آية
(1):- "1فِي السَّنَةِ
الثَّانِيَةِ لِدَارِيُوسَ الْمَلِكِ، فِي الشَّهْرِ السَّادِسِ فِي أَوَّلِ
يَوْمٍ مِنَ الشَّهْرِ، كَانَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ عَنْ يَدِ حَجَّي النَّبِيِّ
إِلَى زَرُبَّابِلَ بْنِ شَأَلْتِيئِيلَ وَالِي يَهُوذَا، وَإِلَى يَهُوشَعَ بْنِ
يَهُوصَادَاقَ الْكَاهِنِ الْعَظِيمِ قَائِلاً: "
هنا
تحديد الميعاد الذي بدأ فيه النبي عمله النبوي. وفي (20:2) ميعاد نهاية نبوته. ودَارِيُوسَ هو دَارِيُوسَ
هستاسب ثالث ملوك الفرس. والشَّهْرِ
السَّادِسِ هو شهر أيلول. فِي أَوَّلِ
يَوْمٍ مِنَ الشَّهْرِ = كان لليهود عادة أن يجتمعوا في أول الشهر
القمري لممارسة العبادة الجماعية. وغالباً فلقد استغل النبي هذا الاجتماع ليعلن
كملة الرب. عَنْ يَدِ حَجَّي النَّبِيِّ =
كلمة يد تعني قوة، والمعنى أن كلمة الرب النبوية سلمت في أيدي الأنبياء كسيف روحي
يحطم الشر، وعلى النبي أن يتكلم بقوة دون أن يخاف إنسان. وسلم النبي الكلمة إلى
إثنين [1] زربابل الوالي [2] يهوشع رئيس الكهنة ليقوما ببناء الهيكل والمسيح مؤسس
هيكل جسده أي الكنيسة هو ملك على شعبه وهو رئيس كهنة قدم ذبيحة نفسه. فكلا زربابل
ويهوشع معاً يرمزان للمسيح.
زَرُبَّابِلَ بْنِ شَأَلْتِيئِيلَ = هو ابن يكنيا
الملك (مت12:1). ومعنى زربابل أي المولود في بابل، وهو له اسم آخر بابلي وهو
شيشبصر. وقد أقامه كورش الفارسي والياً على يهوذا (عز14:5). وزربابل هذا يشير
للمسيح الذي حمل جسدنا وجاء إلى أرضنا ودخل معنا حتى إلى القبر. هو ولد في أرض
عبوديتنا كما ولد زربابل في أرض السبي. وزربابل من نسل داود، والمسيح من نسل داود.
وكما ملك زربابل على شعب الله بعد تحريره من السبي، هكذا ملك المسيح على شعبه بعد
تحريره من عبودية إبليس.
يَهُوشَعَ الكاهن العظيم ابن يَهُوصَادَاقَ
ابن سرايا= وسرايا هذا قتله ملك بابل في ربلة (أر24:52-27) ومعنى اسم يَهُوشَعَ = يهوه يخلص (نفس اسم يسوع) ومعنى يَهُوصَادَاقَ = يهوه بر (والمسيح هو برنا).
وبذلك يكون يهوشع رمزاً للمسيح رئيس كهنتنا الذي قدم ذبيحة نفسه ليخلصنا ويبررنا.
آية
(2):- "2« هكَذَا قَالَ رَبُّ
الْجُنُودِ قَائِلاً: هذَا الشَّعْبُ قَالَ إِنَّ الْوَقْتَ لَمْ يَبْلُغْ وَقْتَ
بِنَاءِ بَيْتِ الرَّبِّ»."
إِنَّ الْوَقْتَ لَمْ يَبْلُغْ وَقْتَ بِنَاءِ بَيْتِ الرَّبِّ =
الله هنا يتهم الشعب بالرخاوة في بناء البيت، فهم يقولون أن الوقت لم يبلغ أي أن
الظروف غير مناسبة وهم قدموا أعذاراً وجيهة، مثل أن تأخير البناء لمدة 15سنة علامة
على أن الرب غير موافق على البناء، وربما تعللوا بالمقاومات الخارجية من أعدائهم
وأنها لهي إشارة إلهية بأن وقت العمل لم يحن بعد، وهناك عذر وجيه آخر بأن الملك
السابق أصدر أمراً بوقف البناء فهل يصح أن يكسروا أمر الملك، ومع أن الملك الحالي
قد خفف الضغط إلا أنهم مازالوا يتحججون بذلك. ولكن السبب الحقيقي هو أنهم إنشغلوا
بتزيين بيوتهم وجعلها كالقصور في زينتها، وسبب آخر أن شهر أيلول هو شهر جني
الثمار، فهم ليس لديهم وقت لبناء بيت الرب ولذلك فالله غاضب عليهم ويقول هذَا الشَّعْبُ ولا يقول شعبي فالخطية وإهمال
حقوق الله تجعل الناس في غربة عن الله. ولاحظ أن الله يسمى نفسه هنا رَبُّ الْجُنُودِ = فهو رب الجنود السماوية، وهو
في غير حاجة لهم، لكنه إذ يطلب منهم بناء بيته، فهذا لأنه يحبهم، وهذا فيه كرامة
لهم، إذ سيأتي الله ويسكن في وسطهم ويكون مجداً لهم وسبب بركة لهم. ولأنه ربهم
يطلب منهم العمل بلا رخاوة. ونلاحظ أن هذا هو نفس ما يصنعه إبليس معنا، فهو يقنعنا
أن الوقت ليس مناسباً لكي نتقدس كهياكل للرب، أو يقنعنا بأن نؤجل خدمة الله. ولكن
لنعلم أن كل وقت هو وقت مناسب لعمل الله. ولكن هل يوجد القلب المتحمس للعمل
(عب13:3) هنا أناس تقدموا بأعذار تبدو وجيهة ولكن هل يعجز الله عن التدبير،
المشكلة الحقيقية هي التراخي في القلوب وعدم الاهتمام واللامبالاة.
الآيات (3-6):- "3فَكَانَتْ كَلِمَةُ
الرَّبِّ عَنْ يَدِ حَجَّي النَّبِيِّ قَائِلاً: 4«هَلِ الْوَقْتُ
لَكُمْ أَنْتُمْ أَنْ تَسْكُنُوا فِي بُيُوتِكُمُ الْمُغَشَّاةِ، وَهذَا الْبَيْتُ
خَرَابٌ؟ 5وَالآنَ فَهكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: اجْعَلُوا
قَلْبَكُمْ عَلَى طُرُقِكُمْ. 6زَرَعْتُمْ كَثِيرًا وَدَخَّلْتُمْ
قَلِيلاً. تَأْكُلُونَ وَلَيْسَ إِلَى الشَّبَعِ. تَشْرَبُونَ وَلاَ تَرْوُونَ.
تَكْتَسُونَ وَلاَ تَدْفَأُونَ. وَالآخِذُ أُجْرَةً يَأْخُذُ أُجْرَةً لِكِيسٍ
مَنْقُوبٍ. "
فِي بُيُوتِكُمُ
الْمُغَشَّاةِ = أي المكسوة بالخشب علامة الرفاهية
والنفقات الباهظة. ولاحظ أن الله لم يلمهم لأنهم يبنون بيوتاَ للسكن، فالله لا
يريد لهم أن يناموا في العراء لكي يبنوا له بيتاً. ولكن الله يلومهم على الاهتمام
بالترف الزائد، فالبيوت المغشاة هي للملوك. فالمشكلة إذاً في إنشغالهم بالترف
بينما بيت الرب محطم، وهذا يعني أن الشعب لا يتوق لأن يسكن الرب وسطهم وهذا يشابه
من ينشغل بالزمنيات عن الأبديات. ونلاحظ أن الله لا يطلب من موظف أن يترك عمله
ليذهب للكنيسة، أو يطلب من طالب أن يترك دراسته ويقف ليصلي، لكن الله يسأل
"هل حقاً أنت لا تصلي ولا تذهب للكنيسة بسبب العمل أو بسبب الكسل والترف
الزائد أي اللهو (تليفزيون مثلاً، فهناك من لا يجد وقتاً للصلاة بسبب التليفزيون).
وفي (5) اجْعَلُوا قَلْوبَكُمْ = القلب يشير
للتفكير والإنتباه، والمقصود تأملوا بعمق في حياتكم الداخلية وراجعوا نفوسكم، ما
سبب الإهمال؟ هل هو الأعذار الوجيهة التي تقولونها أم هو إنشغالكم بملذات عالمية
عن الله؟ لو فكروا بعمق وبنية صادقة وانتبهوا لكانت الوقائع قد حدثتهم عن [1]
لماذا هم متوقفين حقيقة عن بناء البيت. [2] لماذا إنعدمت البركة من حياتهم. ولو
فكروا بنية صادقة لإستمعوا لصوت الله، وقدموا توبة ولعادت لهم البركة وَالآخِذُ أُجْرَةً
يَأْخُذُ أُجْرَةً لِكِيسٍ مَنْقُوبٍ =
أي كأنه يضع نقوده في كيس مثقوب ولنعلم أن سر فقداننا للبركة في حياتنا هو عدم
الالتصاق بالله، واهتمامنا الزائد وقلقنا على حياتنا الزمنية، ونسياننا بيت الله
واحتياجاته، أو نسياننا لشروط أن تكون نفوسنا بيتاً للرب. ومن لا يلتصق بالرب تضيع
البركة من حياته، وتقاومه الطبيعة، والأرض لا تعطيه ثمارها. وجسده لا يتمتع بالشبع
مهما قدم له. وقد يزرع كثيراً ولكن الحصاد يكون قليل. فالله هو مصدر البركات كلها
روحية ومادية. وراجع (تث7:2 + 17:8،18 + 5:29) فهم في البرية عالهم الله واشبعهم
وحتى أحذيتهم لم تبلي. ملخص هذه الآيات "أطلبوا أولاً ملكوت الله وبره وهذه
كلها تزاد لكم (الأمور المادية)".
الآيات
(7-8):- "7« هكَذَا قَالَ رَبُّ
الْجُنُودِ: اجْعَلُوا قَلْبَكُمْ عَلَى طُرُقِكُمْ. 8اِصْعَدُوا إِلَى
الْجَبَلِ وَأْتُوا بِخَشَبٍ وَابْنُوا الْبَيْتَ، فَأَرْضَى عَلَيْهِ
وَأَتَمَجَّدَ، قَالَ الرَّبُّ. "
اجْعَلُوا قَلْبَكُمْ عَلَى طُرُقِكُمْ =
بمعنى فكروا بالحق في طرقكم، وكيف تستعيدوا البركة وارجعوا للرب فيرجع لكم
ويبارككم. ولاحظ أنه لا أمل في إصلاح الإنسان لنفسه إلا بمراجعة الإنسان لنفسه
والتأمل في داخل قلبه، فإن كان هذا السفر هو سفر بناء بيت الرب ، فبناء بيت الرب
الداخلي في نفوسنا يكون بتهيئة القلب ليجعل الرب مسكنه فينا، وهذا يتم بالروح
القدس إن قدم الإنسان توبة. 8اِصْعَدُوا إِلَى الْجَبَلِ = أي جبل لبنان
ليأتوا بالخشب لبناء البيت. والمعنى الروحي، فبعد أن يقدم الإنسان توبة عليه أن
يصعد للسماويات، والمسيح هو صخر وجبل إيماننا، نصعد به للسماء. والخشب الذي نجلبه
لنبني البيت هو الصليب، فلنحمل صليبه ونتبعه= وَابْنُوا
الْبَيْتَ = فمع أنه هو الذي يبني البيت ينسب البناء هنا لنا مؤكداً
على تقديس الحرية الإنسانية فهو لا يقيم البيت فينا بغير إرادتنا. فَأَرْضَى عَلَيْهِ وَأَتَمَجَّدَ = هم ربما
يتصورون أنهم لن يمكنهم إقامة بيت فخم للرب مثل هيكل سليمان. ولكن الله يطمئنهم
أنه سيرضي عن عملهم. وهو لا يحتاج للذهب والفضة الكثيرة التي كانت في هيكل سليمان.
بل أن وجود الله في هيكله هو سر مجد هذا المكان. ومعنى الكلام أن الله يقول هنا
جربوا أن تصنعوا إرادتي وستجدوا البركة تعود لكم ثانية، وإرادة الله أن نبحث عن
مجد أسمه أولاً.
الآيات
(9-11):- "9انْتَظَرْتُمْ كَثِيرًا
وَإِذَا هُوَ قَلِيلٌ. وَلَمَّا أَدْخَلْتُمُوهُ الْبَيْتَ نَفَخْتُ عَلَيْهِ.
لِمَاذَا؟ يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ. لأَجْلِ بَيْتِي الَّذِي هُوَ خَرَابٌ،
وَأَنْتُمْ رَاكِضُونَ كُلُّ إِنْسَانٍ إِلَى بَيْتِهِ. 10لِذلِكَ
مَنَعَتِ السَّمَاوَاتُ مِنْ فَوْقِكُمُ النَّدَى، وَمَنَعَتِ الأَرْضُ
غَلَّتَهَا. 11وَدَعَوْتُ بِالْحَرِّ عَلَى الأَرْضِ وَعَلَى
الْجِبَالِ وَعَلَى الْحِنْطَةِ وَعَلَى الْمِسْطَارِ وَعَلَى الزَّيْتِ وَعَلَى
مَا تُنْبِتُهُ الأَرْضُ، وَعَلَى النَّاسِ وَعَلَى الْبَهَائِمِ، وَعَلَى كُلِّ
أَتْعَابِ الْيَدَيْنِ»."
في
(9) نَفَخْتُ عَلَيْهِ = هم انتظروا ان
تزيد غلتهم وأرباحهم ولكنهم وجدوا هناك لعنة خفية تلحق بكل شئ، ولكل ما يدخلوه إلى
بيوتهم . إذاً الله قادر أن يبدد كل ثروة كنزها الإنسان بنفخة منه. ومن ذلك نستنتج
أن قلة المطر والريح الشرقية اللافحة التي تحرق المحاصيل ليست ظواهر طبيعية فحسب،
بل هي نفخة من الرب للتأديب، فالله لا الصدفة ولا الطبيعة هو المسيطر على أرزاق
البشر. ولكن إذ يتجاهل الإنسان خالقه تتجاهله الطبيعة.
نَفَخْتُ عَلَيْهِ = كما يتضايق انسان من وجود بعض
التراب علي مكان فينفخها فتطير .
الآيات (12-15):- "12حِينَئِذٍ سَمِعَ
زَرُبَّابِلُ بْنُ شَأَلْتِيئِيلَ وَيَهُوشَعُ بْنُ يَهُوصَادِقَ الْكَاهِنِ
الْعَظِيمِ، وَكُلُّ بَقِيَّةِ الشَّعْبِ صَوْتَ الرَّبِّ إِلهِهِمْ وَكَلاَمَ
حَجَّي النَّبِيِّ كَمَا أَرْسَلَهُ الرَّبُّ إِلهُهُمْ. وَخَافَ الشَّعْبُ
أَمَامَ وَجْهِ الرَّبِّ. 13فَقَالَ حَجَّي رَسُولُ الرَّبِّ
بِرِسَالَةِ الرَّبِّ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ قَائِلاً: «أَنَا مَعَكُمْ، يَقُولُ
الرَّبُّ». 14وَنَبَّهَ الرَّبُّ رُوحَ زَرُبَّابِلَ بْنِ
شَأَلْتِيئِيلَ وَالِي يَهُوذَا، وَرُوحَ يَهُوشَعَ بْنِ يَهُوصَادِاقَ الْكَاهِنِ
الْعَظِيمِ، وَرُوحَ كُلِّ بَقِيَّةِ الشَّعْبِ. فَجَاءُوا وَعَمِلُوا الشُّغْلَ
فِي بَيْتِ رَبِّ الْجُنُودِ إِلهِهِمْ، 15فِي الْيَوْمِ الرَّابعِ
وَالْعِشْرِينَ مِنَ الشَّهْرِ السَّادِسِ، فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لِدَارِيُوسَ
الْمَلِكِ. "
في
(14) نَبَّهَ الرَّبُّ رُوحَ
زَرُبَّابِلَ = فبدون أن ينبه الرب فلا فائدة والرب ينبه أرواحنا
دائماً لكن المهم أن نتجاوب مع عمل الرب. ونجدهم هنا قد سمعوا وخافوا ونفذوا،
فالكلمة لها سلطان وطوباهم لأنهم فعلوا هذا. ولأنهم خافوا وتجاوبوا فلقد أرسل لهم
الله نبياً آخر يعزيهم هو زكريا بعد شهرين. وأعطاهم الله أن يفرحوا بالعمل
فتشجعوا، وقد حدثت الإستجابة وبدأ العمل بعد 24 يوماً من إطلاق النبي لندائه.