شمل
هذا الأصحاح
الحديث عن:
1.
تقديس البكر
[1-16].
2.
تيَهان الشعب
[17-18].
3. عظام
يوسف
[19].
4.
النزول في
إيثام
[20-22].
أول
وصية أمر الله
بها موسى بعد
الخروج مباشرة
هي: "قدِّس
ليّ كل بكر،
كل فاتح رحم
من بني إسرائيل
من الناس ومن
البهائم إنه
ليّ" [2].
إنها
ليست أمرًا أو
وصية بقدر ما
هي عطية ووعد،
فبخروج الشعب
من دائرة
العبودية
والانطلاق
نحو أورشليم
العليا يدخل
المؤمن في
دائرة ملكية
الله، ويصير
عضوًا حيًا في
هذا الملكوت
الإلهي، إذ
يقول: "إنه
ليّ".
أ.
المسيح بكرنا: طلب
الله البكر من
الإنسان
والحيوان،
وفيما بعد
يطلب أيضًا
أبكار الحصاد
والكروم
والزيت،
واهتم الرب
بهذا الأمر في
أسفار الخروج
(13) واللاويين (23:
10-14، 27: 26-29)، والعدد (15:
19-21؛ 18: 13-20؛ 19: 23)، بتقديم
البكر للرب
يتقدس الكل،
وبهذا يُحسب أن
الكل قد قدم
للرب. كان هذا
رمزًا
للسيِّد المسيح
بكرنا، وبكر
كل الخليقة
ورأسها (كو 1: 15،
18؛ رو 8: 29). تقدم
نيابة عنا نحن
إخوته
الأصاغر
مقدمًا حياته
للآب ذبيحة
طاعة وحب بلا
عيب، فاشتمه
أبوه الصالح
رائحة رضا وسرور،
فصارت
البشرية
المتحدة فيه
موضوع سرور الآب
ورضاه.
لتوضيح
ذلك نقول أن
الله الكلمة
صار واحدًا منا،
وإن كان قد
جاء حسب الجسد
بعد كثيرين
لكنه دُعي
"آدم الثاني"
وحُسب البكر
إذ فقد آدم
الأول
بكوريته
للبشرية بسبب
خطيته، كما
فقد عيسو
بكوريته
وتسلمها
يعقوب، وفقد
أيضًا رأوبين
بكوريته لأنه
دنَّس فراش
أبيه (تك 49: 1، 3؛
أي 5: 1). وكما حُسب
إسحق البكر
لأبيه يعقوب
وورث كل شيء
(تك 21: 10) مع أنه
وُلد بعد أخيه
إسماعيل. ليس
من يقدر أن ينال
البكورية
للبشرية في
وجود السيِّد
المسيح،
القدوس وحده
الذي بلا عيب،
تقدم كبكر ثمار
البشرية للآب
فقُبل فيه كل
المؤمنين به،
وتقدسوا فيه،
وسمع كل مؤمن
من الفم
الإلهي: "إنك ليّ"
[2].
يظهر
ذلك بوضوح في
بكور ثمار
الشجرة (لا 19: 23)
فإنها تبقى
غلفاء ثلاث
سنين أي غير
مقدسة
روحيًا، وفي
السنة
الرابعة يقدم
كل ثمرها
للرب، حينئذ
يقول الرب:
"أنا الرب إلهكم"
(لا 19: 25). ما هذه
الشجرة إلاَّ
البشرية التي
بقيت غلفاء
ثلاث سنوات في
الفردوس حين
سقط أبوانا
آدم وحواء،
والبشرية في
عهد الآباء في
ظل الناموس
الطبيعي،
والسنة الثالثة
في ظل الشريعة
الموسوية،
أما السنة
الرابعة التي
يتقبل فيها كل
ثمرها فهو في
عهد النعمة
حيث تقدم
السيِّد
المسيح ثمرًا
مقدسًا عنّا...
ويلاحظ
أن فكرة
البكورية
عرفها
الإنسان قبل الشريعة
الموسوية،
فالإنسان
يفرح بابنه البكر،
والفلاح يفرح
ببكور حصاده...
لذا كما قدم
لنا الله ابنه
البكر الوحيد
فدية عنا طالبنا
رد الحب
بالحب، فنقدم
له بكور
أولادنا لخدمته
بل وبكور
حيواناتنا
وحصادنا، فهو
يريد من أثمن
ما لدينا وليس
من فضلاتنا.
ب.
كنيسة
الأبكار: في
القديم طالب
بأبكار شعبه
الذكور
كعلامة عمله
الخلاصي معهم
إذ يقول:
"ويكون متى
سألك ابنك
غدًا قائلاً:
ما هذا؟ تقول
له: بيد قوية
أخرجنا الله
من مصر من بيت
العبودية. وكان
لما تقسَّى
فرعون عن
إطلاقنا أن
الرب قتل كل
بكر في أرض
مصر من بكر
الناس إلى بكر
البهائم. لذلك
أنا أذبح للرب
الذكور من كل
فاتح رحم،
وأفدي كل بكر
من أولادي،
فيكون علامة
على يدك
وعصابة بين
عينيك، لأنه
بيد قوية أخرجنا
الرب من مصر"
[14-16].
تقديم
البكور هي
العلامة التي
على اليد أي
العلامة
العملية،
وبين العينين
أي الملامة التي
لا تنسى،
خلالها
يذكرون أعمال
الله الخلاصية،
أنه قتل
الأبكار بسبب
شر فرعون
ليقيمهم "الابن
البكر لله" (خر
4: 22، إر 31: 9). لقد
أقام الله
شعبه كابن بكر
له، وإذ جاه
البكر
الحقيقي إلى
العالم
واتحدت الكنيسة
فيه صارت بحق
كنيسة أبكار،
كقول الكتاب
المقدس.
ج. نظام
البكورية: إن
كانت
البكورية قد
عرفت قبل
الشريعة
الموسوية،
فإن الأخيرة
جاءت لتنظمها
بصورة دقيقة تفصيلية،
حملت رموزًا
لكنيسة
الأبكار
السماوية،
وإننا إذ نترك
دراسة
البكورية
لمجال آخر إن
شاء الرب
وعشنا، أود أن
أضع بعض
النقاط الهامة
في تنظيم
الشريعة
للبكورية:
أولاً:
البكر له نصيب
اثنين في
الميراث (تث 21:
17)، إشارة إلى
فيض نعم الله
علينا في
الميراث
الأبدي.
ثانيًا:
يُحسب الذكر
المولود
أولاً هو
البكر، حتى وإن
كانت والدته
ليست محبوبة
لدى زوجها (تث 21:
15-17). ولعل
الزوجتين
(المحبوبة
وغير
المحبوبة)
تشيران إلى
اليهود
وجماعة الأمم
الوثنيين،
فالمؤمن
يُحسب بكر في
كنيسة
الأبكار دون
تمييز إن كان
من أصل يهودي
أو أممي.
ثالثًا:
غالبًا ما
يتبوأ البكر
من أولاد
الملوك العرش
(2 مل 21: 3)، ونحن
أيضًا كأولاد
ملك الملوك
نُحسب فيه
ملوكًا.
رابعًا:
يُقدم البكر
لخدمة الرب
(خر 13: 12، 34: 19)،
علامة تقديم
كل العائلة
وتكريسها
للرب. لكنه
أُستعيد باللاويين
عوض الأبكار،
الأمر الذي
نعود لدراسته
في سفر
اللاويين إن
شاء الرب.
خامسًا:
تكريس حتى
بكور
الحيوانات
لخدمة الرب،
ولا يفك ولا
يستبدل إلاَّ
إذا كان من
الحيوانات النجسة
(خر 13: 13، لا 27: 27).
هكذا يرفض
الله بكور
الحيوانات
غير الطاهرة
وتُستبدل
بحيوان طاهر
وإلاَّ يُكسر
عنقها. هذا هو
حال الخاطئ
الذي لا يُفدى
إلاَّ خلال
السيِّد
المسيح القدوس،
وإلاَّ مات.
اندهش
الشعب إذ رأى
نفسه يسير في
طريق غير طريق
فلسطين، فإنه
إذ كان لم
يتدرب بعد على
الحرية، أراد
الله أن يتدرج
به في البرية
حتى يبلغ به
إلى أرض
الحرية "قال
لئلاَّ يندم
إذا رأوا
حربًا
ويرجعوا إلى مصر"
[17].
يقول
الكتاب: "وأخذ
موسى عظام
يوسف معه،
لأنه كان قد
استحلف بني
إسرائيل بحلف
قائلاً::إن الله
سيفتقدكم
فتصعدون
عظامي من هنا
معكم" [19].
كأن
يوسف أدرك
خلال الظلام
أن شعبه سيخرج
من أرض مصر
ويستريح في
أرض الموعد،
فكان طلبه
يحمل رمزًا لشوق
القيامة فيه،
إنه يود أن
يستريح جسده
أيضًا في
أورشليم
العليا،
حينما يحمل
الطبيعة الجديدة
اللائقة
بالسمويات.
ويعلق القدِّيس
أفراهات على
تصرف موسى
النبي قائلاً:
[كانت عظام
الرجل البار
أثمن وأفضل -
في عينيه - من
الذهب والفضة
التي أخذها
بنو إسرائيل
معهم من مصر
وأفسدوها. لقد
بقيت عظام
يوسف. أربعين
عامًا في
البرية
وعندما رقد
موسى أورثها
ليشوع بن نون...
هذا الذي
دفنها في أرض
الموعد ككنز![177]].
تحدثنا
قبلاً عن الرحيل
من رعمسيس إلى
سكوت، وقلنا
أنها خروج من
مثيرات
الخطية مع
شعور
بالغربة، أما
الآن فقد بلغوا
إيثام، التي
في رأي العلامة
أوريجينوس
تعني "علامة"
وهي المحطة
الثالثة، وفي
طرف البرية [20].
ليس ممكنًا
للمؤمن أن
يدخل البرية
بكل آلامها
وتجاربها ما
لم يبلغ
المحطة الثالثة،
أي يختبر
القيامة مع
السيِّد
المسيح،
فيعلن الرب
ذاته له،
يسنده نهارًا
وينير له ليلاً.
يقول العلامة
أوريجينوس:
[يلزمنا ألاَّ
نتوقف هنا (في
سكوت) بل نكمل
الطريق. يليق
بنا أن نرفع
الخيمة من
سكوت ونسرع إلى
إيثام.
ويمكننا
ترجمة إيثام
إلى "علامة"، وهو
اسم أُحسن
اختياره،
لأنك تسمع بعد
ذلك أن الله
كان يسير
أمامهم
نهارًا في
عمود سحاب
ليهديهم في
الطريق،
وليلاً في
عمود نار
لينير لهم.
هذه العلامة
لا نجدها في
رعمسيس ولا في
سكوت، وهما
المرحلتان
الأولى
والثانية من
الرحلة، وإنما
تأتي في
المرحلة
الثالثة حيث
تبدأ إعلانات
الله. تُذكِّر
ما كُتب قبلاً
أن موسى كان يقول
لفرعون: "نذهب
سفر ثلاثة
أيام في
البرية ونذبح
للرب إلهنا"
(خر 5: 3)... إذن لم
يكن يريد
فرعون أن يسمح
لبني إسرائيل
بالذهاب إلى
أماكن إعلانات
الله ما لم
يسمح لهم
بالتقدم
لينعموا بأسرار
اليوم الثالث.
إسمعوا ما يقوله
النبي: "الرب
يحيينا بعد
يومين، في
اليوم الثالث
يقيمنا فنحيا
أمامه" (هو 6: 2).
اليوم
الأول
بالنسبة لنا
يمثل آلام
المخلص.
واليوم
الثاني يمثل
نزوله إلى
الجحيم.
واليوم
الثالث يمثل
قيامته.
كان
الرب يسير
أمامهم
نهارًا في
عمود السحاب
ليهديهم في
الطريق،
وليلاً في
عمود نار
ليضيء لهم. إن
أخذنا بقول
الرسول أن هذه
الكلمات يقصد
بها
المعمودية (1
كو 6: 2)، فإنه
ينبغي على كل
من يعتمد
ليسوع المسيح
إنما يعتمد
لموته، ويدفن
معه
بالمعمودية
للموت (رو 6: 3)،
ويقوم معه في
اليوم الثالث.
يتحدث الرسول
عن مثل هذا
الإنسان
قائلاً: "إن
الله يقيمه
ويجلسه معه في
السمويات" (أف
2: 6).
إذن
عندما تقتني
سرّ اليوم
الثالث يقودك
الرب ويريك
بداية طريق
الخلاص[178]].
إن كان
الرسول يرى في
السحابة التي
ظللت الشعب
المعمودية (1
كو 6: 2)، التي
خلالها ننال
روح التبنِّي
بالروح القدس،
فإن القدِّيس
باسيليوس
الكبير يرى
فها "ظل نعمة
الروح القدس
الذي يُعطي
برودة للهيب
شهواتنا،
بإماتة
أعضائنا" (كو 3: 5)[179]]، بهذا
يكون عمود
النور ظلاً
للإستنارة
التي نلناها بالمعمودية
لنسير في طريق
الرب المخلص
خلال ظلمة هذه
الحياة.
[177] Aphrahat: Dem. 8, on the
Resurrection of the Dead.
[178] In Exod, hom 5: 2.
[179] St. Basil: On the Holy Spirit, ch 14.