انتهى الإصحاح
السابق وقد أعطانا أملاً بنهاية سلطان الشيطان، ولكن مع تحذير أن من يقبل بأن يصبح
له عبداً سيصير سخرية. وهنا يعرض صورة لأمة اليهود التي أسلمت نفسها أو باعت نفسها
للشيطان، وهي أيضاً صورة للبشرية الساقطة قبل المسيح. ونرى فيها قول بولس الرسول
"الجميع زاغوا وفسدوا.." (رو3) ثم ينتهي الإصحاح برجاء في المسيح الذي
يأتي للخلاص.
الآيات (1-7):- "1وَيْلٌ لِلْمُتَمَرِّدَةِ
الْمُنَجَّسَةِ، الْمَدِينَةِ الْجَائِرَةِ! 2لَمْ تَسْمَعِ الصَّوْتَ.
لَمْ تَقْبَلِ التَّأْدِيبَ. لَمْ تَتَّكِلْ عَلَى الرَّبِّ. لَمْ تَتَقَرَّبْ
إِلَى إِلهِهَا. 3رُؤَسَاؤُهَا فِي وَسَطِهَا أُسُودٌ زَائِرَةٌ.
قُضَاتُهَا ذِئَابُ مَسَاءٍ لاَ يُبْقُونَ شَيْئًا إِلَى الصَّبَاحِ. 4أَنْبِيَاؤُهَا
مُتَفَاخِرُونَ أَهْلُ غُدْرَاتٍ. كَهَنَتُهَا نَجَّسُوا الْقُدْسَ، خَالَفُوا
الشَّرِيعَةَ. 5اَلرَّبُّ عَادِلٌ فِي وَسَطِهَا لاَ يَفْعَلُ ظُلْمًا.
غَدَاةً غَدَاةً يُبْرِزُ حُكْمَهُ إِلَى النُّورِ. لاَ يَتَعَذَّرُ. أَمَّا
الظَّالِمُ فَلاَ يَعْرِفُ الْخِزْيَ. 6«قَطَعْتُ أُمَمًا، خَرَّبْتُ
شُرُفَاتِهِمْ، أَقْفَرْتُ أَسْوَاقَهُمْ بِلاَ عَابِرٍ. دُمِّرَتْ مُدُنُهُمْ
بِلاَ إِنْسَانٍ، بِغَيْرِ سَاكِنٍ. 7فَقُلْتُ: إِنَّكِ
لِتَخْشَيْنَنِي، تَقْبَلِينَ التَّأْدِيبَ. فَلاَ يَنْقَطِعُ مَسْكَنُهَا حَسَبَ
كُلِّ مَا عَيَّنْتُهُ عَلَيْهَا. لكِنْ بَكَّرُوا وَأَفْسَدُوا جَمِيعَ
أَعْمَالِهِمْ. "
عجيب
أن الأوصاف المذكورة هنا هي أوصاف أورشليم المدينة المقدسة والتي تمتعت بالكثير من
وسائط النعمة (وهذا يجعلنا نحن كمؤمنين أن نخاف من أن يكون هذا الكلام موجه لنا،
فالآيات السابقة في إصحاح2 أشارت لدينونة إبليس، وهذا ما تم في الصليب لذلك إذ
يأتي هذا العتاب هنا بعد دينونة إبليس، فهو موجه ليس فقط لأورشليم بل لي ولك نحن
الذين تمتعنا بكل وسائط النعمة ومازلنا نحيا حياة الخطية)
وفي (1) ويل = فالله القدوس يبغض الخطية في أقرب الناس
له. وهو هنا يصف أورشليم بأنها متمردة
= ضد شريعة الله. ومنجسة = بخطايا
نجاسة ومدينة جائرة أي ظالمة لسكانها
المساكين. وفي (2) لم تسمع الصوت= صوت
الناموس والأنبياء الذين دعوها للتوبة، ولو سمعت لكان هذا لسلامها، ولكنها أبت
فإضطر الله أن يؤدبها، وأيضاً لم تقبل التأديب.
وكان تأديب الرب بأن أرسل عليها عصا تأديب مثل أمة تحاربها، وكان يجب أن تتكل على
الرب في ضيقها. ولكن لم تتكل على الرب،
بل ذهبت للأمم الأخرى ولجأت لهم لحمايتها فابتعدت بالأكثر عن الرب ولم تتقرب إلى إلهها. وفي (3) نجد وصفاً لقادتها
وقضاتها الظالمين فهم كأسود زائرة= أي مفترسون يلتهمون كل ما
حولهم. وكذئاب المساء= في غدرهم
وشراهتهم هذه الذئاب ظلت جائعة طوال النهار، وحين جاء عليها الليل انطلقت بشراهة
تلتهم الفريسة كلها. لا يبقون شيئاً للصباح=
أي يلتهموا الفقير والمسكين ولا يبقون مما له شيئاً. وفي (4) أهل غدرات = أنبياؤها الكذبة. كل أعمالهم غدر وخيانة وهم متفاخرون كذباً بأنهم
مرسلين من السماء. وكهنتها نجسوا القدس=
مثل أولاد عالي الكاهن. هؤلاء وظيفتهم أن يعلموا الناس أن يمتنعوا عن النجاسة
ولكنهم بالعكس نجسوا الهيكل هم أنفسهم. وهو خالفوا الشريعة= فهم أعطوا تفسيرات للشريعة بما
يخدم مصالحهم. وكل هذا الإنحراف بالرغم من أن الرب
عادل في وسطها (5) وكان هذا شرفاً لهم، ولكن الله العادل يراقب كل ظلم
وسيعاقب عليه. وهو لا يصنع ظلماً= فكان
يجب أن لا يصنعوا سوى هذا وأن لا يظلموا الآخرين، فالله قال لهم "كونوا
قديسين لأني أنا قدوس" (لا45:11) غداة غداة يبرز حكمه إلى النور= أي كما أن
النور بالتأكيد سيظهر بالغد. فالله سوف يُظْهِر بكيفية واضحة الخير والصلاح الذي
يطلبه منهم. ولن يخفق في هذا = لا يتعذر
ومع كل ذلك فالظالم لا يعرف الخزي= أي لا يخزي من إرتكابه الظلم. وفي
(6) قطعت أمماً= هنا يضع الله أمامهم
صورة لعدله، فهو قطع أمم الكنعانيين من أمامهم وذلك بسبب شرور الكنعانيين. والله يذكر
لهم هذا لسببين أولهم ليعرفوا عدل الله ويقدموا توبة وثانياً لكي يخجلهم، فالله
قطع هذه الأمم أمامهم ليرثوا هم هذه الأرض. خربت
شرفاتهم= أي بروجهم العالية. وكلمة أسواقهم تعني شوارعهم أيضاً. وفي
(7) فقلت أنك لتخشينني.. لكن بكروا وأفسدوا=
هذا يشير لأن الله في كل خططه معهم سواء بالخير حين أعطاهم أرض كنعان وكل خيراته
لهم في البرية أو بالتأديب حين سلط عليهم الأمم المجاورة، كان يريد خلاصهم، لكن هم
أختاروا طريق الفساد. هذه الآية تشبه قول السيد المسيح "يا أورشليم يا
أورشليم.. كم مرة أردت أن أجمع أولادك.. لكنكم لم تريدوا" "فالله يريد
أن الجميع يخلصون" لكن إرادتي تعطل إرادة الله، لأن الله خلقنا أحراراً.
ولاحظ أنه لو قبلت التأديب= لا ينقطع مسكنها=
مسكنها كان هو أرض الميعاد حسب ما عينه لها الله. ولكن بخطاياها أخذت للسبي.
وهكذا نحن فلقد عين الله لنا نصيباً سماوياً ونخسره إذا أنقدنا وراء خطايانا
وشهواتنا، بل هناك تهديد مرعب للكنيسة "فإذكر من أين سقطت وتب وأعمل الأعمال
الأولى وإلا فإني آتيك عن قريب وأزحزح منارتك من مكانها إن لم تتب" (رؤ5:2).
الآيات (8-13):- "8«لِذلِكَ
فَانْتَظِرُونِي، يَقُولُ الرَّبُّ، إِلَى يَوْمِ أَقُومُ إِلَى السَّلْبِ، لأَنَّ
حُكْمِي هُوَ بِجَمْعِ الأُمَمِ وَحَشْرِ الْمَمَالِكِ، لأَصُبَّ عَلَيْهِمْ
سَخَطِي، كُلَّ حُمُوِّ غَضَبِي. لأَنَّهُ بِنَارِ غَيْرَتِي تُؤْكَلُ كُلُّ
الأَرْضِ. 9لأَنِّي حِينَئِذٍ أُحَوِّلُ الشُّعُوبَ إِلَى شَفَةٍ
نَقِيَّةٍ، لِيَدْعُوا كُلُّهُمْ بِاسْمِ الرَّبِّ، لِيَعْبُدُوهُ بِكَتِفٍ
وَاحِدَةٍ. 10مِنْ عَبْرِ أَنْهَارِ كُوشٍ الْمُتَضَرِّعُونَ إِلَيَّ،
مُتَبَدِّدِيَّ، يُقَدِّمُونَ تَقْدِمَتِي. 11فِي ذلِكَ الْيَوْمِ لاَ
تَخْزَيْنَ مِنْ كُلِّ أَعْمَالِكِ الَّتِي تَعَدَّيْتِ بِهَا عَلَيَّ. لأَنِّي
حِينَئِذٍ أَنْزِعُ مِنْ وَسَطِكِ مُبْتَهِجِي كِبْرِيَائِكِ، وَلَنْ تَعُودِي
بَعْدُ إِلَى التَّكَبُّرِ فِي جَبَلِ قُدْسِي. 12وَأُبْقِي فِي
وَسَطِكِ شَعْبًا بَائِسًا وَمِسْكِينًا، فَيَتَوَكَّلُونَ عَلَى اسْمِ الرَّبِّ. 13بَقِيَّةُ
إِسْرَائِيلَ لاَ يَفْعَلُونَ إِثْمًا، وَلاَ يَتَكَلَّمُونَ بِالْكَذِبِ، وَلاَ
يُوجَدُ فِي أَفْوَاهِهِمْ لِسَانُ غِشٍّ، لأَنَّهُمْ يَرْعَوْنَ وَيَرْبُضُونَ
وَلاَ مُخِيفَ»."
الصورة
السابقة لأورشليم صورة قاتمة جداً، وكان المتوقع أن الله سوف يرفضها نهائياً.
ولكننا نجد هنا وعداً بمراحم الله المجانية ونعمته، فهو أحبنا ليس لإستحقاقنا، بل
لأن الله محبة. وهنا نجد وعداً بالخلاص
لكن هذا الوعد ليس فوراً لأن الله ليس كالبشر، فهو لا يتعجل الأمور، فلكل شئ تحت
السماوات وقت. والله لا يأتي إلا في ملء الزمان، أي حينما يجد أن كل شئ قد نضج وهذا
الوقت" ملء الزمان" لهو أنسب وقت، ولذلك يقول بعد أن وعد بالخلاص فانتظروني= أي انتظروني بثقة ورجاء فسوف أخلص.
وهو سوف ينتقم لكنيسته من أعدائها الشياطين= لأن
حكمي هو بجمع الأمم وحشر الممالك ليصب عليهم حكمه ويسلب شعبه أي يسترده
من أيديهم. وفي (9) أحول الشعوب إلى شفة نقية=
هي شفة التسبيح= ولتدعو كلها باسم الرب=
هذه الصورة حدثت بعد المسيح إذ آمن الأمم
وتحولوا من عبادة الأوثان إلى تسبيح الرب. وهذا عربون لما سيحدث بعد يوم الرب
(موضوع نبوة صفنيا) إذ سيصير كل إنشغالنا في السماء هو تسبيح الرب على الفرح الذي
أعطاه لنا. والكنيسة من الآن ونحن على الأرض وبإيمان تدعو اسم الرب وتسبحه لأنه
خلصها. والشفتين النقيتين هما ثمرة قلب نقي فمن ثمرة القلب أو "من فضلة القلب
يتكلم اللسان" وعمل تطهير القلب كان مستحيلاً بغير الدم (عب22:10) ولاحظ أن
اللسان النجس يورد صاحبه الهلاك (أش5:6) وبلسانهم الطاهر يقدمون صلوات وتسبحة للرب
هي ثمر شفاههم أو عجول شفاههم (هو2:14) وهؤلاء المؤمنين سيكونون واحداً في الرب،
جسد واحد وروح واحد (أف4:4،5) بل وكتف واحد = أي بالإجماع، وفي وحدة، كنيسة واحدة، يصير الكل
واحداً. وهذه الكنيسة الواحدة تحمل على كتفها صليب المسيح. وفي (10) من يدخل هذه
الكنيسة؟ من
عبر أنهار كوش= أي الأمم الوثنية المتضرعون
إلىَّ = أي الأمم حين يؤمنون، أو
المسيحيون الذين يقدمون توبة. هؤلاء كانوا قد تشتتوا بعيداً عن الله = متبدديَّ. ولكنهم ما زالوا له وها هو يجمعهم
ثانية. وحين يؤمنون يقدمون تقدمتي= هي
تقدمة الإفخارستيا، ذبيحة الشكر، جسد ودم المسيح. وفي (11) وعد بأنهم لن يعودوا
موضع هزء وسخرية كما كان الوضع في (15:2). الشياطين لا تجرؤ على أن تهزأ إلا بمن
ذهب لها وقَبِل أن يسجد لها مقابل أن تعطيه ممالك هذا العالم أو شهواته، فتعطيه ثم
تهزأ به. وهي لن تخزى من كل أعمالها التي تعدت بها على الله = لأن دم المسيح يطهرنا
من كل خطية. وهذا الإحساس بأن الله قد غفر قد يسوق الإنسان للكبرياء، ومن ثم يسقط
في خطية إبليس ويبتهج إبليس بهذا الكبرياء الذي أدى للسقوط. ولكن ها هو وعد جديد
بأن الله سينزع من وسط كنيسته مبتهجي كبريائك=
أي إبليس الذي يبتهج بكبريائك. وفي (13) صفات شعب الله = بائساً ومسكيناً= هؤلاء لهم نصيب مع الله فطوبى
للمساكين بالروح لأن لهم ملكوت السموات. فكنيسة المسيح هي كنيسة المتضعين. وهؤلاء
المساكين الذين يشعرون بضعفهم يتوكلون على اسم
الرب، ومن إتكل عليه ينجيه، أما المتكبرين فمن صفاتهم الأساسية أنهم لا
يتوكلون على اسم الرب، فهم يشعرون أنهم أقوياء وقديسين وموهوبين من ذواتهم. وقد
تحقق هذا فعلاً فعندما اقتحمت بابل أسوار أورشليم قتلت وأخذت إلى السبي كل
الأغنياء والأقوياء وتركت في أورشليم مساكين الأرض (2مل12:25). وفي (13) بقية إسرائيل= مع أن الشر قد تفشى في الغالبية
من شعب إسرائيل، لكن يوجد لله بقية تقية سيقيم الله منها أورشليم جديدة. كما قال
الله لإيليا "يوجد لي سبعة آلاف ركبة لم تنحن لبعل" وبعد المسيح خربت
أورشليم ولكن كان هناك بقية آمنت بالمسيح وكانوا نواة الكنيسة في العالم. وفي أيام
ضد المسيح ستكون هناك بقية تستمر في إيمانها بالمسيح الحقيقي وتكون بركة للعالم
كله. ومواصفات البقية أنها لا تفعل إثماً. يرعون ولا مخيف=
فراعيهم هو المسيح فممن يخافوا.
الآيات (14-20):- "14تَرَنَّمِي يَا ابْنَةَ
صِهْيَوْنَ! اهْتُفْ يَا إِسْرَائِيلُ! افْرَحِي وَابْتَهِجِي بِكُلِّ قَلْبِكِ
يَا ابْنَةَ أُورُشَلِيمَ! 15قَدْ نَزَعَ الرَّبُّ الأَقْضِيَةَ
عَلَيْكِ، أَزَالَ عَدُوَّكِ. مَلِكُ إِسْرَائِيلَ الرَّبُّ فِي وَسَطِكِ. لاَ
تَنْظُرِينَ بَعْدُ شَرًّا. 16فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يُقَالُ
لأُورُشَلِيمَ: «لاَ تَخَافِي يَا صِهْيَوْنُ. لاَ تَرْتَخِ يَدَاكِ. 17الرَّبُّ
إِلهُكِ فِي وَسَطِكِ جَبَّارٌ. يُخَلِّصُ. يَبْتَهِجُ بِكِ فَرَحًا. يَسْكُتُ فِي
مَحَبَّتِهِ. يَبْتَهِجُ بِكِ بِتَرَنُّمٍ». 18«أَجْمَعُ
الْمَحْزُونِينَ عَلَى الْمَوْسِمِ. كَانُوا مِنْكِ. حَامِلِينَ عَلَيْهَا
الْعَارَ. 19هأَنَذَا فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أُعَامِلُ كُلَّ
مُذَلِّلِيكِ، وَأُخَلِّصُ الظَّالِعَةَ، وَأَجْمَعُ الْمَنْفِيَّةَ،
وَأَجْعَلُهُمْ تَسْبِيحَةً وَاسْمًا فِي كُلِّ أَرْضِ خِزْيِهِمْ، 20فِي
الْوَقْتِ الَّذِي فِيهِ آتِي بِكُمْ وَفِي وَقْتِ جَمْعِي إِيَّاكُمْ. لأَنِّي
أُصَيِّرُكُمُ اسْمًا وَتَسْبِيحَةً فِي شُعُوبِ الأَرْضِ كُلِّهَا، حِينَ أَرُدُّ
مَسْبِيِّيكُمْ قُدَّامَ أَعْيُنِكُمْ، قَالَ الرَّبُّ»."
هذه
تسبحة فرح من أجل عمل المسيح الخلاصي، حيث يحل الله في وسط كنيسته لا ليملأها
فرحاً فتسبحه فحسب بل يجعلها تسبحة حب مفرحة. وعادة نجد هذا في وسط النبوات، فبعد
أن يتنبأ أي نبي بخلاص المسيح يكلمنا عن التسبحة أو يسبح هو ليعلمنا أن نسبح نحن
فرحين بخلاصنا. ترنمي يا إبنة صهيون=
ابنة صهيون هي الكنيسة. وفي (15) سبب الفرح قد نزع الرب الأقضية أي نزع الرب
دينونتك ونزع القضاء عليك الذي كان قصاصاً لخطاياك. أزال عدوك = أي الشيطان. وواضح أن العدو هنا ليس بابل
أو أشور أو كوش. وواضح أن هذه الآيات إنجيلية تماماً. فتاريخياً حتى بعد سقوط بابل
جاء الفرس وبعد سقوط الفرس جاء اليونان وبعد سقوط اليونان جاء الرومان، وكل هؤلاء
استعبدوا اليهود، فكيف يستقيم قوله أزال عدوك مع زوال حكم بابل أو غيرها. ولاحظ
أيضاً أن الله ليس له عداء شخصي مع هذه الشعوب بالذات، لكن الله يعادي أعمالهم
التي هم فيها رموزاً لإبليس. فنحن نجد في (صف12:2) وأنتم يا أيها الكوشيون قتلي
سيفي هم. ونجد في (صف10:3) من عبر أنهار كوش المتضرعون إلىَّ. ومن هنا نفهم أن عدو
الله الحقيقي ليس شعب كوش، فها هو شعب كوش يتضرع إلى الله أي يؤمن، ولكن العدو
الحقيقي هو إبليس أسود اللون بسبب خطاياه. ونجد وعداً رائعاً للكنيسة= ملك إسرائيل الرب في وسطك= هو المسيح (يو49:1).
هو في وسطها بجسده ودمه. هو في وسطها يرعاها ويحميها ووعد السيد المسيح "إذا
إجتمع إثنان أو ثلاثة باسمي فأنا أكون في وسطهم" لا
تنظرين شراً = كيف يكون هناك شر "وكل الأمور تعمل معاً للخير
للذين يحبون الله" الذي هو في وسطهم. وفي (16) كيف تخاف الكنيسة والمسيح في
وسطها "إن قام علىَّ جيش ففي هذا أنا مطمئن (مز27) لا ترتخي يداك = أي لا تخافي بعد الآن ولا
تستسلمي لليأس وارفعي يداك للصلاة دائماً. وفي (17) كيف نخاف والرب في وسطنا جبار يخلص = "ويدعى اسمه
يسوع لأنه يخلص شعبه من خطاياهم" (مت21:1) يبتهج
بك فرحاً = هو فرح العريس بعروسه. والكنيسة هي فرح السماء
"فالسماء تفرح بخاطئ واحد يتوب" وهو
يسكت في محبته= أي لا يوبخ من أجل خطاياها بل هو يبتهج بك بترنم= بقدر ما يحزن الله بسبب الخطية
بقدر ما يفرح بسبب التوبة.
وفي
(18) المحزونين على الموسم= الموسم
يعني به أعياد أورشليم. وكان الشعب يأتي لها 3 مرات سنوياً في هذه الاحتفالات
الرائعة، وحينما احترقت أورشليم حزن أهلها الذين ذهبوا للسبي. الذين كانوا منك= كانوا في وسطك وطالما فرحوا
بهذه الاحتفالات. وهم الآن في السبي في عار وحزن بسبب سقوط أورشليم وامتناع
الأعياد، فلا هيكل ولا أعياد "على أنهار بابل هناك بكينا عندما تذكرنا
صهيون" (مز137) حاملين إليها العار=
أي بسببها هم حملوا العار في مكان سبيهم لأنهم أهلها. والوعد بأن الله سيجمعهم ويرد سبيهم. وهذا ما حدث لآدم ونسله فهو
بالخطية كان في عار بعد أن كان في فرح وصار في عبودية. وهذا وعد بتحرير شعب الله.
وفي (19) راجع تفسير (ميخا6:4) وأعامل كل مذلليك=
أي أعاقبهم وأحطم كل قوتهم. وفي الكنيسة حتى الضعفاء والعرج لهم نصيب (أش23:33)
فالله يشددهم ويشفيهم. وأجعلهم تسبيحة=
يرد لهم كرامتهم والناس يسبحون الله على ما عمله معهم. وفي (20) الله يجمعنا في
جسد المسيح= جمعي إياكم ويكون لهم مجد
وكرامة= وأصيركم اسماً.