المؤمن
والإخوة
الكنيسة
مستشفى لعلاج
كل مريض وليست
محكمة لإدانة
الناس، لذا
يليق
بالمسيحي أن
يترفّق بأخيه
الضعيف في
الإيمان
ليسنده بروح
الحب لا
الإدانة، حتى
يسير الكل في
طريق الخلاص،
وينعم الكل
بالشركة مع
الله.
1. قبول
الضعيف بلا
ازدراء1-9.
2. عدم
إدانة
الإخوة
10-13.
3. ملكوت
الله وعثرة
الضعفاء14–23.
1. قبول
الضعيف بلا
ازدراء
نود قبل
استعراض حديث
الرسول بولس
أن نفهم ماذا
يقصد بالأخ
الضعيف.
أ. يرى القدّيس
يوحنا الذهبي
الفم[357]
إن
الرسول بولس
يعالج هنا
مشكلة قامت
بين اليهود
المتنصّرين
وبعضهم البعض.
إذ خشي البعض
لئلاّ في
أكلهم اللحوم
يأكلون لحم
خنزير وهم لا
يدرون
فيكونوا كاسرين
للناموس، وإذ
كان ضميرهم
متشككًا تظاهروا
بالصوم
والتقشّف
فامتنعوا عن
أكل اللحوم
بالكلية،
بينما آخرون
أدركوا إنهم
في المسيح يسوع
نالوا
الحرّية من
هذه الطقوس
الحرفيّة،
فصاروا
يأكلون
اللحوم أيّا كانت،
ودخلوا في
صراع فكري
ومناقشات مع
إخوتهم
المتظاهرين
بالصوم، وهم
في الحقيقة
ضعيفو
الإيمان. في
حكمة لم يرد
الرسول أن
يدخل في هذا
الصراع وإنما
حسب أن أمر
الأكل أتفه من
أن يشغل فكر
المسيحيين
ووقتهم، فصار
مقاومًا لا
لفكر هؤلاء
ولا أولئك
وإنما يقاوم
الصراع ذاته
القائم بين الفريقين.
بحكمة
أيضًا ظهر
الرسول كمن
ينتهر
الأقوياء الذين
لا تتشكّك
ضمائرهم من
جهة أنواع
اللحوم،
لازدرائهم
بإخوتهم
الضعفاء
الذين يتشكّكون
من أجل أحكام
الشريعة
الموسويّة
التي عاشوا
تحت سلطانها
زمانًا قبل
الإيمان المسيحي
ويصعب عليهم
التخلص منها.
لكنه في انتهاره
هذا لم يعْرج
عن الحق، إذ
كشف بلطفٍ عن
ضعف الضعفاء
وتشكّكهم،
مقدمًا لهم
العلاج بطريقة
غير مباشرة،
بدعوتهم "ضعفاء"
مظهرًا أنهم
فاقِدو الصحة
ومحتاجون أن
يستندوا على
الروح ليصيروا
أقوياء.
ب. يرى
البعض إنهم
مجموعة من
المتنصّرين
من الفرقة
اليهوديّة
التي تسمى
بالأسينيّة،
وكانوا
يميلون إلى
قهر الجسد
بنسكٍ شديدٍ،
وقد أشار
إليهم الرسول
بولس في كو 2: 16–23. هذا ويقول
المؤرخ
اليهودي
يوسيفوس في
حديثه عن يهود
روما، أن
بعضهم امتنع عن أكل
اللحوم
تمامًا خشية
أن يتدنّسوا
بما هو نجس
منه.
ج. يرى
البعض إن
هؤلاء الإخوة
هم الذين
حرّموا أكل
اللحم وشرب
الخمر
اللذيّن
قُدِّما في الهياكل
الوثنيّة
أولاً ثم
عُرضا في
السوق (كو 9: 4–13).
على أي
الأحوال فإن
ما ورد في هذا
الأصحاح هو دستور
حيّ
للمعاملات بين
الإخوة في
الكنيسة
المتفاوتي
القامة الروحيّة،
يكشف عن
التزام الكل
بترك
المناقشات الغبيّة
في الصغائر،
والاهتمام
بما هو لبنيان
الكل بروح
الحب الخالي
من كل ازدراء
أو إدانة.
ومن
هو ضعيف في
الإيمان
فاقبلوه لا
لمحاكمة الأفكار؛
واحد
يؤمن أن يأكل
كل شيء وأمّا
الضعيف فيأكل
بقولاً،
لا يزدرِ
من يأكل بمن
لا يأكل،
ولا يدن
من لا يأكل من
يأكل، لأن
الله قبله" [1–3].
يلاحظ في
هذا النص
الرسولي وما
يليه في هذا
الشأن [1–9] الآتي:
أولاً: إن
كان أحد في
ضعف إيمانه
متشكّكًا من
جهة أكل
اللحوم التي
يحسبها
الناموس
نجاسة، فهو
وإن كان
ضعيفًا لكنه
مقبول لدى
الله، فلا
يليق رفضه.
تقبله
الكنيسة دون
أن تحطِّمه
بمناقشات تحطِّم
حياته.
ثانيًا:
يقول الرسول "لا
يزدرِ"
القوي
بالضعيف. قد
يوجّهه أو
يحثّه على ما
هو أفضل، لكن
دون تشكيكه في
أمر خلاصه،
ودون الاستخفاف
به. والعجيب
إن الرسول
بولس وهو يمثل
الإنسان
القوي
الإيمان من
جهة عدم تشكّكه،
ساميًا فوق
الأعمال
الناموسيّة
الحرفيّة،
خضع لهذه
الأعمال ليس
من أجل ضميره
هو وإنما من
أجل ضعفاء
الإيمان حتى
لا يعثروا
بسببه. إذ
يقول: "فإني
إذ كنت حرًا
من الجميع،
استعبدت نفسي
للجميع لأربح
الأكثرين،
فصرت لليهود
كيهودي لأربح
اليهود،
وللذين تحت
الناموس كأني
تحت الناموس
لأربح الذين
تحت الناموس...
صرت للضعفاء
كضعيف لأربح
الضعفاء، صرت
للكل كل شيء
لأخلص على كل
حالٍ قومًا" (1
كو 9: 19–22).
يحدّثنا الأب
يوسف في نفس
الأمر،
قائلاً:
[بالتأكيد لم
يكن مفيدًا أن
يختتن
تيموثاوس،
ولا أن يحلق
(الرسول)
رأسه، ولا أن
يتبع التطهيرات
اليهوديّة،
ولا أن يسير
عاري القدمين،
ولا أن يدفع
النذور حسب
الشريعة،
إنما فعل هذا
لأنه يطلب لا
ما لنفسه بل
ما هو
للكثيرين[358].]
ثالثًا:
يقول الرسول: "لا
يدن من لا يأكل
من يأكل"،
فإن الضعفاء
في الإيمان
الذين
تشكّكوا من جهة
الأطعمة
المحرمة
ناموسيًا
صاروا يدينون
اليهود
المتنصّرين،
الذين لم
يعودوا يخضعون
لهذه
التشريعات
حرفيًا،
وحسبوا أنهم
نهمون. هكذا
صار الضعيف
ديّانًا
للقوي عِوض
مراجعته
لنفسه فيما
يتصرف.
رابعًا: يرى
القدّيس
أمبروسيوس[359] أن
المؤمن الذي
يحيا لا في
بتولية الجسد
بل يتزوج يكون
كمن
يأكل
بقولاً؛ فلا
يليق بالبتول
أن يزدري بالمتزوج،
ولا المتزوج
أن يدن
البتول، لأن
الله يقبل هذا
وذاك إن سلكا
بروح الإيمان
المملوء حبًا.
يتحدّث القدّيس
إكليمنضس
السكندري عن
الطعام في
حياة المؤمن
مظهرًا إنه
يليق بنا ألا
نهتم
بالأطعمة
الشهيّة حتى في
إضافتنا
للغرباء، إذ
يقول: [الطعام
الحق هو تقديم
الشكر. فمن
يقدّم
التشكّرات لا
يشغل وقته
بالملذّات. إن
أردنا أن نحث
أحد ضيوفنا
على الفضيلة
فلنحجم عن
تقديم الأطباق
الشهيّة،
فنظهر مثلاً
بهيًا
للفضيلة، إذ
نعلن حبنا له
في المسيح[360].]
خامسًا:
يكمل الرسول
حديثه: "من
أنت الذي تدين
عبد غيرك؟! هو
لمولاه يثبت أو
يسقط، ولكنه
سيثبت لأن
الله قادر أن
يثبّته" [4]. هنا
يوجّه الحديث
للشخص الضعيف الذي
يدين أخاه
لأنه يأكل
متهمًا إيّاه
بالنهم،
حاسبًا في
تصرفاته أنه
إنسان ساقط،
فيضع نفسه
موضع مولاه
ليحكم على
الآخرين،
بينما يهتم
المولى نفسه
ليثبّت
المؤمنين.
بقوله "هو
لمولاه يثبت
أو يسقط"
يعني إن
ثبوت الإنسان
في الإيمان
يحسبه المولي
مكسبًا له، وسقوطه
يحسبه خسارة،
فالأمر خاص
بالله نفسه الذي
هو سيّد الكل،
الذي يشتاق أن
يربح لنفسه كل
إنسان.
ليتنا
ندرك هذا
فندرك مدى شوق
الله لثبوتنا
فيه، وثبوت
إخوتنا
العبيد معنا
فيه. هو
المهتم الأول
عن خلاص الكل،
إن صح هذا
التعبير!
سادسًا:
"واحد يعتبر
يومًا دون يوم
وآخر يعتبر كل
يوم،
فليتيقّن كل
واحد في عقله"
[5].
ماذا
يقصد الرسول
باليوم هنا؟
يرى البعض إنه
يطبّق ذات
المبدأ الخاص
بالأطعمة
المحلّلة
والأطعمة
المحرّمة حسب
الشريعة
اليهوديّة
على الأعياد
اليهوديّة
والمواسم حسب
الشريعة، هل
يحفظها
اليهود كأيام
مقدّسة أم
يرون كل
الأيام
مقدّسة؟ هذا
ويرى القدّيس
يوحنا الذهبي
الفم إنه
يلمح على
الأصوام
اليهوديّة.
على أي الأحوال
نجده هنا
يطالب كل مؤمن
"أن يتيقّن
كل واحد في
عقله"،
بمعنى أن
يحكًم عقله
وضميره في هذا
الأمر.
يتساءل القدّيس
يوحنا الذهبي
الفم عن
السبب لماذا
يتحدّث
الرسول مع أهل
رومية بهذا
الأسلوب،
فيعطي لكل
واحدٍ الحرّية
في الحكم في
هذا الأمر، مع
أنه يشدّد جدًا
في إيضاح الحق
في رسائل أخرى
مؤكدًا عدم الالتزام
بالأعياد
والمواسم
اليهوديّة،
إذ يقول: "انظروا
أن لا يكون
أحد يسبيكم
بالفلسفة
وبغرور باطل،
حسب تقليد
الناس، حسب
أركان العالم
وليس حسب
المسيح... فلا
يحكم عليكم
أحد في أكلٍ
أو شربٍ أو من
جهة عيدٍ أو
هلالٍ أو سبتٍ"
(كو 2: 8، 16)؟ ويجيب
بأن كنيسة
روما قد
وصلتها رسالة
الإيمان
مؤخرًا ولم
يكن المؤمنون
هناك قادرون
على البت في
هذه الأمور،
فأراد الرسول
ألا يحدث
إنشقاقات
بسبب حفظ الأعياد
اليهوديّة
والشرائع
الموسويّة أو
الامتناع
عنها. ويمكننا
أن نضيف بأن
الرسول أراد أن
ينتظروا حتى
مجيئه ليكشف
لهم أسرار
الإيمان
المسيحي،
فيرتفع بالكل
فوق هذه
الشرّائع الموسويّة،
لا كأمر رسولي
يلزم طاعته
بلا فهم،
وإنما كفكر
إنجيلي رسولي
يتذوّقونه
ويدركوه خلال
حديثه معهم
فمًا لفمٍ.
هذا
ولعلّ الفارق
بين حديثه هنا
وحديثه في الرسالة
إلى أهل
كولوسي، أن
الرسول هنا
يكتب بخصوص
الشعب البسيط
الذي قد بدأ
طريق
الإيمان، أمّا
في حديثه إلى
أهل كولوسي
فهو يحذّر من
المعلِّمين
المنشقّين
الذين يبثّون
فكر التهوّد
عن عمد
وبقوّة،
فيسبّبون
بلبلة فكريّة
على نطاق
واسع. يوجد فارق
بين مؤمن
يتشكّك ضميره
لأنه عاش
زمانه القديم
يمارس أعمال
الناموس
الحرفيّة
وبين معلِّم
يتحدّث عن عمد
ويكرز
بالعودة إلى
الحياة
الناموسيّة
في حرفيّتها
كفكرٍ تلتزم
به الكنيسة.
هذا
ونحن لا نريد
الدخول هنا في
الحديث عن
التدبير
الكنسي من جهة
الأعياد
الكنسية والأصوام
بفكر إنجيلي،
واختلافه
تمامًا عن الفكر
الناموسي
الحرفي. الأمر
الذي أتركه
للحديث عنه في
تفسير
الرسالة إلى
أهل كولوسي إن
شاء الرب
وعشنا.
نعود إلى
حديث الرسول
بولس هنا
لنراه يودّ أن
يرفع
المؤمنين في
هذه الكنيسة
الناشئة عن
الصراع في أمر
الأعمال
الناموسية
الحرفيّة،
ليهتم الكل،
لا بهذه
الأمور وإنما
بالشكر لله.
يقول الرسول: "الذي
يهتم باليوم
للرب يهتم،
والذي لا يهتم
باليوم فللرب
لا يهتم،
والذي يأكل
فللرب يأكل لأنه
يشكر الله،
والذي لا
يأكل فللرب
لا يأكل ويشكر
الله" [6].
هكذا يظهر
الرسول صدق
نيّة الكل
سواء الذي في
ضعف لا يقدر
أن يتخلّى عن
التزامه
بأعمال الناموس،
كحفظ الأعياد
والأصوام
اليهوديّة أو
الذي تحرّر عن
هذا الحرف،
لذا لاق بالكل
أن يشكر الله
عِوض الدخول
في مجادلات.
تكشف هذه
العبارة
أيضًا عن عادة
المسيحيّين منذ
العصر
الرسولي، وهو
تقديم صلاة
شكر لله عند تناولهم
الطعام.
سابعًا:
في حكمة عجيبة
سحب الرسول
الطرفين من
النقاش في هذا
الأمر ليكشف
لهما أن أمور
الكل تشغل الله
نفسه الذي
اقتنانا
بالدم
الكريم،
فيحسبنا
خاصته، فإن
عشنا له
بالإيمان
حُسِب ذلك ربحًا
إلهيًا، وإن
متنا بفقدان
الإيمان
حُسِب خسارة.
يقول الرسول: "لأن
ليس أحد منّا
يعيش لذاته،
ولا أحد يموت
لذاته، لأننا
إن عشنا فللرب
نعيش، وإن
مُتنا فللرب
نموت. فإن
عشنا وإن
مُتنا فللرب
نحن. لأنه لهذا
مات المسيح
وقام وعاش،
لكي يسود على
الأحياء
والأموات" [7–9].
يقول: القدّيس
يوحنا الذهبي
الفم: [بهذا
جعل الأمر
أكثر وضوحًا.
كيف يمكن لمن
يعيش لأجل
الناموس
(مستعبدًا
لحرفيّته) أن
يعيش للمسيح؟...
إننا لسنا
أحرارًا بل
لنا سيّد يريدنا
أن نحيا ولا
يشاء لنا
الموت، فإن
هذه الأمور
تخصّه هو أكثر
منّا. بقوله
هذا يظهر أن
الله مهتم بنا
أكثر من اهتمامنا
نحن بأنفسنا،
فيحسب حياتنا
ربحًا له
وموتنا خسارة.
نحن لا نموت
لأنفسنا
وحدنا بل
لسيّدنا. هنا
يقصد الموت عن
الإيمان. على
أي الأحوال
هذا يكفي
لإقناعنا أنه
مهتم بنا، أننا
نعيش له ونموت
له. لم يكتف
الرسول بذلك
وإنما يردف،
قائلاً: "فإن
عشنا وإن متنا
فللرب نحن"
عابرًا بنا
إلى الموت
الجسدي...
مقدّمًا إشارة
عظيمة عن
اهتمامه بنا[361].]
يكمّل القدّيس
يوحنا ذهبي
الفم تعليقه
قائلاً بأن
الله كسيّد
مهتم بخلاصنا.
لا يحتقر
عبيده،
مقدمًا حُبّه
لهم لا بالمال
وإنما
بحياته، إذ
صار هو نفسه
خلاصنا. قدّم
دمه فِدْية
كثمن عظيم،
مظهرًا قوّته
غير المنطوق
بها... فكيف
نتركه بعد هذا
كله لنرتدّ
إلى أعمال
الناموس
الحرفيّة؟
لقد مات
وقام لكي
يهبنا
الحياة،
فنحسب أنفسنا
مدينين له
بحياتنا،
سواء في
وجودنا هنا في
هذا الزمان
الحاضر أو
انتقالنا منه.
يقول الرسول:
"وهو مات لأجل
الجميع، كي
يعيش الأحياء
فيما بعد لا
لأنفسهم، بل
للذي مات
لأجلهم وقام" (2
كو 5: 15).
2. عدم
إدانة الإخوة
إن كان
الرب قد قدّم
دمه الثمين
سرّ خلاصنا، به
نحيا ونتشدّد
في جهادنا،
فقد صرنا
بكليّتنا في
ملكيته. بهذا
المفهوم لا
يليق بنا إلا
أن نسلِّم كل
أحاسيسنا
ومشاعرنا
لذاك الذي افتدانا
عِوض
الانشغال
بإدانة
الآخرين،
الذين هم
أيضًا ليسوا
ملك أنفسهم،
بل ذاك الذي
فدى الكل.
إدانتنا
لإخوتنا تفسد
حياتنا وتسيء
إلى إلهنا كما
إلى إخوتنا.
فمن جهة تفسد
أعماقنا، إذ تحمل
ازدراء
بالإخوة عِوض
اتساع القلب
لهم، وتسيء
إلى الله
بكونه هو
الديّان الذي
يخضع الكل له،
مقدمًا
حسابًا عن
نفسه وأخيرًا
تعثر الآخرين.
هذا ما أعلنه
الرسول بقوله:
"وأمّا
أنت، فلماذا
تدين أخاك؟
أو أنت
أيضًا لماذا
تزدري بأخيك؟
لأننا
جميعًا سنقف
أمام كرسي
المسيح،
لأنه
مكتوب: أنا
حيّ يقول الرب
إنه لي ستجثو
كل ركبة وكل
لسان سيحمد
الله.
فإذًا كل
واحدٍ منّا
سيعطي عن نفسه
حسابًا لله.
فلا
نحاكم أيضًا
بعضنا بعضًا،
بل
بالحري
أحكموا بهذا
أن لا يوضع
للأخ مصدمة أو
معثرة" [10–13].
إنه يسأل
الأخ الضعيف
الذي يتشكّك
ضميره بخصوص
الطقوس
اليهوديّة
الحرفيّة
ألاّ يدين
أخاه القوي
الذي ارتفع
فوق حرفيّة
الناموس، كما
سأل الأخير
ألا يستخف
بالأول. فلا
ينحصر كل
منهما في
تصرفات
الآخر، بل
يتطلّع الكل
إلى ذاك الذي
يدين الجميع،
والذي يخضع له
كل حيّ (إش 45: 23).
هنا
يقتبس الرسول
ما ورد في
إشعياء عن
الله (45: 23) لينسبه
للسيد المسيح
بكونه الله
الكلمة
الديّان.
3.
ملكوت الله
وعثرة
الضعفاء
ينقلنا
الرسول بولس
من الانشغال
بإدانة الآخرين
أو الاستخفاف
بالإخوة إلى
الوقوف أمام كرسي
الله، لا
لنشعر بمهابة
ذلك اليوم
فحسب، وإنما
لكي ترتفع
أفكارنا على
الدوام إلى
"ملكوت الله"
الذي يلزم أن
ننعم به
جميعًا. خلال
هذا الملكوت
نهتم بأمر
واحد هو
شركتنا
جميعًا مع
الله في
المسيح يسوع
بروحه القدوس.
يقول
الرسول: "إني
عالم ومتيقّن
في الرب يسوع
أن ليس شيء
نجسًا بذاته،
إلا من يحسب
شيئًا نجسًا فله
هو نجس" [14]. هنا
يقدّم الرسول
تصريحًا
واضحًا من
قِبل ربنا يسوع
إن كل شيء هو
طاهر
للطاهرين،
ويصير نجسًا
للنجسين.
خليقة الله
طاهرة، إن
أكلناها بدون
تشكّك تُحسب
طاهرة، لكن إن
تشككنا بسبب
الناموس الذي
ميّز بين
أطعمة محلّلة
وأخري نجسة
كرموزٍ
وقتيّة
تحقّقت في
الأصل وتلاشت
عندئذ تصير
الأطعمة
نجسة، وأيضًا
إن تشكّكنا
إنها قُدمت
للأوثان
كذبائح تصير
نجسة لا لسبب
إلا لتشكّك
ضميرنا. هذا
ما أكده
الرسول لأهل
كورنثوس: "كل
الأشياء تحلّ
لي، لكن ليس
كل الأشياء توافق...
كل ما يباع في
الملحمة كلوه
غير فاحصين عن
شيء من أجل
الضمير، لأن
للرب الأرض
وملؤها؛ وإن كان
أحد من غير
المؤمنين
يدعوكم وتريدون
أن تذهبوا فكل
ما يقدّم لكم
كلوا منه غير
فاحصين من أجل
الضمير، ولكن
إن قال لكم أحد
هذا مذبوح
لوثنٍ فلا
تأكلوا من أجل
ذاك الذي
أعلمكم
والضمير...
أقول الضمير،
ليس ضميرك أنت
بل ضمير
الآخر" (1 كو 10: 23–29).
إذن ليس
شيء في خليقة
الله نجسًا،
لهذا فإن الكنيسة
في أصوامها
تؤكد أنها لا
تمتنع عن
الأطعمة
بكونها نجسة
وإلا حسب ذلك
بدعة وانحراف
عن الحق (1 تي 4: 3-4)،
إنما يكون
الصوم لأجل
قمع الجسد وتدبيره
حسنًا تحت
قيادة الروح
القدس[362].
حقًا إن
كل شيء طاهر، لكن الذي
يفسده هو روح
الإنسان الذي
يتشكّك في
استخدام
الأشياء الصالحة
بطبيعتها
كأشياء دنسة،
فتصير بالنسبة
له هكذا. أمّا
القوي وإن كان
لا يتشكّك بضميره
القوي لكنه من
أجل المحبّة،
حتى لا يهلك أخوه
الذي مات
المسيح عنه
يمتنع عن هذه
الأطعمة، كما
يوصينا
الرسول: "فإن
كان أخوك
بسبب طعامك
يحزن، فلست
تسلك بعد حسب
المحبّة؛ لا
تهلك بطعامك
ذلك الذي مات
المسيح
لأجله" [15]. في
موضع آخر يقول
الرسول: "الطعام
لا يقدّمنا
إلى الله،
لأننا إن
أكلنا لا
نزيد، وإن لم
نأكل لا ننقص،
ولكن انظروا
لئلاّ يصير
سلطانكم هذا
معثرة
للضعفاء. إن
كان طعام يعثر
أخي فلن آكل
لحمًا إلى
الأبد لئلاّ
أُعثر أخي" (1
كو 8: 8-13).
وكما
يقول القدّيس
يوحنا الذهبي
الفم: [احتفاظ
الإنسان
بالطعام (دون
تشكّك) ليس
بالأمر الأهم
من حزن أخيك.
انظر كيف
يركّز (الرسول)
على المحبّة،
ذلك لأنه يعلم
أن المحبّة
تفعل كل شيء...
أمَا تقدّر
أخاك، فتقتني
خلاصه
بامتناعك عن
الأطعمة؟ فإن
المسيح لم
يمتنع عن أن
يصير عبدًا،
بل وأن يموت
من أجله، أما
أنت فلا تستخف
بالطعام من
أجل خلاصه...
إنه لم يمت من
أجل الضعيف
فقط وإنما من
أجل العدوّ
أيضًا، أفلا
تمتنع عن
الطعام من أجل
الضعيف؟ قدّم
المسيح ما هو
أعظم
ألا تقدّم ما
هو أقل؟[363]]
"فلا
يُفتر على
خلاصكم،
لأن ليس
ملكوت الله
أكلاً
وشربًا،
بل هو برّ
وسلام وفرح في
الروح القدس" [17].
إن كان
أمر خلاص أخيك
يشغل كل كيانك
لا تنشغل بأمر
الأطعمة، بل
من أجله أترك
الطعام الذي يعثره
حتى لا تعطى
فرصة أيضًا
للغير أن
يفتروا على
صلاح فكرك
(عدم التعثر
بالأطعمة)...
بمعنى آخر حتى
وإن كنت من
جهة الصلاح لا
تتشكّك في
الأطعمة، لكن
بعثرتك
للضعيف
يتعثّر
الآخرون فيك،
لأن نفس أخيك
أثمن من طعامك
أو عدمه.
يقول القدّيس
يوحنا الذهبي
الفم بأنه
عندما يصارع
المؤمن
ويتماحك بسبب
الأطعمة،
فبهذا النزاع
يسبّب
انشقاقًا في
الكنيسة
بانتهار
الإخوة الممتنعين
عن الأطعمة،
فينطق الذين
في الخارج بالشرّ
على الكنيسة
وعلى صلاحك،
الذي هو المحبّة
والوحدة بين
الإخوة
والسلام
واللطف الخ.
إذن
لنشهد ملكوت
الله لا
بانقسامنا في
أمور ثانوية،
كالطعام
وإنما
باتحادنا
برباط الحب
الحقيقي
وتجلّي ثمار
الروح فينا
الذي هو البرّ
والسلام
والفرح.
v أفضل
شيء أن نقتني
ملكوت الله...
بمجتمع المحبّة
المقدّسة،
الكنيسة
السماويّة؛
فإن المحبّة
هي أمر نقي
يؤهل لله،
عملها
الشرّكة[364].
القدّيس
إكليمنضس
السكندري
v إن
كان ملكوت
الله داخلنا
(لو 17: 21)، وهو برّ
وسلام وفرح
(رو 14: 17)، فإن من
يتمّم هذه
يكون في ملكوت
الله. وعلى العكس
من يعيش في
الشرّ
والنزاع
والحزن الذي للموت
يكون في ملكوت
الشيطان وفي
الجحيم والموت.
بهذا يتميز
ملكوت الله عن
ملكوت
الشيطان.
v لا
يتحدّث
الرسول عن
الفرح بغير
تمييز... بل يوضّح
مؤكدًا نوعه
أنه "في
الروح القدس"
(رو 14: 7)، إذ يعرف
تمامًا الفرح
الممقوت الذي
نسمع عنه: "العالم
يفرح" (يو 16: 20)، "ويل
لكم أيها
الضاحكون لأنكم
ستحزنون
وتبكون" (لو 6: 25)[365].
الأب
موسى
ما
هو ملكوت الله
الذي يتحدّث
عنه الرسول
هنا؟
v يليق
بنا بالحق أن
ننظر إلى
ملكوت
السماوات من
جوانب ثلاثة:
إما أنه
ما سيملكه
القدّيسون
حين تخضع لهم
الأمور، كما
قيل: "فليكن
لك سلطان على
عشر مدن... ولكن
أنت على خمس
مدن" (لو 19: 17، 19).
وما قيل
للتلاميذ: "وتجلسون
أنتم أيضًا
على إثني عشر
كرسيًا تدينون
أسباط
إسرائيل
الإثنى عشر"
(مت 19: 28).
أو يعني
أن السماوات
يملكها السيد
المسيح، حيث:
كل الأشياء "تخضع
له"، ويكون
الله "الكل
في الكل" (1 كو 15:
28).
أو أن القدّيسين
سيملكون مع
الله في
السماوات[366].
الأب
موسى
لنهتم
بملكوت الله -
أي يملك فينا،
أو نملك نحن
به - فوق كل إاعتبار،
لكي بهذا
نُحسب
مرضيّين عند
الله، مزكّين
عند الناس "لأن
من خدم المسيح
في هذه (البرّ
والسلام والفرح
في الروح
القدس) فهو
مرضيّ عند
الله ومُزكّى
عند الناس" [18].
أخيرًا
يختم حديثه
مطالبًا
بالعمل
الإيجابي
البنّاء لكل
نفس، قائلاً:
"فلنعكف
إذًا على ما
هو للسلام،
وما هو للبنيان
بعضنا لبعض.
لا تنقض
لأجل الطعام
عمل الله.
كل
الأشياء
طاهرة، لكنه
شرّ للإنسان
الذي يأكل
بعثرة.
حسن أن لا
تأكل لحمًا
ولا تشرب
خمرًا
ولا
شيئًا يصطدم
به أخوك أو
يعثر أو يضعف.
ألك
إيمان؟ فليكن
لك بنفسك أمام
الله.
طوبى لمن
لا يدين نفسه
فيما يستحسنه.
وأمّا
الذي يرتاب
فإن أكَل
يُدان، لأن
ذلك ليس من
الإيمان،
وكل ما
ليس من
الإيمان فهو
خطيّة" [19–23].
إذن لتكن
غايتنا هو حفظ
سلام الكنيسة
ووحدتها
بعيدًا عن
الانشقاقات.
فإنه ليس
بنيان للكنيسة
وتثبيت لعمل
الله بدون
السلام
والمحبّة الأخوية.
[357] In Rom. hom 25.
[358] Cassian: Conf. 17: 20.
[359] Conc. Virgins 1: 6.
[360] Paedagogus. 2: 1.
[361] In Rom. hom 25.
[362] Cassian: Conf. 21: 13.
[363] In Rom. hom 26.
[364] Paedagogus. 2: 1;
[365] Cassian: Conf. 1: 13.
[366] Cassian: Conf. 1: 13.