الأصحاح
الرابع
بعدما
التقى موسى
بالله خلال
العُلِّيقة
الملتهبة
نارًا كان
لابد لموسى
النبي أن يترك
مديان ليلتقي
بهرون أخيه
وبشعبه في
مصر:
1.
معجزات ثلاث
لشعبه
[1-9].
2.
أنا ثقيل الفم
واللسان
[10-13].
3.
هرون كسند
لموسى
[14-17].
4.
ترك مديان
[18-23].
5.
ختان ابن
موسى
[24-26].
6.
بدء العمل
[27-31].
كما
ظهر الله
لموسى خلال
العُلِّيقة
المُتَّقدة
نارًا يعلن له
سرّ الخلاص
خلال التجسد الإلهي
والميلاد
البتولي
والألم، كان
لابد أن يمنح
موسى إمكانية
تقديم بعض
المعجزات
التي تحمل
ظلاً لهذا
السرّ أي
الخلاص، خلال
التجسد
الإلهي
والصليب. لقد
وهبه ثلاث
معجزات
يمارسها أمام
شعبه، ليس لمجرد
إظهار قوة
فائقة
للطبيعة،
وإنما تعلن عمل
الله الفائق
نحو الإنسان.
هذه المعجزات
هي: تحويل
العصا إلى
حية، وجعل يده
اليمنى برصاء،
تحويل الماء
إلى دم.
سأل
الله موسى: ما
هذه التي في
يدك؟ فقال:
"عصا" [2].
ألم
يعلم الله ما
بيد موسى،
فلماذا سأله
هكذا؟... يجيب القدِّيس
يوحنا الذهبي
الفم قائلاً: [حتى
عندما يراها
حية لا ينسى
أنها هي التي
كانت عصا،
متذكرًا
كلماته هو
عنها فيتحير
بسبب هذا
الحدث[86]]. هذه هي
طريقة الله في
تعامله معنا
كأن يسأل عن
لعازر قائلاً:
"أين
وضعتموه؟" (يو
11: 34)، حتى متى أقامه
يشهد اليهود
أنفسهم أنه
أقامه من
القبر.
لقد
أمر الرب موسى
أن يُلقي
عصاه، التي
دُعيت فيما
بعد عصا الله [20]
على الأرض،
فتصير حية تبتلع
كل حيات
المصريين.
الله الكلمة
هو عصا الله
وقوته الذي
نزل على الأرض
من أجلنا،
"هذا الذي لم
يعرف خطية صار
خطية لأجلنا"
(2 كو 5: 21)، لكي يقتل
كل خطايانا؛
أي حملت
المعجزة
ظلالاً لسريّ
التجسد
والصليب.
يقول
القدِّيس
غريغوريوس
أسقف نيصص:
[ليت تحويل
العصا إلى حية
لا يقلق
محبِّي المسيح،
إن كنا نتقبل
التعليم
الخاص
بالتجسد خلال
حية غير
لائقة، فإن
الحق نفسه لم
يرفض هذه المقارنة،
إذ يقول: "وكما
رفع موسى
الحية في
البرية هكذا
يُرفع ابن
الإنسان" (تك 3: 14).
فالتعليم
واضح، لأنه إن
كان والد
الخطية دعاه
الكتاب
المقدس
"حية"، فالمولود
من الحية
بالتأكيد هو
حية، إذن
فالخطية هي
مرادف مشترك
مع الذي
يلدها. يشهد
النطق الرسولي
بأن الرب قد
صار خطية
لأجلنا، إذ
لبس (شبه)
طبيعتنا
الخاطئة (2 كو 5: 21).
ينطبق
هذا الرمز بحق
على الرب،
لأنه إن كانت
الخطية هي
حية، والرب
صار خطية، إذن
النتيجة المنطقية
واضحة للجميع.
بكونه صار
خطية صار أيضًا
حية، هذه التي
ليست إلاَّ
أنها خطية. من
أجلنا صار حية
لكي يلتهم
حيَّات
المصريين التي
أوجدها
السحرة
ويقتلها[87]].
أيضًا
يقول القدِّيس
أغسطينوس:
[إلى أي شيء
أغرت الحية
الإنسان؟ إلى
الموت (تك 3: 1).
لذلك فإن
الموت جاء عن
الحية... إذن
فالعصا التي
صارت حية هي
المسيح الذي
دخل إلى
الموت...[88]].
وتحدث
أيضًا القدِّيس
إيرينئوس[89] والقدِّيس
كيرلس
الإسكندري[90] عن هذه
العصا
المتحولة إلى
حية كرمز
للتجسد الإلهي،
والقدِّيس
يوستين[91] والقدِّيس
أمبروسيوس[92] كرمز
للصليب. أما العلامة
ترتليان[93] والقدِّيس
أمبروسيوس[94] أيضًا
فرأيا فيها
رمزًا للقيامة،
إذ يقول
الأخير هل
الذي جعل من
العصا حية
ألاَّ يقدر
بإرادته
الإلهية أن
يعيد العظام،
وتعود الحياة
للموتى مرة
أخرى؟!
ويعلق
القدِّيس
أغسطينوس
على خوف موسى
من العصا
المتحولة إلى
حية وهروبه
منها قائلاً:
[ما هذا أيها
الإخوة إلاَّ
ما نعرف أنه
حدث في الإنجيل؟!
فقد مات
المسيح فخاف
التلاميذ
وهربوا[95]]. كما قارن
القدِّيس
يوحنا الذهبي
الفم بين خوف
موسى هنا وخوف
التلاميذ
عندما رأوا السيِّد
ماشيًا على
البحر (مت 14: 25-26)،
فالإنسان يخاف
ويرتعب عندما
يدرك قوة
العمل الإلهي[96].
العصا
تُشير أيضًا
إلى الإيمان،
إذ يقول القدِّيس
غريغوريوس أسقف
نيصص: [بهذه
العصا - كلمة
الإيمان -
التي في يده،
تغلَّب على
حيَّات
المصريين[97]]. إيماننا
بكلمة الله
المتجسد
المصلوب، وإن
كان في نظر
اليونانيين
جهالة وعند
اليهود عثرة،
لكنه ابتلع
حكمة العالم
وفلسفاته
البشرية،
مقدمًا شفاءً
حقيقيًا
لجراحات
الإنسان. وكما
يقول
القدِّيس
بولس الرسول:
"لأنه إذ كان
العالم في
حكمة الله لم
يعرف الله
بالحكمة،
استحسن الله
أن يخلِّص
المؤمنين بجهالة
الكرازة... لأن
جهالة الله
أحكم من
الناس، وضعف
الله أقوى من
الناس" (1 كو 1: 21، 25).
ويتحدث
القدِّيس
أمبروسيوس
عن قوة
الإيمان
الشافي خلال
هذه الحية
قائلاً: [هذا
يعني أن
الكلمة صار
جسدًا ليُبيد
سمّ الحيات
القاتلة،
لغفران
الخطايا. لأن
العصا تُمثل
الكلمة. هذا
حق، أنه عصا
ملوكي صاحب
سلطان ومجيد
في حكمة. صارت
العصا حية،
لأن ابن الله
المولود من
الآب صار ابن
الإنسان
مولودًا من
امرأة، ورُفع
كالحية على
الصليب، وسكب
الدواء
الشافي
لجراحات الإنسان،
كقول الرب
نفسه: "وكما
رفع موسى
الحية في البرية
هكذا يرفع ابن
الإنسان" (يو 3: 14)[98]].
أخيرًا،
فإن عودة
الحية إلى عصا
مرة أخرى إنما
تُشير إلى
السيِّد
المسيح
الصاعد إلى
السموات، إلى
أمجاده بعدما
مزق الصك الذي
كان علينا،
ليُقيمنا معه
ويجلسنا معه
في السمويات، شركاء
معه في المجد،
نستقر في حضن
أبيه ببره.
يقول
القدِّيس
أمبروسيوس[99] إن يد الله
الآب اليمنى
أو يمين الآب
إنما هو الابن
الجالس عن
يمينه، أي قوة
الآب، هذا الذي
في حضنه. لقد
نزل إلينا
حاملاً
خطايانا (البرص
يشير إلى
الخطية)
ليغسلنا
ويُقدسنا، ثم
يعود بنا إلى
حضن أبيه
أصحاء بلا
خطية. وكأن
هذه الآية
إنما تؤكد
الآية
السابقة.
يرى
القدِّيس
جيروم في هذا
المعجزة
إعلانًا عن
موت السيِّد
المسيح
بالجسد إذ
صارت يده
بيضاء،
وقيامته إذ
عادت يده إلى
ما كانت عليه[100].
ويرى
القدِّيس
أغسطينوس في
قول المرتل:
"لماذا ترُد
يدك ويمينك؟
إخرجها من وسط
حضنك. إفنِ،
والله ملكي
منذ القدم فاعل
الخلاص في وسط
الأرض" (مز 74)،
يرى إنها صرخات
موجهة لله
الآب حيث يطلب
أن يرسل ابنه
الوحيد
"يمينه" الذي
في وسط حضنه،
ليفنِ الشر
مقدمًا
الخلاص في وسط
كل الأمم.
يقول
القدِّيس:
[لقد أُصيب
اليهود
بالعمى فلم
يعرفوا
السيِّد
المسيح كمخلص
حتى يكمِّل
خلاص الأمم[101]].
جاءت
هذه المعجزة
لتثبيت
المعجزتين
السابقتين، فإنه
لا خلاص لنا
إلاَّ خلال دم
السيِّد المسيح،
الذي يقدس
مياه قلبنا
الباردة.
اعتذر
موسى النبي عن
الخدمة
قائلاً:
"استمع أيها
السيِّد. لست
أنا صاحب كلام
منذ أمس ولا أول
من أمس ولا من
حين كلمت عبدك،
بل أنا ثقيل
الفم واللسان.
فقال له الرب:
"من صنع
للإنسان فمًا
أو من يصنع
أخرس أو أصم أو
بصيرًا أو
أعمى، أما هو
أنا الرب؟!
فالآن اذهب
وأنا أكون مع
فمك وأعلمك ما
تتكلم به" [10-13].
متى
شعر موسى أنه
ثقيل الفم
واللسان؟ حين
كان في القصر
ابنًا
للأميرة ابنة فرعون،
يتدرب بكل
حكمة
المصريين كان
يشعر أنه قادر
على الكلام،
أما الآن إذ
صار في حضرة الرب
نفسه شعر أنه
ثقيل الفم
واللسان! وكما
يقول العلامة
أوريجانوس:
[أثناء إقامته
في مصر عندما
تعلم بكل حكمة
المصريين (أع 7: 22)
لم يكن موسى
ثقيل الفم
واللسان، إذ
كان يستخدم
البلاغة حين
يتحدث عن
نفسه. كان في
عيني المصريين
الصوت
المجلجل
وصاحب
البلاغة التي
لا تُقارن.
غير أنه إذ
سمع صوت الله
والوصايا
الإلهية شعر
أنه أخرس،
وذلك حينما
بدأ يدرك
الكلمة
الحقيقي الذي
كان عند الله
في البدء (يو 1:1).
لتسهيل ذلك
استخدم
التشبيه
التالي: أمام
الحيوانات
غير العاقلة
يبدو الإنسان
عاقلاً حتى
وإن كان غير
مثقف وغير
متعلم فيظهر
أنه بليغ،
لأنه ليس
للحيوانات
صوت ولا عقل.
لكنه إذا قورن
بعلماء
وأصحاب بلاغة
يتكلمون بكل أنواع
الكلام فيظهر
عقيمًا وأخرس.
هكذا حينما تتأمل
كلمة الله
ذاته وترفع
عينيك نحو
الحكمة
الإلهية
ذاتها، فإنه
مهما كان عملك
وحكمتك
فستعترف أمام
الله أنك
كالحيوان
الأخرس، بل
وأكثر منه.
هذا هو الشعور
الذي انتاب
داود الطوباوي
نفسه حين قارن
نفسه في ميدان
الحكمة الإلهية
فتال "أنا
بليد ولا
أعرف، صرت
كبهيم عندك"
(مز 22: 27). هذا ما
قصده موسى
أعظم الأنبياء
بقوله "أنا
ثقيل الفم
واللسان" لا أقدر
على الكلام.
بالمقارنة مع
الله الكلمة
يصير الناس
جميعًا ليس
فقط بلا بلاغة
بل وخرس[102]].
بالوقوف
أمام الله
أكتشف موسى
النبي ثقل فمه
ولسانه،
انسحق في
داخله
معتذرًا عن
الخدمة فتأهل
بالأكثر لكي
يملأ الله فمه
ليخدم. وقد
تحدث الآباء
كثيرًا عن
اتضاع موسى.
يقول
القديس
إكليمنضس
الروماني:
[دُعيَ موسى
أمينًا في كل
بيت الله (عد 12: 7؛
عب 3: 2)... مع أنه
نال كرامة
عظيمة هكذا
لكنه لم
يستخدم أسلوب
العظمة،
وإنما حين سمع
القول الإلهي
من العُلِّيقة
قال: "من أنا
حتى أذهب؟ أنا
ثقيل الفم واللسان"
(خر 3: 11، 4: 10)، كما
يقول: "أنا ليس
إلاَّ دخان زق"[103]].
كما
يقول القديس
غريغوريوس
النزينزي:
[جيد لك أن
تتراجع عن
الله إلي حين
(في دعوته لك للخدمة)
كما فعل
قديمًا موسى
العظيم (خر 4: 10)،
وإرميا (إر 1: 6)،
بعد ذلك تجري
في الحال إليه
كما فعل هرون
(خر 4: 27)، وإشعياء
(إش 1: 6)، لكنه
يلزمنا أن
ننفذ الأمرين
بروح الخضوع،
ننفذ الأمر
الأول بشعور
الحاجة إلي
القوة، وننفذ
الأمر الثاني
بسبب قدرة ذاك
الذي دعانا[104]...].
يقول
أيضًا: [هرون
كان مشتاقًا
(للخدمة) أما
موسى فقاوم.
إشعياء خضع
للحال أما
إرميا فكان خائفًا
بسبب صغر سنه
ولم يجسر أن
يتنبأ، حتى
يتقبل من الله
وعدًا وقوة
تفوق سنه[105]].
ويقول
أيضًا العلامة
أوريجانوس:
[إذ بلغ (موسى)
عمق الفهم
الذي هو
"معرفته لنفسه"...
كافأته
النعمة
بمواهب عظيمة
كهذه: "أنا أكون
معك وأعلمك ما
تتكلم به" [22].
طوبى للذين
يفتح الله
أفواههم
ليتكلموا! إنه
يفتح أفواه
الأنبياء
ويملأها من
بلاغته كما
قيل هنا... وكما
قال الله بفم
داود: "إفغر
فاك وأنا
أملأه" (مز 81: 11)،
وبنفس المعنى
يقول القديس
بولس الرسول:
"إنه يعطي لي
كلامًا عند افتتاح
فمي" (أف 6: 9). إذن
الله هو الذي
يفتح فم الذين
ينطقون
بالكلمات
الإلهية[106]].
لم
ينفتح فم موسى
وحده ليتكلم
الله فيه، وإنما
أيضًا انفتح
فم أخيه هرون،
هذا الذي التقى
مع موسى عند
جبل الله [27].
وكأن كل من
يريد أن ينفتح
فمه ويتمتع
بكلمات الرب
والمعرفة
الإلهية
يلزمه أن
يلتقي بموسى
(الناموس)
روحيًا عل جبل
الله أي داخل
الكنيسة
المقدسة
الإلهية. في
هذا يقول العلامة
أوريجانوس:
[صعد بطرس
ويعقوب
ويوحنا على
جبل الله
ليتأهلوا لرؤية
يسوع متجليًا
ومعه موسى
وإيليا في
المجد. وأنت
أيضًا إن كنت
لا تصعد على
جبل الله وتتقابل
مع موسى، أي
إن كنت لا
ترتفع إلي
الفهم الروحي
للناموس، إن
كنت لا تبلغ
قمة الإدراك الروحي
فلن يفتح الرب
فمك. أما إن
توقفت عند
المعنى
الحرفي
البغيض،
وتختلط
بالسرد التاريخي
لتفاصيل
الأحداث
اليهودية
فإنك لن تلحق
بموسى علي جبل
الله، ولا
يفتح الله فاك
ولا يعلمك ما
تقوله[107]].
الله
لا يفتح فقط
أفواهنا
ليملأها
بكلماته
وإنما يفتح
أيضًا عيوننا
لتستنير
بالروح القدس
وترى الأمجاد
الإلهية،
ويفتح الآذان
لتسمع صوته
الإلهي بغير
عناد، ويفتح
حواسنا
وطاقاتنا
الداخلية لكي
تُبتلع
بالكامل في
الإلهيات. يقول
العلامة
أوريجانوس:
[كما يفتح
الله أفواه
القديسين
كذلك يفتح
آذانهم
ليسمعوا
الكلمات الإلهية.
يشهد بذلك
إشعياء النبي
القائل: "السيِّد
الرب فتح لي
أذنًا وأنا لم
أعاند" (إش 50: 5)...
كذلك يفتح
الرب الأعين
كما فتح عيني
هاجر لتبصر بئر
المياه
الحية، وكما
قال إليشع
النبي: "يا رب
افتح عينيه
فيبصر، ففتح
الرب عينيّ
الغلام
فابصر، وإذا
الجبل مملوء
خيلاً
ومركبات نار
حول إليشع" (2
مل 6: 15)... إذن يفتح
الله الفم
والأذنين
والعينين حتى
نتكلم ونسمع
ونبصر الأمور
الإلهية[108]].
وكما
يفتح أولاد
الله حواسهم
وأعماقهم
ليتقبلوا عمل
الله فيهم،
هكذا يفتح
أيضًا أولاد
إبليس حواسهم
وأعماقهم
لأبيهم
ليتقبلوا
عمله فيه ولحسابه.
يقول العلامة
أوريجانوس:
[أُنظر، ماذا
كُتب عن
يهوذا؟ "دخله
شيطان" (لو 22: 4).
لقد فتح فمه
ليتكلم مع
رؤساء الكهنة
وقواد الجند
كيف يسلمه
إليهم بعدما
أخذ الفضة[109]].
ربما
يتساءل أحد:
من الذي يفتح
فمنا؟ هل نحن
نفتحه والله
يملأه، أم هو
الذي يفتحه
وهو الذي يملأه؟
في رد القديس
أغسطينوس
علي رسالتين
للبيلاجيين
يقول: [مع أننا
بدون معونته
لا نقدر أن نفعل
شيئًا، فلا
نقدر أن نفتح
أفواهنا،
لكننا نفتحها
بمعونته مع
قيامنا بدور
من جانبنا، لكن
الله هو الذي
يملأه دون أن
يكون لنا دور
في ذلك[110]].
بالرغم
من كل تأكيدات
الله لموسى
أنه هو الذي
يعمل فيه، وهو
ملتزم بإنجاح
طريقه، لكن
موسى عاد
ليقول: "استمع
أيها السيِّد.
إرسل بيد من
ترسل". حقًا ما
أتعب القلب
البشري حين
يتعب! لقد حمي
غضب الله [14]،
فخسر موسى
إنفراده
بالرسالة،
وقدم له الله
شريكًا، حقًا
إن الشركة في
الخدمة جميلة
ومبهجة فقد
أرسل الرب
تلاميذه
إثنين إثنين،
لكن ما حدث مع
موسى كان ثمرة
ضعفه وإصراره
على الهروب من
المسئولية.
على
أي الأحوال،
حوَّل الله
حتى هذا الضعف
للخير، إذ صار
هرون سندًا
لموسى،
ورمزًا للملاك
الحارس. فكما
كان لموسى
ملاك شرير
(فرعون الذي
يمثل إبليس)
يقاومه، كان
له أيضًا
الملاك الحارس
كأخ له، هرون
الذي صار
كاهنًا يشفع
في الشعب
ويسند موسى في
خدمته. وكما
يقول القديس
غريغوريوس
أسقف نيصص:
[هناك تعليم
يستمد قوته من
تقليد الآباء
القائل بأن
الله لم يهمل
طبيعتنا بعد
سقوطها في الخطية
بل سندها
بعنايته. فمن
ناحية أقام
ملاكًا يحمل
طبيعة غير
فاسدة يسند حياة
الإنسان، ومن
الناحية
الأخرى أقام
أيضًا المفسد
الذي هو شيطان
شرير وقاتل
يُقاوم طبيعة
الإنسان. هكذا
يجد الإنسان
نفسه بين هذين
الاثنين
اللذين
يحملان غرضين
متناقضين ففي مقدوره
أن يغلِّب
أحدهما علي
الآخر. الملاك
الصالح
بتعقله يكشف
عن فوائد
الفضيلة
ليملأ بالرجاء
السالكين
باستقامة،
أما خصمه
فيبرز الملذات
الملموسة
التي لا تعطي
رجاءً في
الخيرات
العتيدة... فإن
انسحب إنسان
من الذين
يغرونه نحو
الشر،
مستخدمًا
عقله ومرتدًا
نحو الحياة
الفضلى
معطيًا للشر
ظهره،
ومنطلقًا نحو
الرجاء في
الخيرات كمن
ينظر في مرآة،
مثل هذا تنطبع
على نفسه
النقية صور
وانطباعات
الفضيلة التي
يعلنها الله
له. مثل هذا
يقدم له أخوه
(هرون) عونًا
ويرافقه، لأن
الملاك الذي
بطريقه ما هو
إلاَّ أخ
للنفس
العاقلة
المتزنة يظهر
له ويقف معه
عندما يقترب
من فرعون[111]].
هرون
أيضًا يُشير
إلى العمل
الكهنوتي
التعبُدي،
التصاقه
بموسى إنما
يرمز إلى
التحام
الوصية بالعبادة
للعمل بروح
الرب من أجل
خلاص العالم.
فالكرازة
تقوم على
إعلان الوصية
أو الكلمة
الإلهية بروح
العبادة
التقوية.
إذ
أمر الله موسى
أن يرجع إلى
مصر ليُخرج
الشعب قال له:
"أنظر جميع
العجائب التي
جعلتها في يدك،
واصنعها قدام
فرعون. ولكنني
أُشدد قلبه
حتى لا يطلق
الشعب" [21]. هكذا
سبق فأعلن
الله له الإمكانيات
التي وهبه
إيَّاها
وأيضًا
بالتجارب التي
تُحيط به حتى
لا يخور في
طريق الجهاد.
هذا ما فعله
السيِّد
المسيح معنا،
أكد لنا "ثقوا
أنا قد غلبت
العالم" (يو 16: 33)،
وفي نفس الوقت
قال: "ها أنا
أرسلكم
كحملان في وسط
ذئاب" (مت 10: 16).
هل
يُشدد الله
القلب؟ يظهر
من قول الكتاب
(8: 32) أن فرعرن
يُقسي قلبه
بكمال حرية
إرادته، أما
هنا فيقول
الرب أنه
يُقسي قلب
فرعون، بهذا
نعرف أن الله
بحكمه العادل
يترك فرعون
لينفذ إرادته
الحرة التي هي
قساوة القلب
ولا يمنعه حتى
يتمجد فيه،
وحسب كلمات
الرسول
"أسلمه الله
إلى شهوات قلبه
وإلى ذهنه
المرفوض"
(راجع رو 1: 24، 28).
يبدو
أن زوجة موسى
الغريبة
الجنس،
صفُّورة ابنة
يثرون، خافت
علي ابنها من
الختان، وقد
خضع موسى
النبي
لرأيها... هكذا
حتى العمالقة
في حياتهم
الروحية
يتعرضون لضعفات
قد تدفع بهم
إلى هلاكهم
تمامًا.
كان
لزامًا علي
موسى أن ينطلق
بزوجته من
مديان ليعمل
في كرم الرب،
وكان لزامًا
عليه أن يختن
الابن ثمرة
اتحاده بهذه
الزوجة. هذه
صورة حيّة
للكنيسة التي
لم تحتقر
الزوجة غريبة
الجنس، فلم
تقف في عداوة
مع الفلسفات،
لكنها احتضنتها
والتزمت أن
تنطلق بها من
بيت أبيها
وتختتن ثمرة
إتحادها
معها، فتُنزع
عنها نقائصها وتطرد
ما فيها من
أخطاء حتى لا
يهلك
المؤمنون. في
هذا يقول القديس
غريغوريوس
أسقف نيصص: [المرأة
الغريبة
تتبعه، إذ
هناك بعض
الأمور في
التعليم
الزمني لا
نحتقرها، إذ
تهدف إلى إنجاب
الفضيلة. حقًا
قد تصير
الفلسفة
الأخلاقية
والطبيعية في
وقت ما رفيقًا
وصديقًا
وملازمًا
للحياة
العلوية بشرط
ألاَّ يدخل
ثمرة الاتحاد
معها شيء دنس
غريب[112]]. كما يقول:
[إذ كان ابنه
لم يُختتن
بعد، أي لم يُنزع
عنه بالكامل
كل ما هو ضار
ودنس أرعبهما
الملاك الذي
التقى بهما،
لكن زوجته
هدأت الملاك
بتقديم ابنها
طاهرًا، إذ
نزعت عنه
العلامة الخاصة
بالغرباء
(الغرلة)
تمامًا[113]].
وقد
أخذ القديس
غريغوريوس
هذا الفكر عن العلامة
أوريجانوس
السكندري
الذي رأى في
الزواج
بالغريبات
رمزًا
لاستخدام
الفلسفة[114].
التقى
موسى وهرون أي
الوصية
الإلهية مع
العبادة الورعة
الكهنوتية،
وتلاقيا مع
جميع الشيوخ،
الذين خضعوا
لعمل الله
وكلماته، أما
الشعب فإذ
سمعوا "خروا
وسجدوا" [27].
إنها صورة حية
لخضوع كل
طاقات النفس
والجسد للعمل
الإلهي خلال
قبول كلمة
الله
والعبادة.
حقًا
ما أحوجنا أن
نعمل في
القلب، كرّم
الله المقدس،
خلال كلمة الله
وبروح تعبدي
ليُصير القلب
كله مقدسًا للرب،
خاضعًا له!
[86]
St. John Chrys.: In
Matt., hom 31.
[87] Vita Mos. 2: 31-33.
[88] On Ps. 74.
[89] Adu. Haer 3: 28.
[90] Glaph in Ex. 2: 299.
[91] Dial. 86.
[92] Duties of Clergy 3: 15.
[93] De Res. Mort. 28.
[94] On belief in the Resurrection.
[95] On Ps. 74.
[96] In Matt. Hom 28.
[97] Vita Mos. 2: 36.
[98] Duties of the Clergy 3: 15
[99] Ibid.
[100] To Pammachius against John of Jerusalem 33.
[101] On Ps 74.
[102] Origen: In Exod. Hom 3: 1.
[103] Clem. 17.
[104] Greg. Naz.: Orat. 1: 1.
[105] Orat. 2: 114.
[106] Ibid 3: 2.
[107] Ibid 3: 2.
[108] Ibid 3: 2.
[109] Ibid 3: 2
[110] Against two letters of the Pelagians, ch 20.
[111] Vita Mos. 2: 45. 46.
[112] Vita Mos. 2: 37.
[113] Ibid 2: 38.
[114] In Gen., hom 11: 2.