذا النبي الخادم كل هذه المدة ليشهد لله ويدعو الشعب للتوبة. وكما رأينا فهوشع النبي عاصر ملوكاً كثيرين لإسرائيل، لكنه لم يذكر سوى واحداً منهم فقط. وذلك راجع لشرورهم.

 

الآيات (2-5):- "2أَوَّلَ مَا كَلَّمَ الرَّبُّ هُوشَعَ، قَالَ الرَّبُّ لِهُوشَعَ: «اذْهَبْ خُذْ لِنَفْسِكَ امْرَأَةَ زِنًى وَأَوْلاَدَ زِنًى، لأَنَّ الأَرْضَ قَدْ زَنَتْ زِنًى تَارِكَةً الرَّبَّ». 3فَذَهَبَ وَأَخَذَ جُومَرَ بِنْتَ دِبْلاَيِمَ، فَحَبِلَتْ وَوَلَدَتْ لَهُ ابْنًا، 4فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: «ادْعُ اسْمَهُ يَزْرَعِيلَ، لأَنَّنِي بَعْدَ قَلِيل أُعَاقِبُ بَيْتَ يَاهُو عَلَى دَمِ يَزْرَعِيلَ، وَأُبِيدُ مَمْلَكَةَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ. 5وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنِّي أَكْسِرُ قَوْسَ إِسْرَائِيلَ فِي وَادِي يَزْرَعِيلَ»."

نجد هنا حادثة عجيبة فالله يطلب من النبي أن يتزوج من امرأة زنى. ولكن أليس هذا هو واقع علاقة الله بنا. فالنبي هنا يمثل الله، والزوجة هنا تمثل شعب الله. وهذا الشعب يزنى زنا روحي بعبادته للأوثان وزنا جسدي أيضاً. ومطلوب من النبي أن يحب زوجته وينجب منها. ومشاعر النبي هنا تعبر عن مشاعر الله. فالنبي الآن بهذا الزواج يشعر بآلام شديدة نفسية وجروح عميقة وهذا ما يريد الله أن نكتشفه، إننا بخطيتنا نجرح الله جداً. وهناك أراء تقول أن هذه القصة رمزية أو مجرد رؤيا. ولكن هذا الرأي مرفوض فكما ذهب إبراهيم بابنه مسيرة ثلاثة أيام ليذبحه قاسى خلالها أشد الآلام النفسية مرارة ليشرح الله له ولنا فكرة الفداء، والتي فيها سيعاني الآب والابن آلاماً حقيقية وترك الله إبراهيم ثلاثة أيام يتألم ألماً حقيقياً. هكذا ترك هوشع ليشعر ونشعر نحن من خلاله بكم نؤلم الله بخطيتنا. لقد ترك الله هوشع ليشعر بمشاعر الله وتركه يتكلم مع الشعب، هذه كما قال الله لأرمياء مثل فمي تكون (أر19:15) وقد تكون هذه الزوجة من هؤلاء اللواتي ينذرن أنفسهن في هياكل الأوثان للزنا الجسدي لحساب البعل الإله الوثني.

جُومَرَ بِنْتَ دِبْلاَيِمَ: جومر تعني نهاية الكمال خاصة كمال الفشل. ودبلايم تعني كعكة من التين المضغوط أو أقراص الزبيب. وكان هذا النوع من الكعك يستخدم في الاحتفالات الخاصة بالبعل (هو1:3) والمعنى  أن عبادة الأوثان تقود لكمال الفشل.

أَوْلاَدَ زِنًى: كما بقيت جومر في شرها تلد أبناء زنى بالرغم من زواجها من رجل نبي طاهر مبارك. هكذا بقى إسرائيل في زناه الروحي بالرغم من إعلان الله له عن اتحاده معه.

لأَنَّ الأَرْضَ قَدْ زَنَتْ: لم يقل لأن إسرائيل قد زنت، بل الأرض، فإسرائيل بزناها صارت أرضاً وليس سماء. أما نحن فباتحادنا مع المسيح نقوم معه ونجلس معه في السماويات. وأولاد إسرائيل سيظلوا أولاد زنى لأن أمهم زانية حتى يقبلوا رسالة أبيهم (الله القدوس) ويرفضوا خطية أمهم (إسرائيل).

يَزْرَعِيلَ: الله يزرع. هذا هو أول أولاد جومر. ونسمع هنا لأَنَّنِي بَعْدَ قَلِيل أُعَاقِبُ = والمعنى أن ما يزرعه الله فينا من تأديبات هو ثمر عملنا، أو أننا سوف نحصد من ثمار ما زرعناه، هم زرعوا خطية فسيجنوا عقاباً " الذي يزرعه الإنسان إياه يحصد" (غل7:6) "والزارع إثماً يحصد بلية" (أم8:22) وكلمة يزرعيل تعني أيضاً (الله يبذر) وهذا ما كان الله ناوياً أن يعمله، فهو كان سوف يبذر إسرائيل ويشتتها على الجبال من أجل خطيتها. وسيبدأ الله بأن يعاقب بيت ياهو بن نمشي: هذا الملك قام على يورام بن أخاب زوج إيزابل الشريرة وقتله، وقتل كل أخوته وقتل إيزابل وأنبياء البعل فشجعه الله. ولكنه عاد فسار في نفس خطايا ملوك إسرائيل. وهو ملك 28سنة ومات وملك بدلاً منه يهو أحاز إبنه 17سنة ومات وملك بدلاً منه يوآش ابنه 16سنة ومات وملك بدلاً منه يربعام ابنه لمدة 41سنة. ثم ملك ابن يربعام، زكريا لمدة 6 شهور إلى أن قتله شلوم بن يابيش. وكان كل هؤلاء أشراراً واستحقوا أن تنتهي أسرة ياهو بن نمشى هذه النهاية. فحين أحسن ياهو شجعه الله (2مل3:10) وحينما زاد الشر أنهى الله هذه الأسرة بقتل زكريا. وهذا لم يكن سوى البداية أما النهاية فكانت بخراب إسرائيل النهائي = وَأُبِيدُ مَمْلَكَةَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ. والعقوبة لبيت ياهو هي على دَمِ يَزْرَعِيلَ = فياهو طلب من رؤساء السامرة ذبح أبناء أخاب السبعين. وهؤلاء خافوا من ياهو فذبحوا السبعين إبناً ووضعوا رؤوسهم في سلال وأرسلوها إليه، إلى يزرعيل (2مل1:10-8) ولما وصلت السلال طلب ياهو أن يقسموها قسمين أمام مدخل الباب حتى الصباح. والله هنا يذكر هذا العمل الوحشي لياهو فالله يريد عقاب الأشرار مثل آخاب وبيته، ولكن الله لا يحب قطعاً ولا يرضى عن الوحشية التي في قلب ياهو.ووادي يزرعيل هذا وهو مرج ابن عامر اليوم، كان ساحة حروب دموية كثيرة. وهناك أَكْسِرُ قَوْسَ إِسْرَائِيلَ. قد يكون هذا الوادي مكاناً لحفظ أسلحة إسرائيل، أو حدثت فيه معركة ضعفت فيها قوة إسرائيل. وبعد موت زكريا أخر ملوك بيت ياهو بدأت مملكة إسرائيل في الإنحطاط وكان ذلك مقدمة لخرابها النهائي. والله هنا يذكر بأن بداية شرور بيت ياهو هو شر قلب ياهو الذي قام بقتل أولاد آخاب في يوم يزرعيل بعمل وحشي، كان فيه ياهو كارهاً للناس منتقماً لنفسه وليس كارهاً للشر والخطية بدليل ما قام به بعد ذلك من خطايا واستمراريته في شرور كل ملوك إسرائيل.

 

الآيات (6-7):- "6ثُمَّ حَبِلَتْ أَيْضًا وَوَلَدَتْ بِنْتًا، فَقَالَ لَهُ: «ادْعُ اسْمَهَا لُورُحَامَةَ، لأَنِّي لاَ أَعُودُ أَرْحَمُ بَيْتَ إِسْرَائِيلَ أَيْضًا، بَلْ أَنْزِعُهُمْ نَزْعًا. 7وَأَمَّا بَيْتُ يَهُوذَا فَأَرْحَمُهُمْ وَأُخَلِّصُهُمْ بِالرَّبِّ إِلهِهِمْ، وَلاَ أُخَلِّصُهُمْ بِقَوْسٍ وَبِسَيْفٍ وَبِحَرْبٍ وَبِخَيْل وَبِفُرْسَانٍ»."

لُورُحَامَةَ: أي لا أعود أرحم. هذه إحدى نتائج البعد عن الله والاستهانة بلطفة وطول أناته. لأَنِّي لاَ أَعُودُ أَرْحَمُ = معنى هذا أن الله قد أعطاهم فرصاً لكثيرة للمراحم. 7وَأَمَّا بَيْتُ يَهُوذَا فَأَرْحَمُهُمْ = فهم حافظوا على علاقتهم بالله مدة أطول من إسرائيل. وَلاَ أُخَلِّصُهُمْ بِقَوْسٍ = فهذا ما حدث فعلاً فأشور أبادت مملكة إسرائيل، ولكن أثناء حصار أشور هذه لأورشليم وبعد صلاة حزقيا الملك ضرب الملاك من جيش أشور 185000. ولكن (آية7) هذه تشير لخلاص الكنيسة بفداء المسيح. فيهوذا هنا تشير للكنيسة والدليل وَأُخَلِّصُهُمْ بِالرَّبِّ إِلهِهِمْ = أي بالمسيح وَلاَ أُخَلِّصُهُمْ بِقَوْسٍ = أي بالصليب، والمتحدث هنا هو الآب وهو يتكلم عن الابن ويكون خلاص يهوذا من أشور رمزاً لخلاص الكنيسة من الشيطان.

 

الآيات (8-11):- "8ثُمَّ فَطَمَتْ لُورُحَامَةَ وَحَبِلَتْ فَوَلَدَتِ ابْنًا، 9فَقَالَ: «ادْعُ اسْمَهُ لُوعَمِّي، لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ شَعْبِي وَأَنَا لاَ أَكُونُ لَكُمْ. 10لكِنْ يَكُونُ عَدَدُ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَرَمْلِ الْبَحْرِ الَّذِي لاَ يُكَالُ وَلاَ يُعَدُّ، وَيَكُونُ عِوَضًا عَنْ أَنْ يُقَالَ لَهُمْ: لَسْتُمْ شَعْبِي، يُقَالُ لَهُمْ: أَبْنَاءُ اللهِ الْحَيِّ. 11وَيُجْمَعُ بَنُو يَهُوذَا وَبَنُو إِسْرَائِيلَ مَعًا وَيَجْعَلُونَ لأَنْفُسِهِمْ رَأْسًا وَاحِدًا، وَيَصْعَدُونَ مِنَ الأَرْضِ، لأَنَّ يَوْمَ يَزْرَعِيلَ عَظِيمٌ. "

لُوعَمِّي: لستم شعبي. وهذا هو أقسى عقاب يُعَاقَبْ به شعب الله. فنسبتهم لله هي سر قوتهم ومصدر كل بركة. فتخلي الله عنا يساوي وقوعنا في يد الشيطان.ولكن ماذا حدث حتى يتخلى الله عن شعبه؟ الله لم يتخلى أولاً عنهم بل هم ذهبوا وراء البعل أولاً. وفي (آية10) لكن = لكن هذه معزية جداً، فالنهاية ليست رفض الله لشعبه وانفصاله عنّا، لكن هناك دائماً فرصة، وسيعود الله لشعبه= ويَكُونُ عَدَدُ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَرَمْلِ الْبَحْرِ وهذا قد حدث في الكنيسة. ويُقَالُ لَهُمْ: أَبْنَاءُ اللهِ الْحَيِّ. = فنحن قد حصلنا على البنوة في المسيح.  ويجعلون لأَنْفُسِهِمْ رَأْسًا وَاحِدًا = فالمسيح رأس الكنيسة (راجع رسالتي أفسس و كولوسي) وَيَصْعَدُونَ مِنَ الأَرْضِ = فنحن في المسيح صرنا في السماويات (أف6:2) لأَنَّ يَوْمَ يَزْرَعِيلَ عَظِيمٌ = الله زرع هذا الخلاص بأن وقعت حبة الحنطة في الأرض وماتت (يو24:12). وكان رمز هذا الخلاص في العهد القديم رجوع إسرائيل ويهوذا بعد عودة يهوذا من سبي بابل، ليكونا أمة واحدة برأس واحد هو زربابل. وجمع يهوذا وإسرائيل في أمة واحدة رمز لجمع اليهود والأمم في جسد المسيح الواحد. وكان أولاد هوشع بأسمائهم إشارة لهلاك إسرائيل، كما كانت أسماء أولاد إشعياء ذات معاني نبوية. ولكن قيل عن أولاد هوشع أولاد زنى لولادتهم من زانية كما أن هلاك إسرائيل كان نتيجة طبيعية لخطاياهم. ولاحظ التدرج في الأسماء يَزْرَعِيلَ = عقاب الله، لُورُحَامَةَ =حجب عطفه، مراحمه، لُوعَمِّي = إقصائهم الكامل عن الله.

8ثُمَّ فَطَمَتْ لُورُحَامَةَ وَحَبِلَتْ فَوَلَدَتِ ابْنًا.. اسْمَهُ لُوعَمِّي = نجد هنا مراحم الله واضحه فقبل أن يولد لوعمى كانت هناك فترة فطام للورحامة والمعني أن الله قبل أن يرفضهم من أن يكونوا شعباً له أعطاهم فرصة انتظار، هذه هي طول أناة الله، فهو يطيل أناته علينا لعلنا نتوب.

لأَنَّ يَوْمَ يَزْرَعِيلَ عَظِيمٌ = فبعد أن كان يزرعيل يمثل تهديداً ومرارة وعقاب من الله، وحيث كان الرفض والخراب ثمر خطيتنا. صار يزرعيل يمثل وعداً بأن يزرعنا الله زرعاً مقدساً (أش13:6) وبذلك ينتشر ملكوت الله في الأرض كلها. وسهل يزرعيل كان مشهوراً بأرضه الخصبة. هكذا شعب الله سيمتاز بالبركات الروحية. وطبق هذا بولس الرسول في (رو25:9،26) وكثرة عدد المؤمنين واضح في (رؤ4:7،9 + غل27:4) وتم الوعد في (تك5:17) لاحظ كم معنى لكلمة يزرعيل. وشكراً لله الذي بمراحمه تحولت العقوبة لبركة.