اعتزال
إبرام لوطًا
تدرب
إبرام علي
الترك من أجل
الرب، والآن
إذ عاد من مصر
واغتني جدًا
طلب من ابن
أخيه لوط أن يعتزل
مختارًا
النصيب الذي
يحسن في
عينيه، محتملاً
مفارقة لوط
رفيق مسيرته
الإيمانية
لأجل السلام.
1.
صعوده من
مصر
1-4
2.
اعتزاله عن
لوط
5-9
3.
اختيار لوط
سدوم
10-13
4. الرب
يبارك
إبرام
14-18
إن
كان إبرام قد
نزل إلي مصر
من اجل
المجاعة وكاد
أن يفقد زوجته
ساراى، لكن من
أجل نقاوة قلبه
لم يتركه الله
في مصر بل حفظ
له زوجته وأعطاه
نعمة في عيني
فرعون الذي
حثه علي
الصعود من
مصر، قائلاً
له: "والآن
هوذا امرأتك،
خذها واذهب،
فأوصي عليه
فرعون رجالاً
فشيّعوه
وامرأته وكل
ما كان له" (12: 19،
20). في هذه المرة
لم يظهر له
الرب لكي
يدعوه للخروج.
وإنما حدثه
خلال فرعون
الذي التجأ
إبرام إلي
أرضه، وكأنه
يحدثه باللغة
التي تناسبه
في ذلك الحين.
هذه هي
معاملات الله
مع الإنسان، إنه
يحدث كل إنسان
حسب ما يرتضي
الإنسان لنفسه،
فإذ كان إبرام
بسيطًا
للغاية في
إيمانه ظهر له
وكلمه
مباشرة، وإذ
لجأ لفرعون
حدثه بفرعون،
وعندما صار
بلعام جاهلاً
كالآتان حدثه
خلال آتانه
(عد 22: 28-30)، وعندما
كان شاول
الطرسوسي عنيفًا
للغاية حدثه
خلال لغة
فقدان بصيرته
المؤقتة (أع 9: 8،
9)، وإذ كان
المجوس منهمكين
بالدراسات
الفلكية
حدثهم
بالنجم... هكذا
يخاطب الله
الإنسان
بلغته.
"صعد
من مصر إبرام
ومعه امرأته
وكل ما كان له
ولوط معه" [١]. هكذا يليق
بنا حتى إن
نزلنا إلي
الاتكاء علي ذراع
بشري (فرعون)
ألا نبقي في
الضعف بل
نصعد، نصعد كل
واحد ومعه
امرأته وكل ما
له وكل
أقربائه، أي
ينطلق بروحه
كما بجسده
(امرأته) وكل
طاقاته، ولا
يترك شيئًا
مما له مرتبكًا
بالأمور
الزمنية
البشرية.
بمعني آخر
ليكن صعودنا
كاملاً
منطلقين إلي
أرض الموعد،
نعيش تحت
جناحي إلهنا!
خرج
إبرام من
التجربة التي
كشفت عن ضعفه
ببركات كثيرة
فقد أدرك
رعاية الله
الفائقة له،
إذ لم يستطع
فرعون أن يمس
امرأته، بل
وصار إبرام "غنيًا
جدًا في
المواشي
والفضة
والذهب" [٢]. ما
هو سر الغني؟
إن كان عن ضعف
سقط إبرام،
لكنه بقوة
الروح لم
يستسلم
للسقوط،
وكأنه يقول: "لا
تشمتي بي يا
عدوتي، إذا
سقطت أقوم،
إذا جلست في
الظلمة فالرب
نور لي" (مى 7: 8)
فالنفس
المؤمنة
المملوءة
رجاءً تتحول
حتى ضعفاتها
إلي فرص
لاقتناء غني
أعظم. عندما
سقط ثيؤدور في
حب امرأة
جميلة تاركًا
الحياة
الرهبانية
أرسل إليه
القديس يوحنا
الذهبي الفم
يؤكد له أن
يأسه أكثر
مرارة من
الزنى، فبعث
إليه
برسالتين حتى
تاب وصار قسًا
فأسقفًا علي
منطقة ما بين
النهرين (المصيصة)،
فمن كلمات
القديس له: [إن
كان الشيطان
لديه هذه
القدرة أن
يطرحك أرضًا
من العلو
الشامخ
والفضيلة
السامية، إلي
أبعد حدود
الشرور فكم
بالأكثر جدًا
الله قادرًا
أن يرفعك إلي
الثقة
السابقة ولا
يجعلك فقط كما
كنت، بل اسعد
من ذي قبل. لا
تيأس، ولا
تطرح الرجاء
الحسن، ولا
تسقط فيما سقط
فيه
الملحدون،
فإنه ليست كثرة
الخطايا هي
التي تؤدي إلي
اليأس بل عدم
تقوى النفس[243]].
مرة أخري
يقول: [لأن
الشرور التي
ارتكبناها لا
تغيظ الله قدر
عدم رغبتنا في
التغير. لأن
من يخطئ يكون
قد سقط في ضعف
بشري، وأما من
يستمر في
الخطية فإنه
يبطل إنسانيته
ليصير
شيطانًا. أنظر
كيف يلوم الله
علي فم نبيه
العمل الثاني
أكثر من
الأول: "فقلت
بعدما فعلتِ
كل هذه ارجعي
إليّ فلم ترجع"
(إر 3: 7) [244]].
إن كان
إبرام قد أضاع
زمانًا
بنزوله إلي
مصر ورجوعه
منها إلي أرض
الجنوب ثم إلي
بيت إيل "إلى
المكان الذي
كانت خيمته
فيه في البدء
بين بيت إيل
وعاي" [٣]، أي
رجع إلي حيث
كان أولاً...
لكنه خرج من
التجربة
منتفعًا
وغنيًا جدًا!
هكذا لا يتوقف
أولاد الله عن
النمو
المستمر
والدخول إلي
الغني الروحي
حتى إن تعرضوا
في حياتهم
لضعفات أو
سقطات وظنوا أنهم
فقدوا
السنوات
ليبدءوا من
جديد من حيث كانوا
قبلاً.
يشهد
الكتاب عن
إبرام أنه
كان: "غنيًا
جدًا في
المواشي
والفضة
والذهب" [٢]، هذا
الغني لم يعفه
عن غني النفس،
إذ لم يكن قادرًا
علي احتلال
القلب
الداخلي
وارباك الفكر،
إنما تمتع
إبرام مع
الغني الزمني
بغني الروح
المفرح. يقول القديس
أغسطينوس:
[لكي تعرف أن
الغنى في ذاته
لا يُلام، كان
إبراهيم
غنيًا له ذهب
كثير وفضة
ومواشي
وغلمان، وقد
حمل في حضنه
لعازر الفقير
(لو 16: 22). وُجد
الفقير في حضن
الغني، أليس
الاثنان
غنيين في عيني
الله؟![245]].
"لوط
السائر مع
إبرام كان له
أيضًا غنم
وبقر وخيام،
ولم تحتملها
الأرض أن
يسكنا معًا،
إذ كانت
أملاكهما
كثيرة... فحدثت
مخاصمة بين
رعاة مواشي
إبرام ورعاة
مواشي لوط...
فقال إبرام
للوط: "لا تكن
مخاصمة بيني
وبينك، وبين
رعاتي
ورعاتك، لأننا
نحن أخوان.
أليست كل
الأرض أمامك؟!
اعتزل عني، إن
ذهبت شمالاً
فأنا يمينًا،
وإن يمينًا فأنا
شمالاً" [5-9].
يري
البعض أن كلمة
"لوط" تعني
(غطاء) أو (حجاب) [246]،
فإن كان لوط
قد رافق إبرام
في مسيرته
الإيمانية،
لكن الفارق
بينهما أن
إبرام يحمل
قلبًا بسيطًا
مكشوفًا، ما
بداخله مُعلن
خلال ما بخارجه
لذا كان يغتصب
الملكوت
وينمو في
المعرفة بلا
توقف، أما لوط
فكان يسير مع
الموكب
الإيماني
بقلب مغلق،
يحمل في
أعماقه شيئًا
من حبه للذات
وارتباط بالعالم،
أما في الخارج
فيبدو كرجل
إيمان ورفيق
لأعظم أب،
لهذا كان
الزمن يفضح
ضعفاته والتجارب
تكشفه... وكان
ينهار من يوم
إلي يوم حتى فقد
زوجته
وممتلكاته
وتدنس مع
ابنتيه، وإن
كنا لا ننكر
بعض الجوانب
الطيبة فيه.
كان
لوط رفيقًا
لإبرام، وصار
الاثنان
غنيّين، لكن
لوطًا كان في
غناه "له غنم
وبقر وخيام" [٥]،
"ولم يكن له
فضة وذهب"
كإبرام [٢]. فإن
كانت الفضة
تشير إلي كلمة
الله والذهب يشير
إلي الروح أو الحياة
السماوية،
فإن إبرام كان
في غناه متمسكًا
بكلمة الله أو
الوصية كسرّ
غني داخلي، وكما
يقول المرتل: "بطريق
شهاداتك فرحت
كما علي كل
الغني" (مز 119: 14).
وكان أيضًا
متمسكًا
بالغني
الروحي أو الحياة
السماوية
(الذهب)، فلم
تشغله
المواشي عن
الأبدية!
كان
إبرام غنيًا
بمواشيه
منفتحًا
بقلبه علي
وصية الله وملكوته
السماوي، أما
لوط فكان
مهتمًا بالغنم
والبقر
والخيام
الزمنية بقلب
محتجب عن معاينة
الملكوت
السماوي.
لقد
شعر إبرام بما
حدث بين رعاة
مواشيه ورعاة
مواشي ابن
أخيه لوط، وفي
محبة من أجل
السلام
الأخوي طلب من
ابن أخيه أن
يعتزل في
الموضع الذي
يروق في
عينيه، وكما
يقول القديس
أغسطينوس:
[ربما من هنا
نشأت عادة
مسالمة بين
البشر أنه متي
كانت قسمة في
أمور أرضية
يقوم الأكبر
بالتقسيم
والأصغر
بالاختيار[247]].
إبرام
وهو الأكبر
ترك للأصغر حق
الاختيار
بفرح ورضي،
الأمر الذي
كشف قلبه
المؤمن وفضح
قلب لوط
المادي... وكأن
التجربة زكت
إبرام وفضحت
لوطًا. يتحدث القديس
يوحنا الذهبي
الفم عن
إبراهيم الذي
كان متقدمًا
في الكرامة
كيف لم يقلق
لأن ابن أخيه
قبل أن يختار
معطيًا لنفسه
النصيب الأول
وتاركًا لعمه
النصيب الثاني
الأصغر، إذ
يقول: [عندما
صار الحال إلي
أردأ وفقد
(هذا الأب)
نصيبه الأول
لم يغضب... بل كان
مقتنعًا أن
يتقبل الموضع
الثاني،
عندما أخطأ في
حقه الأصغر
وهو الكبير،
بكونه العم مع
ابن أخيه، لم
يسخط عليه ولا
تعلل، بل أحبه
كنفسه وقدم له
عونًا عند
الحاجة[248]]. كما
قال: [لم يطلب
إبراهيم نفعه
الخاص بل نفع
الكثيرين،
لذلك عرّض
نفسه
للمخاطر،
وتضرع إلي
الله من أجل
من ليس له صلة
بهم إطلاقًا...
أما ابن أخيه
فإذ سمع
القول: "إن
ذهبت يمينًا
فأنا شمالاً"
قبل حق
الخيار، وسعي
نحو نفعه الخاص،
ففقد ماله إذ
احترقت هذه
المنطقة (تك 19)
بينما ظلت
بقية المناطق
المحيطة لم
يمسها ضرر[249]].
"فرفع
لوط عينيه
ورأي كل دائرة
الأردن أن جميعها
سقي قبلما
أخرب الرب
سدوم وعمورة،
كجنة الرب
كأرض مصر،
حينما تجيء
إلي صوغر،
فاختار لوط
لنفسه
كل دائرة
الأردن... ونقل
خيامه إلي
سدوم، وكان أهل
سدوم أشرارًا
وخطاة لدي
الرب جدًا" [10– 13].
ربما
وقف إبرام
وابن أخيه لوط
معًا علي إحدى
مرتفعات بيت
إيل... ورفع
إبرام نظره
ليذكر عدن التي
حرم منها
الإنسان بسبب
حسد إبليس، فضم
لوطًا إلي
قلبه بالحب
قائلاً:
"لأننا نحن أخوان"
[٨]، أما لوط
فرفع عينيه
ليري الأرض
سقي [١٠]... منظر
واحد يسحب قلب
إبرام إلي
الحب الأخوي وقلب
لوط إلي
الأنانية،
الأول اشتهى
الفردوس والآخر
طلب الأرض
السقي...
رفع
لوط عينيه
ليري الأرض
"كجنة الرب
كأرض مصر"... تذكر
"عدن" لكن لا
في سلامها
الداخلي
ولقاء الإنسان
مع الرب وإنما
في زراعاتها
وخصوبتها كأرض
مصر... هكذا
امتزجت
الروحيات
بالزمنيات بغير
تمييز أو
إفراز... إنه
يمثل الإنسان
المتدين،
صاحب المعرفة
النظرية
والممارسات
الشكلية، أما
قلبه ففي محبة
العالم
غارقًا، وفي الأرض
زاحفًا.
أما
الخطأ الثالث
الذي ارتكبه
لوط بجانب أنانيته
وعدم تمييزه
بين ما هو
روحي وما هو
زمني فهو عدم
مبالاته
بسكان
المنطقة إذ
كانوا "أشرارًا
وخطاة لدي
الرب جدًا"،
الأمر الذي
أفقده
وعائلته
الكثير،
روحيًا
وماديًا.
إن
كان لوط بنظرته
المادية
انجذبت عيناه
إلي الأرض
السقي التي
حسبها كجنة
الرب كأرض مصر
[١٠]،
فباعتزاله
إبرام تمتع
إبرام
بمواعيد الله الفائقة:
"ارفع عينيك
وانظر من
الموضع الذي
أنت فيه شمالاً
وجنوبًا
وشرقًا
وغربًا... قم
أمش في الأرض طولها
وعرضها، لأني
لك أعطيها" [١٧].
لم يرد
الله أن يحصر
إبرام في
اتجاه واحد
وإنما طالبه
بالتطلع نحو
الاتجاهات
الأربع، لكي
يري محبة
المسيح
الفائقة في
طولها وعرضها
وعمقها وارتفاعها،
تحصره (2 كو 5: 14؛ 3: 18).
ولعله بالنظر
إلي الاتجاهات
الأربع يكون
قد رأي الصليب
بالإيمان
الذي به يملك
السيد المسيح
الخارج من نسل
إبرام علي
الشعوب
والأمم التي
صارت خلال
العبادة
الوثنية
أرضًا.
أما
قوله: "قم امش
في الأرض
طولها
وعرضها" فيكشف
عن عمل الله
في حياة
القائمين
بالرب القائم
من الأموات،
الذين لا
يتراخون بل
يمشون بلا توقف
حتى يملكوا
تمامًا وكما
يقول القديس
أمبروسيوس: [لم
يعد
بالمكافآت
للذين ينامون
والكسالى بل للمجاهدين[250]].
إذ نال
إبرام وعدًا
بميراث الأرض
لنسله الذي لا
يُعد... مع أنه
لم يكن بعد قد
أنجب ابنًا،
بإيمان قبل
المواعيد دون
نقاش بل نقل
خيامه "وأتى
وأقام عند
بلوطات ممرا
التي في حبرون
وبنى هناك
مذبحًا للرب"
[١٨]... هناك عند
بلوطات ممرا
يستضيف الله
وملاكين وينال
وعدًا بميلاد
إسحق (تك ١٨)،
وإذ نترك
الحديث عن
بلوطات ممرا
للأصحاح الثامن
عشر، نود
الإشارة إلى
"حبرون" أنها
تعني في رأي العلامة
أوريجانوس
"اقتران" أو
"زواج"، ويرى
البعض أنها
تعني "شركة"...
فمع كل لقاء حقيقي
مع الله وتمتع
بوعوده ندخل
إلى "حياة شركة"
أعمق، خلالها
نرفض كل
اقتران بمحبة
الزمنيات
لذبح عريس
نفوسنا ربنا
يسوع.
رحل
لوط إلى سدوم
وعمورة ليعيش
في الأرض السقي
بين الأشرار،
فيفقد كل شيء،
ورحل إبرام
إلى بلوطات
ممرا التي في
حبرون
ليستضيف الله
وملاكيه وينعم
بحياة شركة مع
الله على
مستوى أعمق.
حياتنا رحيل
مستمر بلا
توقف، إما نحو
سدوم حيث الهلاك
أو نحو بلوطات
ممرا حيث
اللقاء مع
واهب الحياة!
[243] ستعود بقوة أعظم، ١٩٦٧، ص ٥، ٦.
[244]
المرجع
السابق ص ٤١.
[245] On Ps. 52.
[246] J. Strong., article 3876.
[247] City of God 16: 20.
[248] In 1 Cor. hom 35.
[249] Ibid 25.
[250] Cain & Abel 1: 4 (12).