الإيمان
والشهوات
بعدما
تحدث الرسول
عن الحكمة
السماوية
والحكمة
الأرضيّة
أراد أن يوجه
أنظارنا إلى خطورة
الشهوات
الأرضيّة على
حياة
المؤمنين إذ:
١.
تفقدنا
سلامنا
الداخلي
١ – ٣.
٢.
تفقدنا
سلامنا مع
الله ٤
– ١٠.
٣. تفقدنا
سلامنا مع
الناس ١١
– ١٣.
٤. لا
تهبنا
شيئًا
١٤ – ١٧.
1.
تفقدنا
سلامنا
الداخلي
"من
أين الحروبات
والخصومات
بينكم،
أليست
من هنا من
لذاتكم
المحاربة في أعضائكم؟"
[1]
تنبع
المنازعات
والخصومات لا
عن مضايقات الغير،
بل عن ضعف
الإنسان الداخلي
وهزيمته في
الحرب الخفيّة
التي ميدانها
النفس. وقد
أوضح الأب بيامون[67] أن
البناء متى
اهتز وسقط لا
يكون العيب في
الرياح التي هَبَّتْ،
بل في عدم
تأسيس البناء
على أساس قوي،
إذ يقول:
[إذا
انهزم
الإنسان أمام
خطأ واشتعلت
فيه نيران
الغضب، وجب
عليه ألاَّ يعتبر
أن مرارة
الإهانة
الموجهة إليه
هي سبب خطيّته
بل بالحري ظهور
ضعفه الخفي.
إذًا
لا نحتاج إلى
البحث عن
سلامنا في
الخارج، ولا
نظن أن صبر
الآخرين يفيد
عدم صبرنا.
لأنه كما أن
ملكوت الله
داخلنا، كذلك
أعداء
الإنسان من "أهل
بيته" (مت ١٠: ٣٦)،
لأنه ليس
عدوًا أكثر من
قلبي الذي هو
بالحق ألْصَق
أهل بيتي
إليَّ.]
فأساس
المنازعات هي
حرمان القلب
من السلام الداخلي،
لهذا يقول القديس
أغسطينوس: [في
الحرب الروحيّة
إذا انتصرنا
على شهواتنا
ننتصر على
أعدائنا
(الشياطين).
لأنه متى
قهرنا فينا
الشهوات
الأرضيّة،
نقهر لا محالة
العدو الذي
يتسلط علينا
بهذه الشهوات.
فإذا قيل
للشيطان (في
شخص الحيّة)
أن يأكل
التراب، قيل
للخاطيء
(في شخص آدم)
أنت تراب وإلى
تراب تعود،
وبهذا صار
الإنسان
طعامًا
للشيطان. فإن
أردنا ألاَّ نكون
هكذا يلزمنا
ألاَّ نكون
ترابًا.]
سرّ
الخصومات هو
استسلام
المرء للذات
المحاربة في
أعضائنا بغير
مقاومة. أما
إذا قاوم ولم
يستسلم، فإنه
وإن ضايقه
الجميع،
وساءت الظروف المحيطة
به، وفَقَدَ كل
شيء، لا يفقد
سلامه
الداخلي ولا
يدخل الخوف
إلى قلبه.
وكما يقول القديس
يوحنا ذهبي
الفم [لا يضرك
أحد إن لم تضر
نفسك بنفسك.
إن كنت لا
تخطيء فإن
عشرات الألوف
من السيوف
تهددك، ولكن
الله ينتشلك
حتى لا تقترب
إليك[68].]
هذا
ما تفعله
اللذات في
حياة الإنسان
المستسلم
لها... وماذا
ينتفع منها؟
يقول
الرسول: "تشتهون
ولستم
تمتلكون".
إنها كالسراب
تجذب الإنسان
ليجري وراءها
فيضل الطريق
ويزداد عطشًا
دون أن ينال
شيئًا لأنها لذَّات
خادعة.
"تقتلون
وتحسدون
ولستم تقدرون
أن تنالوا.
تخاصمون
وتحاربون،
ولستم
تمتلكون
لأنكم لا تطلبون"
[2].
يحدِّث
الرسول
أناسًا قامت
بينهم
خصومات، في
ظاهرها من أجل
الحق، لكن
حقيقة دافعها
اللذات
المحاربة في
أعضائهم أي
الكرامة
الزمنيّة
أو أي دوافع
أرضيّة
أخرى. هذه
اللذات
دفعتهم إلى
روح الحسد
والبغضة. لهذا
يقول "تقتلون"
أي تبغضون
"وتحسدون
ولستم تقدرون
أن تنالوا".
وقد دعاهم
قتلة بسبب
البغضة. وذلك
كما في إنجيل
متى (٥: ٢٢)
ورسالة يوحنا
الأولى (٣: ١٥)،
حيث تُعْتَبَر
الكراهية
قتلاً، وفي
سفر يشوع بن
سيراخ (٣٤: ٢١)
يُعتبر من
يهضم حق
الأجير سافك
دم.
فكل
بغضة هي قتل
حتى وإن اختفت
وراء الدفاع
عن الحق، ولا
ينال الإنسان
من وراء ذلك
شيئًا بل يفقد
حتى حياته،
كإيزابيل
التي قتلت
نابوت اليزرعيلي
كرمه، فلحست
الكلاب دمها ( ١
مل ٢١: ١-23).
"تطلبون
ولستم تأخذون
لأنكم
تطلبون
رديًا، لكي
تنفقوا في
لذاتكم" [3].
لقد
سبق الرسول
فعلل سبب عدم
نوال الشيء
بعدم الطلب "لستم
تمتلكون،
لأنكم لا
تطلبون". وما
أصعب على الأب
أن يرى أولاده
محتاجين ولا
يطلبون من
أبيهم. غير
أنه توجد فئة
تطلب لكنها لا
تأخذ. وليس السبب
في الواهب بل
في الطالبين،
فبينما يرفعون
كلماتهم في
الصلاة إلاَّ
أن قلوبهم
مرتبطة باللذات
في الأرض،
فتكون
صلواتهم مَكْرَهَة
أمام الرب.
إذ نستخدمها
وسائل لتحقيق
مآرب أرضيّة،
وكأننا نقول
للآب السماوي:
"هب لنا عطايا
أرضيّة،
لأننا
مرتبطون
بالأرض،
ونريد أن
نرتبط بها،
ولا نشتاق أن
نتهيأ للسماء
حيث يكون لنا
نصيب معك".
ما
أثقل على نفس
الأب أن يطلب
الابن منه
عطايا لكي
يهرب بها من
وجه أبيه،
والعروس التي
تطلب من
عريسها هدايا
ولا تطيق أن
ترى وجهه!
يقول
القديس
غريغوريوس: ["كل
ما تسألون
الآب باسمي
يعطيكم". أما
اسم الابن فهو
"يسوع" أي
مخلص. فالذي
يسأل باسم
المخلص هو ذاك
الذي يسأل
فيما يختص بأمر
خلاصه. إذن
فلتراجعوا
طلباتكم
لتنظروا ما إذا
كانت
باسم
"يسوع" أي
خاصة بأمور
الخلاص، أم
يطلب أحدكم عُرسًا
وآخر حقلاً
وثالث ثوبًا
ورابع رزقًا
وقوتًا... وهذه
يجب أن تُطْلَب
من الخالق
القدوس لكن
الأولى أن
نتبع قول الرب:
"اطلبوا
أولاً ملكوت
الله"[.
٢.
تفقدنا
سلامنا مع
الله
"أيها
الزناة
والزواني،
أما تعلمون أن
محبة العالم
عداوة لله؟
فمن
أراد أن يكون
محبًا
للعالم، فقد
صار عدوًا لله"
[4].
يترجمها
البعض "أيتها
الزانيات Ye
Adulteress"،
وليس غريبًا
أن يستخدم
الرسول هذه
الصيغة، لأنه
في العهد
القديم[69] كان
يُشبَّه
خيانة عهد
الله
والانحراف عن
العبادة
بالخيانة
الزوجيّة،
كما استخدم
العهد الجديد[70] نفس
التشبيه
مُسَمِّيًا
هذا الأمر
"فسقًا" أي
زنا روحيًا،
فيه ترفض
النفس
البشريّة الاتحاد
بعريسها (2 كو 11: 2) لتتحد
بإله آخر. هذا
الإله قد يكون
إنسانًا
معينًا أو
شهوة مادة.
لكن
يتساءل البعض:
لماذا نعتبر
محبة العالم عداوة
لله وزنا روحيًا،
مع أن الله
خلق كل شيء من
أجل الإنسان؟ الله
لا يريد
مضايقتنا أو
حرماننا، لكن
كبعلٍ للعروس
أو خَتْنِها
السماوي لا
يقبل أن تلتصق
بآخر. يريدنا
أن نستعمل
العالم. لكي
نَتلَمَّس
محبة الواهب
دون أن يرتبط
قلبنا بحب
العطيّة
ذاتها
متجاهلين
صاحبها.
فالعالم في خلقته
حسن (تك ١: 10)، لكن
إذا تمسك
الإنسان به،
وانشغل عن
الله يُقال: "العالم
كله وُضِعَ في
الشرير" (١ يو
٥: ١٩)، إذ لم
يعد قنطرة
للعبور إلى
الأبديّة، بل
تَعَبَّد له
الإنسان
وارتبط
بمغرياته،
وهكذا سقط في
فخاخه. لهذا
يوبخنا
الرسول
قائلاً:
"أم
تظنون أن
الكتاب يقول
باطلاً
الروح
الذي حلّ فينا
يشتاق إلى
الحسد" [5].
وكما
يقول الله عن
نفسه "لأني
أنا الرب إلهك
إله غيور" (خر ٢٠:
٥). فالروح
القدس الساكن
فينا يشتاق
إلى الحسد أو
يغير علينا
غيرة مقدسة[71].
وكما
يقول القديس إيرونيموس [لو
لم يكن الله
محبًا للنفس
لما غار عليها
ولا
تَعَقَّبها
على حب غيره،
كالرجل الذي
يتعقَّب
عروسه على
حبها سواه.]
"ولكنه
يعطي نعمة
أعظم.
لذلك
يقول يقاوم
الله
المستكبرين،
وأما
المتواضعون
فيعطيهم نعمة"
[6].
إن
كان الله يغير
علينا فإنه لا
يتركنا وحدنا
حتى لا نخور
في أنفسنا (عب ١٢:
٣) لكنه يَهَب
نعمة أعظم
للمتواضعين
الخاضعين
لعمله (أم ١٦: ١٨)،
أما الذين
يتكلون علي
ذواتهم
فيقاومهم لأنهم
ارتبطوا بروح
إبليس
المعاند.
"فاخضعوا
لله.
قاوموا
إبليس فيهرب
منكم" [7].
إن
كنا نرفض
ملكوت إبليس يَلْزَمنا
أولاً أن نقبل
ملكوت الله
بالخضوع له،
بعد هذا
نقاوم،
وعندئذ لا
يكون لإبليس
سلطان علينا
بل يهرب منا.
ويُشَبِّه
القديس ذهبي
الفم
الشيطان
بكلبٍ لا يبرح
ملتصقًا
بمائدة صاحبه
مادام يُلْقَى
إليه بين حين
وآخر شيئًا
منها. لكن إن
كفَّ
عن ذلك،
فسيبقى إلى
حين ثم ينقطع
رجاؤه ويهرب
من المائدة
ليبحث عن مائدة
أخرى. هكذا يَلْزَمنا
أن نقاوم
إبليس على
الدوام ولا
نعطيه مكانًا
فينا (أف ٦: ١١، ١٣؛
٤: ٢٧).
كيف
نخضع لله
ونقاوم
إبليس؟
1.
بالاقتراب
منه "اقتربوا إلى
الله فيقترب
إليكم"
رأى
الأب المحب
ابنه الضال
راجعًا "فتحنن
وركض ووقع على
عنقه وقَبَّله"
(لو ١٥: 20). فما أن
نرجع إلى الله
حتى يرجع هو
إلينا (زك ١: ٣)،
لأنه ليس
ببعيدٍ عنا،
بل كما يقول "هأنذا
واقف على
الباب وأقرع
إن سمع أحد
صوتي وفتح
الباب أدخل
إليه وأتعشى
معه وهو معي"
(رؤ ٣: ٢٠).
بالتوبة
ندخل إلى
الله،
وبدونها لا ننتفع
بالبركات
الإلهيّة
التي نلناها
في العماد،
ولا نستحق
التناول من
الأسرار
المقدسة
للاتحاد
بالرب، ولا
نعرف كيف نصلي
أو كيف نستمع
إلى صوت الله
في كتابه، أو
كيف ندخل
بيته، أو
نُرَنِّم له
ونسبحه ونشكره،
أو نخدمه
ونخدم أولاده
الخ.
٢. "نقوا
أيديكم أيها
الخطاة"
يقول
القديس إكليمنضس
الروماني[72]:
[ليتنا نقترب
إليه في قداسة
النفس،
رافعين أيادي
نقيّة
غير دنسة.]
يَلْزم
ألاَّ تكون
التوبة
كلامًا أو
مجرد مشاعر وعواطف
بل سلوكًا
أيضًا وحياة.
لذلك طالب
الرسول
بنقاوة
اليدين، أو
نقاوة الأعمال.
ويريدنا
الرسول بولس
أن نصلي رافعين
أيادي طاهرة
بدون غضب ولا
جدال (١ تي ٢: ٨)،
لأنه "من يصعد
إلى جبل الرب
ومن يقوم في
موضع قدسه،
الطاهر
اليدين
والنقي
القلب" (مز ٢٤: ٤).
ويؤكد الله
"إن كَثَّرتم
الصلاة لا
أسمع". وما
السبب؟ "أيديكم
ملآنة دمًا"
(إش ١: ١٥).
٣.
"وطهروا
قلوبكم يا ذوي
الرأيين" [8].
وهنا
لم يقل "أيها
الخطاة" بل "يا
ذوي الرأيين"
موضحًا أن
طهارة القلب
تعني وحدة
الهدف، فلا
يكون منقسمًا
بين محبة الله
ومحبة شيء
آخر. هكذا
عرَّف الأب
موسى[73]
نقاوة القلب
الذي هو ترمومتر
العبادة.
"اكتئبوا
ونوحوا
وابكوا
ليتحول ضحككم
إلى نوح
وفرحكم إلى غم"
[9].
يقول
الأب نيلس
السينائى: [قبل كل شيء
اطلب من الله
أن يَهبَك
دموعًا،
فربما
تُلَيِّن
الدموع
الصلابة الكامنة
في نفسك،
وتكشف لك
خطاياك من نحو
الله، وبهذا يَهَبك
الله عنها
غفرانًا. استخدم
الدموع كسلاح
للحصول على
طلباتك من الله،
لأن الله
القدير
يُسَرُّ
عندما تصلي بدموع...
احذر الوقوع
في انفعال
عاطفي... فكثير
من الناس
ينسون الغرض
من الدموع[74].]
ليعطنا
الرب أن نرفع
أعيننا
بالدموع نحوه
كالطفل تجاه
أمه، فيكون
لنا هذا "الحزن
الذي بحسب
مشيئة الله
يُنْشيء
توبة لخلاص
بلا ندامة" (٢ كو ٧: ١٠).
جاء
في سيرة القديس
باخوميوس [في
أحد الليالي
إذ عبر
باخوميوس
ومعه تادرس تلميذه
على مقابر
فوجدا نسوة يَنُحْنَ
ويَبْكِين،
فتأثر
باخوميوس
لهذا المنظر
مشتاقًا لو
بكى الكل على
خطاياهم حتى
يقومون... لذلك
قال لتلميذه:
أما ترى هؤلاء
كيف يَسْكُبْنَ
دموعهن
على أموات ليس
لهن قدرة على
إقامتهم؟
فكم يَلزمنا
نحن المدعوين
رهبانًا أن
نندب أنفسنا الميتة
بزلاتها لكي
يقيمها السيد
المسيح ويحييها
برحمته!
على
كل حال البكاء
ممدوح إن كان
بقصد صالح،
كما كان يفعل
سائر الآباء
القديسين.
فداود النبي
يقول: "أُعَوِّم
كل ليلة سريري
بدموعي
أُذَوِّب فراشي"
(مز ٦: ٥)، فعني
بالمساء هذا
العالم،
والصباح
العالم الآتي.
ويوسف بكى على
إخوته...
وناح إرميا
النبي نادبًا
شعبه[75].]
4. "اتضعوا
قدام الرب
فيرفعكم" [10].
خشي
الرسول أنهم
في بكائهم
يحسبون
أنفسهم أفضل
من غيرهم
فيفقدون كل
جهادهم. لهذا
يقول الأب
نيلس
السينائي
[عندما تسكب
فيضًا من
الدموع أثناء
الصلاة لا
تفتخر بذلك،
ظانًا في فكرك
أنك أفضل من
آخرين، بل إن
اعترافك
بخطاياك وهبك
دموعًا
استجلبت حنان
الله[76].]
٣.
تفقدنا
سلامنا مع
الناس
رأينا
أن محبة
الأرضيّات
تفقدنا
سلامنا
الداخلي
وسلامنا مع
الله، وبالتالي
تُفْسِد
نظرتنا
للآخرين،
فندينهم ونرى
كأنهم أشرار.
لذلك ينصحنا
الرسول: "لا
يذم بعضكم
بعضًا أيها الإخوة.
الذي يذم أخاه
ويدين
أخاه يذم
الناموس
ويدين
الناموس، وإن
كنت تدين الناموس
فلست عاملاً
بالناموس، بل
ديانًا له"
[11].
إنه
يوجه الحديث
قائلاً: "أيها
الإخوة".
فإذ نحن إخوة
يليق بنا أن
نستر ضعفات
بعضنا البعض،
مترفقين
بالكل. فمن يذم
أخاه يذم
الناموس الذي
أوصانا بمحبة
القريب
كنفوسنا، ومن
يدين الناموس
ويرفضه إنما
يرفض واضعه مع
أنه "واحد هو
واضع
الناموس،
القادر أن
يخلص ويهلك،
فمن أنت يا من
تدين غيرك؟" [12].
إنه
الديان
الوحيد واضع
الناموس الحب
والرحمة
وقادر أن
يخلص، وقادر
أن يدين، فَمَنْ
نحن حتى ندين
الآخرين
فنسلب الله
حقه وعمله؟
ذكر
بلاديوس [حدث
أن دان إسحق
القس
التبايسي
أخًا على فعل ما،
وذلك بعد
خروجه من
الجماعة
ليتوحد في البريّة،
فجاءه ملاك
يقول له: "الرب
يقول لك: أين
تشاء أن تطرح
نفس ذلك الأخ
المخطيء الذي
تدينه؟" فلما
أدرك خطأه قال
"أخطأت، اغفر
لي".]
ويقول
الشهيد
كبريانوس [لا
يجوز لنا أن
نسبق بالحكم
مادام الرب
نفسه هو
الديان،
اللهم إلاَّ
إذا كان
سيصادق على ما
نحكم به الآن
على الخطاة،
حتى إذا وجد
فيما بعد توبة
صادقة وكاملة
منهم[77].]
٤.
لا تهبنا شيئًا
سِرُّ
انجذابنا
للشهوات
وانشغالنا
بالأرضيّات
هو عدم
إدراكنا
لحقيقة
غربتنا على
الأرض، أو
تناسينا لها،
لهذا يوبخ
الرسول
قائلاً:
"هلم
الآن أيها القائلون
نذهب
اليوم أو غدًا
إلى هذه
المدينة أو
تلك وهناك
نصرف سنة
واحدة
ونَتَّجِر
ونربح .
أنتم
الذين لا تعرفون
أمر الغد،
لأنه
ما هي حياتكم،
إنها
بخار يظهر
قليلاً ثم
يضمحل" [13-
14].
ليس
العيب في الاتجار،
لكن في
التحديد
بأمرٍ قاطعٍ
دون تسليم المشيئة
للرب.
حَسَنٌ
للإنسان
أن يدبِّر
الأمور،
متكلاً على
الله، وشَرّ
أن يظن أنه
قادر على
تدبير أموره
بحكمته الخاصة.
فالرب لا يُعلِّمنا
التواكل بل الاتكال،
بل يطلب
الأمانة في كل
عمل، لكن بغير
كبرياء،
كالغني الغبي
الذي جمع
الكثير، وظن
أنه قادر أن
يُشْبِعَ
نفسه لسنين
كثيرة، فطُلِبَتْ
نفسه في ذات
الليلة (لو ١٢: ١٥-٢١).
"ما
هي حياتكم؟"
هكذا يستخف
الرسول
بالحياة الزمنيّة
من أجل قصرها،
وكما يقول القديس
ذهبي الفم[78]: [إن
الحياة هنا
وأمورها هي
مجرد طريق،
أما مسكننا
فهو أمور
الدهر الآتي.
أمور هذه
الحياة تُشْبِه
الربيع، أما
الحياة
الأخرى فهي
كالصخور لا
تنهدم.]
لم
يقل الرسول
"لماذا
تذهبون
وتتاجرون"،
إنما كان لومه
هكذا: "عِوَض
أن تقولوا إن
شاء الرب
وعشنا نفعل
هذا أو ذاك.
وأما الآن
فإنكم
تفتخرون في
تعظمكم، كل افتخار
مثل هذا رديء"
[15- 16].
لقد
كانت عادتهم
أن يذهبوا إلى
المدن الجديدة
ويقضون عامًا
تقريبًا
ليتاجروا
ويربحوا ويعودوا
إلى بلدهم. لم
يَلُمْهُمْ
على هذا، إنما
لامهم لأنهم
لم يسلموا
المشيئة في
يدي الله، بل
اتكلوا على
ذواتهم
وتخطيطاتهم
وحكمتهم
وتكبروا.
"فمن
يعرف أن يعمل
حسنًا، ولا
يعمل، فذلك
خطيّة
له" [17].
وكأنه يجيبهم
على سؤال
وجهوه إليه:
وهل في هذا
العمل خطيّة؟
نحن لم نُؤْذِ
أحدًا ولا
أسأنا إلى
الناموس،
فلماذا
تلومنا؟
بلا
شك عدم الاتكال
على الله خطيّة،
لكن الرسول
أجابهم بصورة
أروع. "من
يعرف أن يعمل
حسنًا"
"أي يتكل على
الله"، "ولا
يعمل، فذلك خطيّة".
فماذا يكون
الأمر إن كنتم
تعرفون ما هو
شر وتفعلونه؟
[67] حرصٌا على
عدم الإطالة
راجع مناظرات
يوحنا كاسيان ص 462-474.
[68] راجع
للمؤلف: كتاب
"الكنيسة
تحبك" ص 36-38.
[69] مز 73: 27، أش 54: 5،
إر 2: 2، 3: 1، حز 16، 23:
37-43، هو 2: 2.
[70] مت 12: 39، 16: 4، رؤ 2:
20-22.
[71]
خر 34: 14، تث 4: 24، 5: 9، 6:
15، يش 24: 19، حز 39: 25،
نا 1: 2، زك 8: 2.
[72] للمؤلف:
رسالة القديس
إكليمنضس
أسقف رومية طبعة
1967.
[73] للمؤلف: مناظرات
يوحنا كاسيان 1..
[74]
الفيلوكاليا
عن الصلاة ص 8-9.
[75] للمؤلف:
باخوميوس أب
الشركة
وتلميذه
تادرس طبعة 67 ص 46.
[76] الفيلوكاليا
عن الصلاة.
[77] للمؤلف:
الحب الأخوي،
1964، ص 445.
[78] العناية
الإلهيّة
للقديس يوحنا
الذهبي الفم
مترجم عن
الفرنسيّة
لمدام عايدة
حنا ف 11.