الأصحاح
الثامن
والعشرون
الملكوت
حَياة مقَامة
يختم
القدّيس متّى
إنجيله
بالحديث عن
قيامة السيِّد
المسيح
بكونها سرّ
الملكوت:
1. القبر
الفارغ 1 ـ 10.
2. رشوة
الجند 11 ـ 15.
3. لقاء في
الجليل 16 ـ 20.
1. القبر
الفارغ
"وبعد
السبت عند فجر
أول الأسبوع
جاءت مريم المجدليّة
ومريم الأخرى
لتنظرا القبر"
[1].
ما أن
انتهى السبت
حتى انطلقت
مريم
المجدليّة ومريم
الأخرى التي
هي زوجة كلوبا
لتنظرا القبر.
لقد جذبهما
الحب إلى
القبر
ليلتقيا
بالسيِّد
المسيح
المصلوب. لقد
قدَّما ما
أمكن لهما فعله،
هذا من
جانبهما،
أمّا من جانب
الله نفسه فقد
قدّم لهما
"الحياة
المُقامة" في
شخص السيِّد
المسيح
القائم من
الأموات. من
أجلهما كممثّلين
لكنيسة الأمم
واليهود،
أرسل الله ملاكه،
فحدثت زلزلة
ودحرج الحجر
ليجلس، يرعب الحراس
ويستقبل
المرأتين.
حينما يقدّم
الإنسان
عملاً بسيطًا
من القلب
كزيارة
المرأتين للقبر
يجد الله قد
عمل أمورًا
فائقة.
لقد تمّت
القيامة بعد
السبت، في فجر
الأحد، ولم
ينتظر السيِّد
حتى ينتهي
الأحد (اليوم
الثالث)، وذلك
كما يقول القدّيس
يوحنا الذهبي
الفم: [لو أنه
قام عقب
انصراف
الحراس بعد
اليوم الثالث
كان لهم ما
يقولون وما
يقاومون به
ويعاندون.
لذلك بادر
وسبق فقام،
لأنه كان يلزم
أن يقوم وهم
بعد يحرسون.]
"وإذا
زلزلة عظيمة
حدثت،
لأن ملاك
الرب نزل من
السماء وجاء،
ودحرج
الحجر عن
الباب وجلس
عليه،
وكان
منظره كالبرق
ولِباسه أبيض
كالثلج.
فمن خوفه
ارتعد الحراس
وصاروا
كأموات" [2-4].
تمّت القيامة
بقوة سلطانه،
هذا الذي في
طاعة أسلم أمره
في يد أبيه
ليقبل الموت
ويقبل
القيامة، مع
أنه قال "لي
سلطان أن
أضعها ولي
سلطان أن آخذها
أيضًا" (يو 10: 18).
بسلطان قام
والحجر قائم
كما هو مختوم،
وكما يقول الأنبا
بولس البوشي: [قام
الرب والحجر
مختوم على باب
القبر، كما
وُلد من
البتول وهي
عذراء كنبوّة
حزقيال... أمّا
دحرجة الملاك
للحجر عن باب
القبر، فلكي
تُعلَن
القيامة
جيدًا، إذ
بقيَ الحجر يُظن
أن جسده في
القبر.]
لقد حدثت
زلزلة ونزل
ملاك الرب
ليدحرج لنا الحجر
من الباب
ويجلس عليه.
هكذا حدثت
القيامة في
حياتنا
الداخليّة،
فهدمت
إنساننا
القديم
وقدّمت لنا -
خلال مياه
المعموديّة -
الحياة
المقامة، أو
الإنسان
الجديد على
صورة خالقه.
بالقيامة نزل
السمائيّون
إلينا
يدحرجون
الحجر الذي
أغلق باب قبورنا،
فنلتقي معهم
في شركة حب
وأخوة خلال
المسيح
القائم من
الأموات.
v
كما أنه عند تسليمه
الروح زلزل
الأرض، هكذا
عند قيامته زلزلها
أيضًا ليُعلن
أن الذي مات
هو الذي قام.
الأنبا
بولس البوشي
v
الملائكة التي
قدّمت
الأخبار
السارّة
لرعاة بيت لحم
الآن تُخبر
بقيامته.
السماء بكل
خدمتها تخبر
عنه، طغمات
الأرواح
العلويّة
تُعلن عن الابن
أنه الله حتى
وهو في الجسد[919].
القدّيس
كيرلّس
الكبير
نزل
الملاك يكرز
بالبشارة
بقيامة
السيِّد، يُرهب
الحراس
ويرعدهم حتى
صاروا
كالأموات، ويُبهج
قلب الكنيسة
في شخص
المرأتين، إذ
قال لهما: "لا
تخافا أنتما،
فإني أعلم
أنكما تطلبان
يسوع المصلوب!
ليس هو ههنا
لأنه قام كما
قال. هلمّا
انظرا الموضع
الذي كان الرب
مضطجعًا فيه" [5-6].
لقد قدّم
لهما عطيّة
إلهيّة: "لا
تخافا". أمّا
سرّ عدم
خوفهما، أي
تمتّعهما
بالسلام، فهو
أن يسوع
المسيح
المصلوب قد
قام! ما كان يمكن
أن يبقى في
القبر، فلا
يستطيع الموت
أن يحبسه ولا
الفساد أن
يلحق به. من
يتّحد به لا
يمكن للموت أن
يقترب إلى
نفسه، فلا
مجال للخوف،
إنّما تحل به
بهجة القيامة
بلا توقف.
يقول القدّيس
كيرلّس
الأورشليمي على
لسان الملاك:
[لا أقول
للحراس لا
تخافوا، بل
أقول لكما
أنتما. أمّا
هم فليخافوا
حتى يلمسوا
بأنفسهم،
وعندئذ
يشهدون،
قائلين:
"بالحقيقة
كان هذا ابن
الله" (مت 27: 54).
أمّا أنتما
فلا تخافوا
لأن "المحبّة
تطرح الخوف
خارجًا" (1يو4: 18)[920].]
يدعو الملاك
السيِّد
المسيح بيسوع
المصلوب مع أنه
قام، فإن
الصلب قد صار
سِمة خاصة
بالسيِّد كعمل
خلاصي يعبّر
فوق كل حدود
الزمن، إنه
يبقى المسيّا
المصلوب
القائم من
الأموات.
فالقيامة لم
تنزع عن
السيِّد سِمة
الصلب بل
أكَّدتها
وكشفت
مفهومها.
v
لم يقل
الملاك: إني أعلم
أنكما تطلبان
سيدي، بل في
مجاهرة قال: "إني
أعلم أنكما
تطلبان يسوع
المصلوب"،
لأن الصليب
تاج لا عار![921]
القدّيس
كيرلّس
الأورشليمي
قدّم
الملاك لهما
رسالة
للكرازة
بالقيامة بين
التلاميذ: "اذهبا
سريعًا، قولا
لتلاميذه أنه
قد قام من
الأموات، ها
هو يسبقكم إلى
الجليل، هناك
ترونه" [7].
بهذه
الرسالة
السماويّة
اِستعادت
المرأة كرامتها،
فبعد أن كرزت
لآدم قديمًا
برسالة الهلاك
في الفردوس،
ها هي تكرز
ببشارة
القيامة للتلاميذ!
v
هذه التي
كانت قبلاً
خادمة للموت
قد تحرّرت
الآن من جريمتها
بخدمة صوت
الملائكة القدّيسين،
وبكونها أول
كارز
بالأخبار الخاصة
بسرّ القيامة
المبهج[922].
القدّيس
كيرلّس
الكبير
العجيب
أنهما إذ
انطلقتا
للكرازة
بفرحٍ عظيمٍ
مع مخافة
التقتا
بالسيِّد
المسيح
يعطيهما
السلام ويسمح
لهما أن
تمسَّكا
بقدميه
وتسجدا له،
وكأنه إذ ينطلق
الإنسان
للخدمة
والكرازة
بفرحٍ حقيقيٍ
يتجلّى الله
في داخله
ويقدّم له
ذاته لكي
يتلامس معه،
ويتعبّد له،
ويسنده في
الكرازة.
"خرجتا
سريعًا من
القبر بخوف
وفرح عظيم
راكضتين
لتُخبرا
تلاميذه،
وفيما
هما منطلقتان
لتُخبرا
تلاميذه إذا
يسوع
لاقاهما،
وقال: سلام
لكما.
فتقدّمتا
وأمسكتا
بقدميه
وسجدتا له.
فقال
لهما يسوع: لا
تخافا،
اذهبا
قولا لإخوتي
أن يذهبوا إلى
الجليل هناك
يرونني" [8-10].
2.رشوة
الجند
"وفيما
هما ذاهبتان
إذ قوم من
الحراس جاءوا
إلى المدينة،
وأخبروا رؤساء
الكهنة بكل ما
كان.
فاجتمعوا
مع الشيوخ،
وتشاوروا
وأعطوا
العسكر فضّة
كثيرة، قائلين:
قولوا أن
تلاميذه أتوا
ليلاً وسرقوه
ونحن نيام.
وإذ سُمع
ذلك عند
الوالي فنحن
نستعطفه
ونجعلكم
مطمئنّين.
فأخذوا
الفضّة
وفعلوا كما
أعلموهم.
فشاع هذا
القول عند
اليهود إلى
هذا اليوم"
[11-15].
يا للعجب
ذهب رؤساء
الكهنة
والفرّيسيّون
إلى بيلاطس
الأممي
يقولون عن
السيِّد أنه
المُضل قد سبق
فأعلن عن
قيامته (مت 27: 63).
عِوض كرازة اليهود
للأمم
بالمسيّا
تقدّموا لهم
يكرزون بالعصيان
والجحود.
كأنهم قد
أغلقوا على
أنفسهم باب
الإيمان
لينفتح للأمم.
الآن إذ قام
السيِّد جاء
الجند
الرومان
يشهدون للقيامة
لدى قادة
اليهود،
وللأسف لم
يقبلوا شهادتهم،
بل قدّموا
رشوة
ليشتركوا
معهم في
التضليل
وإنكار
القيامة.
ما فعله
هؤلاء كان
بالأكثر
يؤكّد
القيامة، إذ
شاع الخبر أن
الجسد ليس في
القبر، أمّا
أمر السرقة
فهو غير
مقبول. إذ كيف
عرف الجند أن
الرسل قد
سرقوه؟!
ولماذا سرقوه
يوم السبت
الذي لا يجوز
فيه العمل؟!
وهل يستطيع
الرسل العُزل
أن يسرقوه من
الجند؟ وما الحاجة
إلى ذلك؟!
3. لقاء في
الجليل
"وأما
الأحد عشر
تلميذًا
فانطلقوا إلى
الجليل حيث أمرهم
يسوع،
ولما
رأوه سجدوا
له، ولكن
بعضهم شكوا.
فتقدّم
يسوع وكلّمهم
قائلاً:
دُفع
إليّ كل سلطان
في السماء
وعلى الأرض،
فاذهبوا
وتلمذوا جميع
الأمم،
وعمّدوهم باسم
الآب والابن
والروح
القدس،
وعلِّموهم
أن يحفظوا
جميع ما
أوصيْتكم به.
وها أنا
معكم كل
الأيام وإلى
انقضاء الدهر.
آمين" [16-20].
التقى
السيِّد
بالأحد عشر
تلميذًا في
الجليل
ليقدّم لهم
بعد قيامته
سلطان
الكرازة، التلمذة
على مستوى كل
الأمم
والتعميد،
مؤكِّدًا لهم
وجوده في
وسطهم إلى
انقضاء الدهر.
كان موضع
اللقاء هو
"الجليل" أي
"الإعلان"،
إذ لا يمكن
للخادم أن
يكرز أو
يُتلمذ للرب
أو يُعمدّ ما
لم يُعلن الرب
ذاته في
داخله، فيذوق
ويختبر،
فيقدّم ليس من
عنديَّاته
وإنما ما
يعلنه الرب
له.
v
بعد قيامته
رُؤي يسوع على
الجبل في
الجليل، هناك سجدوا
له، ولكن
بعضهم
شكُّوا،
وشكِّهم هذا
زوَّد
إيماننا.
القدّيس
جيروم
ولعلّ
اختيار
الجليل كموضع
لقاء
للتلاميذ مع السيِّد
المسيح
القائم يعني
تجديد العهد،
ففي الجليل
اختار
السيِّد
غالبيّة
تلاميذه وبعثهم
للعمل
الكرازي، وإذ
ضعفوا أثناء
أحداث الصليب
ردَّهم إلى
ذات الموضع
يهبهم قوّة قيامته
ليبدأوا من
جديد، حاملين
إمكانيّات جديدة.
إذ جاء
السيِّد
إلينا كنائبٍ
عنّا، تمتّع
بكل سلطانٍ
لحسابنا،
قائلاً: "دُفع
إليّ كل
سلطان، في
السماء وعلى
الأرض"، وكأنه
يوَد أن يقدّم
كل ما لديه
لرسله، فيحملون
سلطانه خلال
عملهم في
كرْمة
كوُكلاء عنه!
لقد وهبهم
السلطان
الإلهي بروحه
القدّوس الناري،
وكما يقول القدّيس
كيرلّس
الكبير: [نعم،
انظروا، فإن
النار
المقدّسة
الإلهيّة قد
انتشرت في كل
الأمم بواسطة
كارزين
قدّيسين[923].ٍ]
لقد ركّز
على عطيّة
العماد مع
الكرازة
والتلمذة،
وكما يقول القدّيس
جيروم: [بعد
قيامته أيضًا
إذ أرسلهم
للأمم أوصاهم
أن يعمّدوهم
في سرّ
الثالوث[924].]
إذ سلَّم
التلاميذ
رسالة
الكرازة
والتلمذة والتعميد،
قدّم ذاته
حاضرًا في وسط
الكنيسة يعمل
بنفسه خلالهم:
v
إذ وضع على
عاتقهم عملاً
عظيمًا هكذا...
قال "ها أنا
معكم كل
الأيام إلى انقضاء
الدهر"،
وكأنه يقول:
لا تقولوا أن
العمل
المُلقى عليكم
صعب، فإنّني
أنا الذي
أستطيع كل شيء
بسهولة معكم.
لم يقل أنه
يوَد أن يكون
معهم وحدهم بل
ومع المؤمنين
الذين يأتون
بعدهم، لأن
الرسل لا
يعيشون حتى
انقضاء
الدهر، لكنّه يكلِّم
كل الذين
سيؤمنون به
كمن هم جسد
واحد.
القدّيس
يوحنا الذهبي
الفم
v
حُمل جسده
إلى السماء،
لكنّه لا يسحب
عظمته عن العالم.
لا يستطيع
ملاك ولا رئيس
ملائكة أن
يغفر
الخطيّة،
إنّما الرب
نفسه هو وحده
القادر أن
يقول "أنا
معكم"، إن
أخطأ أحد لا
يغفر له إلا
إذا تاب[925].
القدّيس
أمبروسيوس
v
أنت معنا يا
سيّدي كل
الأيام، ليس
لنا يوم
بدونك، فبدون
حضرتك
بجوارنا لا
نستطيع أن نعيش.
أنت معنا خاصة
في سرّ جسدك
ودمك[926].
الأب
يوحنا من
كرونستادت
[919] Comm on Luke, ch. 24.
[920] Cat. Lect. 14:13.
[921] Cat. Lect 13:22.
[922] Comm. on Luke , ch. 24.
[923] In Luc. Ser. 94.
[924] Ep. 59:6.
[925] Ep. 57:11.
[926] My life in Christ , v. 1, p. 23.