إسحق
يبارك يعقوب
استطاع
يعقوب أن
يختلس
البكورية من
أخيه عيسو
بأكله عدس، والآن
تدبر له أمه
الأمر ليغتصب
البركة من أبيه
إسحق عوض
عيسو.
1. إسحق
يستدعي عيسو
1-4
2. رفقة
تسند يعقوب
5-25
3.
يعقوب يتمتع
ببركة أبيه
26-29
4. عيسو
يُحرم من
البركة
30-40
5. عيسو
يحقد على أخيه
41-49
"وحدث
لما شاخ إسحق
وكلّت عيناه
عن النظر أنه
دعا عيسو ابنه
الأكبر وقال:
يا ابني... إني
قد شخت ولست
أعرف يوم
وفاتي، فالآن خذ عدتك
جعبتك وقوسك
وأخرج إلى
البرية وتصيد لي صيدًا، واصنع لي أطعمة
كما أحب وآتي
بها لآكل حتى
تباركك نفسي قبل
أن أموت" [١-٤].
لقد
سبق فعرف إسحق
أن الكبير
يستعبد من
الصغير (25: 23)، وسمع أن
عيسو في
استهتار باع
بكوريته
بأكله عدس
مستهينًا
بها، ولمس في
حياته ارتباطه
بزوجتين
وثنيتين
بعيدتين عن
إيمان أبيه كانتا
علة مرارة له
ولرفقة
زوجته، ومع هذا
فقد استدعاه
ليأكل من صيد
يديه وتباركه
نفسه قبل أن
يموت، يورثه
البركة التي
نالها عن أبيه
إبراهيم. ترى
هل كان
مدفوعًا
بعواطفه
الأبوية
البشرية أم
حمل عملاً
نبويًا بغير
إرادته؟!
إن كنا
نلوم رفقة
لأنها تدخلت
بطريقة بشرية
لينال يعقوب
المحبوب
لديها البركة
عوض أخيه عيسو، حتى
وإن كان في
ذلك تحقيق
للصوت الإلهي
بأن الكبير
يستعبد
للصغير، فنحن لا
نستطيع إنكار
ضعف إسحق إذ
أراد أن يبارك
إنسانًا
كعيسو سبق
فأعلن الله
أنه يكون مستعبدًا
للصغير، لكن القديس
جيروم يقدم
لنا تفسيرًا
رمزيًا
مختصرًا
اقتبسه عن القديس
هيبوليتس
يكشف فيه عما
حمله هذا
الأصحاح من
عمل نبوي رمزي
يعلن عن العصر
المسياني، يمكننا
أن نستعرضه
هكذا: إسحق في
دعوته لابنه عيسو
كي يباركه
عندما شاخ
وكلت عيناه
إنما يشير إلى
الآب السماوي
الذي دعي في
أواخر الدهور
جماعة اليهود
بكونهم الابن
البكر، مشتاقًا
أن يهبهم
البركة
الإنجيلية
وأن ينعموا
بالخلاص
الأبدي
فيملكون مع
السيد المسيح
ويحفظون
السبت الجديد.
أما رفقة
فتشير للروح
القدس الذي
يدرك أن
الكبير
يستعبد
للصغير فاهتم
بجماعة الأمم
(الابن
الأصغر) لكي
تقتنص البركة
الإنجيلية
عوض اليهود
بعدما رفض
اليهود
الإيمان
بالمسيا
المخلص. وإن كان
الجدي يشير
إلى خلاص
الخطاة، فإن
الجديين الجيدين
من المعزى
اللذين
قدمهما يعقوب
طعامًا لأبيه
إنما يشيران
إلى اجتماع
بعض اليهود مع
الأمم. ألبست
رفقه يعقوب
ثياب أخيه
عيسو، إشارة إلى
رجال العهد
الجديد الذين
اقتنوا بالروح
القدس الكتب
المقدسة، وسحبوا من
اليهود
الناموس
والعهود
والنبوات
التي كانت
لباسًا لهم
وخلعوها عنهم
خلال جحودهم
بالمسيح يسوع.
أما جلود
المعزى التي
لبسها يعقوب
في يديه وعنقه
فتشير إلى
الخطية التي
حملها السيد
المسيح عنا، مع
أنها ليست
خطاياه إذ هو
القدوس حامل
خطايانا.
الطعام الذي
قدمه هو
الذبيحة
الفريدة التي
تفرح قلب الآب
فتنال
الكنيسة خلال
بركة الله، أما
عيسو فنال
اللعنة بسبب
الجحود. هروب
يعقوب إلى
حاران من وجه
عيسو كان
رمزًا
لانطلاق الإيمان
إلى الغرباء أي الأمم بعد
أن قاومه
اليهود.
خلال
هذا المفهوم
الآبائي
يمكننا إدراك
السر الحقيقي
لدعوة عيسو
لينال البركة
فيغتصبها
يعقوب منه
بتدبير أمه
رفقة.
كانت
رفقة تسمع ما
قاله إسحق
رجلها لعيسو، وربما
كانت حاضرة، والآن
في محبتها
لابنها يعقوب
أخبرته بما حدث...
والعجيب أن
رفقة ويعقوب
لم يشعرا
أنهما أخطأ قط،
ولا وبخهما
إسحق على
تصرفهما بعد
اكتشافه
الخدعة، بل أكد
بركته
ليعقوب، ولعل إسحق
أدرك أنها على
حق وإن
استخدما وسيلة
غير سليمة!
ويرى القديس
أغسطينوس[364] أن
الكتاب
المقدس أراد
أن يوضح أن
تصرف يعقوب لم
يكن عن مكر
واحتيال إنما
كان في بساطة
قلب وإيمان، إذ سبق
فأعلن "وكان
عيسو إنسانًا
يعرف الصيد إنسان
البرية
ويعقوب
إنسانًا
كاملاً (بسيطًا)
يسكن الخيام"
(تك 25: 27)، وإن
الكلمة
اليونانية
المترجمة
كاملاً (بلا عيب)
تعنى بلا عيب
أو بسيطًا أو
بلا تظاهر، لهذا
استحق نوال
البركة.
كنا
نتوقع في رفقة
كأم حكيمة
وزوجة محبه
لرجلها أن
تصارح إسحق
بما في قلبها
وتذكره
بالصوت الإلهي
الخاص
بمباركة
الأصغر، لكن الله
استخدم حتى
ضعفها للخير، وإن
كانت قد ذاقت
مرارة
تصرفاتها
المتسرعة.
أتقنت
رفقة الدور
تمامًا فقد
هيأت إسحق
الطعام الذي
يحبه، وأعطيت
ليعقوب أن
يلبس ثياب
أخيه الحاملة
لرائحته، وأن يضع
جلدا على يديه
وعنقه، هكذا يجد
إسحق الطعام
والرائحة
واللمس فيبارك
ابنه. من جهة
الثياب فيرى
البعض أن عيسو
كبكر كان له
ثوب كهنوتي
يرتديه في
شيخوخة أبيه
ليقدم
الذبائح عن
العائلة، أما الجلد
الذي وضُع حول
ذراعي يعقوب
فكما يقول القديس
أغسطينوس:
[يشير إلى
حمله خطايا
الآخرين [365]].
بلا شك
كان يعقوب هنا
يمثل السيد
المسيح رأس الكنيسة
الذي قدم
حياته ذبيحة
حب، طعامًا
سماويًا يفرح
قلب الآب، وليس
زيّنا
وملابسنا، وحمل
خطايانا، لكي يقبل
باسمنا
ولحسابنا
المجد الأبدي
ورضا أبيه
السماوي!
قال
إسحق: "الصوت
صوت يعقوب
ولكن اليدين
يدا عيسو"...
فباركه! إنها
صورة حية
للسيد
المسيح، صوته صوت
الابن وحيد
الجنس، لكن يديه
هما أيدينا إذ
حمل طبيعتنا
فيه! صار
كعيسو يحمل
ضعفاتنا
وخطايانا وهو
يعقوب البار!
"فقال
له إسحق أبوه:
تقدم وقبلني
يا ابني. فتقدم
وقبله، فشم رائحة
ثيابه
وباركه، وقال:
أنظر، رائحة
ابني كرائحة
حقل باركه
الرب. فليعطك
الله من ندى
السماء ومن
دسم الأرض
وكثرة حنطة
وخمر. ليستعبد
لك شعوب، وتسجد لك
قبائل. كن
سيدًا
لإخوتك، وليسجد لك
بنو أمك. ليكن
لاعنوك
ملعونين، ومباركوك
مباركين" [٢٦–٢٩].
أكل
إسحق وشرب
خمرًا وطلب من
ابنه أن يتقدم
ويقبله قبلة
الحب والاحترام،
لينال البركة
الأبوية خلال
فيض الشبع
الذي ملأ حياة
إسحق
والرائحة
الذكية التي
عاشها كل أيام
غربته.
اشتم
رائحة ثيابه، فقد
كانت ثياب
عيسو الثمينة
وسط روائح
طيبة وقد
أثارت فيه
رائحة الحقول
بزهورها
وثمارها المبهجة، لهذا
بدأ البركة
يقول: "رائحة
ابني كرائحة
حقل باركه
الرب"، طالبًا له
ندى السماء
الذي يحول
الأرض القفر إلى
جنة، ودسم
الأرض أي خصوبتها، وأن
يمنحه الرب
حنطة وخمرًا
علامة الشبع
والفرح، كما سأل من
أجله أن يخضع
له الشعوب
والقبائل ويسجد
له اخوته. هنا
يقول القديس
إيريناؤس: [لا
يمكننا قبول
البركة بالمفهوم
الحرفي وإنما
بالمفهوم
الرمزي
الروحي الذي
تحقق خلال
بركات العهد
الجديد.
يشرح القديس
إيريناؤس هذه
البركة هكذا:
[إن
كان أحد لا
يتقبل هذه
الأمور
بكونها تشير إلى
الملكوت
المعين
(المسياني)
يسقط في تناقض
كما حدث مع
اليهودي
صاروا
مرتبكين في
الأمر. فإنه ليس
فقط لم تخدم
الأمم يعقوب
في حياته
وإنما حتى بعد
نواله البركة
هو نفسه ترك
بيته وخدم خاله
لابان
السرياني
عشرين عامًا
(تك 31: 41)، وليس فقط
لم يصر سيدًا
لأخيه إنما
انحنى وسجد أمام
عيسو أخيه عند
عودته من بين
النهرين إلى بيت
أبيه مقدمًا
له هدايا
كثيرة (تك 3: 33).
أضف إلى هذا
بأي طريقة ورث
حنطة وخمرًا
كثيرًا هنا،
ذاك الذي هاجر
إلى مصر بسبب
المجاعة التي
حلت بالأرض
التي سكنها، وسار
خاضعًا
لفرعون الذي
كان يحكم مصر
في ذلك الحين؟![366]].
إذن لا يمكن
أن تُفهم هذه
البركة على
أساس حرفي، إنما
تحققت روحيًا
بمجيء السيد
المسيح حيث تمتع
يعقوب –
أي الكنيسة
–
بالملكوت
الروحي. وكما
يقول القديس
أغسطينوس:
[بركة يعقوب هي إعلان
المسيح لكل
الأمم. الأمر
الذي تحقق الآن...
إسحق هو
الشريعة
(الناموس)
والنبوة، فإنه حتى
خلال فم
اليهود أعلنت
بركة المسيح خلال
النبوة كما
بشخص لم
يعرفها ولم
يدركها. العالم
يشبه حقلاً
مملوءًا
برائحة اسم
المسيح
الذكية. بركته هي الندى
الذي من
السماء أي أمطار
الكلمات
الإلهية، ودسم
الأرض أي جمع
الشعوب معًا.
بركته هي فيض
الحنطة
والخمر أي الجموع التي
تجمع الخبز
والخمر في سرّ
جسده ودمه إياه
تخدم الأمم
ويتعبد له
الرؤساء. إنه
سيد اخوته إذ
يحكم شعب
اليهود. إياه
يتعبد له
أبناء الآب، الذين
هم أولاد
إبراهيم حسب
الإيمان، إذ هو نفسه
ابن إبراهيم
حسب الجسد. من
يلعنه يصير
ملعونًا، ومن
يباركه
يتبارك[367]].
في
المسيح يسوع
ربنا يصير كل
منا يعقوب
الذي يسمع
البركة من فم
أبيه، هكذا:
رائحة ابني
كرائحة حقل قد
باركه الرب، فليعطك
الله من ندى
السماء، ومن دسم
الأرض وكثرة
حنطة وخمر... كن
سيدًا لأخوتك.
حقًا في
المسيح يسوع
يصير قلبنا
حقلاً بل جنة
تحمل رائحة
طيبة تفرح قلب
العريس القائل:
"قد دخلت جنتي
يا أختي
العروس، قطفت مري
مع طيبي، أكلت شهدي
مع عسلي، شربت خمري
مع لبني. كلوا
أيها
الأصحاب، أشربوا
واسكروا أيها
الأحباء" (نش 4: 1).
يقول القديس
غريغوريوس
أسقف نيصص في
تفسيره سفر
النشيد: [إنه
يأتي إلى
جنته... ويقطف
أطيابها
المملوءة من
ثمر فضائلها، عندئذ
يتحدث عن
تمتعه
بالوليمة
وتلذذه بها، قائلاً
لعروسه: قد
نزلت إلى جنتي
يا أختي العروس[368]].
ما هو
ندى السماء
إلاَّ تقديس
النفس التي
تصير كسماء
تحمل نعمه
الله كندى يستخدمه
الروح القدس
لإثمار أراضٍ
كثيرة، أما دسم
الأرض فيشير
إلى خصوبة
الجسد الذي يتقدس
بالروح القدس
فتنطلق كل
طاقاته
وأحاسيسه
ومواهبه
للعمل
منسجمًا مع
ندى السماء.
أما كثرة
الحنطة فتكشف
عن شبع النفس
بعريسها الخبز
النازل من
السماء. وكثرة
الخمر يشير
إلى فيض الفرح
الروحي
الداخلي.
أخيرًا
التمتع
بالسيادة
إنما يشير إلى
حالة الإنسان
الروحي كملك
صاحب سلطان
وسيد يقول
لهذا الفكر أن
يأتي فيأتي وأن
يذهب فيذهب، له
سلطان بالرب
على أفكاره
كما على حواسه
وكل أعماقه!
ربما
يتساءل البعض:
وما ذنب عيسو
ليُحرم من
بركة اختلسها
أخوه بتدبير
أمهما رفقة؟
ألم يصرخ صرخة
عظيمة ومرّة
جدًا عندما
سمع من أبيه
أن أخاه اختلس
البركة
طالبًا أن
يباركه هو
أيضًا؟!
يُجاب
على ذلك بأن
عيسو كان
متهاونًا
فيما بين يديه
- البكورية -
ففقد بغير
إرادته
البركة. هذا
وأن تصرفاته
بوجه عام هي التي
حرمته من نوال
البركة.
إن
صرخة عيسو
العظيمة
والمرة جدًا
تعنى أنه طلب
البركة بدموع
كما قال
الرسول (عب 12: 17)
لكنه لم يطلبها
بمفهومها
الروحي، بل طلبها
لأجل البركات
الزمنية، والدليل
على ذلك أنه
سأله أن ينال
هو أيضًا بركة، قائلاً:
"أما أبقيت لي بركة
؟!" [36]. هي
بركة واحدة
خلالها ينعم
بأن يأتي من
نسله السيد
المسيح، فكيف يمكن
أن تكون
لآخين؟!
إن كان
عيسو قد حقد
على أخيه
لكننا لا ننكر
شهامته، فقد رفض أن
يقتل أخاه من
اجل كرامة
شيخوخة أبيه...
متوقعًا سرعة
موت أبيه ولم
يعلم أن أباه
يعيش بعد ذلك
سنوات طويلة.
ربما
خشيت رفقة أن
تفاتح إسحق في
أمر حقد عيسو
على يعقوب
فسألته أن
يطلب من يعقوب
أن يذهب إلى
حاران يتزوج
من هناك ولا
يتخذ له زوجة
من بنات حث
كما فعل عيسو
أخوه... وبهذا
وجدت المنفذ لأبنها
لينال البركة
من أبيه قبل
هروبه من وجه
أخيه.
أخيرًا
حُرمت رفقة من
ابنها يعقوب
كثمرها
لتخطيطها
البشرى
وخداعها
لرجلها. وإن
كان القديس
أمبروسيوس
يرى في تصرف
رفقة الأخير
الحكمة، فقد
تغلبت مشاعر
الأمومة
الطبيعية حتى
تصرف الغضب عن
ابنها عيسو
ولا تفقده هو
ويعقوب أخاه، إذ
يقول: [أرادت
والدته أن
يعيش غريبًا
حتى يصرف غضب
أخيه.
المشورات
الصالحة تعلو
على المشاعر
الطبيعية[369]].
[364] City of God 16: 37.
[365] Ibid.
[366] Adv. hear. 33: 3.
[367] City of God 16: 37.
[368] Ser. 10.
[369] Duties of the Clergy 1: 24.